المشدد 6 سنوات وغرامة 100 ألف جنيه لمتهمين بترويج 8 كيلو حشيش بالقاهرة    طالبوا بوقف التعامل مع "إسرائيل " ..12 أكاديمياً بجامعة برينستون يضربون عن الطعام دعماً لغزة    فى مباراة تهم المنافس فقط غدا.. ليفربول بقيادة صلاح ضيفا على أستون فيلا    فيديوجراف| لماذا تدخلت مصر لدعم جنوب أفريقيا في محاكمة إسرائيل دوليًا؟.. اعرف القصة    زوجة ضحية واقعة الكلب: زوج أميرة شنب سلم نفسه للمحكمة كإجراء قانوني    إحياء «القاهرة التاريخية».. جهود مكثفة لاستعادة رونق العاصمة الإسلامية    بشأن تمكين.. عبدالله رشدي يعلن استعداده لمناظرة إسلام بحيري    «ثقافة الشيوخ» تناقش اقتراح لإنشاء متحف شمع لعظيمات مصر.. والحكومة: تكلفته باهظة    رئيس لجنة الانضباط: "لا صحة لتقديم اللجنة لاستقالتها.. وعقدنا اليوم جلسة في مقر اتحاد الكرة لمناقشة عدد من الملفات والقضايا    يوفنتوس بالقوة الضاربة في مواجهة يوفنتوس بالدوري الإيطالي    مصر تعتزم دعم دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية    تفاصيل اعلان وزارة الداخلية قبول دفعة جديدة بمعاهد معاوني الأمن.. فيديو    "جنايات قنا" تقضي بالمؤبد على سائق بتهمة قتل زوجته    غدًا.. وزير العمل: طرح مشروع قانون العمل على "الحوار الاجتماعي"    معاريف: النظام المصرى طلب من مدير CIA الضغط لوقف اجتياح رفح والعودة للمفاوضات    "أثر الأشباح" للمخرج جوناثان ميليت يفتتح أسبوع النقاد بمهرجان كان السينمائي    بعد تصدرها التريند..تعرف على عدد زيجات لقاء سويدان    رئيس الوزراء: مهتمون بمناقشة الرؤى والمقترحات لدفع قطاع السياحة    أمينة الفتوى: سيطرة الأم على ابنتها يؤثر على الثقة والمحبة بينهما    رئيس جامعة طنطا يتفقد أعمال تنفيذ مشروع مستشفى الطوارئ الجديد    قائد الجيش الأوكراني: الوضع في خاركيف تدهور بشكل كبير    إعلام النواب توافق على موازنة الهيئة الوطنية للصحافة    الدورى الإسبانى.. قاديش يعزز من فرص تواجده فى الليجا بالفوز على خيتافى    اسكواش.. نتائج منافسات السيدات في الدور الثاني من بطولة العالم    موعد عيد الاضحى 2024 وكم يوم إجازة العيد؟    فرحة في الكامب نو.. برشلونة يقترب من تجديد عقد نجمه    "العيد فرحة وأجمل فرحة".. موعد عيد الاضحى المبارك حسب معهد البحوث الفلكية 2024    أحمد عز يصور «ولاد رزق.. القاضية» بحلوان.. متبقي 3 أيام للانتهاء منه    الصحفيين تعلن فتح باب الحجز لعدد 75 وحدة سكنية فى مدينة السادس من أكتوبر    لجنة حماية الصحفيين: نشعر بالقلق جراء إفلات إسرائيل من العقاب    الثلاثاء.. مناقشة رواية "يوم الملاجا" لأيمن شكري بحزب التجمع    المفتي يحذر الحجاج: «لا تنشغلوا بالتصوير والبث المباشر»    إصابة 8 أشخاص فى حادث انقلاب ميكروباص فى ترعة ببنى سويف    لحماية صحتك.. احذر تناول البطاطس الخضراء وذات البراعم    الصحة: الجلطات عرض نادر للقاح أسترازينيكا    البورصة تخسر 25 مليار جنيه في ختام تعاملات أول الأسبوع    مواعيد امتحانات كليات جامعة حلوان الفصل الثاني 2024    جامعة الأقصر تخطط لإنشاء مستشفى وكليتي هندسة وطب أسنان    تعرف على أماكن اختبارات