رمضان جانا ..كل عام وأنتم بخير ..هذا رمضاننا الثاني بعد ثورة 25 يناير..يهل علينا ولدينا رئيس منتخب..ولدينا مكتب في المقطم يوزع النفحات على الفقراء ..فلدينا انتخابات تشريعية قادمة بعد حكم الدستورية العليا ببطلان مجلس الشعب وربما يطال الشورى ما طال الشعب وربما يطال الشعب من النفحات الإخوانية ما يسد الجوع في شهر هو الأعلى في مصاريفه وسط مجتمع تزيد فيه نسبة الفقر على 40%. رمضان جانا .. وهاهي الأسر الفقيرة تبحث عن وسيلة تسد بها إنفاقها الذي يقدره الخبراء في رمضان بنحو 5 مليارات جنيه كنفقات أسرية على السلع الغذائية. وفي مثل هذه الأيام، ومع بداية شهر رمضان الكريم، دائماً ما يحسن السياسيون والأحزاب والقوى السياسية المختلفة استغلال الفرصة في التقرب من المواطنين، ونشر دعايتهم السياسية والانتخابية.ولسنوات طويلة ظل الحزب الوطني (المنحل) هو الأكثر قدرة على استغلال الشهر الكريم في الترويج لنفسه من خلال موائد الإفطار التي يقيمها أعضاؤه وشنط الخير التي توزعها أماناته في كل أرجاء مصر، وظل ينافس الوطني علي مدار الثلاثين عاماً الماضية ولكن على استحياء جماعة الإخوان المسلمين (التي كانت محظورة)، لكنها أبداً لم تصل لقدرات الوطني الدعائية خلال شهر رمضان..ولأن دوام الحال من المحال فقد تحولت «المحظورة» إلى «المحظوظة « وأصبح أحد رجالاتها رئيسا. ولسنوات عديدة كنا نشاهد الموائد الرمضانية المدججة بأفخر أنواع الأطعمة، والمصحوبة باللقاءات والندوات والخطب السياسية، والمختتمة بالأحاديث عن المشروعات والإنجازات التي يحققها الحزب وحكومته، وكانت تصل تكاليف المائدة الواحدة منها إلى ملايين الجنيهات التي يتحملها رجال أعمال الحزب البارزين، وكانت تتنوع هذه الموائد بين السياسية التي يلتقي فيها الأعضاء مع بعضهم البعض، أو يلتقون فيها مع غيرهم من القوى السياسية، إضافة إلى موائد الرحمن التي كانت تعد للفقراء في محاولات من الحزب الوطني وأعضائه لكسب ثقة رجل الشارع العادي. وبعد أن رحل «مبارك» وجدت الجماعة نفسها والشارع سويا بلا منافس ..وكان يجب ألا تضيع الفرصة التي ربما تكون الوحيدة للتمكين والاستيلاء علي الحكم للأبد ..إذن أين الحل ؟؟...الحل في الشنطة ...وإذا سألناكم ...الشنطة دي فيها إيه؟؟ فيها زيت وسكر وسمن وفيها بركة شيوخ المقطم وبركاتهم ..فيها بطاقة انتخابية لشعب أجبرته الحاجة أن يبيع صوته بثمن بخس وتتشرب البلاد برلمانا يناقش مضاجعة الوداع ويطبق المثل الشعبي ..«قاله يابا علمني الهيافة». قالوا لنا نحن نتحدث باسم الثورة بل نحن الثورة ..واكتشفنا أنهم اخرجوا «كتالوج» الحزب الوطني ليقلدوه في ديكتاتوريته واستغلاله للفقراء . خرجت شنطة الخير الانتخابية من رحم السياسة إلى أن أصبحت هي الفيصل في الحصول على الأصوات الانتخابية . ولا تغيب عن هذا النسق موائد الرحمن حيث أكد تقرير صادر عن مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء العام الماضي أن 78 % من رواد «موائد الرحمن» هم من الذين يعملون في القطاع الخاص، بينما يعمل قرابة 12 % منهم في القطاع الحكومي. وأكد التقرير أن عدد «موائد الرحمن» العام الماضي بلغ نحو 13555 مائدة في المحافظات المصرية كلها، ووصل عدد المترددين عليها ما يقرب من مليون و 900ألف مواطن يوميا، أي ما يزيد على 50 مليون شخص على مدار الشهر. وبلغ متوسط التكلفة الكلية للمائدة الواحدة 1269 جنيها يوميا، بينما يبلغ متوسط تكلفة الوجبة للفرد الواحد نحو 9 جنيهات يوميا. وفي أيام المخلوع كانت الجماعة المحظورة تتعثر في عمل المائدة الرمضانية بسبب ما كانت تسميه ضغوط امن الدولة ..أما الآن فهي الدولة والدولة هي ...مكتب الإرشاد هو الذي سيمنح التيارات الأخرى تصاريح إقامة الموائد أو يرفض .. فالدعاية السياسية والانتخابية خلال شهر رمضان الماضي كان لها تأثير قوي خاصة أن الشهر المعظم جاء مواكباً لانتخابات مجلسي الشورى ثم الشعب، فانطلق المرشحون يقيمون الموائد الرمضانية وحفلات إفطار الوحدة الوطنية، والندوات الدينية والأمسيات الرمضانية، إضافة إلي توزيع شنط الخير التي وزع منها الحزب الوطني في العام الماضي ما يقرب من الخمسة ملايين شنطة رمضانية. المجلس الأعلى للقوات المسلحة هو الآخر دخل علي خط تخفيف المعانة عن المواطنين في مثل هذه الأيام، حين قامت القوات المسلحة العام الماضي بتوزيع 250 ألف شنطة رمضانية تحتوي علي سلع تموينية ووزعت هذه السلع علي ست محافظات هي القاهرة والجيزة والقليوبية والمنيا وبني سويف والفيوم.. وفي العام الماضي ناشد عمرو خالد من خلال برنامجه المصريين إلي جمع 3 ملايين شنطة من أجل إطعام المساكين في شهر الخير، كما قامت الجمعية الشرعية (السلفية) بتوزيع ما قالت إنه (عطاء رمضان) علي الأيتام وأمهاتهم وطلبة العلم، وأوضحت أن عطاء رمضان هذا العام يشمل توزيع128 ألفا و478 شنطة تصرف لكل أسرة بعدد أفرادها، وتحتوي على سكر، أرز، مكرونة، زيت). وعطاء الخير هو ما أنتج برلمان «أم الخير»..الذي اخرج لنا «ونيس» والبلكيمي» . رمضان جانا ..وقد تغيرت مبادئ كثيرة وجرت في النهر مياه أكثر ..وتحولت شعارات الجماعة المحظوظة من «نحمل الخير لمصر « إلى نحمل الشنطة لمصر..وربما تغير شعارها الأساسي إلى ..«الشنطة هي الحل».. ولعل كلمات الراحل الرائع أمل دنقل في قصيدته « كلمات سبارتكوس الأخيرة» يا إخوتي الذين يعبرون في الميدان في انحناء منحدرين في نهاية المساء..لا تحلموا بعالم سعيد .. فخلف كلّ قيصر يموت : قيصر جديد . ..ورمضان كريم يا مصر. لسنوات عديدة كنا نشاهد الموائد الرمضانية المدججة بأفخر أنواع الأطعمة، والمصحوبة باللقاءات والندوات والخطب السياسية، والمختتمة بالأحاديث عن المشروعات والإنجازات التي يحققها الحزب وحكومته، وكانت تصل تكاليف المائدة الواحدة منها إلى ملايين الجنيهات التي يتحملها رجال أعمال الحزب الوطنى البارزين.