يعيش الشعب المصرى أصعب أيامه حاليا فى ظل مشاعر متضاربة تتأرجح بين الخوف والرجاء، بين القلق والأمل، وبين الشعور بالإنهاك بعد ثلاث سنوات كانت شديدة الصعوبة والحاجه إلى التفاؤل وشحذ الهمم للتحرك قُدمًا، حيث يحلم المصريون جميعا أن يحمل العام الجديد لهم أياما أفضل مما سبقها، فعلى الرغم من أن سنة 2013 قد شهدت تحقق رغبة جماهير 30 يونيو وسعادتها برحيل حكم الإخوان الاستعلائى ذى الأجندة الخفية والتوجهات المثيرة للتوجس والقلق فإنها بنفس القدر قد حملت إلينا الكثير من الأحداث الثقيلة على القلب ومن الأيام الحزينة التى شهدت دلالات الانقسام المرعبة التى سبق للإخوان زرع بذورها بتصنيفاتهم الإقصائية للمجتمع المصرى والتى نحصد جميعنا بلا استثناء ثمارها المريرة الآن، فماذا يا ترى تخبئ لنا الأيام القادمة؟ يذهب المتفائلون إلى تأكيد مرورالدستور الجديد دون تعطيل بنسبة تصويت غير مسبوقة، بالموافقة على نصوصه الداعمة للحقوق والحريات بمختلف أنواعها وأن الانتخابات الرئاسية ستأتى قبل تلك البرلمانية، متنبئين أن يحوز مرشح التيار المدنى ومؤيدو «30 يونيو» خلالها توافقا عاما واكتساحا لا شك فيه، وبالتالى فإن مصر المحروسة وفقا لكلماتهم ستتقدم إلى الأمام نحو تحقيق نظام ديمقراطى غير إقصائى فى ظل دعم عربى مستمر من الأشقاء وعلاقات دولية مواتية بعد إنجاز الخطوات السابق ذكرها. أما على الجانب الاّخر فإن هناك قطاعا لا يستهان به من المصريين تعصف به مشاعر الخوف والقلق التى تصل إلى حد التشاؤم، رغم تأييده للمسار السابق ذكره ولما يسمى بخارطة الطريق أو الأمل، من أن مصر ما زالت مرشحة لمزيد من عدم الاستقرار والعنف والاستقطاب فى ضوء التسريبات المتواترة عن خطط جماعة الإخوان ومناصريها لعرقلة جميع الخطوات القادمة، ابتداءً من الاستفتاء على الدستور مرورا بالانتخابات الأولى وانتهاءً بالانتخابات التالية سواء الرئاسية منها أو البرلمانية، وفقًا لما سيستقر القرارعليه فى نهاية الأمر. وهذه المشاعر المتوجسة من الأيام القادمة تتزايد لدى هذه الكتلة القلقة فى ظل ما تدل عليه الأحداث المتكررة من أن الإخوان لا يعتزمون طرح خيارات بشأن المستقبل القريب سوى التصعيد المستمر أيًّا كانت النتائج الكارثية لذلك وانعكاساتها السلبية على مصر بأكملها وأن هؤلاء الإخوان المرتبكين لا يملكون رؤية واقعية ومحسوبة لكيفية الخروج من مأزقهم التاريخى الأخطر، وليس فى حوذتهم خطة عمل قابلة للتطبيق لإصلاح ما أفسدته قياداتهم بقصرنظرها ومطامعها وممارساتها الاحتكارية، وبالتالى فإن كل ما تفتق ذهنهم عنه هو العمل على هدم المشهد بأكمله دون الاكتراث بالعواقب أملا فى أن يؤدى ذلك إلى رجوع عقارب الساعة إلى الوراء واسترداد نفوذهم ومكانتهم، وبما أن ذلك يقع فى نطاق المستحيلات فيبدو أن قدرهم المحتوم سيدفعهم إلى مواصلة إجراءات الهدم دون هوادة، لأنه فى نظر قياداتهم الخيار الوحيد المتاح فى ضوء ما يحلمون به من أوهام. وبين المتفائلين والمتشائمين المتوحدين حول أهداف التحرك قُدمًا من جانب والإخوان والمتطرفين والإرهابيين وهلم جرا ممن يعادون المسار الأول ويرفضون الوضع القائم من جانب آخر والتجاذب والتشاحن المستمر بين الجانبين فى الشارع المصرى تتم إثارة الغبار عن عمد من جانب الطرف الأخير لتعقيد صورة المشهد السياسى الراهن داخليا وخارجيا، وهذا منتظر ومفهوم، ويمكن التعامل معه والتعايش فى ظله، ولكن المؤسف أنه فى خضم هذا كله تتبارى الأطراف جميعا دون كلل ولا ملل، وغالبا دون منطق أو موضوعية فى عملية ممنهجة للتشويه والتلطيخ والاغتيال المعنوى لجميع أطراف الصورة المصرية الجميلة التى بهرت العالم بأسره منذ سنوات ثلاث بنبلها ونقائها وإخلاصها ليختلط الآن الحابل بالنابل وتثور الشكوك العميقة من الجميع تجاه الجميع لتمسك نار العداء وتصفية الحسابات بأطراف تلك الصورة وشخوصها دون أن نعرف على وجه القطع مَن الطرف المجرم ومَن المجنى عليه، والخوف كل الخوف أن تتآكل تلك الصورة حتى تنمحى بكل من فيها ويضيع الأمل فى تحقق الأهداف النبيلة وكأنها كانت أضغاث أحلام واستيقظنا منها على قسوة الواقع، ولذلك فنحن جميعا مطالبون بأن نحاول على قدر الإمكان الحفاظ على جمال الصورة الجماعية للشعب المصرى التى تم التقاطها فى فبراير 2011، وفى سعينا لتنقيتها ممن لا يستحق الظهور فيها يجب الحرص على أن يكون ذلك بناء على أدلة دامغة ووقائع لا تقبل الشك ومحاكمات عادلة حتى يظل ثوب الثورة المصرية ناصع البياض لم يلوثه الظلم أو الهوى وتظل روحها نقية الضمير حسنة القصد تجاه جميع أبنائها.