وكيلة الشيوخ تطالب بإزالة عقبات تطبيق النسب الدستورية في موازنة التعليم العالي    أكاديمية الشرطة تنظم ورشة عمل مشتركة مع الشرطة الإيطالية لتدريب الكوادر الأفريقية على مكافحة الهجرة غير الشرعية    الوادي الجديد تبدأ تنفيذ برنامج "الجيوماتكس" بمشاركة طلاب آداب جامعة حلوان    هيئة تمويل العلوم تُعلن عن فتح باب التقدم لمنحة سفر شباب الباحثين    وزير التموين: توريد 900 ألف طن قمح محلي حتى الآن    إسكان النواب توافق على موازنة الهيئة القومية لمياه الشرب والصرف الصحي    «إكسترا نيوز» تبرز ملف «الوطن» بشأن افتتاح مركز البيانات والحوسبة السحابية    «معلومات الوزراء»: ألمانيا والصين الأكثر إصدارا للسندات الخضراء    توافق سعودي أمريكي حول ضرورة وقف إطلاق النار في غزة    الرئيس السيسي يستقبل رئيس البوسنة والهرسك في قصر الاتحادية    بسبب حرب غزة| طلاب الجامعات في واشنطن ينادون بتغييرات في العلاقات مع إسرائيل    فانتازي يلا كورة.. دي بروين على رأس 5 لاعبين ارتفعت أسعارهم    الزمالك: الفوز على الأهلي ببطولتين.. ومكافأة إضافية للاعبين بعد التأهل لنهائي الكونفدرالية    مباراتان في الدوري وتأجيل مثلهما.. ماذا ينتظر الزمالك قبل نهائي الكونفدرالية؟    عامر حسين: لماذا الناس تعايرنا بسبب الدوري؟.. وانظروا إلى البريميرليج    ضبط خريج شريعة وقانون يمارس مهنة طبيب أسنان في المنوفية    إصابة 6 أشخاص في حادث تصادم على طريق جمصة بالدقهلية    جامعة كفر الشيخ تنظم حملة للتوعية الأسرية والمجتمعية    الضحية أقوى من الجلاد.. أبو الغيط يهنئ الفلسطيني باسم الخندقي على فوزه بالبوكر    جهود مبادرة رئيس الجمهورية للكشف المبكر عن الأمراض الوراثية لحديثي الولادة    دراسة تكشف العلاقة بين زيادة الكوليسترول وارتفاع ضغط الدم    التعاون الاقتصادي وحرب غزة يتصدران مباحثات السيسي ورئيس البوسنة والهرسك بالاتحادية    المشاط: تعزيز الاستثمار في رأس المال البشري يدعم النمو الشامل والتنمية المستدامة    9 مايو أخر موعد لتلقي طلبات استثناء المطاعم السياحية من تطبيق الحد الأدنى للأجور    عبد الواحد السيد يكشف سبب احتفال مصطفى شلبي ضد دريمز    برشلونة أبرزها.. مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة    تطور عاجل في مفاوضات تجديد عقد علي معلول مع الأهلي    البحوث الإسلامية يعقد ندوة مجلة الأزهر حول تفعيل صيغ الاستثمار الإنتاجي في الواقع المعاصر    الأنبا بشارة يشارك في صلاة ليلة الاثنين بكنيسة أم الرحمة الإلهية بمنهري    إصابة عامل بطلقات نارية في ظروف غامضة بقنا    موعد إعلان أرقام جلوس الصف الثالث الثانوي 2023 -2024 والجدول    احالة 373 محضرًا حررتها الرقابة على المخابز والأسواق للنيابة العامة بالدقهلية    أمن القاهرة يضبط عاطلان لقيامهما بسرقة متعلقات المواطنين بأسلوب "الخطف"    ولع في الشقة .. رجل ينتقم