الدعوات السياسية والإعلامية حول ضرورة تجديد الخطاب الدينى، أو تجديد الفكر الدينى، أو الإصلاح الدينى، تبدو واحدة من أكثر الدعوات إلحاحاً فى الجدل العام فى مصر والعالم العربى، وذلك لعديد الأسباب، التى يمكن أن نذكر منها تمثيلاً لا حصراً ما يلى: الدعوات السياسية والإعلامية حول ضرورة تجديد الخطاب الدينى، أو تجديد الفكر الدينى، أو الإصلاح الدينى، تبدو واحدة من أكثر الدعوات إلحاحاً فى الجدل العام فى مصر والعالم العربى، وذلك لعديد الأسباب، التى يمكن أن نذكر منها تمثيلاً لا حصراً ما يلى: 1- صعود حركات الإسلام السياسى، وإيديولوجياتها الدينية التأويلية الوضعية، وبنياتها وشروحاتها النقلية التى تتسم بالجمود، والنزعة الراديكالية، التى تركز على القطيعة مع عديد من مواريث، وتجارب التحديث والحداثة السياسية فى منظومات القيم، وطبيعة الدولة الوطنية، والهندسات القانونية والاجتماعية الحديثة، ومن 1- صعود حركات الإسلام السياسى، وإيديولوجياتها الدينية التأويلية الوضعية، وبنياتها وشروحاتها النقلية التى تتسم بالجمود، والنزعة الراديكالية، التى تركز على القطيعة مع عديد من مواريث، وتجارب التحديث والحداثة السياسية فى منظومات القيم، وطبيعة الدولة الوطنية، والهندسات القانونية والاجتماعية الحديثة، ومن ثم نمط الحياة العصرية، والموقف من المرأة والأقليات الدينية. من ثم الخطاب الدينى السياسى الرامى إلى إعادة صياغة الدولة والقوانين والمجالين العام والخاص، والسعى إلى تديين السياسة والاجتماع الإنسانى، وفرض هندسة دينية تأويلية من منظور هذه الجماعات –على ما بين بعضها بعضاً من مشتركات وتمايزات- على أنماط الحياة المعاصرة، وهو ما يمس الوجود الإنسانى وشروط معاشه وحرياته الفردية أو العامة، وما تعرضه هذه الهندسة الدينية من تمايزات بين المواطنين بعضهم بعضا. 2- تمدد الخطاب الدينى – والأحرى الخطابات الدينية- السياسى، من المجالات الخاصة والدينية والسياسية إلى المجال الثقافى والفنى، وفرض نسق من الثنائيات الضدية التى تدور حول الحلال والحرام، وذلك فى غير موضوعاتها وأطرها. 3- السعى إلى تديين نظام اللغة، فى الحياة اليومية ومساحاتها، إلى لغة الخطاب المكتوب والشفاهى. 4- تديين نظام الزى للمرأة، وامتداده إلى بعض علامات التدين للرجال. 5- نمو الجماعات السلفية وتمددها فى المجالين العام والخاص، والتركيز على شكل الإيمان والاعتقاد والطقس الدينى الاجتماعى الجماعى، وتديين الشبكات الاجتماعية، لاسيما بين بعض الفئات المعسورة اجتماعياً فى الحضر والريف. 6- عنف الخطاب الدينى والسياسى للجماعات الإسلامية السياسية. 7- بروز ظواهر العنف الدينى والسياسى لعديد من الجماعات الإسلامية السياسية الراديكالية بدءاً من حزب التحرير الإسلامى الشهير بجماعة الفنية العسكرية، ثم جماعة المسلمون الشهيرة بالتكفير والهجرة، ثم الجهاد والجماعة الإسلامية، وغيرها من الجماعات النظيرة عربياً، ثم القطبيين والتوقف والتبين، ثم عنف السلفيين والإخوان المسلمين فى أعقاب انتفاضة 25 يناير 2011 الجماهيرية، وما بعد أحداث 30 يونيو 2013 وحتى الآن. 8- عنف جماعتى القاعدة، وداعش فى المنطقة وعديد من بلدان العالم، والأحداث الكبرى المصاحبة لكلا التنظيمين، والتى جعلت من إرهاب الجماعتين ذو طابع عولمى يتجاوز المنطقة إلى عديد من دول العالم، وفى الولاياتالمتحدة وأوروبا، وآسيا وأفريفيا.. الخ. 9- جمود المؤسسات الدينية الرسمية فى غالبية الدول العربية والإسلامية، وعدم قدرة غالبها على مواجهة خطابات العنف الدينى والسياسى، وعدم قدرة غالبيتها على تجاوز حدود رد الفعل على العمليات الإرهابية، إلى لعب أدوار فاعلة فى تصحيح المفاهيم الدينية، أو نقد نسق التأويلات الدينية الوضعية الذى تستند إليه هذه الجماعات فى تسويغ نزعتها الإرهابية. 10- تحول التشدد والتطرف الدينى القولى والسلوكى إلى مجال العلاقات الاجتماعية، ونزوع بعض الأشخاص إلى بناء مكانتهم الاجتماعية، تأسيساً على أنهم الأكثر اعتصاما بالطقوس الدينية، وبروز نزعة نحو الاحتساب الدينى، أو نمط من السلوك الحسبوى، بما ينطوى عليه من عنف لفظى أو خطابى إرشادى إزاء الآخرين. 