السيد الرئيس .. السيدات والسادة .. أعبر عن تقديرى للصديق العزيز رئيس الوزراء سيلفيو برلسكونى وللمدير العام جاك ضيوف، وأتحدث إلى هذه القمة الهامة من موقع رئاسة مصر لحركة عدم الإنحياز بدولها التى تقترب من ثلثى أعضاء الأممالمتحدة وشعوبها الأكثر تعرضا لمخاطر الأوضاع الراهنة للأمن الغذائى. "إن هذه المخاطر تمثل تهديدا مباشرا لحياة الملايين من البشر، ولحق أساسى من حقوق الإنسان هو الحق فى الغذاء، تهدد هذه المخاطر الاستقرار الاجتماعى لشعوب الدول النامية، وتضع على كاهلها أعباء إضافية تحد من قدرتها على الوفاء بالهدف الأول من أهداف الألفية للتنمية، وهو تخفيض عدد الجوعى إلى النصف بحلول عام 2015."إن العالم لا يزال بعيدا عن تحقيق هذا الهدف، وتأتى قمتنا اليوم فى وقت يشهد أزمة حادة للاقتصاد العالمى تجاوز خلالها عدد من يعانون من الجوع وسوء التغذية المليار من البشر، أى ما يفوق سدس سكان العالم بزيادة قدرها مائة مليون إنسان عما كان عليه الحال العام الماضى. "تداخلت أزمة ركود الاقتصاد العالمى مع أزمة ارتفاع الأسعار العالمية للغذاء، لتؤديا معا إلى هذه الزيادة الضخمة والمؤسفة، وبرغم التراجع الطفيف فى الأسعار العالمية للسلع الغذائية فإن الأزمة الاقتصادية الراهنة أدت لانخفاض مستويات الدخل وفرص العمل، فتراجعت قدرة الفقراء على الحصول على حقهم الثابت فى الطعام. "لقد دعوت العام الماضى - ومن هذا المنبر - لشراكة عالمية تتعامل مع مسببات أزمة الغذاء وتداعياتها فى الأجل القصير والمتوسط والبعيد، دعوت لحوار دولى يؤسس لهذه الشراكة، يطرح حلولا يتفق عليها الجميع، ويلتزم بها الجميع، وعاودت الدعوة لذلك، خلال قمة لاكويلا لمجموعة الدول الثمانى الصناعية، بعد أيام قليلة من قمة شرم الشيخ لدول عدم الانحياز، فأين نحن الآن من ذلك ؟. السيدات والسادة .. "لقد حان الوقت لأن نتجاوز مرحلة الحوار إلى إجراءات جادة وملموسة .. تتعامل مع قضية الأمن الغذائى على أرض الواقع .. فأسباب أزمة الغذاء واضحة .. وسبل حلها معروفة .. ونحن بحاجة إلى برنامج عمل دولى يتعامل مع هذه القضية وفق منظور شامل .. وأوجز فيما يلى أهم معالمه : أولا : إن تحقيق الأمن الغذائى بالدول النامية لا يتم بمعزل عن مجمل جهودها من أجل التنمية الشاملة، وإنما يرتبط بأوضاع اقتصادها وبنيتها الأساسية .. وشبكات الطرق والنقل ومنافذ التوزيع وهياكل تجارتها الداخلية، كما يرتبط بجهودها لتحقيق التنمية البشرية، والسيطرة على زيادة السكانية وتطوير التعليم، ويقتضى كل ذلك دعما حقيقيا من الدول الغنية لدول العالم النامى، صحيح أن شركاء التنمية قد تعهدوا خلال قمة لاكويلا باتاحة 20 مليار دولار على مدار الأعوام الثلاثة القادمة .. تخصص لزيادة الإنتاجية الزراعية .. وصحيح أن هذا التعهد يمثل خطوة هامة على الطريق .. إلا أنه - وغيره من التعهدات-يظل فى حاجة عاجلة للتنفيذ على أرض الواقع..