سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
القاهرة.. كل «المحظور» مطلوب اللجان الشعبية توقف المارة وتطالب ب«إتاوات» وتتهم صحفية «بالتجسس».. ومنع مواطنة من اللحاق بابنتها التى كانت تلد طفلها الأول.. وتوقيف أستاذ جامعى ساعة
القاهرة التى لا تنام، مدينة الأضواء، الساهرة حتى مطلع الفجر، خصوصًا فى مثل هذا الوقت من العام، صارت تغط فى النوم مبكرًا، والسبب الحظر. مدينة أشباح، تغط فى نوم عميق، وصمت عميق، أبواب متاجرها لم تعد تفتح أحضانها للمارة، سائقو التاكسى اختفوا سيارات الميكروباص لم تعد تجوب الأزقة، وذلك التزامًا بقرار الحاكم العسكرى، فرض حظر التجوال بأربع عشرة محافظة. ومع الحظر ظهرت آفات منها اللجان الشعبية التى أصبحت تضم بلطجية ومسجلين خطر، يفرضون على المارة إتاوة أو «كارتة» رسم عبور. مثل هؤلاء البلطجية يعتقدون أن ساعة الحظر «ما تتعوضش»، فالفرصة قلما تتكرر فحتى بعد منع القوات المسلحة فى بيان لها مشاركة اللجان الشعبية فى تأمين الشوارع، عاد هؤلاء إلى الظهور. مبالغ مالية تدفع عنوة ورغم أنف المارة بدون وجه حق مقابل السماح بمرورهم. محمد شاكر من قرية «المناشى» يعتاش من نقل الخضروات بسيارة ويعبر يوميا الكوبرى الدائرى فأوقعه حظه مع تلك اللجان. استوقفوه «مسؤولو اللجنة الشعبية».. وطلبوا منه دفع «كارتة مرور»..استشاط محمد غضبا إلا أن كثرة عددهم و«مستوى تسليحهم» دفعت محمد إلى الرضوخ. يقول: لم يقف الأمر عند هذا الحد فبعد ما يقرب من مائة متر تقريبا وجدت غيرهم يطلبون نفس الطلب واضطررت إلى تنفيذ طلبهم وتكرر ذلك للمرة الثالثة. مكسب يومى ضاع وقلت لهم «حرام عليكم أنا عندى عيال وبشتغل بعافيتى «سابونى وقالولى أى لجنة تقابلك قولهم إنك من طرف أوكا». مهزلة حقيقية تشعر بها عندما ترى أستاذا جامعيا يقف كالتلميذ الخائب أمام بلطجى.. يأمره بما ينبغى فعله وما لا ينبغى، إنها شريعة الغاب. محمد حسنى الأستاذ بكلية آداب جامعة القاهرة لم تنقذه درجته العلمية من بين يد بلطجى التقاه أثناء مروره فى فترة الحظر بالقرب من كوبرى مساكن الزاوية، ليقف قرابة ساعة فى انتظار فرج الله. يستكمل حسنى حديثه عن الحظر قائلا، البلطجية منعوا منتقبة من ركوب سيارة أجرة فقط لارتدائها النقاب من أعطاهم ذلك الحق؟! وتحكى فرح سعفان تجربتها قائلة: النهاردة «المواطنين الشرفاء» قبضوا عليا أنا و2 مراسلين أجانب بشتغل معاهم.. المواطنين الشرفاء «اشتبهوا» فينا وقرروا إن إحنا جواسيس ويهود وتبع الجزيرة «الثلاثة» واحتجزونا لمدة ساعة فى حارة وأخدوا مننا الكاميرا وعملولنا تحقيق وطبعاً اللى رايح واللى جى يتهمنى بالعمالة ويدينى كلمتين فى جنابى عن إنى إزاى أعمل فى مصر كده.. وإزاى «أسمح لنفسى» فى الظروف دى أشتغل صحفية «طب أمال أشتغل صحفية إمتى طيب؟» وإن ليه وليه أصلاً نغطى الأحداث ما كفاية خربنا البلد. ولما ظابط المباحث شرف وشاف كرنيهاتنا وطلبت منه الكاميرا وقلتله إن مش من حق أى واحد كدة فى الشارع يوقفنى وياخد منى حاجتى «على أساس يعنى يكسفهم ويقرص ودانهم عشان ماحسش إنى مهزقة أوى» قالى «لأ.. دول واخدين إذن من رئيس المباحث يوقفوا أى حد فى المنطقة عادى».. طب أقول إيه طيب؟ الجيش مبيهزرش وداعاً للسهر والأضواء والسمر وليالى الأنس والفرفشة فى شوارع القاهرة ومقاهيها الشهيرة، مع الحظر تتوارى الأضواء وتفقد سحر شبابها وجنونها، اعتبارا من التاسعة وهو الميعاد الذى كان يعد بالنسبة للكثير من مواطنيها بداية للتسوق وشراء مستلزمات البيت بعد عناء يوم طويل فى العمل. كما تسبب فى قطع أرزاق عدد كبير من العاملين بالمحال التجارية التى تبدأ عملها الجدى بعد السابعة، فالتوقعات تؤكد أن القرار تسبب فى الاستغناء عن عدد كبير من العمال فى هذه المحال نظرا لقلة ساعات العمل. كما تسبب للبعض فى العمل لوردية واحدة مما سيؤثر على دخله الشهرى كذلك تكبد الاقتصاد المصرى خسائر جراء هذا القرار، فأصحاب محال وسط القاهرة الذين قادت اعتراضاتهم إلى إلغاء قرار كانت الحكومة تنوى تنفيذه بإغلاق المحال من العاشرة مساء لتوفير الطاقة الكهربائية إبان حكم الرئيس المقال محمد مرسى، أصبحوا الآن يغلقون قبل التاسعة مساء. سمير محمد، وهو اسم مستعار لصحفى قال: رغم أن الصحفيين مستثنون من قرار الحظر، إلا أننى لم أستطع منذ ثلاثة أيام المرور إلى منزلى وعدت إلى العمل وقضيت ليلتى فى مقر الصحيفة. ويقارن سمير بين هذا الحظر الذى فرض فى نفس اليوم الذى تم فيه فض اعتصام مؤيدى الرئيس السابق محمد مرسى الأربعاء 14 أغسطس، وبين ذلك الذى فرض يوم «جمعة الغضب» 28 يناير 2011، وذلك ضمن فعاليات ثورة 25 يناير، التى أنهت حكم الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك. وجمعة الغضب 28 يناير 2011، هى اليوم الأقوى فى تاريخ ثورة 25 يناير 2011 وشهدت سقوط معظم ضحاياها، والتى أطاحت بحكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك. وأضاف: «أفهم أن يكون هناك مبرر لفرض حظر التجوال، ولكن ما لا أفهمه أن تعلن استثناء الصحفيين والإعلاميين منه، ثم تفرضه عليهم». ما واجهه سمير، وهو صحفى مستثنى من الحظر، تعرض إليه إسلام أحمد مخرج بالتليفزيون المصرى عند نقطة تفتيش فى الجيزة «غرب القاهرة»، حيث أجبره المتواجدون بالكمين «نقطة تفتيش» على العودة لمنزله، رغم أنه كان على بعد خطوات من منزل صديقه الذى كان ذاهبا إليه لظرف صحى طارئ. وتقول مرفت ميخائيل «ابنتى كانت بصدد ولادة طفلها الأول، كانت تحتاجنى إلى جوارها فى هذا اليوم، ولكن أفراد نقطة التفتيش لم يتفهموا هذا الظرف الإنسانى وأجبرت على العودة لمنزلى». مدينة الأشباح تفرض قوات الجيش والشرطة قبضة صارمة فى تنفيذ حظر التجوال، حيث تنتشر فى كل مداخل المدن وعلى المحاور الرئيسية التى تربط بين المدن، وفى الميادين الرئيسية، وهو الأمر الذى حوَّل القاهرة، إحدى أكثر العواصم ازدحامًا فى العالم، إلى مدينة للأشباح خلال فترة حظر التجوال من السابعة مساء وحتى السادسة صباحًا، والذى تم، تقليص عدد ساعاته ليبدأ من التاسعة مساء وينتهى فى السادسة صباحًا باستثناء أيام الجمع التى سيظل فيها على ميقاته الأول، ليبدأ فى السابعة مساء وينتهى فى السادسة صباحًا. مدينة لا تنام حولها الحظر إلى مدينة أشباح بسبب اعتصام الشعب جميعه فى منازله مما كان له بالغ الأثر على الاقتصاد المصرى وتقدر الخسائر الناجمة عن توقف القطارات منذ بدء تطبيق حظر التجوال بما لا يقل عن 20 مليون جنيه «حوالى 3 ملايين دولار»، أما متوسط خسائر مترو الأنفاق فى نفس الفترة من العام الماضى فبلغت حوالى 300 ألف جنيه «حوالى 40 مليون دولار». ولاشك تأثر أصحاب المحال التجارية الذين كان ذروة عملهم يبدأ من غروب الشمس، فباتوا يغلقون أبوابهم من الساعة التاسعة مساء إلى السادسة صباحا. كذلك تضرر أصحاب الأعمال الصغيرة الذين أعربوا عن استيائهم من هذا الوضع، قائلين: لن نتحمل المزيد من الخسائر إذا استمر هذا الوضع فى سبتمبر المقبل.