فوارق بسيطة بين مشاعر متقاربة، يزاحم القلق مساحة التوتر ويطغى الخوف على عدم الاستقرار، ويحل المصريون جميعا رهائن لحالة عامة فى ظل حاضر وصفه المتخصصون ب«الغامض» ومستقبل اعتبروه «مجهولا».. تعددت الأسباب والنتيجة واحدة، وكل سيناريو يفيض بسوءاته قبل أن نقترب منه، وكل توقع ينذر بواقع يخشاه الجميع ويحسبون له ألف حساب، المخاوف تتزايد بتكهنات العقلاء نحو المستقبل، منهم من يحذر من انتشار الفوضى، ومنهم من يؤكد أن الغموض سيد الموقف، فى ظل حاضر ضاعت ملامحه، ولم يعد أحد يمتلك القدرة على فهم ما يدور وسط قرارات وقوانين وسياسات مبهمة، حسب وصف أساتذة علم النفس، فهو الطريق المظلم الذى يعيشه المصريون دون شك، يخشى الجميع النظر للمستقبل لأنهم لا يملكون واقعا ولم يعد بإمكانهم القدرة على «الحلم». «أمر طبيعى» يرى د.سعيد عبدالعظيم، أستاذ الطب النفسى بجامعة القاهرة، حالة الترقب والقلق والخوف التى يعيشها المصريون، يبرر: فى ظل واقع مشتت بين قوتين يخشاهما الجميع ما بين سيطرة الإخوان المسلمين على الحكم وباقى مؤسسات الدولة، أو حكم مستنسخ من النظام البائد، فالمجتمع يمر بمرحلة غير مستقرة، والحكم المنتظر لن يرضى كل الأطراف، وهو ما يزيد من مخاوف البعض بانتشار الفوضى، ويضيف: «ما يحدث الآن هو أن البلاد تسير نحو الارتباك والفوضى، بسبب عدم الوضوح فى جميع الأمور المهمة من حولنا»، ويؤكد عبدالعظيم أن المواطن وحده هو فريسة هذا المناخ الذى تغيب عنه الحقائق وتتزايد الشائعات، واصفا الحالة العامة بأنها مرحلة من التخبط، سواء على مستوى القوانين أو القرارات أو الأحكام، أو على مستوى الحياة الخاصة التى يعيشها المواطنون فى هذه الأجواء، ويرى عبدالعظيم أن المحصلة النهائية التى قد تصيب المواطنين فى ظل الحيرة التى يعيشونها هى الإصابة بالانهيار العصبى. الأمراض النفسية التى قد تصيب الكثيرين ممن يعيشون حالة الخوف والقلق المتزايد، يؤكدها الدكتور إبراهيم حسين، طبيب أمراض نفسية وعصبية بجامعة عين شمس، موضحا أنه لا يمكن أن تفكر فى المستقبل إلا إذا كان الحاضر قويا وآمنا يؤهلك للتفكير فى الغد، ويعتبر حسين أن الواقع الحالى بكل ما فيه من توترات وأحداث متلاحقة ومستقبل مجهول -ينذر بإصابة البعض بخوف مرضى وقلق مرضى يتسببان فى حالة رعب من كل ما يحدث له أو ينتظره، خاصة لو كان ذلك الشعور جماعيا مثلما هو حالنا مؤخرا، فالجميع قلق بشأن مستقبله؛ لأن الحاضر غامض، وتوقع حسين إصابة البعض بأمراض الاكتئاب التفاعلى الذى ينشأ مع الأحداث ويزداد بتصاعدها، بالإضافة إلى ما يعرف بأمراض «الجسدنة» والمعروفة بحالة من اللارغبة فى بذل مجهود تجاه أى نشاط يمارسه الإنسان، نتيجة لشعوره بأن جسده هامد وغير قادر على عمل أى شىء، وهى حالة يشعر بها مع تصاعد الأحداث وشعوره الدائم بالخوف الشديد، وأضاف: «الجميع معرض للإصابة بتلك الأمراض فى حالة استمرار الحال كما هو دون تحسن للأوضاع أو محاولة البعض الخروج من تلك الحالة بالإضافة إلى الإصابة بما هو معروف باسم كرب ما بعد الصدمة وحالات من القلق العام». بينما يرى الدكتور أحمد عبدالله، أستاذ الطب النفسى فى كلية الطب بجامعة الزقازيق، أن غياب الحقائق وتعمد وسائل الإعلام التركيز على الصور السيئة المحيطة بنا دون التركيز على الجوانب المضيئة من مبادرات إيجابية أو نشاطات جيدة يقوم بها الكثيرون من حولنا -يسهم فى زيادة مشاعر القلق، وقال: لكن وسائل الإعلام تتعمد تخويف المواطنين ويتبارزون ويتنافسون فى التخويف، بصورة جعلت الكثيرين يشعرون بالخوف الشديد الذى ينتج عنه حالة من الإحباط أو العنف غير المبرر، بالإضافة إلى انعدام الفاعلية وانعدام الإنجاز والتوقف عن العطاء والعمل، والشعور بالاكتئاب، وقد يزداد الأمر بتنامى شعور آخر فى الرغبة فى الهروب.