يبدو أن سياسة المراجعات التي سادت في مصر، والسعودية لم تؤدِّ إلى تحقيق غالب الأهداف المبتغاة من ورائها، التي كشفت عن الاستجابة إلى دعوات التجديد أو الإصلاح الديني أو الاعتدال، من قبل الجماعات الإسلامية السياسية والراديكالية على وجه الخصوص. سياسة المراجعات، أدت إلى بعض من التهدئة الأمنية، والإفراج عن بعض أعضاء هذه الجماعات الراديكالية، إلا أن المراحل الانتقالية بعد 25 يناير 2011 فى مصر، كشفت عن عودة بعض قيادات وأعضاء هذه الجماعات إلى خطاب العنف السياسي، وبعض الممارسات أثناء حكم جماعة الإخوان والسلفيين وبعض الجماعات الراديكالية والأحزاب التي شكلتها في أعقاب انتفاضة 25 يناير 2011 الكبرى وما بعد. يبدو أن سياسة المراجعات التي سادت في مصر، والسعودية لم تؤدِّ إلى تحقيق غالب الأهداف المبتغاة من ورائها، التي كشفت عن الاستجابة إلى دعوات التجديد أو الإصلاح الديني أو الاعتدال، من قبل الجماعات الإسلامية السياسية والراديكالية على وجه الخصوص. سياسة المراجعات، أدت إلى بعض من التهدئة الأمنية، والإفراج عن بعض أعضاء هذه الجماعات الراديكالية، إلا أن المراحل الانتقالية بعد 25 يناير 2011 فى مصر، كشفت عن عودة بعض قيادات وأعضاء هذه الجماعات إلى خطاب العنف السياسي، وبعض الممارسات أثناء حكم جماعة الإخوان والسلفيين وبعض الجماعات الراديكالية والأحزاب التي شكلتها في أعقاب انتفاضة 25 يناير 2011 الكبرى وما بعد. عنف المراحل السياسية والانتقالية فى مصر وما بعد، كشف عن هشاشة سياسة المراجعات؛ لأنها لم ترتكز على رؤية ومفاهيم للإصلاح والتجديد فى الفكر الدينى الوضعى، ويبدو أن غياب الروئ الإصلاحية أو التجديد سواء لدى النخبة السياسية الحاكمة، أو غالب المؤسسات الدينية الرسمية، لا يزال سائدًا، وذلك لعديد الاعتبارات: 1- عنف المراحل السياسية والانتقالية فى مصر وما بعد، كشف عن هشاشة سياسة المراجعات؛ لأنها لم ترتكز على رؤية ومفاهيم للإصلاح والتجديد فى الفكر الدينى الوضعى، ويبدو أن غياب الروئ الإصلاحية أو التجديد سواء لدى النخبة السياسية الحاكمة، أو غالب المؤسسات الدينية الرسمية، لا يزال سائدًا، وذلك لعديد الاعتبارات: 1- الانفصال بين الدعوات السياسية للإصلاح الدينى، أو التجديد، أو الاعتدال الدينى، وبين البحث فى مجال العلوم الاجتماعية، وتحديدًا الدراسات فى علوم الاجتماع الدينى والسياسى والجماعات والمنظمات والمؤسسات الدينية، لاسيما البحث الميدانى فى هذه الظواهر الدينية السياسية.. إلخ. 2- سيادة المناهج والمقاربات التقليدية النقلية فى دراسات الفقه والتفسير والتأويل والإفتاء الدينى، والفكر الدينى على وجه العموم، ومحدودية الدراسات التاريخية المعمقة عن نشأة وتطور الأنساق الفقهية والتفسيرية والتأويلية فى علاقاتها بالأبنية الاجتماعية الثقافية والسياسية فى المجتمعات الإسلامية، وغلبة المقاربات اللا تاريخية التى تعزل هذه الأنساق عن سياقاتها السياسية الاجتماعية والثقافية وتطوراتها. 3- محدودية الدراسات السوسيو-دينية، والسوسيو- سياسية حول محاولات ومشروعات التجديد والإصلاح الدينى منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى العقد السادس من القرن العشرين وأسباب إخفاقها، ومساحات الإنجاز التى تحققت منذ الإمام محمد عبده، والمشايخ مصطفى المراغى، ومحمد عبدالله دراز، ومحمود شلتوت، وعبدالمتعال الصعيدى، وكتابات طه حسين، والعقاد، وعلى ومصطفى عبدالرازق، وأحمد أمين، وخالد محمد خالد.. إلخ فى مصر على سبيل المثال. 4- قلة الدراسات التاريخية والسوسيو-دينية، والتحليلية للكتابات التفسيرية والتأويلية الوضعية للقرآن الكريم والتفاسير الحديثة والمعاصرة، باستثناء بعض دراسات المستشرقين وعلى رأسهم أجناس جولد زيهر وآخرين على قلتهم. 