من زوجته لسبب مثير بالمقطم    محافظ المنوفية يستقبل رئيس المجلس المصري للشئون الخارجية    أسوشيتد برس: وفد إسرائيلي يصل إلى مصر قريبا لإجراء مفاوضات مع حماس    منهم فنانة عربية .. ننشر أسماء لجنة تحكيم مهرجان كان السينمائى فى دورته ال77    «ماستر كلاس» محمد حفظي بمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير.. اليوم    مؤسسة أبو العينين الخيرية و«خريجي الأزهر» يكرمان الفائزين في المسابقة القرآنية للوافدين.. صور    ضحايا بأعاصير وسط أمريكا وانقطاع الكهرباء عن آلاف المنازل    بحضور وزير الخارجية الأسبق.. إعلام شبين الكوم يحتفل ب عيد تحرير سيناء    «الرعاية الصحية» تشارك بمؤتمر هيمس 2024 في دبي    خلي بالك.. جمال شعبان يحذر أصحاب الأمراض المزمنة من تناول الفسيخ    اتحاد الكرة: قررنا دفع الشرط الجزائي لفيتوريا.. والشيبي طلبه مرفوض    فضل الدعاء وأدعية مستحبة بعد صلاة الفجر    رئيس الوزراء: 2.5 مليون فلسطيني في قطاع غزة تدهورت حياتهم نتيجة الحرب    خسائر جديدة في عيار 21 الآن.. تراجع سعر الذهب اليوم الإثنين 29-4-2024 محليًا وعالميًا    تعرف على الجناح المصري في معرض أبو ظبي للكتاب    أول تعليق من ياسمين عبدالعزيز على طلاقها من أحمد العوضي    من هي هدى الناظر زوجة مصطفى شعبان؟.. جندي مجهول في حياة عمرو دياب لمدة 11 سنة    مطار أثينا الدولي يتوقع استقبال 30 مليون مسافر في عام 2024    مصرع عامل وإصابة آخرين في انهيار جدار بسوهاج    أمين لجنة الشئون الدينية بمجلس النواب: هذا أقوى سلاح لتغيير القدر المكتوب    "استمتع بالطعم الرائع: طريقة تحضير أيس كريم الفانيليا في المنزل"    سامي مغاوري: جيلنا اتظلم ومكنش عندنا الميديا الحالية    بايدن: إسرائيل غير قادرة على إخلاء مليون فلسطيني من رفح بأمان    من أرشيفنا | ذهبت لزيارة أمها دون إذنه.. فعاقبها بالطلاق    الإفتاء توضح حكم تخصيص جزء من الزكاة لمساعدة الغارمين وخدمة المجتمع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



25 مصريا في 25 يناير.. حرَّكوا..غيَّروا.. ثاروا
نشر في التحرير يوم 25 - 01 - 2012

لتحميل وقراءة الملف بصيغة PDF أضغط على الرابط التالي
25 jan

هى ثورة كل المصريين بكل تأكيد لا ثورة أشخاص بعينهم أو تيار محدد. هى ثورة كل الأعمار وكل المهن. ثورة العمال والطلاب والمدرسين والشيوخ والقساوسة والموظفين والأطباء والمهندسين والعلماء والفلاحين والصحفيين. ثورة الخارجين من المناطق الشعبية والمحتشدين فى مظاهرات من قلب بيوت مصر الجديدة، والقادمين من الغربة، ثورة ركاب الأوتوبيس والمترو والمينى باص والمتشعبطين فى القطارات، والذين يدفعون ال128 إلى الحركة ب«الزق»، والذين تركوا سياراتهم صاحبة ال«2000 سى سى» والتكييف الزيرو، ليهتفوا إلى جوار أهاليهم من بر مصر «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية».
