مصر حبلى بثورة جياع, ولادتها قادمة لا محالة, بعد أن فشلت ثورة 25 يناير في تحقيق أهدافها (عيش ..حرية ..كرامة ..عدالة اجتماعية),ورغم مرور عامين علي الثورة , إلا أن خريطة الفقر اتسعت في العشوائيات 1122 منطقة، لتنبئ بخطر داهم, فلم يبق للفقراء والجائعين اى نصيب هذا ما أكده الخبراء محذرين من ثورة ليس لها قائد هدفها تغيير نظام رأسمالى يمينى فاشى فاق فى ظلمه نظام الحزب الوطنى المنحل. وصل تعداد الفقراء فى مصر ثلاثة ارباع السكان, يعانون مر العيش والبطالة والحرمان والأمية والجهل وتدنى الخدمات الصحية والتعليمية فى ربوع العشوائيات والاحياء والقرى الفقيرة فى الوجهين البحرى والقبلى, مما قد يفجر ثورة جياع تولى وجهها شطر سلاسل المحلات التجارية والبنوك والمؤسسات المصرفية واصول الدولة الانتاجية والعدوان على رجال الاعمال والنظام السياسى القائم, فلم يعد لديهم شىء يبكون عليه لمن حرمهم ولم يرحمهم من انياب الجوع والبؤس والتعاسة . الدكتورة إيمان هاشم – مدرس الاقتصاد بجامعة عين شمس - تؤكد أن العشوائيات نقطة انطلاق ثورة الجياع, وهي زاخرة بالفقر والبطالة والجوع والأمية وعمالة الاطفال, فقد اصبحت العشوائيات مفرخة اطفال الشوارع, ومن يدمنون الكحوليات والمخدرات وتفرز البلطجية, وهذه الفئة قنبلة موقوتة, إن لم يتم التعامل معها - فى ظل الانفلات الامنى الحالي – فهي تشكل قوة قادرة على ضرب النظام السياسى الجديد مهما كانت قوته . «شلال تدفق ثورة الجياع يقع فى 1122 منطقة عشوائية بمصر», هكذا يؤكد الدكتور محمد سيد احمد - استاذ علم الاجتماع السياسى, امين الشئون السياسية بالحزب الناصرى -لافتاً الى ان هذه العشوائيات قنابل موقوتة قابلة للانفجار في اي لحظة, والعشوائيات تختلف فيما بينها, فمنها مناطق كثيفة السكان, تتمركز فى المدن الرئيسية فى القاهرةوالجيزة والقليوبية والاسكندرية, وبعضها اقل كثافة, ليصل اجمالى عدد سكانها - وفقاً للاحصاءات الرسمية- 12 مليون نسمة, لكن وفقاً للاحصاءات غير الرسمية يصل عدد سكان العشوائيات الي50مليون نسمة, انطلاقاً من الفرق فى مفهوم تعريف «المنطقة العشوائية», ومن منطلق الفقر فهناك تفاوت واضح بين تقدير الاجهزة الرسمية, مثل جهاز التعبئة العامة والاحصاء, والمؤسسات الدولية مثل البرنامج الانمائى للامم المتحدة حول التنمية البشرية, حيث يقدر التقرير المصرى بأن نسبة الفقر تصل الي 25 % فى مصر, وفقاً لتقرير التنمية البشرية, ولكنه يصل - طبقاً للامم المتحدة - الي41 % للمصريين الذين يعيشون بأقل من 2 دولار فى اليوم. ويضيف الدكتور محمد سيد أن تقرير التنمية البشرية فى 2012 يؤكد أن نسبة الفقراء المصريين تصل الي 53 % بعد زيادتهم من 41 مليونا الى 53 مليونا بزيادة 12 مليون نسمة خلال عامين, وإذا اضفنا الى ذلك من يعيشون حول خط الفقر(المعرضون له), وفقاً لتقرير التنمية البشرية 23 % وهم من يعيشون فوق خط الفقر بأكثر من 2 دولار فى اليوم, اذا ارتفعت الاسعار فجأة, لأن هناك فئات معرضة للفقر تسمى «سواقط الشريحة الدنيا من الطبقى الوسطى», التى تنقسم الى 3 شرائح ,هى: الدنيا, والوسطى الوسطى , والوسطى العليا, وأقل شريحة تقع للطبقات الدنيا تسقط فى اى هزة عندما ترتفع الاسعار حينما تبقى الدخول ثابتة . ويشير الى ان ثورة الجياع ليست بعيدة وخريطتها تنطلق من احزمة العشوائيات الناسفة على اطراف الاحياء الراقية, لكونها لم تشعر بأى تحسن فى مستوى معيشتها الذى وصل الى درجة الانحطاط المعيشى بالغة الصعوبة, رغم مرور عامين على الثورة التى كانت تطالب بالحرية والعيش والعدالة الاجتماعية, وهى