صكت الكلمة أذني، قالها الرجل ببرود وبصوت خشن لا حياة فيه : الذين يقولون مصرعلى وشك الإفلاس هم المفلسون !! وحين قالها نظرت إلى الجالسين معي على مقهى « درب المهابيل» فوجدت نعالهم من فرط ثقوبها أصبحت ثقبا كبيرا، وضعوا فيه حذاء، ونظرت لملابسهم فوجدتها بالية ممزقة كل ممزق، كأنهم ارتدوها ولم يخلعوها أبدا، وخيل إليَّ أنهم لو أرادوا خلعها لتحتم تقشيرها من على أجسادهم، ما بال هذا الرجل يهرطق بما لا يعرف، أو أنه يعرف فأراد كعادة الفراعين الاستخفاف بنا فأخذ يهرف غير مهتم بما يقول، لا يعنيه أن نعرف أنه كاذب أعيانا بكذبه، كانت وجوه من في المقهى شاحبة متغضنة من شدة الفقر، ورغما عني وجدتني أتكلم بصوت مرتفع : هذا هو الشعب أيها الفرعون الكاذب، لا يجد قوت يومه وأنت تتكلم معه عن أنهار اللبن والعسل، أتراك تعدنا بالجنة كي نقبل شظف العيش في الحياة الدنيا ؟! نظر لي ابن حلّزة صديقي الأثير أو الأنتيم في لغة الشباب وقال باستغراب : هل خرجت عن شعورك يا أبا يكح الجوسقي؟ قلت له وأنا أبدي الأسف : هذا هو مشروع النهضة الذي وعدونا به، انهيار في قيمة الجنيه ارتفاع في الأسعار، هروب الاستثمارات، انتكاس في السياحة، انكماش الأحتياطي النقدي إلى الحد الذي جعلنا نظن أن هذا الاحتياطي ارتدى طاقية الإخفاء أو أنه مات غير مأسوف على دولاراته، غياب الأمن، كوارث، حوادث قطارات، انهيار عقارات، وأخيرا دخلنا على الزلازل، والرجل يقول أإننا في خير حال !! هل يتحدث عن دولة أخرى !! وهنا وجدت عم فرَّاج الفرارجي بائع الطيور المثقف الحكيم يوجه إلينا الحديث بصوت سمعه كل من في المقهى: اسمعوا أيها السادة، اسمعوا يا أهل حارة درب المهابيل، إن هذا الحكم رشيد، هذا رئيس مؤمن يحارب الخرافات، لذلك فمن اليوم لن يستطيع أي ساحر أو دجال ممارسة مهام مهنته وإعداد «الأعمال» وفك «السحر» إذ أن أدوات مهنة السحر والسحرة قد انقرضت بالكامل على يد حكومتنا الرشيدة، فلا يمكن أن تجد اليوم «ديك عازب» أو «كتكوت يتيم» أو «فرخة أرملة» أو «بطة عرجاء» وذلك بعد أن طاحت الأسعار في جميع أنواع الدواجن والطيور فأصبح شراؤها من عجائب الدنيا السبع! ثم استطرد عم فرَّاج قائلا : صحيح كان في إمكان المواطن في بداية حكم الإخوان شراء أرجل الفراخ ورقاب الكتاكيت، إلا أن الأسعار الخيالية سرعان ما امتدت إلى هذه الأرجل والرقاب، وبذلك امتدت يد الردى لتقصف رقاب الفراخ وتقطع أرجلهن من بيوت المصريين البائسين . تدخل صديقي ابن حلزة في الحديث قائلا: كما امتدت يد الردى يا عم فرَّاج لتطيح بطعام المصريين الذي كان في مقدورهم كرغيف الخبز الحاف والفول والطعمية والكشري والعدس حيث أصبح هذا كله صعب المنال لدرجة أن المصري إذا أراد أن يحلف فإنه لا يستطيع أن يضع رغيف العيش على عينه ويحلف قائلا عليّ النعمة فحكومتنا الإخوانية رعاها الله قضت على النعمة وأجبرتنا على الوقوف طوابير للحصول عليها حتى أنه يقال إن مصريا من ضحايا طوابير العيش قابل رئيس الوزراء قنديل باشا فقال له : أرجوك ساعدني أنا بقالي شهر لم آكل رغيف خبز واحدا فرد رئيس الوزراء : أنا بحسدك على إرادتك، مين الدكتور اللي بتعمل عنده الريجيم الهائل ده ؟! كان لابد أن يتدخل في الحوار عم عبده البقال الذي كان يشتكي لنا من احتكار خيرت الشاطر للسلع التموينية، وأنه يقوم بتوريدها لمحلات البقالة الخاصة به بأرخص الأسعار، ويأمر وزارة التموين بتوزيع المقررات التموينية على البقالين بأسعار مرتفعة، قال عم عبده البقال وهو يتشحتف في الكلام : ومن اليوم يا أهل الحارة الكرام لن تستطيع أي أم أن تسارع إلى شراء عشرة كيلو سكر حتى «تبل الشربات» للاحتفال بنجاح ابنها أو فرح ابنتها، فمن ناحية أصبح سعر كيلو السكر مرتفعاً بطريقة لا تسمح أبداً لأي أسرة مصرية أن تدخل في مغامرة متهورة لشراء كيلو سكر فما بالك بعشرة كيلو مرة واحدة . قاطعه ابن حلزة مكملا : ومن ناحية أخرى لا يستطيع أحد الآن أن يدلنا على ابن ناجح في المدرسة بعد أن أصبح الأخ القزاز الإخواني مستشارا للتعليم، فآخر تلميذ ناجح سأله المدرس لو كان علي أبوك دين 1000جنيه ومطلوب انه يسدده علي 10 أقساط ها يدفع كام في كل قسط ؟ رد التلميذ لن يدفع مليما واحدا فقال المدرس : اقعد يابني انت مش فاهم الدرس... فرد التلميذ : أنت اللي مش فاهم أن ابويا موظف مصري في عهد الرئيس مرسي !! . تدخل حانوتي الحارة في الحوار ليدلي بدلوه قائلا : ومن ناحية ثالثة يا أهل الحارة الشحاتين لن تكون الأسرة المصرية في حاجة إلى «بل الشربات» احتفالاً بزواج الابنة أو الابن إذ أن الزواج أصبح من الأمور النادرة، فمن ذا الذي يجسر على الإقدام على هذه المخاطرة التي تتطلب توفير شقة سكنية مناسبة في ظل ارتفاع أسعار الشقق وارتفاع إيجاراتها بحيث أصبح من المعتاد أن يسكن المواطن بسببها في أحد القبور حرصاً على توفير مصاريف الانتقال للدار الآخرة . عاد عم عبده البقال للحديث قائلا : ومن اليوم ستختفي من حياتنا بعض الأمثال الشعبية، فلن يستطيع منتج سينمائي مثلا أن يتباهى أمام وسائل الإعلام قائلا : «الجمهور أقبل على مشاهدة الفيلم وكان قاعد في السينما زي الرز « فلو قال هذا لأدرك الناس أن فيلمه فشل فشلا ذريعا لأنه لا يوجد رز أصلا فقد أصبح نادرا ندرة الزئبق الأحمر، ولن يقول أحد لزوجته وهو يبدي غيظه من ضيفه ذلك المثل الشهير (أكل وشرب وأرتوي وقال طبيخكم ما أستوي ) لأنه لا توجد أسرة حاليا تستطيع استضافة أحد، فضلا عن اختفاء الأسرة التي لديها القدرة على طبخ الطعام ، ولن يقول أحدهم إنه مع صديقه (زي السمن على العسل ) فقد اختفى السمن وانسكب العسل في جوف غول الأسعار . ويبدو أن حديثي فتح شهية الجميع فإذا بكل واحد في المقهى أخذ يدلي بدلوه حتى أن تمرجي الحارة الذي هرى أبداننا بنغزات الحقن الملوثة قال وخيبة الأمل تعتريه : ولك أن تقول أيضاً أنه لن يجرؤ أي طبيب من الآن فصاعداً على كتابة روشتة علاج لأي مريض، فأسعار الأدوية وحدها كافية لنقل المريض للدار الآخرة، فعندما وصف الطبيب الذي أعمل معه دواءً غاليا لحماة مواطن مصري قابله بعد أسبوع فقال له : هل استفادت حماتك من الدواء .. فقال المواطن لاااا أنا الذي استفدت فقد توفيت حماتي بعد العلاج بيوم واحد !! . ولأن رواد المقهى دخلوا في نوبة بكاء هستيري كان لابد أن أتدخل كي أخفف عنهم بعض الشيء فقلت بصوت مرتفع مختلط بنبرة حنان وحب أبوي : خففوا عنكم، انتظروا، فليست الصورة دائماً سوداء في ظل حكم الإخوان، هناك جوانب وردية. اشرأبت الأعناق وجحظت العيون وكأنهم يقولون: ما الذي تقوله يا جوسقي، استكملت الحديث : أظن أن هناك بصيصاً يشع في حياتنا يا أهل الحارة المساكين، ذلك أنه لن يستطيع أي مأمور ضرائب فرض ضرائب على الدخل بالنسبة للمواطن المصري «فالقدرة لا تتعلق بالمستحيل» فقد أصبح من المستحيل أن يكون للمواطن العادي دخل يتم فرض ضرائب عليه، وأصبح من المألوف أن نشاهد المواطن المصري حاليا وهو يرتدى بنطلوناً بلا جيوب، إذ ما حاجته إلى جيوب بالبنطلون وهو لا يحمل مليماً واحداً، بل أحياناً ما نشاهد أحد المواطنين وهو يسير في الشارع بلا بنطلون أصلاً بعد أن اضطر لبيعه حتى يستطيع سداد نفقات الدروس الخصوصية، ونحمد الله حمد الشاكرين أن الله ستر المواطن فلم يضطر حتى الآن إلى بيع باقي ملابسه والله حليم ستير. كما أننا استرحنا أيها السادة من طوابير قطع تذاكر السينما، فإذا كان المواطن القديم قد توافرت لديه القدرة على شراء أربعة تذاكر سينما فإن هذا الأمر بالنسبة للمواطن في عصر الإخوان أصبح شبيهاً بأفلام الخيال العلمي أو أفلام الرعب، فمن الخيال العلمي أن نفترض أن المواطن المتوسط لديه القدرة على صرف مائتي جنيه للذهاب مع أسرته إلى إحدى الحفلات السينمائية، فإن فعلها فإن هذا هو الرعب بعينه، كما أن تصريحات قادة الإخوان الفكاهية وفرت لنا قدرا من الترفيه بدلا من السينما فنحن من خلال تصريحاتهم نجلس في مقاعدنا لنرى أفلاما من عينة «أهبل نوتردام» و «ذهب مع الريحة» و«غبي منه فيه » و « العميل المزدوج ». وفجأة وجدت كل من في المقهى يفرون كما تفر الإبل، فقد كان بعض قادة الإخوان يسيرون بجوار المقهى، فخاف أهل الحارة من نحسهم .