سيظل التاريخ المصري يذكر أبطال المقاومة الشعبية ببورسعيد, الذين هزموا ثلاثة من اكبر جيوش العالم فى عام 1956, وتصدوا للاحتلال الاسرائيلى عام 1967, ثم بطولاتهم الخارقة في انتصار 1973. أبطال بورسعيد يروون ل«فيتو» تلك الأحداث ويتحدثون عن بطولاتهم ومواقفهم الفدائية ودور المقاومة الشعبية لأهالي بورسعيد , فضلا عن آرائهم فيما يحدث في مصر حاليا , فماذا قالوا ؟ محمد مهران, بطل مصري من طراز نادر في الوطنية, فاقت شهرته مصر وامتدت الي العالم,لأنه بطل من أبطال بورسعيد, فقد عينيه فداء لوطنه.. مهران يروي ذكرياته عن تلك المرحلة بقوله: الرئيس جمال عبد الناصر استدعى الفدائيين بعد تأميم القناة فى 27 يوليو 1956، ترقباً لأى هجوم, وأصبحنا نتلقى التدريبات, ومن ثم جاء العدوان الثلاثى, وبدأ دور المقاومة الشعبية فى بورسعيد, وكان عمري آنذاك لايتجاوز العشرين عاما, وكنت ضمن كتيبة الحرس الوطني فى منطقة الجميل كقائد سرية فى الكتيبة الثانية, وكنا نعمل بتنظيم وخطط واضحة, وكان كل فدائي ومواطن بورسعيدي يعرف دوره وموقعه ويرجع كل ذلك لأننا نحب بلدنا, وكنا على قلب رجل واحد . ويضيف: وفى يوم 5 نوفمبر1956 اشتركت مع زملائي في إبادة أول إسقاط مظلي، فألقيت قنبلتين يدويتين وسحبت رشاشي وهبطت إلي حفرة واخذت اطلق النار, فالتف عدد من جنود العدو حول الحفرة في نصف دائرة, فأطلقت النار علي الضابط «برن» , ففاجأني أحد الجنود برصاصة في رأسي، وأخرجوني من الحفرة وقبضوا علي, وحاولوا الحصول مني علي معلومات عن الفدائيين لكن دون جدوى, برغم استخدامهم كل أدوات التعذيب الوحشية, فقاموا بإحالتي الي محكمة عسكرية صورية, أمرت باقتلاع عيني وإعطائها للضابط الذي أصبته بنيران بندقيتي , ثم نقلوني إلى قبرص لإجراء العملية, وقبل إجراء العملية اخذوا يساومونني فى ترك إحدى عينى بشرط الادلاء بحديث إذاعي اعترف فيه بفشل السياسة المصرية , وأن الشعب البورسعيدي استقبل القوات البريطانية بحفاوة,ولكني رفضت, وتم اقتلاع عيني, وبعد إجراء العملية جاء الطبيب الذي اجري العملية, وقال لى: لقد فعلنا ذلك لكى تكون عبرة لمن يقف ضدنا, فقلت : انتم اقتلعتم عيني ولكن لم أتنازل عن وطنيتي. ويؤكد البطل البورسعيدى أن هذه العبارة استفزت الرئيس جمال عبد الناصرعند زيارته له في القاهرة , بعد ان اختطفه الفدائيون من مستشفى» الدلفراند», وقال لي: إنك لست عبرة, بل قدوة لكل مصري, ولكل إنسان حر فى العالم .. ومع إصرار الفدائيين والمقاومة الشعبية علي دحر المعتدين, انسحبت القوات المعادية فى فجر 23 ديسمبر 1956, واصبح هذا اليوم عيدا للنصر يحتفل به المصريون . وأشار محمد مهران الي ان ثورة 25 يناير اندلعت من اجل تحريرالشعب من عناصر الفساد, لكن الانفلات الأمني وانتشار أعمال البلطجة والعنف, مشاكل لابد من الصبر عليها حتي تعبر مصر ازمتها الراهنة. أما عبد المنعم الشاعر فهو بطل آخر من أبطال بورسعيد, يحب ان يقال عنه مصري الجنسية بورسعيدى العشق والهوى, والدته «الحاجة أمينة الغريب» رحمها الله, لم تكتف بدفع أولادها للاشتراك فى المقاومة, بل قدمت العون للفدائيين, بإخفاء أجهزتهم اللاسلكية وسلاحهم في منزلها, رغم حملات التفتيش المجنونة التى كان يقوم بها الضباط البريطانيون . بدأت اعماله الفدائية عام 1956, حينها كان يبلغ السابعة عشر من عمره, يقول البطل: تم محاصرة بورسعيد, وهذا لم يؤثر علينا, بل أصبحنا أشد مقاومة,خصوصا ان اهالي بورسعيد لم ترهبهم جيوش العدو, وأصبح كل يوم يمر نزداد حماسة ومقاومة, وحاربنا بالكلمة والطلقة والمقاطعة ,فالكلمة كتبناها على أسوار مدينتنا «يسقط الاستعمار», وبالمنشورات, والطلقة بحمل السلاح , ومقاطعة التعامل معهم, برغم قلة الموارد الغذائية, وتوقف مصادر الرزق، والمغريات التي كانوا يقدمونها . الشاعر يؤكد ان المواطن البورسعيدي الآن ليس كما كان وقت العدوان الثلاثي , خاصة بعد هجرة البورسعيدية فى 1967 حيث عاشت الشخصية البورسعيدية في الشتات 12 محافظة , بالإضافة إلى الهجمة الشرسة للمنطقة الحرة . ويواصل الشاعر كلامه عن المقاومة قائلا: إن المقاومة الشعبية نظمت العديد من العمليات الفدائية مثل خطف الضابط الإنجليزى «مورهاوس» , ابن عمة ملكة بريطانيا, وقد شكلت مع زملائي من جنود البحرية السابقين «المجموعة خمسة البحرية» التي قامت بعملية «كمين شونة الدقيق» ضد دوريات الجنود البريطانيين فى وسط المدينة، وقمت بالتسلل إلى داخل كازينو «بالاس» وسرقة منشور قائد القوات البريطانية الذي يؤكد مقتل الماجور «جون وليامز» بسلاح البطل السيد عسران، وتم إبلاغ القاهرة بنجاح عسران فى مهمته, وبعد عمليات فدائية متكررة اصدر الاتحاد السوفيتي إنذارا بضرب لندن وباريس بالصواريخ الذرية, وأمرت أمريكا بريطانيا وفرنسا بالانسحاب الفوري من الأراضي المصرية, ومن ثم انسحبت قوات فرنسا وبريطانيا واسرائيل من ميناء بورسعيد فى ليلة 22 ديسمبر 1956, وتوجهت فى صباح 23 ديسمبر مع أخي يحيى الشاعر ونحن نحمل الديناميت لتفجير ديليسبس, وبعد محاولتين لتفجيره نجحنا فى إسقاطه. وأعرب الفدائي عبد المنعم عن سعادته بثورة 25 يناير بقوله :إنها عبرت عما بداخلنا, لقد نجح الشباب.. والآن يجب على الثوار إبداء مطالبهم ثم العودة إلى أعمالهم ,حتى تدور عجلة الإنتاج فى البلد.