معان ذات مغزى اجتماعى واقتصادى, مؤكداً ان العيش ليس الخبز فقط ولكن حد ادنى من المعيشة الكريمة الانسانية فى الغذاء والتعليم والصحة والتأهيل الاجتماعى وضمان اجتماعى لكبار السن ضد الشيخوخة ليعيشوا عيشاً آمناً , اسوة بقلة تغتصب مقدرات البلاد لا تشعر بغيرها من الطبقات الكادحة والجائعة التى يتسول الكثير منها لقمة العيش بطريقة شرعية او غير شرعية. ولا يخفى دكتور محمد سيد ان العدالة الاجتماعية- كاحد مطالب الثورة- سقطت مغشياً عليها, فلم تعد هناك فرص متساوية للجميع داخل الدولة حسب الكفاءة, انطلاقا من المواطنة, مضيفا : فى ظل ظروف اقتصادية ومعيشية تتسع فيها رقعة الفقر, فقد سقط ثلاثة ارباع المصريين داخل حزام الفقر, وهو الحزام الذى تندلع منه ثورة الجياع, لتتراجع نسبة السلام الاجتماعى, اثر تاَكل الطبقة الوسطى بعد تعرضها لهزات تهدد امن واستقرار المجتمع, لأنها اهم شريحة, لكونها تحدث توازناً بين الطبقات, لذا بدأت هذه الهزات بالحركات الاجتماعية والفئوية ضد النظام الحالي, لأنها تطالب بإصلاح اجتماعى واقتصادى, وعندما تطالب هذه الطبقات بإسقاط النظام لا يدخل فى مفهومها اسقاط اشخاص, ولكن اسقاط سياسات عشوائية اهدرت حقوقها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وأورثت المصريين الفقر على مدار 30 عاماً, حتى بعد قيام ثورة 25 يناير لم تر بصيص امل فى أفق من يحكمون مصر الآن, لذا تعالت اصواتهم من اجل تغيير سياسته الاجتماعية والاقتصادية الفاشلة, بعد أن اصبح المصريون رهائن, خرجوا من نظام قديم رأسمالى يمينى فاشى منحط الي نظام يمينى رأسمالى فاشى اكثر انحطاطاً , فعلى مدار سبعة اشهر تولى فيها رئيس مدنى منتخب سدة الحكم فى البلاد لم يطرح فى مشروعه وبرنامجه وسياسته اى تغيير يطرأ على الشرائح الفقيرة داخل المجمتع, ولم يوجه سياسته لإصلاح ما ارتكبه نظام مبارك البائد, لكنه اصبح نظاماً مستنسخاً من سياسته التى زاد فيها الفقر واتسعت جغرافية العشوائيات لتصبح مركز انطلاق ثورة الجياع الى حيث تقصد . ويكشف سيد أحمد أن هذا النظام يفتقد الى رؤية اقتصادية وتنموية واضحة, ولم يستفد من تجارب الدول الكبرى عندما حل بالنظام الرأسمالى الازمة المالية فى عام 2008, فنجت من براثنها الهند والصين وروسيا والبرازيل وجنوب افريقيا, وكونت مجمع دول ( البيركس ) - تسمى الاقتصادات الناشئة- تقوم على تكافؤ الفرص واحترام استقلاليتها وقراراتها الوطنية, وأصبحت هذه الدول تحقق اعلى نمو فى المعدل الاقتصادى . ويوضح ان مصر حبلى بثورة جياع لا يدرك خطرها الرئيس ولا حزبه ولا جماعته ولا من يسيرون فى فلكه, يطبلون لنظام اشد قسوة من نظام مبارك, فى تردى اوضاع مصر السياسية والاقتصادية والاجتماعية, بعد ان انتشر الفقر بدرجة مخيفة وزاد الاحتقان وخرج الناس فى الليل والصباح بحركات اجتماعية, غاضبين منددين محتجين على سياسات زادت من افقارهم, ليدرك الاخوان ان ثورة الجياع قادمة, بعد ان عجزت ثورة 25 يناير عن تحقيق اهدافها كاملة . ولا يخفى سيد احمد ان مصر مقبلة على حالات من عدم امان اجتماعى واقتصادى يؤدى الى ارتفاع نسبة الفقراء لمن كانوا فوق خط الفقر بما يهدد الامن والسلم الاهلى, واذا كانوا اليوم يخرجون فى مظاهرات سلمية لم تصل الى مرحلة تهديد المواطن قى قوته اليومى, فعلى النظام أن يدرك أن من تم تهديده فى قوته اليومى سيخرج من اجل اقتناص حقوقه من احشاء هذا النظام, وعندئذ يقولون ما قاله السادات فى احداث 17-18 يناير عام 1977 انها «انتفاضة حرامية», ولكن على حكومة الاخوان ان تعرف انها «انتفاضة شعب جائع», يأخذ حقه الذى نهب منه بالقوة لينطلق الجائعون من احزمة العشوائيات فى القاهرة اوغيرها من محافظات مصر المكتظة بالعشوائيات الى عواصم المدن بالاعتداء على السوبر ماركت والمحمل ومترو والهايبر وكل مكان يجد فيه الحد الادنى من السلع الغذائية للمأكل, لأن الانسان الذى لا يجد قوت يومه سيخرج ولن تستطيع قوة اى نظام ان تمنعه ليخرج علينا الرئيس مرسى ويقول انها مؤامرة - كما كان يقول سابقوه من الرؤساء - فى خطاب مستنسخ, لكنها ليست «ثورة حرامية», ولكنها «ثورة جياع», اذا خرجت فسوف تقضى على الاخضر واليابس وستدمر مصر على جميع المستويات, فلابد أن ندق ناقوس الخطر على جميع المستويات فى السلطة او المعارضة, لأن مصر تحترق, وعلي من يمارسون الصراع على السلطة ان يدركوا ذلك, بعد ان تم حلب مصر نهائياً ولم يعد فى ضرعها حد ادنى للحفاظ على حياة المواطن, الذي سوف يذبح الشاة, لأنها لم تعد تفرز لبناً, سوف يذبحها من اجل سد رمقه لأيام معدودات . ويؤكد الدكتور صلاح هاشم- خبير التنمية البشرية- أن ثورة الجياع تنتشر جغرافياً على خريطة مصر, خاصة فى العشوائيات التى تمثل الطليعة الاولى للجائعين, بعد ان سقط اكثر من 40% من المصريين فى دائرة الفقر, منهم 17 مليونا يعانون من الفقر المدقع, فى وقت يعيش 52% من المصريين على اقل من دولار يوميا, ليس بالقيمة المصرفية للدولار امام الجنيه, لافتاً الى ان مصر معرضة لمجاعة تنطلق بواكيرها من العشوائيات والوجهين القبلى والبحرى نتيجة ارتفاع معدلات الفقر وتراجع العائد لمحاصيل الارض الزراعية وتدنى الخدمات بالريف, مما جعله طارداً فى كثير من محافظاته الى القاهرة الكبري ليرتمى فى حزام العشوائيات كثير من النازحين الى عواصم الحضر, بجانب موجات الاسعار المتصاعدة المتلاحقة, كالحصان الجامح, وعجز عوائد العمل والدخول على مجابهتها, وعلى وجه الخصوص لمن يعملون بالانتاج الزراعى فى مناطق بالمحافظات هى اكثر الاماكن احساساً بالمجاعة, ولا تجد غضاضة فى الخروج مع ثورة الجياع ولسان حالها يقول ماذا بقى لها حتى تبقى عليه ؟ ويوضح هاشم أن عدد المناطق العشوائية تزيد على 1200 منها 25 منطقة غير قابلة للتطوير, بجانب 81 منطقة عشوائية تم تطويرها يعيش فيها 16 مليون نسمة, تعانى الفقر المدقع وتدنى مستوي المعيشة وتفتقد لمياه الشرب النقية وتراجع فى الصحة والتعليم, لكن ثورة الجياع ليست ثورة منطقة فقيرة على منطقة غنية, فعند الثورات تسقط الخرائط, كأن نقول إن عزبة الهجانة خريطتها مدينة نصر ومعها الدويقة ومنشية ناصر الى مصر الجديدة, وبولاق الدكرورعلى المهندسين, وبولاق ابو العلا على الزمالك, لكن الجياع ينطلقون فى كل مكان, يخرجون منه الى المكان الذى ينالون منه ما يطيب لهم, مؤكداً ان المشاركين فى ثورة الجياع سيكون الشعب بمختلف فئاته من ابناء الطبقتين الوسطى والدنيا والمثقفين ضد النظام الحالى ورجال الاعمال وجماعات المصالح, والغرض منها تغيير النظام القائم لإجباره على تبنى سياسات اقتصادية جديدة للحد من الفقر, وتعديل اوضاع المجتمع الى الافضل, خاصة ان مستودعات ثورة الجياع فى العشوائيات, والمنشطة لرياح اندلاعها كثيرة, منها 20 منطقة عشوائية غير قابلة للتطوير, ومعالجتها تحتاج الى اعادة تخطيط ونقل السكان الى مناطق اخرى آمنة, توفر لهم سكناً بديلاً, فهذه المناطق العشوائية الملغومة تفتقد الى الامن الجنائى والاجتماعى والصحة وغياب الخدمات وتنتشر بها الاوبئة والامراض والبلطجة واطفال الشوارع وتعاطي المخدرات والتمرد على قيم ونظم المجتمع, لأنهم ظلوا اسرى دائرة الحرمان والحاجة . ويحذر هاشم من ثورة