هى ثورة كل هؤلاء وأكثر، ومن بينهم خرج هؤلاء المصريون الجدعان الذين ستقرؤون قصصهم فى الصفحات القادمة، دون أن يعنى الاحتفاء بدورهم فى الثورة أنهم فقط من صنعوها، وأنهم وحدهم من غيَّروا وتحرَّكوا وثاروا، بل إننا -ونحن نستعيد معهم أجواء الثورة ونحتفى بهم- نستعيدها أيضا ونحتفى بكل الملايين الذين غيَّروا وتحرَّكوا وثاروا.. دامت ثوراتكم
محمد البرادعي
»ضمير البرادعى الحى» كان حاضرا فى أول إعلان له حول عودته إلى مصر وممارسته العمل السياسى إذ أكد وقتها «لن أدخل إلى حزب سياسى لا يتمكن من الترشح للرئاسة
فى فيينا بالنمسا أعلن من هناك أنه يجهز للسفر والعودة إلى مصر استعدادا للمشاركة فى جمعة الغضب يوم 28 يناير
خطواته ومواقفه وآراؤه ورؤاه تعبر دائما عن «ضمير» لا يعرف المواربة ولا يتساهل ولا يغفو
كتب- عمرو بدر:
«ضميرى لن يسمح لى بالترشح للرئاسة أو أى منصب رسمى آخر إلا فى إطار نظام ديمقراطى حقيقى يأخذ من الديمقراطية جوهرها، لا شكلها فقط».. كأن هذه العبارة تختصر رحلة الدكتور محمد البرادعى، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية مع عالم السياسة فى مصر، فالرجل بالمفاجأة التى فجرها مؤخرا وإعلانه عدم الترشح لموقع رئيس الجمهورية -بما أثاره هذا الأمر من ضجة- قد أكمل ملامح الصورة التى بدأت تظهر منذ عودته إلى مصر فى فبراير من عام 2010، هذه الصورة التى إذا اختار أحد الفنانين أن يرسمها فإنه سيستبدل بصورة البرادعى، بملامحه وتعبيراته الهادئة، تخيلا فنيا لما تعنيه كلمة «الضمير».
البرادعى الذى اختار طريقا صعبا منذ عودته إلى مصر وهو طريق «تغيير» وطن حكمه الفساد والاستبداد لمدة تزيد على العقود الثلاثة، كانت خطواته ومواقفه وآراؤه ورؤاه تعبر دائما عن «ضمير» لا يعرف المواربة، ولا يتساهل، ولا يغفو، حتى إن كان فى هذا الأمر ما يحمّل الرجل نقدا وهجوما من «فرق النظام» التى تهبط سريعا بالباراشوت. ولأن هذا الضمير «الحى» هو دائما الذى يعبّر عن النبل الإنسانى، فقد كان البرادعى يكسب معاركه التى دخلها بالضربة القاضية طوال الوقت.
الأمثلة على أن البرادعى كان يبتعد طوال الوقت عن السياسة بمعناها المباشر -الذى تغلب عليه المناورات والمؤامرات- ويغلِّب الضمير، كانت كثيرة منذ عودته إلى مصر وإلقائه حجرا ثقيلا فى مياه راكدة، يعبر عنها مجتمع محبط ومواطن يائس، فلم يختر الرجل منذ البداية أن يصبح «فردا» فى فريق نظام فاسد وفاشل «..انسوا الحديث عن الترغيب أو الترهيب، فغير الترشح لموقع رئيس الجمهورية بانتخابات نزيهة لن أقبل بأى موقع رسمى».. هكذا قال وأكد فى أول حوار له بعد عودته إلى مصر، دون أن يخاف من أن هذا الأمر سيعرضه لغضب نظام قمعى إلى أبعد الحدود.
«ضمير البرادعى الحى» كان حاضرا فى أول إعلان له حول عودته إلى مصر وممارسته العمل السياسى، إذ أكد وقتها «لن أدخل إلى حزب سياسى لا يتمكن من الترشح للرئاسة، ولن أتقدم بأوراق حزب إلى النظام الذى يفتقر إلى الشرعية»، وهو ما يعنى أن الرجل لم يكن خائفا من أمواج عاتية ولا ملهوفا على الترشح للرئاسة وهو يطالب بشكل واضح بتعديلات دستورية تتيح «لكل المصريين الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية بلا قيود»، وهى التى كانت تعنى -حسب البرادعى- تعديل ثلاث مواد من دستور عام 71 تسمح بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية نظيفة وتمنح كل مواطن حقه فى الترشح لها.
«الضمير» الذى كان مصاحبا للبرادعى، كان هو المحرك الرئيسى لطريق طويل من الصدام مع نظام الحكم السابق، وذلك منذ عودته إلى مصر، وتكوينه الجمعية الوطنية للتغيير فى فبراير 2010، والتى وإن كانت فى حقيقتها «تنظيما نخبويا» فإنها خلقت نوعا من «التنسيق» ما بين كثير من القوى السياسية والمثقفين ووحدت الجميع على حد أدنى من مطالب التغيير وولّدت روحا جديدة غابت عن مصر المنكوبة بالاستبداد منذ سنوات، وقد كان هذا الأمر هو التحدى الأكبر للنظام الذى كان يحكم ويتحكم فى كل شىء، واستمر الصدام بين البرادعى ونظام مبارك «الساقط» حين طالب المواطنين «بالتوقيع» على «بيان التغيير» الذى اعتبره البرادعى -آنذاك- يحمل الحد الأدنى لخلق واقع سياسى جديد فى مصر، وهو أسلوب لمقاومة النظام، يبدو معبرا عن الرجل الذى عاش معظم حياته فى العمل الدبلوماسى، وهو الذى يصفه قائلا: «لو استطعنا الحصول على ملايين التوقيعات لن يستطيع النظام القول إنه لا أحد فى مصر يطالب بالتغيير».