5- ندرة الدراسات السوسيو- دينية والسياسية حول المؤسسات الدينية الرسمية وعلى رأسها الأزهر فى مصر، أو وزارة الأوقاف، أو المناهج المقررة فى التعليم الدينى، أو الدراسات المقارنة لأنظمة ومناهج التعليم الدينى الرسمى، أو المناهج المقررة فى التعليم المدنى العام. لا شك أن غياب أو محدودية الدراسات السيو-سياسية عن السياسات الدينية المقارنة للنظم والنخب السياسية العربية، أدت إلى التأثير السلبى على عدم تبلور روئ إصلاحية وتجديدية للفكر الدينى الإسلامى، وللسياسات الدينية فى غالبية البلدان العربية. 6- محدودية وندرة الدراسات السوسيو- دينية حول حالة الطلب الدينى الاجتماعى فى علاقاته بالقوى والفئات والشرائح الاجتماعية، وبين الذكور والإناث، وعلاقة ذلك بهيكل الأعمار، والريف والحضر، ومستويات التعليم المختلفة. 7- غياب دراسات سوسيو- دينية حول التغيرات والتحولات ما بعد العولمية، وأثر الثورة الصناعية الرابعة -الرقمنة والذكاء الصناعى- على الطلب الدينية وعلى الأسواق الدينية الوطنية والإقليمية والكونية، وعلى أنماط الفكر الدينى السائد فى المجتمعات والمؤسسات الدينية العربية التى لا تزال تسودها المدارس الفقهية والتفسيرية المذهبية النقلية، وخطاباتها الدينية. من هنا يبدو الشح المعرفى والبحثى يسود حقل الدراسات السوسيو- دينية، والسوسيو- سياسية، وتزداد الحاجة الموضوعية للتجديد فى الفكر الدينى الوضعى، بينما تبدو السياسات الدينية، والمؤسسات الدينية الرسمية، تعيد إنتاج أزمات متراكمة تاريخيًا، وتواجه تحولات كبرى مع الثورة الصناعية الرابعة وعلاقاتها الكبرى فى الرقمنة والذكاء الصناعى، وما يطرحانه من تحديات كبرى، وتغيرات تمس الشرط الإنسانى، والفكر عموما، ونظم الأفكار والسياسات. ثمة ازدياد للفجوات بين العقل الدينى النقلى الوضعى، وعملياته الذهنية والفكرية وآلياته، وبين عديد الأمور على رأسها: (1) تجاوز الواقع التاريخى الموضوعى الذى أنتج البُنى الفقهية والتفسيرية والتأويلية والإفتائية والخطابية الموروثة، والتى يعاد إنتاجها تفسيرًا وتأويلا وافتاءً وقياسًا فى أداء غالب المؤسسات الدينية الرسمية، ورجال الدين، والجماعات الإسلامية السياسية والسلفية على تعددها وتماثلاتها ومشتركاتها والتمايز فيما بين بعضها والبعض، أو فى المناهج التعليمية الدينية المقرر فى التعليم الدينى أو بعضها المقرر فى التعليم المدنى. (2) الفجوة بين بعض الموروث الفقهى والتأويلى والأفتائى التاريخى، وبين جوانب عديدة فى بنيات الواقع الاجتماعى والسياسى الموضوعى الحديث والمعاصر، وطبيعة المشكلات المستجدة، والأسئلة الجديدة التى تحتاج إلى عقل اجتهادى، مستوعب للأصول الإسلامية، ولتحولات العصر، ومشاكل المجتمع، والمعرفة الحديثة المواكبة للتطورات التقنية والعلمية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، سواء على المستوى الكونى أو على المستويات الوطنية والإقليمية. لاشك أن ازمة السياسة والمناهج التعليمية المقررة على طلاب التعليم الدينى، تكمن فى الحفظ والتكرار للموروث النقلى فى مختلف مكوناته ومتونه وشروحه، والشرح على الشروح.. إلخ. وفى عدم شمول العملية التعليمية على الدراسات الحديثة والمعاصرة فى العلوم الاجتماعية والطبيعية على نحو أدى -ولا يزال- إلى حالة من الانفصال بين التكوين الدينى للطلاب والباحثين، وبين المقاربات الحديثة فى العلوم الاجتماعية، وتوظيفها فى درس الموروث الدينى الوضعى البشرى فى سياقاته التاريخية، والسعى إلى التعامل النقدى مع بعض مكوناته التى كانت تعكس زمانها تاريخا وسياقًا وظروفا ومشاكل وأسئلة، وكان بعض الموروث التاريخى استجابة لها، وفى حدودها. (3) ازدواجيات أنماط الحياة المعاشة، بين بعض أشكال التدين الشكلانى، وبين بعض من أنماط قيمية وسلوكية اجتماعية تنطوى على أشكال من الفساد والانحراف والكذب والشرور، والمراوغات والمخاتلات... إلخ. نمط من التدين الشكلانى الذى يتعايش مع الأشكال السلوكية السابقة، ويسود