المستشار حامد الجمل: المجلس العسكرى سبب حل مجلس الشعب كانت مشكلة المجلس العسكري، بعد أن أصبح الحاكم الفعلى للبلاد، هي انتخاب مجلسي شعب وشورى، والتي كان من المؤكد أنها ستخالف مصالح المجلس العسكري فيما بعد، باعتباره واحدا من هذه الأجهزة ، ولعل أبرز القوانين التي تخوف المجلس من إصدارها هي القوانين التي تخضع الميزانية السنوية للجيش تحت رقابة مجلس الشعب ، أو إصدار قوانين تعيق علاقاته بالدول الخارجية، بالإضافة إلى القوانين التي تختص بالأمن الداخلي والخارجي وما إلى ذلك . ولم يكن هناك فصيل سياسي قوي على الساحة يهدد «العسكرى» إلا تيار الإخوان المسلمين الأكثر تنظيما ،والذي كان قادرا بشدة في ذلك الوقت على حشد الجماهير من الإخوان ومن خارجهم في مواجهة ما يريد المجلس ، ولهذا لم يكن أمام المجلس العسكري إلا التعامل مع الإخوان عن طريق عقد الصفقات معهم لتمكينهم من المناصب السياسية في الدولة، التي أولها الوصول إلى أغلبية فى مجلس الشعب، وفي المقابل لايتطرق الإخوان لمناقشة أي قضية تخص الجيش في البرلمان، وبهذا يتحقق مراد الطرفين، فيتخلص المجلس العسكري من صداع الإخوان ، ويتولي الاخوان مناصب سلطوية لا تخرج عن سيطرة المجلس . كانت بداية تنفيذ الاتفاق من جانب المجلس العسكري بأن أصدر في شهر سبتمبر 2011 بعد الإعلان الدستوري,قانونا يعدل نظام انتخابات مجلسي الشعب والشورى من الانتخاب بالنظام الفردي لجميع المقاعد بالبرلمان إلى الانتخاب بنظام القوائم الحزبية, والتي تقوم فيها الأحزاب بترشيح عدد من الأفراد ككتلة واحدة في كل دائرة على مستوى مصر, ويختار منها المواطن قائمة الحزب الذي يريد أن يمثله في البرلمان, وتم تخصيص ثلثي مقاعد البرلمان لهذا النظام ، وذلك بالإضافة إلى العمل بنظام الانتخاب الفردي الذي يترشح فيه مستقلون لا ينتمون لأي أحزاب , يختار منهم المواطن مرشح فئات وآخر عمال أو فلاحين, وتم تخصيص الثلث الباقي من مقاعد البرلمان لهذا النظام ، وقيل إن الإخوان هم أصحاب فكرة هذا القانون, وأنهم قاموا بطرحها في الاجتماعات التي دارت بينهم وبين المجلس العسكري هم وباقي الأحزاب الأخرى . وكان هذا القانون هو أكبر الأسباب التي ساعدت الإخوان المسلمين في الاستيلاء على المقاعد والحصول على الأغلبية البرلمانية بمباركة المجلس العسكري وذلك لأنهم وضعوا أسماء كثيرة من المرشحين على كل قائمة في كل دائرة انتخابية لضمان الحصول على أكبر عدد من المقاعد عند نجاح قائمة هذه الدائرة، بالإضافة إلى أن القانون لم يحدد نوعية المرشحين الفرديين المستقلين والذي تم على إثره ترشيح الإخوان شخصيات لا تنتمي لحزب الحرية والعدالة لكنهم ينتمون لجماعة الإخوان وقاموا بإظهارهم أمام الناس بأنهم مستقلون لايتبعون الحزب ولكنهم في حقيقة الأمر لايخرجون عن المنهج والفكر الإخواني ، ثم قاموا بعد ذلك باستغلال الدين واستخدامه في الدعاية لأنفسهم وأنهم من سيحققون العدل والمساواة بين الناس كما أمرهم الدين والرسول ، هذا بخلاف