البرادعى صاحب الضمير السياسى لم يكن يدعو إلى التغيير فقط، بل كان مشاركا فى صنعه، فهذا الرجل الذى بشر بالتغيير، وحرك المياه الراكدة وأثبت أن هناك بديلا آخر لمبارك ونجله وبعث بالأمل فى نفوس الأجيال الأصغر سنا والأكثر حماسا، كان حاضرا يوم جمعة الغضب، يعانى نفس ما تعانيه الجماهير من قمع و«قنابل مسيلة للدموع وخراطيم مياه» ولم يؤْثر السلامة وينجُ بنفسه من تفاصيل يوم عاصف فى تاريخ مصر، بل كان ضميره السياسى يأبى إلا أن يشفع القول بالفعل، ويخرج فى المظاهرات الحاشدة التى كانت بداية النهاية لنظام مبارك يوم 28 يناير. هذا الأمر جعل البرادعى يحصل على احترام وتقدير الجميع، لا سيما هؤلاء الذين كانوا يرونه مجرد مناضل بالكلمات ويعتبرونه غير قادر على النزول إلى الشارع أو مواجهة سلطة غاشمة قمعية يقول «تعرضت مع الجماهير الغاضبة للضرب بقنابل الغاز وخراطيم المياه، وكان هذا واجبى تجاه وطنى».
هذا هو البرادعى الذى مارس السياسة بضمير حى ويقظ، بعيدا عن الأطماع والمطامع، لذلك لم يكن غريبا أن يكون الشباب الأصغر سنا والأكثر نبلا ونقاء والأبعد مسافة عن مؤامرات السياسة هو أكبر داعم له وأعظم المتحمسين لوصوله إلى سدة الحكم فى مصر، لأنهم صدقوه بعدما كذب عليهم الجميع، ووثقوا به بعدما رأوا الخيانة على مدار 30 سنة، من نخب وأجيال كانت مسؤولة -مثل نظام مبارك تماما- عما وصلنا إليه من فشل وتردٍّ
جورج إسحق
التاريخ النضالى لإسحق بدأ مبكرا مع مرحلة الطفولة عندما اشترك فى مقاومة العدوان الثلاثى على مصر فى مدينته الباسلة بورسعيد
كان حاضراً فى المظاهرة التى تحركت من أمام دار القضاء العالى وتحرك من هناك مع العشرات إلى ميدان التحرير
المنسق الأول لحركة كفاية التى كانت أول من رفع شعار «لا للتمديد.. لا للتوريث»
كتب- عبد الرحمن عبادى:

لم تمنعه سنوات عمره السبعون من اعتلاء كتف أحد شباب التحرير فى الساعات الأولى للمظاهرات التى انتهت بثورة 25 يناير، مرددا للمرة الأولى هتاف «الشعب يريد إسقاط النظام»، فى مشهد لفت نظر كثيرين ممن خرجوا إلى الشارع للمرة الأولى رفضا لنظام مبارك، ممن لا يعرفون أن ذلك الرجل الذى يقف بينهم واحد من قليلين اختاروا مهاجمة نظام مبارك، وترديد الهتافات المطالبة بسقوطه فى وقت فيه كان أقصى أحلام أعتى معارضيه تغيير وزير فى حكومته. مشهد التحرير فى تلك الساعات كان وحده كفيلا بإعادة شباب جورج إسحق، المنسق الأول لحركة «كفاية»، إليه وهو يرى حصاد 6 سنوات من النضال السلمى ضد مبارك ونظامه يتحقق أمام عينيه، بعد أن كاد اليأس يتسرب إلى النفوس من استحالة إزاحة هذا النظام، وبعد أن تحولت وقفات حركة «كفاية»، التى لا تكاد تنتهى لتبدأ إلى مشهد فلكلورى استخدمه مبارك لتجميل صورته عالميا، دون أن يعرف أن تلك المجموعة ستنجح فى تحريك الملايين لإسقاط نظامه.

