سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
قصر النيل.. أول كوبرى فى مصر أنشأه الخديو إسماعيل وطوره الملك فؤاد واستضاف ثوار يناير فرحل مبارك!.. تكلفة بناء الكوبرى بلغت نحو مليونين و750 ألف فرنك أى ما يعادل 108 آلاف جنيه مصرى وهو رقم مهول فى ذلك الوقت
نقلا عن العدد اليومى : لنهر النيل ارتباط وثيق بالمصريين من قديم الزمان، ومازال يحتل مكانة عميقة فى قلوب العالم جميعًا، عشقه الخديو إسماعيل منذ قرن ونصف القرن، حلم على ضفافه بأن تكون مصر قطعة من أوروبا، فسرعان ما حقق حلمه، كان دؤوبًا على السفر لبلاد الغرب، يقطف أزهارًا ويقتبس أفكارًا، حتى أصبحت مصر جنة الأرض فى عصره، ففى عام 1869 نظر الخديو بعين الشفقة على المصريين الذين يعانون التنقل بين ضفتى النيل عن طريق المراكب الشراعية التى تقف بجوار بعضها، وتمتد عليها ألواح من الخشب كى يسير الناس عليها، حاملين أمتعتهم وأولادهم، وساحبين دوابهم، فكر أن يحمى أرواح المصريين من مخاطر الفيضان، فكثيرًا ما كان المواطنون يلقون حتفهم غرقًا، ففكر الخديو إسماعيل فى إنشاء جسر يربط بين ميدان التحرير ومنطقة الجزيرة، اقتداءً بمدن أوروبا التى تربط الجسور بين ضفافها. على الفور أصدر الخديو إسماعيل الأمر العالى لتنفيذ البناء، وتم إسناد المشروع لشركة فرنسية اسمها «فيف ليل»، بدأ المهندسون الفرنسيون فى إنشاء الكوبرى الذى استغرق ثلاث سنوات من العمل بإتقان، حتى افتتحه الخديو عام 1872، وسمى الجسر بكوبرى قصر النيل، نظرًا لأنه كان يوجد قصر كبير على النيل من جهة ميدان التحرير، يسمى قصر النيل أنشأه محمد على لابنته. المثير للدهشة أن تكلفة بناء الكوبرى بلغت نحو مليونين و750 ألف فرنك، أى ما يعادل 108 آلاف جنيه مصرى، وهو رقم مهول فى ذلك الوقت، أما طول الكوبرى فبلغ 406 أمتار، وعرضه 10 أمتار ونصف المتر، شاملة الأرصفة الجانبية التى بلغ عرضها مترين ونصف المتر، وقد فوجئ المصريون وقت تشييده بأربعة تماثيل مجسمة على شكل أسود تم تركيبها على أطراف الكوبرى من الجهتين، لكن فكرة الأسود ظهرت حين كلف الخديو إسماعيل ناظر الداخلية، شريف باشا، بالتنسيق مع كبير المثالين الفرنسيين جاكمار لعمل 4 تماثيل بهدف تزيين الكوبرى. على الفور أصدر جاكمار قرارًا بتكوين لجنة مشكلة من أمهر مثالى فرنسا، وكان يدعى أوجين جليوم، إضافة إلى أفضل مصور، جان ليون، ليتولى مهمة الإشراف على صناعة التماثيل، يذكر أن الكوبرى كان مكونًا من 8 أجزاء، منها جزء متحرك من ناحية ميدان التحرير طوله 64 مترًا يتم فتحه يدويًا لعبور المراكب والسفن، علاوة على جزأين نهائيين بطول 46 مترًا و5 أجزاء متوسطة بلغ طول كل منها 50 مترًا، تم تأسيس دعائم الكوبرى من الأحجار الصلبة، كما تم تنفيذ الأساسات بطريقة الهواء المضغوط، وصممت فتحات الكوبرى كى يمكنها حمل 40 طنًا. اللافت للانتباه أن الخديو أمر بتجربة الكوبرى قبل فتحه