البعض منا لا يفهم غير ما يحب والبعض الآخر لا يحب أن يفهم مالا يعجبه، والبعض الآخر يستعصى عليه الفهم. مصر الآن بين كفى الرحى فإما إلى الصعود بإذن الله تعالى مع الصبر، وإما لا قدر الله تعالى نسير إلى مستنقع من الفرقة والانقسام يريده أعداء الوطن فى الخارج والداخل. وحتى نضع الأمر فى موضعه فلنفهم أولا أين تقف مصر وما هى الأزمات التى تمر بها وما هى المؤامرات التى تحاك لها خارجيًا وداخليًا, وما هى متطلبات الشعب ليسود الاستقرار وما هى مؤهلات النهوض من الكبوة قياسا بما لديها من إمكانيات وطاقات وثروات وقدرات. ولا يجب أن نهدر حقائق جلية واضحة أهمها.. التعداد الهائل المتزايد للسكان الذى يحتاج لزيادة رهيبة فى الخدمات والنفقات, ثقافة الشعب التى استقرت منذ سنين على سلوكيات وعادات تتنافى تمامًا مع التقدم والرقى القائم على حب الإنتاج والعمل والالتزام والجدية والنظام حتى نصل إلى مستوى الدول الناهضة حولنا الثقافة والفكر الموروث من حب الاعتماد على الغير واعتياد الدعم بلا مقابل وبلا تمييز بين من يستحق ومن لا يستحق واعتياد عدم احترام الآخر وانهيار القيم وانتشار سلوكيات فاسدة، أصبحت طباع غالبية شعب اعتادت على ذلك , بدءًا من سهولة الاعتداء على الحق العام وحقوق الوطن وانتهاء بعدم النظافة وعدم احترام الطريق. ليس الأمر مجرد كلمات وسفسطة لا طائل من ورائها الا الشعارات الزائفة دون حصاد, وليس الأمر حب سلطة وشهوة حكم وسلطان, وليس مجرد انتماء لفصيل وجماعة وحزب أقوى من الانتماء للوطن ذاته. إن استوعبنا الدرس وفهمناه كما يجب فليس القادم بأسوأ من الحاضر والماضى، لكننا نحن من يختار الطريق, واليوم ونحن أمام استحقاق رئاسى سيكتب تاريخًا لهذه الأمة علينا أن نسأل أنفسنا من تحتاجه مصر للمرحلة الحالية للخروج من عنق الزجاجة ومحاولة خنق وحصار أمة وليس مجرد من يحب أن يكون رئيسًا وهل يصلح لذات المرحلة ونفس المخاطر والمواجهات والأزمات. مخطئ من ظن أننا نعيش بمعزل عن العالم الخارجى الذى يقدم لنا مزيدًا من الأزمات دون أن يمنحنا طوق نجاة, بل أكثر من ذلك أنه يزيد عليك الخناق ليفرض عليك ما يريد وما يخطط وما يهدف له وما يتمنى لك أن تكون عليه من انقسام وتبعية وانكسار للإرادة والكرامة الوطنية بدعوى الالتزام الدولى والحقوق المدنية. إن أخطر ما نمر به هو أن نفهم العدو الحقيقى لنهضة وتقدم واستقرار هذا الوطن، وهل نستطيع حقًا أن نعيش بمعزل عن هذه الضغوطات والتحركات من حولنا من شد وجذب، لتكون خاضعًا مطيعًا أو أن تكون عميلا. يجب أن نفهم جيدًا أن العالم الخارجى لا يريدك قويًا ولن تكون بدون إرادة حرة وطنية مستقلة تعى معنى وقيمة الأمن القومى لوطن وتعى المصالح المتبادلة ولغة القوة بلا زيف أو طيش مهما كانت التحديات والمخاطر. ربما كانت زيارة وزيرى الدفاع والخارجية المصرى لروسيا قبل أيام نقطة فى بحر الخروج خاصة مع الدعم العسكرى المطلوب ومتطلباته وحجم الحصول على قوة ردع أو قوة دفاع تبنى وتؤسس لدولة عصرية قوية لا دولة تابعة خاضعة خانعة، حاولوا الاستحواذ عليها, فهل يسمح لها الغرب ان تكون كما تريد اليوم. هذا هو السؤال الذى يجب أن نفهمه قبل البحث عن مطالبنا الفئوية المتعددة وقبل اللهث خلف من تختار لحكم مصر ومن يصلح لها اليوم حقا. اسأل نفسك أولا ماذا تريد مصر ومن سيسمح لها أن تحصل على ما تريد ومن لدية القدرة والإمكانيات أن يخوض هذه التحديات فإن قويت مصر خارجيًا وعسكريًا استقرت داخليًا وستعرف حينها أنه وحده فقط من يستحق أن تمنحه صوتك ليبنى بك ومعك.. وليس بعيدًا عنك.