عندما تجلس فى حضرته، وأنت لا تعلم من هو، تظن أنه واحد من المتبحرين فى علوم الدين الإسلامى، ويتأكد لك ذلك عندما تجده فى جميع مناسبات جماعة الإخوان المسلمين، وعلى رأس الوقفات المطالبة بحريتهم وحقهم فى الوجود والمشاركة السياسية فى أثناء التنكيل بهم على يد النظام السابق، لكنك ستفاجأ حتما بأن ذلك، الرجل الذى بدأ حياته معلما للتاريخ، مسيحى الديانة، بل وشغل سنوات طويلة منصب مدير المدارس الكاثوليكية القبطية، لكنه واحد ممن نظروا إلى جوهر الأديان السماوية، وتناسوا العنصرية الدينية كى يلتفتوا إلى قضايا الوطن.

كثيرا ما استغل خصومه من أتباع الحزب الوطنى مواقفه تلك من الإخوان لتأليب عدد من الأقباط المتشددين عليه، وكثيرا ما أدى ذلك إلى مهاجمته بضراوة من أخوة الدين، لكنه كان أقوى من الجميع، ولم يجد أى غضاضة فى أن يعلن فى محافل مسيحية أن الاختيار للشعب جاء بمسيحى أو مسلم. إسحق الذى قدم نموذجا غير مسبوق فى مصر لتداول السلطة بعد تنازله عن منصب المنسق العام لحركة «كفاية» بعد عام واحد من إنشائها فى نهاية 2004 لإرساء مبدأ تداول السلطات تحمل على عاتقه مع أعضاء الحركة التى لم يتجاوز عدد أعضائها فى البداية 300 فرد صعوبات بداية إنشاء الكيان وواجه الملاحقات الأمنية والاعتقالات على الرغم من كبر سنه، ولم يكتفِ بذلك، بل امتدت الضغوط ليواجه كذلك مع بقية زملائه قضايا أخرى، مثل التعديلات الدستورية وتزوير انتخابات مجلس الشعب، حتى وصل عدد أعضاء الحركة التى خرجت إلى الشارع يوم 12ديسمبر 2004 هاتفة بسقوط مبارك إلى ما يزيد على 20 ألف عضو موزعين على جميع محافظات مصر. ورغم أن جورج ورفاقه كانوا فى مقدمة صفوف صانعى الثورة، فإنهم واصلوا رباطهم بالميدان، ولم ينصرفوا لجمع الغنائم كما فعل غيرهم، حتى عندما وافق على عضوية إحدى لجان التربية والتعليم للاستفادة من خبراته التربوية ظل حريصا على استحضار روح الثورة، وعندما قرر خوض انتخابات مجلس الشعب وفقا لمعاييره الثورية لم يوفق، لأنه لم يبحث كغيره عن التحالف مع من لديهم الخبرة البرلمانية والعارفين بدهاليز الانتخابات المصرية ممن لم يتوانوا عن استحضار تمييزهم الدينى لإسقاطه، وهو الذى لم يتأخر يوما للدفاع عن حريتهم فى التعبير والتنقل وأداء مشاعرهم الدينية والمشاركة فى الحياة السياسية. قديس «كفاية» الذى عاد إلى الميدان مجددا، إيمانا منه بأن الثورة لم تكتمل هو واحد من الذين ناضلوا لرحيل المحتل الأجنبى وآمنوا بمبادئ ثورة يوليو التى حادت عن طريقها، لذلك فهو حريص على استحضار عِبر التاريخ ودروسه، حتى لا تغلق الدائرة مجددا على حكم العسكر.

التاريخ النضالى لإسحق بدأ مبكرا مع مرحلة الطفولة عندما اشترك فى مقاومة العدوان الثلاثى على مصر فى مدينته الباسلة بورسعيد، ثم اشتغل فى مجال الخدمات العامة على مختلف المستويات والمجالات انطلاقا من عمله التربوى، قبل أن ينضم إلى حزب العمل 1969، ومع إنشاء «كفاية» كان فى مقدمة مؤسسيها لكسر حواجز الخوف لدى الشعب المصرى. ومع تزايد نشاطه فى العمل العام طالته يد الاعتقالات أكثر من مرة، أطولها عندما تم احتجازه على خلفية الدعوة إلى إضراب 6 أبريل عام 2008، وإبان أحداث استقلال القضاة عام 2005، لكن ذلك لم يثنه عن مواصلة كفاحه السلمى إلى أن قامت الثورة
أسامة الغزالي حرب
كان حاضراً مع المتظاهرين والمعتصمين فى ميدان التحرير بعدها كان حزبه من الجهات الداعية للمظاهرات
كان فى مسجد الاستقامة بالجيزة برفقة الدكتور محمد البرادعى وعدد من السياسيين والمثقفين الذين تعرضوا لقنابل الغاز وخراطيم المياه
اختار حرب طريق الشعب بأن ينضم إلى الجموع وأن يقف ضد النظام فى ظل سطوته
كتب- محمد أبو زيد:

كان النظام السابق فى عز سطوته، عندما قرر أن يخلع عباءة الحاكم وأن يعرّيه تماما، وأن يخرج من نظام مبارك، كاشفا سوءات عصر بالكامل طغى وتجبر.

اختار حرب طريق الشعب، بأن ينضم إلى الجموع، وأن يقف ضد النظام فى ظل سطوته، ويؤسس حزبا، يكون بعد ذلك جزءا أساسيا من الثورة، بل إنه يعتبر «الخلية الأولى للثورة»، من يوم 20 يناير إلى يوم 25 يناير، كانت هناك ترتيبات، لم يكن أسامة خائفا من نجاح الثورة، كان يتنبأ بها، كان يدفع فى اتجاه التجربة، ويحض على أن يخوض الشعب ثورته، حزب الجبهة كان منذ اليوم الأول مع الثورة، وكان متنبئا بها. لم يدخل أسامة الغزالى حرب الحزب الوطنى إلا لمدة 3 سنوات، حتى عندما كنت عضوا فى مجلس الشورى، كان مستقلا، لذلك كان محروما من تولِّى أى لجنة، وعلاقته بالنظام لم تكن جزءا أساسيا. يحكى حرب عن تجربته «دخلت النظام عندما اتصل بى جمال مبارك بشأن لجنة السياسات، كان دخولى للحزب الوطنى عام 2002، ومعى من (الأهرام) عبد المنعم سعيد، وهالة مصطفى، لكننى كنت أعرف جمال قبلها بثلاث أو أربع سنوات، وذلك كان عن طريق مختلف تماما، جرى ذلك عن طريق د.أسامة الباز، وكان تقريبا سنة 1998، أو 1999، حين دعا إلى مشروع لتأريخ مصر فى عهد مبارك، وتجميع لبناء مركز دراسات تاريخ مصر المعاصر، ففهمت أن هناك رغبة فى تجميع كل الوثائق والصور والأفلام السينمائية الخاصة بعهد مبارك، فاقترحت أن يتم ذلك، على أن يشمل كل ما بعد ثورة يوليو 1952»، ويضيف «جمال بدأ يفكر فى التوريث، وكان يتعامل مع نفسه على أنه الرئيس القادم أو يتخيل نفسه كذلك، وكان ذلك يجعل بيننا وبينه مسافة، وكنت أحب ذلك، لم تكن لى علاقة بمشروع التوريث، فى اللحظة التى أحسست فيها بهذا الموضوع انسحبت».

رفضه مشروع التوريث، وتعديل المادة 76 عام 2005، كانا من أشهر مواقفه السياسية، فهو أحد القلائل داخل الحزب الوطنى المنحل الذين قالوا يوما ما لجمال مبارك وصفوت الشريف «لا».. يتذكر أسامة الغزالى حرب أن صفوت الشريف فى اجتماع لجنة السياسات كان يقرأ أسماء أعضاء الحزب الموافقين على تعديل المادة دون حتى سؤالهم، «لكنى وقفت وقلت له أنا معترض على تعديل المادة». كان هذا الموقف يعتبر واقعة نموذجية لانتصار الضمير على المصالح الشخصية.

