وزع اتحاد كتاب مصر بياناً استنكر فيه ما سماه "الإساءة إلى نجيب محفوظ وفاروق حسنى من جانب الصحفى الأمريكى ريموند ستوك"، ونشر اليوم السابع هذا البيان يوم الأربعاء الماضى، ولأن الاتحاد لم يوضح نوع الإساءة ولا نصها ولا هدفها. اليوم السابع ينشر نص المقال ليكون أمام القارئ العربى ليحكم بنفسه على بيان الاتحاد وردود الأفعال الأمريكية تجاه ترشيح فاروق حسنى، وفيما يلى نص المقال: تائه جداً جداً فى الترجمة القول بأن فاروق حسنى لا يحب إسرائيل كثيرا يعد تخفيفا من وطأة المسألة، لقد نعت إسرائيل بالعدائية وغير الإنسانية المتغطرسة التى تبنى ثقافتها على سلب حقوق الشعوب ونكرانها والتنصل منها، كما اتهم اليهود بالسيطرة على الإعلام العالمى وتوجيهه وفقاً لمصالحهم، وفى مايو 2005 ألقى خطابه الشهير أمام البرلمان المصرى الذى هدد فيه بحرق جميع الكتب العبرية الموجودة فى مكتبات مصر. الصادم فى الأمر ليس مجرد تصريح "حسنى" بهذا الكلام، ولكن كونه وزير ثقافة مصر ويتفوه بمثل تلك العبارات أمر مخزٍ لدرجة كبيرة، فهو تقريبا الرئيس القادم لليونسكو ذراع الأممالمتحدة للدفاع عن التنوع الثقافى وخلق التعاون الثقافى والفنى العالمي. ومن المؤسف أيضا أن آراء "حسني" فى الثقافة الإسرائيلية تعتبر جزءاً من الصراع القائم بين مثقفى مصر منذ 30 عاما، حيث وقعت مصر معاهدة السلام مع إسرائيل قبل أى دولة عربية أخرى، والتى تعتبر واقعياً لا شىء مقارنة بفوبيا كراهية اليهود المنتشرة فى الدول العربية، وربما العكس هو الصحيح فلم تفعل المعاهدة أى شىء بين الطرفين ولم تلطف الأجواء بينهما. وهو ما يفسر الاحتجاجات المثارة بين المثقفين والسياسيين الإسرائيليين على المعاهدة، والطلقة الوحيدة التى أصابها حسنى فى طريقه نحو اليونسكو كونه أول عربى يتولى هذا المنصب، وعلى النقيض من كل ما جرى تنازل بينيامين نتنياهو عن معارضة حكومته لترشيح حسنى لليونسكو، وهو ما حدث للتغطية على أمور أخرى بغرابة شديدة، وما نما إلى علمنا من ذلك هو مقابلة نتنياهو لمبارك فى 11 مايو الماضى، وكان مقتنعا (أى نتنياهو) بعدم غلق مسألة ترشيح الوزير، وذلك فى مقابل بعض الشروط والاتفاقات السرية بين الطرفين، بعدها بأسابيع قليلة كتب فاروق حسني مقالا باللوموند الفرنسية يعتذر فيه عن تهديده بحرق الكتب العبرية، بعدها بقليل تعهد "حسنى" بترجمة بعض الكتب العبرية للكاتبين عاموس عوز وديفيد جروسمان، وذلك تحت إشراف وزارته. وهو ما اعتبر تنازلا هاما أن تترجم المؤسسة الرسمية المصرية من العبرية إلى العربية أو على الأقل تتعاقد مع ناشرين إسرائيليين. وما ظهر من تغير إيجابى أن نخبة الأدباء المصريين كانت فى الحقيقة مجرد انعكاس للكراهية العميقة للثقافة اليهودية والإسرائيلية وليسوا منتجين لها، فهوجم حسنى بسرعة على أنه معادٍ للسامية من مثقفى مصر، وفى الحقيقة أنكر جابر عصفور رئيس المركز القومى للترجمة أى علاقة بين الترجمة عن العبرية وموقف حسنى من اليونسكو، وأوضح أن المركز لا يمتلك تراجم لمؤلفين إسرائيليين عن العبرية، إنما يترجم عن اللغات الأوروبية دون الرجوع لأصحاب الحق الأصلى الإسرائيليين أنفسهم. وعلى الرغم من وجود العديد من الكتب التى تتحدث عن إسرائيل فى السوق المصرية، إلا أن غالبيتها يزخر بنظريات المؤامرة ووجهات النظر المتحيزة ضد التاريخ اليهودى. كما أعلن "عصفور" عن رغبته فى نشر العديد من الكتب بشرط ألا تؤخذ مباشرة عن العبرية، ولتبرير ذلك أورد فى حديثه المثل العربى "من عرف لغة قوم أمن مكرهم". هذه الفوضى الشاملة تأتى فقط لتوضح كراهية الأدباء المصريين التى تصل إلى حد الجلد لإسرائيل، كراهية أشد فتكا من كراهية العامة، بل وأكبر حجما أيضا. وإلى يومنا هذا تظهر الأرقام والإحصائيات أن المثقفين والأكاديميين المصريين لا تربطهم أى علاقة مع إسرائيل، حتى أن مجلس أمناء الجامعة الأمريكيةبالقاهرة حث على قطع المنحات والبعثات إلى إسرائيل. وفى يوليو الماضى قامت إدارة أتيليه القاهرة المكان الرئيسى لتجمع الفنانين والأدباء بالعاصمة بتصعيد الانقلاب ضد مجموعة من الأعضاء بتهمة التطبيع مع إسرائيل. كاتب مصر الأعظم الحائز على نوبل فى الآداب نجيب محفوظ طرد رمزياً من اتحاد الكتاب المصريين عام 2001 بسبب نشر كتبه فى إسرائيل. وهو ما يفسر بوضوح ما قاله لى محفوظ عام 1990 "المثقفون الذين تربوا فى عصر ناصر لن يتقبلوا إسرائيل، لقد تجرعوا كراهيتها مع لبن الأم أثناء الرضاعة، كراهية عميقة تجرى فى الدم". إذن لماذا يخشى المثقفون المصريون من التأثير الإسرائيلى بهذه الحدة؟ التفسير الوحيد لذلك هو أن مثقفى مصر الذين يعتبرون ضمير الدولة لن يتقبلوا إسرائيل فى غياب معاهدة سلام عربية إسرائيلية شاملة، وخاصة طالما إسرائيل استمرت فى اضطهاد الفلسطينيين. على الرغم من هذا السبب الجوهرى فإن الأمر غالبا ما يتضمن إشارة إلى "الأرض المحتلة" و"عدائية إسرائيل"، فغالبيتهم يعنون بذلك أن وجود إسرائيل فى حد ذاته يحول بينهم وبين حلم السلام فى المنطقة. قليل جدا من المثقفين المصريين "على العكس من المصريين العاديين" يؤمنون بحق إسرائيل فى البقاء، وحتى "محفوظ" الذى منعت كتبه وأفلامه فى العديد من الدول العربية لدعمه السلام وللحديث مع إسرائيل اعترف أن النصر العسكرى لا يكفى وأنه معجب بالأدب والثقافة والتكنولوجيا والديمقراطية فى إسرائيل، وهو على أية حال مخطئ. جيل المصريين الذين نشأوا تحت حكم مبارك الذى عمل من أجل السلام ربما يكونون مثل سابقيهم، فغالبيتهم لا يستمعون لمبارك، ولكن يتبعون الإعلام الذى تدرب على أفكار ناصر أو استلهم أفكاره من جماعة الإخوان المسلمين المعارضة وفروعها مثل تنظيم القاعدة وغيرها وحتى ميليشيات شيعة حزب الله اللبنانية. هذا التأثيرات المتطرفة لا تتعامل بسهولة مع وجهات النظر الشعبية المعتدلة، وعلى سبيل المثال السعادة الغامرة التى استقبل بها خطاب أوباما فى الرابع من يوليو من النخبة المصرية المثقفة "على الرغم من الغضب من إشارته إلى الهولوكوست أو إلى العلاقات الأمريكية الإسرائيلية"، هذا التناقض الواضح يمكن ملاحظته فى العديد من المصريين الذين يستمعون إلى مايكل جاكسون، فى الوقت الذى يحملون فيه الأدعية القرآنية على هواتفهم المحمولة، أو الذين يشاهدون المغنية اللبنانية هيفاء وهبي وهم يصفقون لحماس. لكن هذا التناقض الواضح لا يعنى أن نعتقد أن النخبة المصرية المثقفة ستطبع مع إسرائيل، وضوضاء حسنى تعد من أحدث مظاهر العداء ضد إسرائيل المتأصلة فى مصر. ولكى يحصد مقعد اليونسكو، فعلى "حسنى" أن يزيل الإجحاف وسوء الفهم الذى يفتك بالثقافة ويتغلغل فى عقول المثقفين المصريين، على الرغم من اعتذاره عن مقولة حرق الكتب العبرية صرح "حسنى" لتليفزيون "دريم" المصرى أنه سيعارض التطبيع مع إسرائيل حتى يحصل الفلسطينيون على حقوقهم. ومهما قررت الأممالمتحدة، فى النهاية فإن مشاعره تجاه إسرائيل أو اليهود لن تتغير. نقلاً عن مجلة "فورين بوليسى" الأمريكية