وسط تفاعل واندماج بطابع الموسيقى المحمل برؤية تجمع بين الطابع الشرقي والغربي، افتتح ناصر المزداوي الجلسة الفنية على مقهى بمصر القديمة، بأغنية أهداها إلى مصر بعد الغياب. ليلة رائعة قضيناها وسط مجموعة من المثقفين والفنانين على مقهى "أوده باشا" في منطقة باب النصر بالقاهرة القديمة الإسلامية التي شيّدها القائد العسكري الفاطمي جوهر الصقلي، بعد أن تلقينا دعوة من الشاعر حسن رياض، ولم يكن التجمع في هذا المكان الحيوي لاحتساء الشاي والقهوة وتدخين الشيشة ولعب الطاولة وتبادل الأحاديث فحسب، لكن للاستماع إلى وصلة من الغناء والمقطوعات الموسيقية لواحد من أشهر فناني ليبيا منذ السبعينيات وحتى الآن، وهو الموسيقي العالمي القدير ناصر المزداوي. ووسط تفاعل واندماج بطابع الموسيقى المحمل برؤية فنية تجمع بين الطابع الشرقي والغربي، افتتح ناصر المزداوي الأمسية بأغنية أهداها إلى مصر بعد الغياب، عبّر من خلالها عن محبته لمصر بكلمات بسيطة في محتواها عميقة في مضمونها: وأنا جيتلك رغم المسافات.. يا أرض النيل والأهرامات.. ثم قدّم رائعته الأشهر "شنطة سفر"، ووسط تفاعل واندماج بطابع الموسيقى المحمل برؤية فنية تجمع بين الطابع الشرقي والغربي، افتتح ناصر المزداوي الأمسية بأغنية أهداها إلى مصر بعد الغياب، عبّر من خلالها عن محبته لمصر بكلمات بسيطة في محتواها عميقة في مضمونها: وأنا جيتلك رغم المسافات.. يا أرض النيل والأهرامات.. ثم قدّم رائعته الأشهر "شنطة سفر"، والتي أطلقها ضمن ألبومه الأول "في الغربة" (1975): مسافر وحامل في إيدي شنطة سفر.. مسافر وحامل في قلبي حكاية عمر.. الغربة طريقي ورفيقي.. وأغلى أصحابي ضي القمر.. تلك الكلمات الشجية التي تعبر عن حال الكثيرين، تسللت سريعًا إلى قلوب الحضور، خصوصًا أن من بينهم من عاصرها عند طرحها لأول مرة، كما أن منهم من يحلم بالهجرة.. ومن بعدها قدّم أغنيته التي قدّمها للهضبة عمرو دياب بطلب من مواطنه حميد الشاعري في عام 1996، وذلك بعد أن قدّمها لأول مرة قبلها ب20 عامًا، بعد تعديل في كلماتها للشاعر أحمد شتا، وتقول الأغنية الرئيسية في مطلعها: حبيبي يا نور العين يا مخلي مكانك.. لا عارف ديارك وين ولا عارف عنوانك.. ومزج بين تلك الكلمات وكلمات "نور العين" الجديدة التي تحمل ألحانه وغناها الهضبة ونال عنها أول جائزة world music awards في تاريخه عام 1998: حبيبي يا نور العين يا ساكن خيالي.. عاشق بقالي سنين ولا غيرك في بالي.. المزداوي كشف للحضور أيضًا بأن "نور العين" هي أول تعامل له مع الشعراء، حيث اعتاد بأن يكتب أغانيه لنفسه نظرًا لتنقله المستمر بين البلدان، وتعاون مجددًا مع عمرو دياب في أغنيته "كمل كلامك" التي حملت اسم ألبوم صدر في 2005. وقدّم ناصر المزداوي عدة أغان أخرى، منها "الغربة"، و"متغرب"، وغيرها استنادًا إلى الموروث الفني لدولته ليبيا المتنوع في موسيقاه بين الشعبية والصحراوية، كما أصرّ على تقديم أغنيته "راجع" والتي أهداها لمصر وحملت اسم ألبومه الثامن عام 1997: أنا راجع أشرب ميه من مية النيل.. وأتمشى فيكي شوية يا مصر بالليل.. منحنا المزداوي بأغانيه ومقطوعاته الموسيقية فرصة للتنفس بعيدًا عن زخم العاصمة المعتاد، يجلس في منتصف الجلسة وكأنه رمانة الميزان الذي يحفظ وجه الموسيقى العربية، ومن حوله الصحبة و"حبة آهات على ليل على عين على ترلا للي". طول عمري متغرب من دون العباد.. وحياتي مضيعها من بلاد إلى بلاد.. والشوق مدوبني من كتر البعاد.. ناصر