تعديلات المادة 76 من الدستور كانت البداية لنهاية نظام مبارك، كما أعلن الغزالى حرب بعد الثورة بأيام، معلنا أن «ثورة شباب 25 يناير سوف توضع فى التاريخ كواحدة من أعظم الثورات التى عرفتها البشرية مثل الثورة الفرنسية والثورة الأمريكية»، كما وصفها بالحدث الأعظم فى تاريخ مصر منذ عهد الفراعنة.

ربما يبدو أسامة الغزالى حرب سعيدا الآن وهو يتذكر بعد عام من الثورة، ما حدث يوم 28 يناير، حيث قرر التوجه مع الدكتور محمد البرادعى من مسجد الاستقامة فى الجيزة، إلى ميدان التحرير، كان يصلى مع العديد من رموز المعارضة، الدكتور عبد الجليل مصطفى، والدكتور محمد أبو الغار، لكن بمجرد انتهاء الصلاة، انطلقت قنابل الغاز، وخراطيم المياه على المصلين، قبل أن ينضم متظاهرو العمرانية والهرم إليهم وينطلقوا إلى التحرير، لم تترك الشرطة المتظاهرين، فقامت باحتجاز البرادعى ومعه حرب فى أثناء المشاركة فى المظاهرات.

كانت أياما كالحلم، يتذكرها الآن أسامة الغزالى حرب ويبتسم، ربما لا تكون المكاسب كبيرة، لكنها حققت ما حلمت به مصر لمدة ثلاثين عاما، وأسقطت نظام الطاغية
عبد الجليل مصطفى
شارك فى الوقفة التى بدأت أمام دار القضاء العالى ثم تحولت إلى مظاهرة تحركت من إلى شارع رمسيس ومرت أمام دار الحكمة ثم إلى ميدان التحرير
كان عضوا مؤسسا فى حركة 9 مارس لاستقلال الجامعات وكان واحدا ممن حرضوا على قيام ثورة 25 يناير
كتب- محمد الخولى:
تاريخ طويل ملىء بالكفاح والنضال ضد نظام ديكتاتورى فاسد، هذا هو ملخص حياة المناضل والناشط السياسى الدكتور عبد الجليل مصطفى أحد المناضلين والداعين إلى قيام الثورة، ومشارك وشاهد على كل أحداثها منذ البداية.
الناشط السياسى الذى شارك فى صنع الثورة منذ بدايتها، فكان من أول الموجودين بميدان التحرير يوم 25 يناير للثورة على نظام فاسد، كاد يرسل مصر إلى الجحيم والمطالبة بإطلاق سراح مصر للمصريين من أبنائها. ومع تزايد العنف والقتل وأساليب القمع الدنيئة التى استخدمتها قوات الأمن المركزى ضد المتظاهرين كان إصرار عبد الجليل على استكمال مشوار الثورة إلى النهاية يتزايد، فكان من أوائل الداعين إلى جمعة الغضب 28 يناير، التى بدأها بمسيرة من مسجد الاستقامة بمحافظة الجيزة إلى ميدان التحرير، بصحبة الدكتور محمد البرادعى وعدد من النشطاء السياسيين، جاعلا من مكتبه بميدان باب اللوق نقطة تجمع للتشاور حول الأفكار، والآراء المختلفة على مدار 18 يوما هى فترة عمر الثورة.
عبد الجليل مصطفى الأستاذ بجامعة القاهرة، الذى رفض أن يسجن فى حدود الشخصية الأكاديمية المحافظة، تعرض للتنكيل والاعتقال أيضا فى ظل دولة بوليسية تعتمد على تقارير أمن الدولة، الأمر الذى لم يمنعه من المشاركة وتأسيس كثير من الحركات الاحتجاجية والنضالية ضد النظام، فكان عضوا مؤسسا فى حركة 9 مارس لاستقلال الجامعات، وكان واحدا ممن حرضوا على قيام ثورة 25 يناير، وواحدا أيضا ممن حافظوا على ثوريتهم، رافضا أن يقع فى فخ المجلس العسكرى كغيره من السياسيين.
