مساء الاثنين الماضى «7/3» كنت وزملائى فى مجلة أكتوبر ودار المعارف نرى من الشرفات الحشود الزاحفة فرادى ومجموعات نحو مبنى الإذاعة والتليفزيون الذى لا يبعد عن مؤسستنا أكثر من 50 مترا، شبان وشابات لم يتجاوزوا العشرين كانوا الغالبين على المشهد وعائلات، أب وأم وأطفالهما وكان القاسم المشترك بينهم جميعا الصليب المرفوع وبينما التوافد لم ينقطع عن المتجمعين أمام مبنى ماسبيرو كانت أيضا الهتافات مستمرة لا تتوقف دقائق حتى تعود.- 1 - فى حوالى الساعة السابعة خرجت من مبنى دار المعارف وتوجهت نحو الحشود التى تقترب أو تزيد قليلا على العشرة آلاف «حسب تقديرى» وقبل بلوغ الحشد استوقفتنى بوابة وهمية صنعها الشبان الصغار وطلبوا بأدب تحقيق الشخصية فسألت صاحب الطلب عن السبب ظنا منى أنه يريد التأكد من هويتى الدينية لكنه أجاب أنه يريد التأكد من أننى لا أنتمى لأمن الدولة وجاء آخر واستأذن فى تفتيشى نفس الإجراءات التى كانت تتم قبل أيام فى ميدان التحرير، ولم أبد أية ممانعة فى إتمامها كإجراء لتأمين الحشود واستحسنت هذا الوعى وتقدمت لأرى ما يحدث عن قرب. كان هناك أحد الآباء القساوسة يقف فى شرفة الدور الثانى من مبنى ماسبيرو وحوله عدد من قيادات المبنى والجيش يتحدث إلى الواقفين بأسفل ويطمئنهم من خلال تعهدات الجيش بالاستجابة لمطالبهم فى إعادة بناء كنيسة أطفيح ومحاسبة الجناة، وكان بين الحين والآخر يهتف ويردد الجمع خلفه: «ارفع راسك انت مصرى» إلا من قلة كانت تصر على مخالفة الجموع وتطالب برفع الرأس على الهوية.. ومثل كل المصريين وكل المسلمين كانت مشاعرى قبل عقلى تنضم إلى هذا الجمع من إخوة الوطن الذى يطلب الأنصاف من ظلم وقع عليه. - 2 - مساء الثلاثاء «8/3» كان واضحا أن الغضب بلغ مداه وأن الأمور تتطور للأسوأ مع تردد أنباء عن مصادمات وقعت فى منطقة المقطم ما بين مسيحيين ومسلمين وقطع طريق الأوتوستراد وسقوط ضحايا ما بين قتلى ومصابين من الجانبين بعد أن تردد أن مطالبات الإخوة المسيحيين تجاوزت طلب الحقوق ورد المظالم إلى إلغاء المادة الثانية من الدستور وهو الأمر الذى اعتبره المسلمون افتئاتا على حقوقهم الدينية أو بالأحرى ما تبقى من مظاهر سلطة الشريعة التى انحسرت تقريبا فى قوانين الأحوال الشخصية مثل الزواج والطلاق والمواريث وعندما تحدثنا فى هذا الأمر أمام زميلنا الصحفى المسيحى قال إنه قسم وإخوته ميراثهم حسب أحكام الشريعة الإسلامية ومنعنى حرجى أن أسأله إن كان ما فعلوه حالة خاصة أو عرف عام يأخذ به الإخوة الأقباط. وبت ليلة الثلاثاء وأنا حزين أشعر بالخوف من تفجر مشاعر الكراهية أسوأ ما فى البشر، هذا المخزون الذى اختبأ لسنوات كثيرة خلت خلف مساحيق الجبن والنفاق وممارسات المداهنة، والمثير للعجب أن الجبناء هم أنفسهم الآن الذين يحتمون فى زحام الفوضى ويدعون الشجاعة والبطولة