أكد علماء شريعة وقانونيون وخبراء فى علم الاجتماع أن تزويج القاصرات جريمة، مشددين على رفضهم القاطع له، واعتبروه أحد أشكال انتهاك حقوق الإنسان، خصوصاً أن الصغيرة لا تدرك من أمر الدنيا ولا الحياة شيئاً، وتكون غافلة عن ماهية الزواج وتبعاته. د.ملكة يوسف زرار - أستاذ الشريعة- ترى أن هناك بعض المجتمعات تتبع عدداً من التقاليد التى لا تخالف الشريعة الإسلامية، وبذلك يكون زواج القاصر عادة وعرفاً لا مخالفة فيه، ولكن حين ربط الشرع الإسلامى الزواج ببلوغ الفتاة المحيض، وكان هذا يحدث فى العصر الإسلامى الأول، أما الآن فقد تغيرت الأمور وتعقدت الحياة الاجتماعية وتتحمل الزوجة تكاليفاً معقدة لا تتواءم الآن مع الاعراف السائدة لتزويج البنات مبكراً، بعدما اثبت الطب الحديث وجود الكثير من الاضرار الصحية التى تصيب الفتاة فى هذه الحالة مما يفقد المرأة تحمل المسئولية فالزواج ليس مقتصراً على الفراش والمعاشرة وإنما هناك توابع من حمل وولادة وغير ذلك، مما يمكن أن يسبب للفتاة تسمماً مصاحباً للحمل والولادة، وهناك احصائية طبية تؤكد ارتفاع نسبة الوفيات بين الفتيات المتزوجات القاصرات تصل إلى 51٪ عن الوفيات المصاحبة للولادة للمتزوجات فى سن العشرين فما فوقها. وأضافت د.ملكة أن العقد لو تم على الفتاة أقل من 81 عاماً فإنه لا يتعارض مع الشرع، لكن الرشد مطلوب، والضرر مرفوض على الإطلاق، ويقول الفقهاء إن درء المفاسد مقدم على جلب المنافع، وليس هناك أكثر من الضرر الذى يصيب المرأة فى جسدها الذى أمر الشرع بالحفاظ عليه واعتبر ذلك من القواعد الشرعية والضروريات. وتتهم د.سعاد صالح أولياء الأمور بأنهم يدمرون بناتهم بتزويجهن فى سن صغيرة جداً، مثلما يحدث فى كرداسة والحوامدية والمنصورة وبعض مناطق الشرقية، مؤكدة أن الشريعة مبناها وأساسها أن الحكم قائم على مصالح العباد، فهى عدل ورحمة، وفى حالة زواج القاصرات فقد خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى القسوة وعن المصلحة إلى العبث، ولذلك فما يحدث ليس من الشريعة وإن دخلت فيه بالتأويل. وأضافت د.سعاد صالح أن نظام الأسرة فى الإسلام متكامل، وحتى نفهم نظام الأسرة يتعين علينا أن ننظر إلى الأسرة ليس فقط باعتبارها نواة المجتمع وحجر أساسها ولكن باعتبارها الوعاء الذى ينتج عنه نشوء أجيال جديدة، ولنتأمل قول الله تعالى «إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، كما أن نظام الأسرة فى الإسلام يقوم على اسس صالحة، منها حسن الاختيار المبنى على فهم مقاصد الزواج ولذلك لابد من التقارب الفكرى والثقافى والديني، وأن يكون ذلك سمة طرفى العلاقة الزوجية، مما يساعد على بناء أرضية مشتركة من التفاهم، ويعمل على تعميق العلاقة، بينما زواج القاصرات يكون بعيداً عن تحمل المسئولية واقامة أسرة سوية ومخالفاً لما فعله رسول الله حين رد نكاح من أكرهها أبوها على الزواج، حتى وإن كانت بالغة، فما بالنا بالصغيرة التى لا تملك إرادة الاختيار أو جرأة المصارحة بالرد أو القبول. د.