الطلاب المتقدمين لمعهد معاوني الأمن لعام 2024    إعلان خلو مقعد الراحل عبد الخالق عياد من الشيوخ وإخطار الوطنية للانتخابات    المشاهد الأولى لنزوح جماعي من مخيم جباليا شمال غزة هربا من الاجتياح الإسرائيلي    في العالمي للتمريض، الصحة: زيادة بدل مخاطر المهن الطبية    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات بأفغانستان إلى 315 شخصًا    مجلس الشيوخ يقف دقيقة حدادًا على النائب الراحل عبد الخالق عياد    عقب افتتاح مسجد السيدة زينب.. "الأعلى للطرق الصوفية" يوجه الشكر للرئيس السيسي    بعد توجيهات الرئيس بتجديدها.. نقيب الأشراف: مساجد آل البيت أصبحت أكثر جذبا للزائرين    ضبط دقيق مدعم وكراتين سجائر قبل بيعها بالسوق السوداء في المنيا    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل سائق توك توك وسرقته في الفيوم لعدم حضور الشهود    هشام آمنة: 256 مليون جنيه لتطوير منظومة إدارة المخلفات بالمنوفية    مجلس الجامعات الخاصة يكشف قرب الانتهاء من إنشاء 7 مستشفيات    بايرن ميونخ يستهدف التعاقد مع مدرب "مفاجأة"    وزير الخارجية: لن نكتفى بالتحدّث وسنتخذ إجراءات عملية تضمن تنفيذ ما نطالب به    البريميرليج يقترب من النهاية.. من يحسم اللقب؟    بنك ناصر يطرح منتج "فاتحة خير" لتمويل المشروعات المتناهية الصغر    «الداخلية»: ضبط 4 عاطلين بتهمة سرقة أحد المواقع في أسوان    أسيوط: إزالة 8 تعديات على أراضي زراعية ومخالفات بناء بمراكز أسيوط وصدفا وحي شرق    إسلام بحيري يرد على سبب تسميه مركز "تكوين الفكر العربي" ومطالب إغلاقه    الصحة: تطوير وتحديث طرق اكتشاف الربو وعلاجه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



: أب حاور ابنه السلفى
نشر في اليوم السابع يوم 30 - 10 - 2013

- لو عرفتم شرع الله يا كفرة لفهمتم ما أقوله وأفعله.
هكذا قلت لى أنت يا بنى ذات ليلة تحدثنا فيها طويلا عن قضية الشريعة، بينما نور شحيح ينام تحت أرجلنا. أنت كنت تقول: إن بلدنا يجافيها، والسلطة تحاربها، وأنا كنت أقول لك فى صراحة تامة: أنا مع تطبيق الشريعة كما جاءت فى القرآن الكريم، وكل ما لا يخالفه مما نسب إلى الرسول الكريم من أقوال، وكل ما تواتر عنه من أفعال، لكننى ضد «شريعة الخلق» التى يطرحها بعض مشايخك ويزعمون أنها «شريعة الخالق»، فمنحوا بذلك أقوال وتخريجات البشر قداسة وقدموها دون أن يدروا على وحى السماء، واستعاروا ما أنتجه الأوائل عبر إعمال العقل فى مشكلات واقعهم على أنه «نقل»، شأنه شأن التنزيل.
يومها تبرمت أنت وقلت: مشايخى يقولون عكس ذلك، ويطلبون منا أن نتحرى الدليل الشرعى من القرآن والسنة، فأجبتك فى ثقة: بالطبع هم سينكرون أنهم يوصون بهذا من الناحية النظرية، فإن اكتشف أحد فى أدلتهم غير ما نزل من عند ربنا، سيقولون: حاشا لله، لكن من الناحية العملية لو قمت بدراسة خطابهم وخطبهم وفتاواهم وتخريجاتهم وآرائهم، ستجد أنها تذهب إلى النص الأصلى عبر طبقات متراكمة من أقوال البشر وأفهامهم، وإذا أردت أن أقدم لك دليلا على هذا سأذهب معك لأحضر درسا أو اثنين، ومعى ورقة وقلم، لأسجل لك كل الملاحظات التى تبين صدق ما أقوله لك.