بوقاحة، وفجر الأربعاء كان صفير الرياح الهادرة الآتى عبر نوافذ حجرتى يؤكد أيضا غضب السماء على ما اقترفه السفهاء فى حق الناس والوطن وما يمارسه بعض الصبية من جرائم باسم الحب والحرية ويدفع ثمنه الأهل والأقارب. -3- ما وقع فى قرية أطفيح التابعة لمحافظة حلوان كان مبدؤه ودافعه الأول الانتقام للشرف وتجاوز فعل الانتقام الفردى إلى انتقام جماعى من الرمز المسيحى فى القرية، وكان يمكن أن يتفجر هذا الانتقام لأى سبب آخر لأن أهل القرية من المسلمين رأوا أن جيرانهم المسيحيين خدعوهم وحولوا المبنى الخدمى إلى كنيسة دون سند قانونى، ورأى كثير من المصريين أن تأخر صدور قانون بناء دور العبادة الموحد تسبب فى كثير من هذه التجاوزات، ومع تواتر الشائعات الطائفية عن وقوع أفعال الكراهية الطائفية أو النوايا للفعل تساءلت الأغلبية من الشعب المصرى: كيف لمؤمن أن يحرق أو يهدم بيتا للعبادة أو يطعن بسكين أخاه فى الإنسانية والوطن؟ أية عقيدة مصدرها السماء يمكن أن تحض على هذا الفعل ناهيك عن تقديمه قربانا لدخول الجنة، وأتحدى أن يدعى أحد أن الإسلام يدعو إلى هذا أو يغفر الله هذه الجريمة أو أن المسيحية التى تؤمن أن مبعوثها فدى البشر بجسده يمكن أن تقبل فداء صليبه بالدم وعندما يقع خلاف هذا فتأكدوا أن المسألة ليست دينا ولكنها السياسة الملعونة وحسابات المكسب والخسارة التى يجنى ثمارها طرف ثالث هو فى الحقيقة عدو للوطن وللأديان المسيحية قبل الإسلام. - 4 - هدف هذا الطرف الثالث هو إسلام الشرق ومسيحيته المطلوب اختراقهما وتفكيك مؤسساتهما وبعبارة أخرى تسييل العقيدة إن صح التعبير فى نفوس المؤمنين الموحدين فإحياء الدين بطريقة صحيحة لا يضبط فقط سلوك الشخصية المصرية أو الشريعة بشكل عام، ولكنه أيضا يضمن السلام الاجتماعى ويدعم الأمن القومى. وفى كتيب صغير وضعه القس الإنجيلى إكرام لمعى منذ عدة سنوات كتب عن العقيدة الألفية الصهيونية التى تسربت فى الغرب إلى جسد الكنيسة الإنجيلية والتى تشترط عودة المسيح عيسى إلى الأرض بقيام مملكة اليهود فى فلسطين، وحكى القس إكرام لمعى أن طيارا حربيا مصريا ذهب إلى أحد القساوسة يشتكى له انقساما فى نفسه ما بين عقيدته وواجبه الوطنى فهو يؤمن بعقيدة الألفية وفى حالة دخول مصر فى حرب مع إسرائيل إذا صدرت له الأوامر بضرب إسرائيل فهل يرفض اتساقا مع عقيدته التى يؤمن بها أم يخون وطنه؟ وأبرز الطوائف الحديثة التى تطرح نفسها على أنها مسيحية وتؤمن بعقيدة الألفية هى جماعة شهود يهوه التى تدعو إلى قيام مملكة إسرائيل فى فلسطين وعودة المسيح ليحكم الأرض ألف سنة سعيدة يتم فيها حبس الشيطان فى سلاسل وتتحول الأرض إلى جنة فيرعى الذئب مع الحمل ويركب الطفل الأسد وتطرح الأرض حبة القمح فى حجم كلية الثور! ولن يحدث هذا قبل أن تدخل الشعوب كلها فى طاعة وحكم مملكة اليهود، وفى