فى السادسة من عمره توفى والده السنهورى أبو الدستور ومؤسس مجلس الدولة ولقبه أساتذة الشريعة بالإمام الخامس يشكو إلى الله بعد محاولة الدهماء قتله وعدول تلاميذه عن الشهادة كان صديقا للحكيم ومعجبا بسيد درويش وسارة برنار عيسى سدود الدكتور عبد الرازق السنهورى هو أبو الدساتير، فقد وضع لكل من سوريا وليبيا والسودان والعراق والكويت دساتيرها، ورفض تقاضى أى مقابل مادى من هذه الدول. ولد الدكتور عبد الرازق السنهورى فى 11 أغسطس سنة 1895 بمدينة الإسكندرية لأسرة فقيرة، وعاش طفولته يتيما بعد وفاة والده وهو فى السادسة من عمره. بدأ عبد الرازق تعليمه فى الكُتاب بتشجيع من والده الذى كان يقدم له الجوائز ترغيبا له فى التعليم، ثم انتقل بعد وفاة والده إلى مدرسة راتب باشا الابتدائية، ثم التحق بمدرسة رأس التين الثانوية، فالمدرسة العباسية الثانوية بالإسكندرية ومنها حصل على الشهادة الثانوية عام 1913، وكان ترتيبه الثانى على طلاب القطر المصرى، ثم نال عبد الرازق درجة ليسانس الحقوق سنة 1917 من مدرسة الحقوق الخديوية بالقاهرة، التى كانت دراستها باللغة الإنجليزية. بدأ عبد الرازق حياته موظفا صغيرا سنة 1912 فى جمرك الإسكندرية، ثم حصل على 6 شهادات دكتوراه من فرنسا، ويعتبر الدكتور السنهورى أبو القوانين الوضعية، فقد وضع القانون المدنى المصرى فى مؤلف من 10 أجزاء استغرق فى تأليفها عشرين عاما، ويضم كل جزء ألف صفحة، وقد أتم السنهورى الجزء الأخير فى أثناء مرضه الأخير، وقد أطلق عليه أساتذة الشريعة الإسلامية لقب "الإمام الخامس" بعد الأئمة الأربعة، وفى العراق لقبه تلاميذه ب "الأستاذ الإمام". كان الدكتور عبد الرازق السنهورى صديقا لتوفيق الحكيم وجاره فى الجيزة منذ عام 1935، وكانا يسيران على كوبرى عباس يتبادلان الحديث كل يوم عصرا، ويذكر توفيق الحكيم فى كتابه "عودة الوعى" عندما همس له السنهورى عن مشروعه الوطنى لغرس روح البطولة فى نفوس الشباب، وأخذا يستعرضان معا أبطال التاريخ أصحاب المبادئ العظيمة أمثال عمر بن الخطاب وطارق بن زياد ورمسيس الثانى. السنهورى مؤلف مئات الأبحاث والمؤلفات العربية والفرنسية فى القانون والشريعة والفقه، ووقف السنهورى بالمرصاد ضد تكميم حرية الصحافة أو تعطيلها كسياج واق من عبث الحاكمين وطغيانهم. ويعتبر السنهورى أكبر عقل قانونى أنتجه العالم العربى، وتعتبر كتاباته القانونية أرقى الكتابات الأدبية محليا وعالميا، وقبل 23 يوليو كان قد أنشأ "مجلس الدولة" وأصبح رئيسا له، وهو البطل القومى لدى كل فئات الشعب عندما كانت المعركة السياسية على أشدها قبل يوليو 1952 فقد كانت معظم المواجهات السياسية تنتهى إلى "مجلس الدولة"، وكان يصدر أحكاما قضائية بلغت القمة فى شجاعتها ونزاهتها ودقتها فى مراعاة القانون وعمقها فى تطبيق روح القانون. لقد رفض السنهورى منصب رئيس وزراء مصر الذى رشحه له محمد نجيب، فقد كانت بينهما علاقة وطيدة، فالسنهورى كان أستاذه بكلية الحقوق، وكثيرا ما أشاد نجيب بتلك العلاقة، وليس من قبيل المصادفة أن يتم الاعتداء على السنهورى بمجلس الدولة فى 29 مارس 1954، وهو ذات اليوم الذى جرت فيه محاولة الاعتداء على محمد نجيب. لقد عصفت تقلبات الثورة بالسنهورى إلى حد التهجم الوحشى وانتهى الوضع به معزولا معتزلا غير مسموح حتى بذكر اسمه فى أى جامعة أو فى صحيفة. ومن إنجازاته أنه كان أستاذا وعميدا للحقوق ووزيرا للمعارف ثم رئيسا لمجلس الدولة الذى أرسى قواعده، إلى جانب تأسيسه لجامعة الإسكندرية، واضعا مشروع قانونها عام 1942، وهو وزير للمعارف عام 1948، وقد تولى هذه الوزارة أربع مرات ليخرج منها عام 49، معترفا: لقد خدمت التعليم بكل جهدى وحاولت تخطى جميع الصعاب، لكننى فشلت فى شيء واحد هو القضاء على الدروس الخصوصية. وفى 11 أغسطس 1969 أصابه المرض، وفى 21 يوليو 1971 رحل السنهورى، تاركا قبسا من مذكراته: ركبت البحر لا أعلم ما يخبئه الغيب لى، ولم يبك من أهلى إلا اثنان، وآخران لم يبكيا، لأحدهما عندى منزلة خاصة وللآخر منزلة هو عالم بها، وحياة العواطف كلها أشواك.. شهدت للمرة الأولى الممثلة "سارة برنار" التى تبلغ السبعين تمثل دورا يتلاءم معها، وسمعتها تتكلم فألفيت صوتها طبيعيا عذبا ليس فيه شيء من التكلف الذى ينهجه الممثلون، إلا أنها لا تدهش السامعين فى أول أمرها لكنها تتدرج بهم حتى يمتزجوا فى نفسها، فلا يشعرون إلا بشعورها ولا يرون إلا بعينيها دون تكلف، ولم تنته الرواية إلا وقمت معجبا بها كل الإعجاب، مصفقا لها حتى كادت يداى تدميان آسفا على ما فاتنى منها فى جميع مراحل عمرها على خشبة المسرح.. أرى الصنعة لها دخل كبير فى أخلاق الفرنسيين، فالحديث عندهم فن، والتحية فن، حتى الجمال الذى تهبه الطبيعة الفن فيه له المجال الأكبر، ولا أقصد بهذا أدوات التزويق والدهان فحسب، بل أيضا فن الملاطفة والبشاشة والمجاملة والذوق، وأقول: أن البشاشة عندهم لها فنها كأن يصفون شخصا ليس عليه مسحة من جمال بأنه لطيف Gentil وخلاب Charmant وجذاب Sympatique، ومن هنا يغدو الجميع سعداء، أشعر ودائى أنى أشعر، وهذا هو موضع الضعف عندى، لا أحسب أن أحدا قد نفذ إلى دقائق الحياة من بعد الأنبياء أكثر من رجلين "المتنبى وشكسبير"، حتى تكون قويا ليس أمامك سوى أن تريد. رأيت فيما يرى النائم أن الغرب تشرق عليه شمس ساطعة حدقت فيها طويلا ثم أدرت وجهى تجاه الشرق، فرأيت شمسا أوسع مدى وأسطع نورا، وحسبت أنى أنا الذى أنقل هذه الشمس بيدى شمس الشرق للغرب، وكأنى وقتها سمعت لفظ العلم يهمس، ثم أفقت من نومى. وقال السنهورى: طربت لصوت الشيخ سيد درويش النابغة فى أدواره التى أصبحت أدندن بها بين الحجرات وعلى ضفاف السين: (ياللى تحب الورد ليه من فوق شجرته تقطفه، والوردة إيه ذنبها لما تفارق غصنها من يوم ما ماتت أمها دبلت يا ناس مش تنصفوا، والأستيك فوق صدرك يضوى وفى قلبى متعلق ساعة). ومن مأثوراته: وددت لو خدمت القضاء بأن أجعل السلطة القضائية مهيمنة على السلطتين التشريعية والتنفيذية بعد وضع الضمانات الكافية للقضاء ونزاهته.. كلما تقدمت فى السن رأيتنى أحوج إلى الأخلاق منى إلى العلم والذكاء.. أحيانا تكون الغربة وطنا، وأحيانا يكون الوطن غربة.. أصبحت لا آمن قلبى على عاطفة إن طال عهده به.. أحذر ممن لا يرى فيك إلا مرأة له.. فى الأمم القوية يقدر العلماء.. الصراخ على قدر الألم.. إننى فى حاجة إلى من يشاطرنى السرور أكثر ممن يشاطرنى الحزن.. من كان جميع الناس أصدقاؤه فليس له أصدقاء.. الإسلام قد أتى لا ليبيح الرق ولا ليعدد الزوجات، ولكنه أتى ليقيد من الرق ومن تعدد الزوجات.. اللهم إنى قد اجتهدت فى قضائى هذا فإن كنت مخطئا فاغفر لى وأن كنت مصيبا فقد هديتنى.. ما رأيت أنكى من أن يتصدى للدفاع عن الحق رجل قام على الباطل.. مصر ليست فى حاجة لكفيل.. الصيام عن الشريعة يؤدى بنا إلى فوضى منظمة، وكذلك الصوم عن التشريع.. القانون يعدل بيننا لكننا نظلمه.. الخطأ فى العفو خير من الخطأ فى العقوبة.. لرجال الثورة: نحن فى حاجة إلى إلهامكم وأنتم فى حاجة إلى معرفتنا ونحن فى حاجة إلى حركتكم وأنتم فى حاجة إلى ثباتنا ونحن فى حاجة إلى وثبتكم وأنتم فى حاجة إلى تجربتنا.. هنيئا لحكومتنا المظفرة، إنها دائما على حق وهى دائما تكسب الرهان، فلا ينزل بأوامرها فى حلبة السباق إلا حصان واحد وهى تراهن على هذا الحصان.. مصر قدرها أن تكون قائدة لا تابعة.. هناك من التجار من يتعمد إحراق متجره حتى لا ينكشف إفلاسه، فهل ترى هذا التاجر هو الذى علم رجال السياسة؟ وفى مذبحة القضاء الأولى عام 1954 اضطر بعض المستشارين الذين شهدوا أمام النيابة بما رأوه بأعينهم من الاعتداء الوحشى على رئيسهم الدكتور السنهورى بمجلس الدولة ومحاولة قتله، لكنهم اضطروا تحت التهديد والإرهاب والتلميح بما لا تحمد عقباه أن يعدلوا عن شهادتهم أمام المحكمة العسكرية، فدعا السنهورى بدعاء النبى: "اللهم إنى أشكو إليك قلة حيلتى وضعف قوتى وهوانى على الناس، أنت رب المستضعفين وأنت ربى، إلى من تكلنى، إلى قريب يتجاهمنى أم إلى عدو ملكته أمرى، اللهم إن لم يكن بك غضب على فلا أبالى، أعوذ بنور وجهك الذى أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن تنزل بى غضبك أو يحل على سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك".