لو طبقنا بدقة القواعد الأساسية لعملية صنع القرار فلن نستطيع فهم منطق القرار القاضى بالقبض على نقيب الصحفيين، وعضوين من أعضاء النقابة! والواقع أن عملية صنع القرار تحتاج أولا إلى التوثيق الدقيق للوقائع، ثم هي من بعد لابد أن تعتمد على الأجهزة المتخصصة في الميدان الذي سيصدر القرار في مجاله. وصانع القرار –أيا كان- عليه أن يزن بدقة الجوانب السلبية والإيجابية في القرار، وعليه أن يضع في اعتباره ردود الفعل للقرار سواء صدرت من المتخصصين أو من الرأى العام. نكتب ذلك بمناسبة الأزمة الحادة التي نشبت بين وزارة الداخلية ونقابة الصحفيين فيما قيل إن قوات الأمن اقتحمت مبنى النقابة للقبض على صحفيين صدر بشأنهما قرار بالضبط والإحضار. وقامت القيامة بعد الواقعة، واختلطت الاعتراضات القانونية التي أبدتها النقابة بردود الفعل الغوغائية التي تزعمها عدد من شباب الصحفيين المحبطين لأسباب متعددة والذين وجدوا الواقعة المذكورة فرصة لا تعوض للتظاهر ضد الوزارة ورفع سقف المطالب بصورة غير معقولة لأنها تضمنت ضرورة اعتذار رئاسة الجمهورية وضرورة إقالة وزير الداخلية. وبعد ذلك تمت في الوسط الصحفى مبادرات إيجابية من دور صحفية يرأسها صحفيون يتسمون بالحكمة والذين رأوا أهمية إطفاء هذه النار المشتعلة حفاظا على النقابة ذاتها، ودفاعا عن حرية الصحافة. تعددت المبادرات وكان الرأى العام في انتظار أن تحل المشكلة حلا مرضيا، وإذا بقرار مفاجئ يصدر من النيابة العامة بالقبض على نقيب الصحفيين واثنين من أعضاء مجلس النقابة للتحقيق معهم في تهم وجهت لهم. وأنا في الواقع – من وجهة نظر الرشد في عملية صنع القرار ومراعاة الملاءمة السياسية- لم أفهم لا أنا ولا غيرى منطق هذا القرار ولا توقيته! لأن القرار أدى إلى زيادة الاحتقان في صفوف الصحفيين. ومن هنا يحق لنا أن نتساءل أين اعتبارات السلطة التقديرية وأين قواعد الملاءمة السياسية؟