باريس التى زرتها قبل 15 عاما جاء إلى سكن المصريين المهاجرين الذى أقمت فيه جاءت امرأتان تدعوان الشباب المصرى إلى كنيسة شهود يهوه وفى اليوم التالى كنت أقف فى مدخل الكاتدرائية الضخمة لشهود يهوه واستقبلنى مصادفة شاب مسيحى من الصعيد هاجر إلى أوروبا وتشرد فيها وذاق الأمرين قبل أن ينضم لشهود يهوه فيحصل على عمل وسكن ويتزوج، حكى لى هذا الشاب قصته وهو يجلس معى فى أحد مقاهى باريس التى دعانى إليها وأحضر لى كومة من كتب ومطبوعات شهود يهوه وأخبرنى أنه ذاهب إلى مصر بعد أسابيع ليسوى مسألة الجيش بالخضوع للمحاكمة لأن عقيدته تمنعه أن ينخرط فى الخدمة العسكرية أو يحيى العلم ويرفع السلام الجمهورى رمزى وطنه ويبدو أن الأخ اعتبرنى صيدا ساذجا لأننى قدمت له نفسى من أول لحظة على أننى صحفى ومسلم وذهبت إلى كاتدرائية الشهود بحثا عن المعرفة وكل ما سبق كان حقيقة إلا أننى أخفيت عنه أن أول كتاب ألفته فى حياتى كان عن شهود يهوه مملكة إسرائيل على الأرض وصدر قبل سفرى إلى باريس بسنوات قليلة. - 5 - وفى بحث آخر عن عقيدة البهائيين ضمنته كتابا حمل عنوان «أسرار واعترافات البهائيين» ومن فحص لأوراق القضية رقم «2266» جنح قصر النيل والتى اتهمت فيها النيابة 13 رجلا وامرأة بمباشرة نشاط المحافل البهائية وهو سلوك مؤثم بالقانون اكتشفت من أوراق القضية أن ثلث المتهمين على الأقل مسيحيون تركوا المسيحية واعتنقوا البهائية وبالبحث فى العقيدة البهائية عن الأسباب اكتشفت أن البهاء يطرح نفسه على أنه المسيح فى رجعته الثانية إلى الأرض وأن هذا الأمر هو الذى أغرى المسيحيين إلى مفارقة دينهم واعتناق البهائية وفيما يخص المسلمين فالبهاء يطرح نفسه لأهل السنة على أنه مجدد فى الإسلام وللشيعة على أنه المهدى المنتظر وتتسع تأويلات كلماته وأفكاره الغامضة ليصبح أيضا إلهاً أو نصف إله وبغض النظر عما سبق فإن أخطر ما فى المسألة البهائية يتعلق بفكرة الانتماء الوطنى فهم مثلهم مثل شهود يهوه عولميون يرفضون حمل السلاح أو الدفاع عن الأوطان فلا عجب أن يرعى بدايتهم الروس منتصف القرن التاسع عشر ليحولوهم إلى خنجر فى خاصرة دولة إيران «وطنهم» ثم يرعاهم فيما بعد الإنجليز ويندفعون هم إلى أحضان انجلترا التى كانت فى هذا التاريخ تحتل أكثر من نصف العالم الإسلامى وتمضى الأيام ليؤسسوا قبلتهم على سفح جبل الكرمل ويدفن رئيسهم فى حيفا بفلسطينالمحتلة وترعاهم إسرائيل إلى اليوم بشرط عدم التبشير بين اليهود أو الإسرائيليين. وهناك غير شهود يهوه والبهائية عشرات من الملل والنحل التى حولت أديان السماء إلى سياسة تخدم فى النهاية هدفا واحدا هو الإمبريالية «الاستعمار الحديث» وفى قلبها الصهيونية «الاستعمار اليهودى» يحدث هذا بينما ننشغل نحن بتقطيع ملابسنا فى الداخل. أفيقوا يا مسلمى ومسيحيى مصر ولا تضحوا بسلامكم على مذبح الأعداء.