محمد الشحات الجندى - أستاذ الشريعة بجامعة حلوان - يؤكد أن زواج القاصرات يمثل علاقة غير متوافقة وغير متوائمة بين طفلة صغيرة ورجل يكبرها بعشرات الأعوام، مما يؤدى فى النهاية إلى القضاء على المفهوم الأساسي للزواج، الذى اساسه المودة والرحمة وزواج القاصرات يفتقد عنصر التكافؤ بين الطرفين، كما يعتبر الزواج فى مثل هذه الحالة متعة ترفضها جميع المذاهب الفقهية، وقد تسبب زواج القاصرات في جعل مصر محطة ترانزيت للأزواج العرب، مطالباً بضرورة التوعية المجتمعية الشاملة خاصة للنساء الريفيات، وألا يقتصر الأمر على اصدار قوانين لا تستطيع تغيير عادات وتقاليد المجتمع، ويجب على المؤسسات الدينية والمجتمعية القيام بدورها فى التوعية بخطورة تزويج القاصرات. وتطالب د.هدى زكريا - أستاذ علم الاجتماع بجامعة الزقازيق - بالكشف عن تواريخ الميلاد الحقيقية ورصد وتويثق حالات زواج القاصرات ومواجهتها بالتعاون بين أجهزة الدولة والمواطنين فى المناطق الريفية والنائية، كما أن السبب الحقيقى وراء انتشار هذا الزواج هو انتشار ثقافة الاستهلاك والطموح للحصول على المال، وسيادة ثقافة القطيع، بجانب الأمية واختفاء دور عالم الدين الحقيقي. وتحكى د. سوسن عبد اللطيف - أستاذ علم الاجتماع - قصة فتاة عمرها 51 عاماً تزوجت فى عام واحد 21 مرة فيما يسمى بزواج الإجازة والبنت من سكان العشوائيات فما هى إلا أيام ويطلقها الزوج الثرى العربى الذى تكون اجازته قد انتهت فى مصر ليعود إلى بلاده، ليأتى لها السمسار بزوج آخر، وهكذا على مدار العام. وتصف د.سوسن هذا بأنه «دعارة» وليس زواجاً، فالأزمات الاقتصادية وعدم الوعى الثقافى يدفع الآباء فى هذه المناطق إلى الاتجار بأطفالهم، ويشترك معهم فى ذلك بعض المحامين، أما فى الريف فيحدث ذلك من بعض السماسرة بهدف الحصول على المال عن طريق تسنين الفتاة للحصول على شهادة من الطبيب. وتضيف أن هناك اهتزازاً فى القيم داخل المجتمع، ولا توجد معيارية لدى الأهل، إضافة إلى أن هناك جهلاً بالقانون والشريعة، الأمر الذى يحتم فرض رقابة ومتابعة لعمل المأذونين، بالفحص الدقيق لملفات الزواج، وقد قرأنا عن مأذون «كفر حانوت» بزفتى بالغربية الذى قبض عليه لقيامه بتزويج 463 فتاة تحت سن 81 عاماً بالمخالفة للقانون، وصدر الحكم بحبسه عامين وغرامة 005 جنيه. ويوضح المستشار محمد بلال - رئيس محكمة النقض بالمنصورة - أن المحاكم لا تقبل دعوى الزوجة القاصر ولا تعترف بالورقة العرفية التى يحررها المحامون والمشايخ للعقد على الفتاة القاصر، حتى تصل إلى السن القانونية فيغير العقد العرفى إلى عقد شرعى رسمي. ويضيف المستشار بلال أن الزوجة القاصر ليس لها حقوق مادية إذا انفضلت عن زوجها بالطلاق، ولا يمكنها المطالبة بمسكن الزوجية، ومن ناحية أخرى لا يجوز للزوج أن يطلب زوجته لبيت الطاعة.