للجمهور، فكانت أول تجربة هى تمرير طوبجية مدفعية راكبة مكونة من 6 مدافع.. افتتح الكوبرى للمرور فى العاشر من فبراير عام 1872، وقد أهدت الشركة التى قامت بإنشاء الكوبرى الخديو إسماعيل «ماكيت» للكوبرى صنع من الذهب الخالص. العجيب أن الخديو أصدر مرسومًا يقضى بوضع حواجز على مدخلى الكوبرى لدفع رسوم للعبور، ونشرت تفاصيلها فى جريدة الوقائع المصرية بتاريخ 27 فبراير 1872، وكان الهدف من فرض تلك الرسوم، هو أن تستخدم لتغطية تكاليف الصيانة، وكان المرسوم ينص على دفع الرسوم الآتية: قرشان للجمل المحمل، وقرش واحد للجمل الفارغ، والخيول والبغال المحملة قرش و15 بارة، وكذلك الأبقار والجاموس «قيمة البارة تقدر بربع مليم»، وعربات الركوب قرشان للعربة المحملة، وقرش للفارغة، وعربات الكارو 3 قروش للمحملة، وقرش واحد للفارغة، والأغنام والماعز 10 بارات للرأس الواحدة، أما البشر فكانت رسوم العبور للرجال والنساء فارغين أو محملين 100 فضة، أما الإعفاء الوحيد فكان للأطفال دون سن السادسة. دارت الأيام ومر 61 عامًا على الكوبرى بحلوها ومرها، إلى أن فكر الملك فؤاد فى إحياء ذكرى والده الخديو إسماعيل، فأمر بوضع حجر أساس لتطوير الكوبرى فى فبراير 1931، وكانت المنافسة بين خمس شركات أجنبية لتطويره، واستقر الأمر على شركة «دورمان لونج» وشركاه المحدودة، وهى شركة إنجليزية شهيرة قامت ببناء جسر سيدنى فى نفس العام بشرط أن تضاعف عرض الكوبرى إلى عشرين مترًا. بلغت تكلفة المشروع نحو 308 آلاف جنيهًا مصريًا، وسرعان ما انتهت عمليات التطوير وعند تجديده تمت مراعاة الناحية الفنية والجمالية ليناسب أهمية موقعه، فأصبحت عند كل من مدخليه منارتان من حجر الجرانيت على رأس كل منها مصباح، وأمامها واحد من الأسود الأربعة التى كانت قائمة على مدخلى الكوبرى القديمة، وعند نهاية الكوبرى شرفتان جميلتان تطلان على شاطئ النيل. وهكذا افتتح الملك فؤاد الكوبرى بشكله الجديد فى السادس من يونيو عام 1933، ليطلق عليه اسم كوبرى الخديو إسماعيل تخليدًا لأبيه. على أية حال، صار الكوبرى أحد أهم شرايين القاهرة، إضافة إلى كونه شاهدًا على وقائع لا ينساها التاريخ، منها حادث تعرض له الملك فاروق بسيارته عندما اصطدم بسيارة لورى تابعة للجيش البريطانى، كما شهد الكوبرى حادث السيارة الشهير الذى تعرض له أحمد حسانين باشا، رئيس الديوان الملكى فى عهد فاروق الأول. ومن المشاهد التى مرت على تاريخ الكوبرى ولا تنسى جنازة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر فى سبتمبر 1970، عندما بثها التليفزيون المصرى وهى تعبر كوبرى قصر النيل طوال 15 دقيقة، وفى ثورة يناير شهد كوبرى قصر النيل مواجهات عنيفة بين المتظاهرين السلميين وقوات الأمن المركزى يوم 28 يناير، فيما عرف بجمعة الغضب التى لعبت الدور الأكبر فى إسقاط نظام مبارك. هذه بإيجاز رحلتنا مع أول كوبرى حديث تم تشييده فى مصر المحروسة.