يُعد هذا المقال حلقة من ضمن حلقات مقالية تحت عنوان "فى نظريات الثورة"، والتى تهدف إلى استعراض تجارب وخبرات الدول الثورية فى مرحلة الانتقال الديمقراطى، ورصد وتحليل سياسات النخبة الجديدة وعلاقتها بقوى المعارضة وكشف مواقف النخبة القديمة منها. وتبدأ هذه الحلقات بالحالة الرومانية، والتى تجلى فيها وضحاً نمط التحول الإحلالى للنخبة القديمة خلال المرحلة الانتقالية، حيث قامت جماعة من الحزب الشيوعى بمحاولات التكيف مع الظروف السياسية الجديدة بعد إسقاط نظام نيكولاى تشاوشيسكو، وذلك بأن تحولت هذه الرموز الفلولية إلى قوى ثورية ديمقراطية ليبرالية من خلال تدشين ما يسمى ب"جبهة الإنقاذ الوطنى"، وقد ضمت هذه الجبهة جميع الرموز الشيوعية التى توغلت فى مفاصل الدولة واستطاعت إعادة تنظيم وهيكلة بقايا النظام القديم بقيادة حلفاء الرئيس المعدوم، ونجحت فى إطالة عمر المرحلة الانتقالية لنحو 14 عاماً فمنذ أن قامت الثورة الرومانية عام 1989 ظلت فى صراعات حتى عام 2004، وفى تلك الفترة تولت جبهة الإنقاذ الوطنى الحكم، وتمكنت من إعادة النظام الفلولى وخطف الثورة من خلال الدفع بإيوف إيميسكو أحد أعمدة الحزب الشيوعى السابق رئيسًا بالإنابة لرومانيا، وأصبح رئيساً للدولة فى انتخابات 1990، وحصلت جبهة الإنقاذ على أغلبية ساحقة فى البرلمان بنسبة 75% من المقاعد. وترجع الأسباب الحقيقية التى مكنت من عودة النظام القديم فى رومانيا إلى تأسيس خلايا الحزب الشيوعى فى مفاصل الدولة السيادية خاصة فى جهاز الشرطة، وتفكك قوى المعارضة أمام القدرات التنظيمية للحزب الشيوعى، فضلاً عن تشرزم الأحزاب السياسية الجديدة التى دشنت بعد الثورة والتى وصل عددها إلى 200 حزب يقوم على فكر شخصى وليس مؤسسى. مدرس مساعد بقسم العلوم السياسية