وعلى نحو يتضمن تمويلا إضافيا .. وليس مجرد إعادة تخصيص لموارد التمويل المتاحة بالفعل. ثانيا : لقد انخفض نصيب الزراعة من مساعدات التنمية الرسمية من (17%) عام 1980 إلى نحو (5%) فى الوقت الحالى، وهو ما يقتضى المراجعة من جانب الدول والمؤسسات المانحة، إن أكثر من (70%) من شعوب الدول النامية يعملون بقطاع الزراعة، وعلينا أن نعمل على تطوير هذا القطاع الحيوى باعتباره عنصرا أساسيا فى الجهود الدولية لتحقيق الأمن الغذائى . وأقول أمام هذه القمة .. إن دول العالم النامى تتطلع لدعم جهودها للتنمية الزراعية .. بالمزيد من الاستثمارات المباشرة والتكنولوجيا المتقدمة .. والمزيد من مساندة جهودها لزيادة الإنتاج الزراعى، ورفع الإنتاجية، وتحسين كفاءة استخدامات المياه وتطوير نظم الرى. ثالثا : إن مخاطر الأوضاع الراهنة للأمن الغذائى تزداد تفاقما بالانعكاسات السلبية لتغير المناخ، وما تنطوى عليه من ظواهر تآكل الشواطىء والفيضانات، والتصحر وجفاف الأراضى وغيرها، إننى وقبل أسابيع قليلة من انعقاد مؤتمر (كوبنهاجن ) أؤكد أن نجاح المؤتمر سيظل رهنا بنجاحه فى تعزيز قدرات الدول النامية على (التكيف) والتعامل مع تداعيات تغير المناخ، وعلى المؤتمر المقبل أن يولى هذه القضية ذات الاهتمام الذى توليه الدول المتقدمة لتخفيض الانبعاثات المسببة للاحتباس الحرارى، فالمطلوب هو صفقة عادلة ومتوازنة تحقق مصالح الجميع فى مرحلة مابعد عام 2012. رابعا : إن جهودنا للتعامل مع أزمة الغذاء لابد أن تتصدى للممارسات الراهنة للتجارة الدولية فى السلع الزراعية، وعلى رأسها السياسات الحمائية والدعم الزراعى بالدول المتقدمة، لقد ألحقت هذه الممارسات أفدح الضرر بقطاعات الزراعة فى الدول النامية، وإننى أدعو الدول المتقدمة لمواقف إيجابية تحقق التوافق فى (جولة الدوحة) للمفاوضات التجارية متعددة الأطراف، وسوف تواصل مصر جهودها لبناء هذا التوافق بصفتها منسق المجموعة الأفريقية بمنظمة التجارة العالمية. خامسا : ضرورة تفعيل الإجراءات قصيرة الأجل لمواجهة نقص الغذاء بما فى ذلك توفير التمويل الكافى للآليات الدولية القائمة، وتعزيز قدرتها على تقديم المساعدات الغذائية والإنسانية على نحو سريع وفعال، والوصول بها للفئات الأكثر احتياجا وتعرضا للتهميش .. وبخاصة النساء والأطفال، وأعاود الإشارة - فى هذا السياق - للوضع الإنسانى المتدهور فى قطاع (غزة) نتيجة لاستمرار الحصار الإسرائيلى. سادسا : الضرورة الموازية لمستوى أفضل من التنسيق بين البنك الدولى ومنظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الغذاء العالمى والصندوق الدولى للتنمية الزراعية وبرنامج الأممالمتحدة للتنمية وغير ذلك من الآليات الدولية القائمة، وفى هذا الصدد فإننى أعرب عن اقتناعنا بأن (لجنة الأمن الغذائى) فى شكلها الجديد أصبحت مؤهلة للقيام بدور رئيسى فى الشراكة العالمية التى نتطلع إليها بما تتيحه من إطار مؤسسى لمشاركة الحكومات والمنظمات الدولية والإقليمية جنبا إلى جنب مع القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية ومراكز البحث العلمى وفى التصدى لقضية الأمن الغذائى. السيدات والسادة.. "إننا برغم التفاعل الدولى مع أزمة الغذاء العالمى علينا أن نعترف بأن هذا التفاعل لم يصل بعد للمستوى اللازم والمطلوب . ونحن نشارك فى هذه القمة لنواصل إبقاء هذه القضية على الأجندة الدولية، ولنصل معا لرؤية مشتركة للتعامل معها فى أبعادها الاقتصادية والاجتماعية وصلتها بالتصدى للمضاربة بأقوات البشر..وتحقيق استقرار أسواق الغذاء.. نعمل معا من أجل عالم أكثر إنسانية وعدلا يضمن الطعام للجميع ويأبى- فى ألفيته الثالثة- أن يظل أكثر من مليار من أبنائه ضحايا للجوع ونقص الغذاء.