تابعتنى صامتا، ثم نفخت وأبديت تبرما، ورحت تتقلب فى مكانك كأنك تقعد على الجمر، وعدت تقول: يكفيهم أنهم يسعون إلى أن يكون شرع الله حاكما بيننا.
قهقهت أنا يومها، وهزت ضحكاتى هالات النور فانسالت على الحوائط، وقلت لك: الشريعة كما أفهمها لم تغب يوما عن الشعب المصرى، فهى مطبقة كاملة، ومتجسدة فى «قانون الأحوال الشخصية»، حيث أحكام الزواج والطلاق والميراث. أما بالنسبة ل «الحدود» فهناك «التعزير» الذى استبدل بقطع يد السارق، وجلد الزانى وشارب الخمر، السجن، وهذا من حق «الحاكم»، كما اتفق الفقهاء الأوائل، وحتى لو لم نرد التعزير هذا، فإن الشروط الصارمة والقاسية التى وضعت فى سبيل تطبيق الحد تكاد أن تقول لنا بوضوح: إن الحدود للردع، والقانون المصرى الحالى لا يكافئ السارق، ولا يحتفى بالسكير، ولا يبارك فعل الزانى، إنما يعاقبه، علاوة على أن الشريعة «حقوق» قبل أن تكون «حدود» لكن المتعجلين والجهلاء وتجار الدين يتلاعبون بعقول بسطاء الناس، ويصورون لهم الأمر على أن الدين فى خطر، وأنهم هم حراسه الأوفياء.
وحكيت لك يومها قضايا عديدة قرأتها فى صفحة الحوادث عن ضبط سكارى فى الشوارع، وسجن لصوص، وشنق قتلة، ولما وجدتك مصغيا فى صبر عاجلتك بما وددت دوما أن أقوله لك: «الشرع يُبنى فى النفوس قبل النصوص، وفى الواقع المعيش وليس فى بطون الكتب التى يسترزق منها شيوخك».
وهنا تبخر صبرك وصرخت مستنكرا: «يسترزقون!!!» فقلت لك فى هدوء: وأنا أربت كتفك لعلك تهدأ: يا بنى لا تملأ نفسك بالأحقاد على من حولك، فكل الناس فى بلادنا يمتثلون للشريعة عن طيب خاطر، من دون تشدق ولا مظاهر كاذبة وفارغة، ودون أن يجلسوا طول الوقت ليتحدثوا عن اعتزازهم بالشرع، لأنه ذائب فى نفوسهم وقلوبهم، لكن المشكلة فيمن يثرثرون ليل نهار ويذرفون دموع التماسيح على «الشريعة الغائبة» و«المجتمع الجاهلى» و«الدولة المارقة» التى يجب أن يفتحوها من جديد، ليحطموا أصنامها وينشروا فيها الإسلام الذى يحملون توكيله، ويعرفون وحدهم، أركانه، ويحملون بمفردهم مفاتيح الجنة التى وعد بها الله المؤمنين. إن هؤلاء يذكروننى بالحكمة التى تقول: «احذر المرأة التى تتحدث كثيرا عن الشرف»، والآن أقول: «احذروا الذين يتحدثون عن تدينهم ويتباهون به» فالمتدين الحقيقى يذوب الدين فى سلوكه، ويلمسه الناس، ولا يكون فى حاجة إلى الإعلان عنه.