الأموال التي دفعوها للمواطنين الفقراء واستغلال جهلهم وحاجتهم من أجل التصويت لصالحهم ، الأمر الذي أدى لظهور التحالفات المشتركة بين الأحزاب لدخولها الانتخابات تحت قائمة حزبية واحدة وألا يعمل كل حزب بمفرده من أجل مواجهة الحشد الإخواني باسم الدين ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه خلال هذه الفترة القصيرة قبل ميعاد الانتخابات يوم 28 نوفمبر 2011 ، وكانت أبرز هذه التحالفات مثل تحالف الكتلة المصرية الذي ضم أحزاب المصريين الأحرار والتجمع والمصري الديمقراطي ، وكذلك الكتلة الإسلامية التي ضمت التيار السلفي كحزب النور والأصالة والبناء والتنمية ، وأيضا تحالف ائتلاف الوسط الذي ضم حزبى الوسط والريادة وغيرها من الأحزاب الأخرى التي اتخذت نفس الطريق ، وهناك أحزاب دخلت الانتخابات منفردة مثل أحزاب الوفد والجبهة ومصر الحرية وغيرها ، وابتعد شباب الثورة عن المشهد لرفض بعضهم هذا القانون الذي ستتم بموجبه الانتخابات والبعض الآخر رفض الانضمام لأية قوائم حزبية فترشحوا مستقلين لكن كفة الإخوان كانت الأرجح في كل الأحوال وحصلوا من خلال هذا القانون على الأغلبية البرلمانية بعد اللعب على المواطنين باسم الدين . المستشار محمد حامد الجمل -رئيس مجلس الدولة الأسبق- يعلق على قانون انتخابات مجلسي الشعب والشورى بنظام القائمة الحزبية قائلا إن المجلس العسكري قام بإصدار قانون تعديل الانتخابات البرلمانية فى ذلك الوقت دون الرجوع إلى الخبراء القانونيين في هذا الأمر ، فكان من المفترض أن يذهب هذا القانون إلى قسم التشريع في مجلس الدولة والذي أقل خبرة لأي شخص في هذا القسم تصل إلى 30 عاما في مجال التشريعات والقوانين وذلك للفصل في صحته وأيضا في موائمته للحياة السياسية المصرية قبل إعلانه على الجمهور ، فالعمل بنظام القوائم في الانتخابات أثبت عدم خبرة المجلس العسكري في التشريعات القانونية وعدم معرفته بالواقع الاجتماعي والسياسي المصري الذي يقول إن نظام القوائم لا يتلاءم مع ناخبين أغلبهم محدود الثقافة وجزء كبير منهم لايعرف القراءة ولا الكتابة ، فكان الناخبون يذهبون للإدلاء بأصواتهم ويختارون القائمة بناء على رمزها ولا يعرفون حتى من هم الأشخاص الذين يمثلون هذه القائمة ، هذا بالإضافة إلى أن كثرة القوائم وكذلك الأسماء المرشحة المستقلة جعلت الأمر يختلط على هؤلاء بل وهناك العديد ممن اختاروا مرشحين مستقلين لايعرفون من هم في الأساس وإنما اختاروهم لتكملة العملية الانتخابية فقط بعد انتخاب قائمتهم الحزبية والتي كان التركيز عليها أكثر من الأفراد المستقلين وبالطبع أدى كل هذا لاستغلال الإخوان المسلمين جهل الناس والتأثير عليهم باختيار رمز حزبهم الذي أعطاهم في النهاية أغلبية ساحقة في البرلمان . وأشار حامد الجمل إلى أن المجلس العسكري هو من تسبب في حل مجلس الشعب بسبب عدم دستورية القانون الذي اخترعه وبسبب الأغلبية الدينية التي ساعدها في الاستيلاء على البرلمان بإصداره قانون الانتخاب بالقوائم .