لم أصدق أبدا أن هناك موظفين فى الداخلية من فئة البلطجية، وأن هؤلاء، وعددهم على أقل تقدير 165 ألف بلطجى، يقفون بجوار الضباط يوم القبض ليصرفوا مرتباتهم.. ظننا، وبعض الظن إثم، أن هذا الخبر مقصود به تلويث سمعة الداخلية «الناصعة البياض» وإثارة السخط عليها.. ولكن فى عدد 28 أكتوبر الحالى قرأت فى صحيفة «الشروق» مقالا للكاتب الكبير د.جلال أحمد أمين، أورد فيه هذا الرقم.. ولم أسمع من الداخلية اعتراضا أو تكذيبا. فالخبر إذن صحيح.. ويا للهول على رأى عمنا يوسف وهبى. كان يجب أن أصدق، لأن لى تجربة مريرة مع البلطجية والبلطجة.. فقد كنت قد اشتريت قطعة أرض مساحتها 600 متر (ستمئة متر) بالتقسيط من شركة «النور للمقاولات» وظللت أدفع نحو 10 سنوات وأنا لا أعرف بالضبط أين هى قطعة الأرض هذه سوى أنها فى أبو رواش.. وذات يوم قرر أولادى أن نعرف أين هى هذه الملكية الضخمة؟ وذهبنا وأخذنا نسأل هنا وهناك حتى دلنا أولاد الحلال على الخفير المسؤول عن هذه الأرض.. وقد اشترى فيها عدد من الزملاء الصحفيين أيضا. قابلنا البيه البواب متجهما وسألناه عن قطعة الأرض المشتراة باسمى، فقال إنه ليس هناك أرض بهذا الاسم.. فلما قدمنا له العقد الأزرق المسجل صاح غاضبا: ما انتم مابتدفعوش الغفارة. طيب يا سيدى ما قيمة هذه الغفارة فقال إنها 65 جنيها فى السنة.. قلنا بسيطة.. وسلمته المبلغ، فأشار إلى قطعة أرض مجاورة للمكان الذى نقف فيه، وقال مضيفا: لا بد من بناء سور عليها، فهناك بلطجية استولوا على أراضى زملاء لكم منها السيدة ماجدة موريس.. وأضاف مرة أخرى وسأقوم أنا وأولادى ببناء هذا السور وسيتكلف مبلغ 400 جنيه، فدفعنا له 200 جنيه، والباقى عند إتمام السور!! ودفعنا الباقى وتسلمنا الأرض وقمنا بوضع بوابة حديدية.. فقد أصبحنا ملاكا. ومضت سنوات دون أن نفكر فى بيع الأرض أو استغلالها حتى رأى ابنى، وهو حاصل على بكالوريوس تجارة من جامعة القاهرة أن نبنى عليها مشروعا لتربية الأرانب بعد الإعلانات المكثفة التى تنشرها شركات الأرانب. ولن يتصور أحد كم تعبنا وأنفقنا حتى أدخلنا المياه والكهرباء وبناء الحظائر.. والخفر.. والأطباء والأدوية والعمال.. إلى آخره.. حتى استنفد المشروع الكبير جميع ما نملك من أموال. ولكن الصورة الوردية سرعان ما تلطخت بالطين.. فالأرانب الموقرة تمرض كل يوم.. وكل يوم يخطرنا الخفراء بموت عشرة.. عشرين.. ثلاثين أرنبا.. وفجأة حدث ما لم يكن فى الحسبان.. جاء من قال إن هذه الأرض أرضه ويحمل عقدا أزرق آخر بملكيته للأرض.. ثم ذهب ورفع قضية.. وجاء الخبر الصاعق أن علينا أن نغلق المشروع (الأرانب) لحين الفصل فى القضية.. وخرجنا من بوابة الملاك إلى خانة اللصوص والبلطجية.. واخترنا محاميا كان رئيسا للشهر العقارى فى «الجيزة» وهو صديق أعرفه منذ سنوات.. وأخذت المحاكم تنظر وتؤجل.. وكل يوم أتعاب محامين ومعاينات.. وبعد سنوات طوال من نزيف الأموال جاء الحكم بأحقية الرجل، وهو مستشار، فى الأرض.. وجاءت البلودزرات وحطمت 100 (مئة) بطارية.. وما أقمناه من مبانٍ.. ثم جاءت صفحة أخرى فقط رفع المالك الجديد قضية علينا يطالبنا بإيجار الأرض منذ شرائها، أى منذ أكثر من عشر سنوات.. وما زالت القضية منظورة أمام المحاكم. وواضح أننا سنخسرها. وشركة «النور» هى التى قامت بالبلطجة لأنها باعت قطعة الأرض لأكثر من مشترٍ.. ولكن من سيحاسب شركة «النور» التى أغلقت أبوابها ورحلت إلى حيث لا يعلم أحد. ولكن هذه القصة لا تساوى شيئا أمام قصة أخرى فيها بلطجة وبلطجية.. هى من نصيب أخى الأصغر سيئ الحظ الذى لم يحتمل البطالة فى مصر فذهب للعمل فى السعودية.. وبعد سنوات من الكفاح، ادخر مبلغا اشترى به قطعة أرض فى قلب إمبابة.. وبنى السور ووضع البوابات الحديدية.. وجاء أخ «قبطى» وادعى أن هذه الأرض ملكه منذ سنوات بعيدة.. وأتى بتسعة شهود (أقباط) جميعهم شهدوا بذلك.. ثم اقتحم الأرض ووضع يده عليها.. وذهب أخى إلى قسم الشرطة.. ومن الشرطة إلى المحكمة.. وإذ بالقاضى وهو يرى تسعة شهود أقباط يحكم على الفور بأحقية المدعى فى الأرض.. مع أن التحريات أكدت أن أحدا من هؤلاء الشهود لا يسكن فى هذا المكان.. ليرى المدعى كما ادعوا فى قطعة الأرض الذى وضع فيها شقيقى كل ما ادخره فى الغربة.. وهو الآن يعيش محسورا.. مكسورا.. فلا الشرطة أعادت إليه حقه.. ولا القضاء. وأستطيع أن أقول إن هذه قصص تافهة بجوار قصص أخرى أخطر وأفزع.. ولكنى أكتب ما عشته. والأقباط إخوانى.. وأكثر أصدقائى منهم.. وأحترم كل قبطى أخى فى الوطن.. ولكن البلطجة لا دين لها.