وضايقك هذا التشبيه فزفرت فى تبرم، ولولا بعض حياء أو هيبة منى لوجهت لكمة قوية إلى وجهى وتركت الدم يلون بقع الضوء السارية التى تبرق فيها حروف كلامنا، لكننى وجدتها اللحظة المناسبة لأسكب فى رأسك كل الكلام المختزن فى صندوق أحزانى عليك وأنا أراك تشرد بعيدا عما تمنيته لك، فاقتربت منك وواصلت: «يعلم أغلب شيوخك أنهم يكذبون، لكن يريدون أن يحصدوا أى مكاسب سياسية باسم الشرع، حتى لو على حساب الأخلاق التى بعث الرسول ليتممها، أو على حساب حق الناس فى أن يكتفوا من الغذاء والكساء والدواء والإيواء والتعليم والترفيه وهو جوهر الشريعة وعينها، لكن هذا يتطلب أفعالا لا أقوالا، وهم مفلسون ليس لديهم سوى الكلام الفارغ، والبحث عن المناصب والكراسى والمغانم باسم الدين. يقرأ هؤلاء القرآن الكريم، ويفهمون أنه «الأصل» وأنه «الوحى» وأنه «النص المؤسس» للإسلام، ويعلمون أنه كتاب هداية فى المقام الأول، وأن التشريعات التى وردت فيه لا تزيد على 200 آية من بين 6236 آية تمثل «المصحف الشريف» كله، ويتلون «اليوم أكملت لكم دينكم» لكن يتناسونها ويكملون هم الدين زعما من عند أنفسهم، ويوهمون عوام الناس أن الدين مهجور، حتى يثيرون حميتهم الدينية فتحشدهم صفوفا متزاحمة أمام صناديق الانتخابات تصوت لصالح تجار الدين.
كنت أتكلم بحماس شديد، حتى تفصد العرق من كل مسام جلدى، وراح يتقاطر فوق خيوط الضوء فيبللها، ويعارك دوائر اللهيب التى كانت تحوم حول غضبك، فيرطبها قليلا. وكنت تتحمل كلاما ربما تسمعه للمرة الأولى منى، حتى وصلت بك إلى لب المشكلة وقلت: «التشريعات قد يبدلها أو يوقفها تغير الأحوال وإلا ما أوقف سيدنا عمر حد السرقة فى عام الرمادة، وأوقف الفقهاء ملك اليمين، أما العقيدة فهى الثابتة، وآفة من تستمع إليهم أنهم جعلوا أغلب الأشياء فى باب الاعتقاد، ففتحوا نوافذ لا نهاية لها للتكفير».
نظرت إلى، ونفخت وصرخت، وسللت ذراعيك من جنبك ومددته أمامى وفردت كفك عن آخرها:
- كفى.. كفى.. كفى.
ورحت تركل الحائط بقدمك وتقول:
- هذا فراق بينى وبينك.
أدركت وقتها أننى قد تركت لهم ففعلوا بك الأفاعيل، وقمت لأخذك فى حضنى لأستعيد بك أيام ألفك ووداعتك، لكنك نفرت، وجريت نحو باب الغرفة، وصفقته وراءك، وسمعت قرقعة قدميك على سلم العمارة. جريت وراءك لكن لم ألحق بك، خاننى عظمى فوقعت على البسطة المربعة فى الدور الثالث. لكن صوتى وصل إليك:
ألم ينته الوحى بعد محمد؟
وجاءنى صوتك زاعفا:
بلى.
هل معك أو مع أحد من شيوخك توكيل من السماء؟
وجاء صوتك واهنا:
لا.
فقمت، وفردت جسدى، وأمسكت السور بكلتا يدىَّ، وصرخت بكل ما أوتيت من قوة:
- إذن، فليكمل العقل المسيرة مع الوحى.
لكن صوتك ضاع، لم أعد أسمعه، حتى قرقعة قدميك تلاشت فى صفير الريح بمدخل البناية العتيقة. وفى اليوم الثانى كنت أنا فى طريقى إلى مستشفى قريب، لأجبر كاحلى المشروخ، بينما كنت أنت فى طريقك إلى الجبال البعيدة، لتنضم إلى مجموعة تحمل السلاح، وتتوعدنا جميعا بالنار والدم والخراب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.