الجياع لأنها لن تكون سلمية, وتفضل الميل الى الطابع الدموى والعنف, ولا يمكن التحكم فى سلوكيات الثائرين, وليس لها قائد, ومظاهر احداث هذه الثورة تكمن فى الاعتداء على المحال التجارية والمزارع والشركات والمصانع وسرقة الاصول الانتاجية التابعة للدولة ورجال الاعمال والسطو على البنوك والمؤسسات المصرفية, واعتداء على كبار رجال الاعمال واصحاب السلطة والمسئولية داخل المجتمع, واذا استمرت حالة الفوضى المنتشرة الآن فى ربوع مصر, سوف تؤثر على الحالة الاقتصادية بما يلازمها من ارتفاع الاسعار وغياب الامن وافتقاد الحكومة الحالية الى رؤية تنموية واضحة ومحددة الزمن والنتيجة, لذا فإن مصر فى طريقها الى ثورة الجياع . ويقترح هاشم تبنى الحكومة لرؤية تنموية شاملة تنحاز بشكل واضح للفئات البسيطة ومحدودة الدخل, مع الاهتمام بتحسين الغذاء والخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية وتوفير الخدمات الاساسية لكل مواطن, كحقه فى مياه نقية وتوفير فرص عمل وتحقيق العدالة الاجتماعية وتقليل الفجوة النوعية بين الفقراء والاغنياء وتبنى الحكومة لسياسات اعلامية تدعو الى تشجيع العمل الخاص مع توفير مناطق التسويق وتوفير فرص الاستثمارالاجنبى والمحلى وتخفيض الضرائب الجمركية على الصادرات, مع الاعتماد على دعم منظمات المجتمع المدنى الذى يزيد على 45 الف جمعية أهلية تعمل بشكل اساسى فى مجال التنمية باستثماراتها وطاقتها البشرية ومواردها المؤسسية لتقديم خدمات حقيقية يلمسها المواطن فى الاماكن التى تمارس هذه الجمعيات انشطتها فيه . ويطالب دكتور هاشم الحكومة بالاستفادة من ذوى الخبرى والكفاءة فى وظائف الدولة العليا, مع تبنى سياسات تشجع على جذب الاستثمار المحلى, وتفعيل دور منظمات المجتمع المدنى والاجهزة الرقابية المعنية لحماية المستهلك, وضبط الاسواق للسيطرة على التجار المخالفين, كما طالب دكتورهاشم بضرورة الاهتمام بمناطق الصعيد, وبالمهمشين بها, بتنمية فرص الاستثمار للحد من الهجرة الداخلية الى المدن والمحافظات الكبري للارتقاء بمستوى المعيشة وايجاد فرص عمل للنازحين منها, مع تبنى الحكومة سياسات تحفيزية للمزارعين, تضمن لهم تسويق منتجاتهم بالاسعارالتى تراعى التكاليف الفعلية للانتاج, لافتاً الى تطويرألغام العشوائيات فى بورسعيد والاسماعيلية والسويس واسيوط ومعها القاهرة الكبرى لهذه المناطق التى تنعدم فيها الخدمات والمرافق, مع تدنى مستوى الصرف الصحى والكهرباء والمياه النقية والطرق وأوضاع المستشفيات وإنارة الشوارع ونقص المصالح الحكومية . خريطة ثورة الجياع تشكلها العشوائيات لما لها من انعكاسات اجتماعية واقتصادية وامنية تطل برأسها لتهدد امن واستقرار المجتمع تكشفها الدكتورة ايمان هاشم - مدرس الاقتصاد وعضو وحدة بحوث الازمات بجامعة عين شمس- فى دراسة لها تحمل عنوان «آثار وسبل مواجهة الازمات المجتمعية الناتجة عن احداث الربيع العربى», تكشف فيها ان محافظة القاهرة تستحوذ على ما يقرب من ثلث سكان المناطق العشوائية بنسبة 36% , تليها محافظة الجيزة 13 % والقليوبية 10% , لتستحوذ القاهرة الكبرى على نحو 59% من سكان العشوائيات, وتشتمل محافظات الوجه البحري الريفية على نسبة مرتفعة من سكان العشوائيات, نحو 31% , بينما تشتمل محافظات الوجه القبلى والمحافظات الصحراوية الحدودية على نسبة قليلة من سكان العشوائيات لا تتجاوز 5% , وتضيف أن معظم سكان المناطق العشوائية يتعرضون الى المخاطر البيئية الناتجة عن تراكم القمامة وانخفاض مستوى النظافة العامة وانعدام التواجد الامنى فى المنطقة وعدم إنارة الشوارع ليلاً .