المزداوي كان سببًا في اتساع أفق الجمهور العربي لاستقبال أنماط موسيقية مغايرة لما اعتاد عليه، في الفترة التي أعقبت جيل الكبار من عبد الحليم حافظ وأم كلثوم وغيرهما، ونقل الأداء من حالة الطرب الصعب، والألحان الثقيلة، إلى حالة جديدة غير مألوفة على الأذن العربية، إلا أنه رغم ذلك أكد أنه تعلم على يد هؤلاء، وأحب الموسيقى منهم، يقول إن نظرته للفن تغيّرت تمامًا بعد استماعه ل"قارئة الفنجان" للعندليب، تراه وهو يدندن ألحان محمد الموجي لكلمات نزار قباني "جَلَسَت والخوفُ بعينيها تتأمَّلُ فنجاني المقلوب" وكأنه حلق بعيدًا تاركًا "الصحبة" والمقهى. ناصر المزداوي مولود في طرابلس الليبية ببلدة "مزدة" في 5 سبتمبر 1950 (العمر 68 عامًا)، تخرج في معهد جمال الدين الميلادي للموسيقى العربية في طرابلس، وساعده شغفه على تكوين فرقته "النسور" مبكرًا وهو في عمر ال17، وحقق شعبية كبيرة لدى الشباب الليبي، وطاف بفرقته هذه كل مدن وأرجاء ليبيا مثل بنغازي، وطرابلس، وطبرق، وغيرها، معتمدًا على أغنيات تراثية ليبية. بدأ مشواره الفني منذ نهايات الستينيات وهو عازف على آلات القيثارة والعود والكمان والبيانو، ومع اندلاع "الثورة الثقافية" في ليبيا عام 1973، كان يقود وإلى جواره المطرب الليبي أحمد فكرون، حالة من التمرد على قوالب الغناء المتعارف عليها، وحين نطق بذلك أشار لدور مصر الكبير في احتضانه، يقول: "مصر ليست مصركم وحدكم، مصر بلدي الثاني". ماشي ومعاي حزني وآهاتي.. سايب ورايا كل ذكرياتي.. عمري وصبايا وسنين حياتي.. اختار المزداوي الغربة كحل، وهكذا عاش سنوات طويلة مرت عليه وكأنها قرون، وفي الخارج طرح أول أسطواناته "في الغربة"، والتي جعلت اسمه كالنار في الهشيم من خلال أغنيات "مشينا، شنطة سفر، سافر لبعيد، زي الليلة، عيون عربيات، ولا من يسأل عني، يا أمي بعد سلامي، مرات"، وبدأ فيها الإعلان عن شكله المعتمد على المزج الواعي بين الموسيقى الشرقية والغربية، واستطاعت أغنيات الألبوم أن تصل للعالمية وتحقق نجاحًا كبيرًا ما جعله يحصل على الأسطوانة البلاتينية وهو في سن السابعة والعشرين، وبهذا يكون أصغر مطرب عربي حتى الآن يحصل على هذه الأسطوانة. ثم قدّم عدة أسطوانات تالية عدة، ومن أهمها "رحلة عمر" (1987)، وتضمن أغنيات "يا عين، مرسالك، عيونها، سمارة، أول موعد، ليل الصيف، شكرا يا غربة، مو كلمة"، و"الليلة" (1992)، وتضمن أغنيات "يا طير يا مسافر، بلادي، نحلم، يا خويا الإنسان، دوري بينا يا دنيا، جيتني وجيتني السعادة، يا اللي نسيني"، وأسطوانات "الجمال" (1994)، "يا صيف" (1995)، ليعود مرة أخرى بألبوم "راجع" (1997)، و"وحداني" (2000)، "داري عيونك" (2004). تجربة ناصر المزداوي بعد النجاح الكبير الذي حققته كانت مُلهمة لحميد الشاعري وعمل بكل وضوح على أثر وخطى هذه التجربة التي تخرج من "التطريب" إلى فضاءات أخرى تعتمد التجريب وتقدّم أعمالًا تقترب من اللغة المستخدمة في الحياة اليومية، وعليه كوّن فرقة اختار لها اسم "المزداوية"، تقديرًا لفن المزداوي أحد رواد الأغنية الحديثة. العمر تقدم بناصر المزادوي الذي مازحنا أثناء الأمسية، قائلًا: "شعري الأسود ده صبغة، أنا داخل على ال69 سنة"، ورغم ذلك نجح في إطراب الحضور الذين هربوا بصحبة أغانيه ومقطوعاته من حاضرهم إلى عالم رسموه في خيالاتهم، محاولين إيجاد فسحة للتأمل تستند على ماضي مجتمعهم المشرق، ساعين للوصول إلى التوازن النفسي والجسدي والعاطفي حتى ولو للحظات.