11- الصراع الدينى/ الدينى ومزايداته بين الجماعات الدينية السياسية والسلفية، وبين أجهزة الدولة الإيديولوجية فى غالب النظم السياسية العربية، وأثر ذلك على المجال العام المحاصر. الأسباب السابقة، كانت وراء تزايد الدعوات السياسية والاجتماعية، بضرورة السعى نحو تجديد الخطاب الدينى، أو إصلاح المجال الدينى، أو البحث عن الإسلام الوسطى المعتدل، وغيرها من الصياغات العامة التى تدور حول إعادة الاعتدال إلى أنماط الخطاب الدينى السياسى والاجتماعى. إمعان النظر التحليلى فى هذه الدعوات السياسية، وغيرها، يشير إلى غموض هذه المطالب، والتعبير اللغوى والإصطلاحى الحامل لها فى المجال العام أو المجال الدينى. ويرجع هذا الغموض والسيولة الاصطلاحية إلى عديد الأسباب وعلى رأسها ما يلى: 1- غالب هذه الاصطلاحات والمفردات إصلاح، وتجديد الخطاب، والوسطية الإسلامية والاعتدال، تطرح دونما ضبط وتحديد ما المقصود من وراءها، وتبدو جزءاً من خطاب سياسى واجتماعى وثقافى يتسم بالعمومية والسيولة، وعدم الانضباط الإصطلاحى. 2- افتقار الدعوات السابقة إلى الإصلاح والتجديد والاعتدال إلى فلسفة ورؤية للإصلاح أو التجديد أو الاعتدال، تعتمد على نظرة فى العمق للمحاولات السابقة التى رمت إلى الإصلاح أو التجديد أو الاعتدال، ومن ثم نحن إزاء مفاهيم غامضة وعامة وسائلة، ويتم الخلط بين بعضها بعضا، وتبدو فى غالب الخطابات الحاملة لها، وكأنها شيئاً واحداً، ولا يقتصر الأمر على الخطاب السياسى حول هذه المفاهيم الغامضة، وإنما يمتد إلى عديد من الكتابات الحاملة للتخصص فى الدراسات الإسلامية، أو السياسية أو السوسيو- سياسية، على نحو ساهم ولا يزال فى إزكاء الفوضى الإصلاحية أو المفاهيمية فى الخطاب العام، أو المتخصص. 3- عدم استناد الطلب الخطابى السياسى والدينى حول الإصلاح والتجديد والاعتدال إلى دراسات حقلية حول الخطابات الدينية السائدة –بنياتها ومرجعياتها وأساليب الدلالة واللغة وما وراءها من بنيات-، والتمايزات والمشتركات فيما بين بعضها بعضاً، وبين خطابات الجماعات الراديكالية، وخطابات المؤسسات الدينية الرسمية، أو خطابات دعاة الطرق، أو خطابات الدعاة الجدد، أو خطابات الجماعات السلفية. غياب الدراسات الخطابية والسوسيولوجية والحقلية أدت إلى المزيد من غموض الدعوات إلى الإصلاح أو التجديد أو الاعتدال، فضلا عن غياب تصورات حول رؤى إصلاحية أو تجديدية للسياسات الدينية الرسمية فى البلدان العربية، تتأسس على دراسات واسعة وعميقة حول الحالات الدينية داخل كل دولة ومجتمع عربى. من ناحية أخرى الافتقار إلى رؤى وسياسات دينية واجتماعية وثقافية وإعلامية وتعليمية ترمى إلى تحويل الدعوات السياسية والاجتماعية إلى طلب سياسى واجتماعى وبحثى فعال –إذا جاز التعبير- يحرك أجهزة الدولة ومؤسساتها –داخل البلدان العربية- إلى بناء تصورات واضحة عن ماهية الدعوات السياسية والطلب السياسى، إلى سياسات وإستراتيجيات عمل للتعامل مع الحاجة إلى أو طلب الإصلاح، أو التجديد، أو الاعتدال فى الفكر والسلوك الدينى والسياسى الذى يستند إلى المسوغات الدينية الفقهية الوضعية والتأويلية. ومن هنا لم تغادر الدعوة إلى الإصلاح والتجديد والاعتدال مدارات ملفوظ الخطاب السياسى الرسمى، أو الخطاب الدينى الرسمى إلى مجال السياسات الدينية والتعليمية والإعلامية والثقافية إلا قليلاً، وذلك، بقطع النظر عن خطاب ردود الأفعال الدينى الرسمى، إزاء خطابات القاعدة أو داعش أو الإخوان المسلمين ونظرائهم وأشباههم، أو بعض الأطر الإجرائية أو النظامية لمواجهة خطابات العنف الدينى الراديكالية، والاستثناء الأساسى تمثل فى تركيز النظم والنخب السياسية الحاكمة فى غالب الدول العربية على السياسة الأمنية، وأدواتها فى مواجهة جماعات العنف الدينى والسياسى. فى هذا الإطار والسياقات السياسية والبحثية، اعتمدت النخب السياسية الحاكمة فى غالب البلدان العربية على عديد من السياسات التى تدور حول ردود الأفعال، أو تعديل بعض المناهج المقررة فى التعليم الدينى، والتى لا تستند إلى رؤية إصلاحية أو تجديدية، أو النقد المضاد للخطابات الدينية الراديكالية أو تقديم آراء مغايرة لها على ذات السند والتأويل الدينى المغاير لدى بعض الآراء والفتاوى الدينية النقلية الموروثة. بعض السلطات العربية الحاكمة لجأت إلى سياسة الحوار والمراجعات الدينية مثل مصر والسعودية، بعض عناصر الجماعات الراديكالية تراجعت عن بعض أفكارها وفتاويها دونما إصلاح أو تجديد فى فكرها الدينى الذى ظل على ذات الأرضية التأويلية النقلية مع بعض المراجعات دونما تبنى لأفكار إصلاحية أو تجديدية، إلا لدى بعض الأفراد.