الاعتقاد بين بعض الجمهور بأن هذه المزاوجة تلعب أدوار توازنية، وذلك وفق منطق مغلوط لدى بعضهم، أن الممارسات الشكلانية للطقوس الدينية تغطى على المساوئ السلوكية التى يمارسها الشخص فى الحياة، ويخضع لها هذا التصور الذى يشيع لدى بعضهم، أدى إلى تعايش بين اضداد أو نقائض بين الطقوس والقيم الدينية، وبين القيم الاجتماعية، وأنماط السلوك الاجتماعى الشائعة وسط بعض الفئات والشرائح الاجتماعية، وما تنطوى عليه من السلبيات والمغالطات. هذا النمط من التدين الشائع لدى بعض الجمهور أدى إلى التعايش مع الطقوس الدينية وممارساتها، وفى ذات الوقت الانصياع إلى منطق الحياة اليومية وصراعاتها حول المصالح والمكانة والثروة، ومن ثم لم تعد أسئلة الواقع الموضوعى ومشكلاته وتغيراته، تطرح لأن قوانينه تطرح ذاتها، ويتم الانصياع لها، وتلعب الطقوس الدينية وبعض الممارسات الخيرية دورها فى تطهير الذات لدى بعض الأشخاص ضمن الأغلبيات الاجتماعية. لاشك أن هذه الظواهر أدت إلى ضعف الطلب الاجتماعى على ضرورة تجديد الفكر الدينى. من ناحية أخرى ظهر فى عقد السبعينيات وما بعد بعض التغير لدى بعض الفئات الوسطى-الوسطى، والوسطى العليا المدينية، وتمثل فى الطلب على نمط من الأفكار الدينية الأخلاقية التى تتعايش مع طبيعة الواقع الرأسمالى، والقيم التى ارتبطت بالتحولات الاقتصادية والاجتماعية للخصخصة، صعود طبقة رجال الأعمال، والوظائف الجديدة المرتبطة بالشركات العالمية المتعددة الجنسيات، ومكاتب وشركات الاستيراد والتصدير، والعمل فى مشروعات الاتصالات الرقمية.. إلخ. ظهر نمط الطلب على خطابات دينية تركز على الجوانب الأخلاقية العامة فى تدين الأشخاص دون التركيز على الجوانب الطقوسية والعقائدية والالتزامات الدينية المرتبطة بها، وإنما الحث على إنماء الثروات، وعمل الخيرات، أى خطاب الدعاة الجدد، أو دعاة السوق، أو دعاة السوبر ماركت -وفق تعبير وائل لطفى- انظر كتابيه دعاة السوق، ودعاة السوبر ماركت، دار نشر العين-، وهو نمط من الخطاب لا ينحو منحى الخطابات الإسلامية السياسية والراديكالية، أو السلفية، بقطع النظر عن دور هذا النمط من الخطاب والدعاة الجدد فى تمهيد الأرضيات للخطابات السلفية والإخوانية، هذا الطلب الدينى للفئات الوسطى العليا، والوسطى– الوسطى المدينية، وجد ضالته فى الدعاة الجدد الذين استلهموا واستعاروا نمط وآليات وشكل الوعظ البروتستانتى والكاريزمى، فى أدائهم الدعوى. هذا الطلب الاجتماعى لبعض من هذه الفئات الاجتماعية، على نمط خطابى يغاير الأنماط الخطابية النقلية السائدة، فى السوق الدينى، لم يكن طلب فعال على التجديد فى الفكر أو الخطاب الدينى، وإنما طلب على الخطاب/ السلعة الدينية للدعاة الجدد الذين استطاعوا تلبية الحاجات النفسية- الدينية ذات الطابع الأخلاقى لبعض الشرائح من الفئات الوسطى العليا، والوسطى – الوسطى المدينية، واستمد هذا الخطاب الدينى للدعاة الجدد مصادره من القيم الأخلاقية الإسلامية العامة فى شكل دعوى مختلف عن أنماط الدعوى الدينية التقليدية الأزهرية، أو السلفية أو الإخوانية أو الراديكالية ذات الطابع السياسى والشكل والسند الدينى النقلى التأويلى الوضعى. هذا النمط من الاحتياجات الدينية الأخلاقية والنفسية سعى لبناء توازنات سوسيو- نفسية لدى بعض هذه الفئات والشرائح الاجتماعية الوسطى المدنية، ومن ثم وجد غايته فى خطاب الدعاة الجدد الذى لا يتجاوز الخطاب الدينى النقلى السائد سوى فى الأداء ومساحات التركيز والموضوعات الأخلاقية، ومن ثم لم يشكل طلب اجتماعى على التجديد، ولا خطاب الدعاة الجدد، كان مهموما بمسائل وإشكاليات وأسئلة التجديد فى الفكر الدينى وخطاباته. ومن هنا نستطيع فهم لماذا لم تتحول الدعوات المختلفة لتجديد الخطاب الدينى، أو الإصلاح الدينى أو الاعتدال، ولا نقول تجديد الفكر الدينى الوضعى، إلى طلب سياسى واجتماعى فعال.