الثائر الذى رفض أن يقال إن ثورة 25 يناير صناعة غربية، ولم يكتب لها النجاح إلا بعد دعم ومساندة الغرب لها قائلا: «أمريكا ساندت حليفها فى بداية الثورة، وقالت وزيرة الخارجية إن نظام مبارك مستقر، ويمكنه البقاء»، معتبرا أنها ثورة شعبية مصرية خالصة ملك لكل المصريين، وكتبت شهادة نجاحها بدماء مصرية طاهرة سالت على أرض الميدان.
منسق الجمعية الوطنية للتغيير، الذى أكد ضرورة الخروج فى الذكرى الأولى للثورة، واستكمال المسيرة لحين تحقيق جميع أهداف الثورة قائلا «نزول المصريين فى الذكرى الأولى للثورة واجب وطنى، لتأكيد مطالب الثورة واستكمال مسيرتها الإصلاحية للنهاية».
عبد الجليل مصطفى، الذى أكد شرعية الميدان وضروريتها لاستكمال أهداف الثورة بعيدا عن شرعية البرلمان، قائلا «البرلمان لا يعادل شرعية الميدان، حيث إن لكل منهما شرعية مختلفة، وكل له حق فى السلطة ولا بد أن يصدر البرلمان قانون السلطة القضائية لتطهير مؤسسات الدولة من الفلول».
رئيس الجمعية الوطنية للتغيير، الذى رحب بالمبادرة التى طرحها الدكتور منصور حسن، رئيس المجلس الاستشارى، لإجراء حوار مع كل القوى والتيارات السياسية، مؤكدا ضرورة أن يسبق ذلك حصول تلك التيارات والثوار على تطمينات للتوقف عن التظاهر والاعتصام. معربا عن قلقه حول ما إذا كان الحوار سيقود إلى حلول موضوعية لتنفيذ مطالب الثوار أم سينتهى إلى مصير ما سبقه من دعوات للحوار. مشترطا أن تكون تلبية مطالب الناس مرافقة للحوار قائلا: «إذا كانت هناك رغبة فى الحوار، فلا بد أن يترافق معها تلبية مطالب الناس، وإيقاف العنف ضد شباب الثورة، وإن أقصر الطرق إلى الاستقرار هو تلبية المطالب العاجلة».
السياسى، الذى طالب بتقديم موعد فتح باب الترشح لانتخابات الرئاسة، وكان من ضمن الداعين إلى وضع الدستور أولا قبل إجراء الانتخابات قائلا: «أنا مع وجوب وضع الدستور أولا حتى لا يتولى أحد الحكم مجددا بصلاحيات غير محدودة»، إضافة إلى مطالبته بإلغاء مجلس الشورى وانتخاباته قائلا: «إنه لم يفعل شيئا منذ قرار تأسيسه فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات، وكان من الضرورى أن يتم إلغاؤه منذ 12 فبراير الماضى، وإجراء انتخابات له حاليا هو نوع من إهدار الوقت والأموال بلا طائل».
الليبرالى، الذى انتقد الخروج الكبير للتيار السلفى والإخوانى بعد الثورة قائلا: «يلفت نظرى أن هؤلاء كانوا يعتصمون بالصمت قبل الثورة، ويعرف الجميع ما قاله بعضهم حينما قامت الثورة أن الفساد لا يُصلح بالفساد وأن التظاهر نوع من الفتن، ثم وجدناهم التحقوا بالثورة بعد نجاحها». لافتا إلى أنه من الساعين إلى إقامة دولة القانون التى ترعى حريات الجميع وحقوقهم على قدم المساواة واحترام القانون من عدمه هو المعيار الذى يحدد ما نقبل وما لا يقبل الشعب فى مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وأيضا الحرص البالغ على الوحدة الوطنية من جميع الفرقاء، قائلا: «أعتقد أن حماية الوحدة الوطنية من أى ممارسات ضارة بها هو واجب وطنى مقدس، علينا جميعا أن نرعاها ونحميها فى كل وقت
محمد البلتاجي
أبرز المعارضين فى برلمان 2005 وأكثر أعضاء الكتلة الإخوانية التصاقا بالقوى السياسية التى خرجت لرفض التوريث والتمديد لمبارك
خرج فى مظاهرة كبيرة من دوران شبرا وسار فى هذه المظاهرة مسافة طويلة حتى دار القضاء العالى ومنه إلى ميدان التحرير
الإخوانى الوحيد الذى يردد الآن فى كل مناسبة أن الثورة مستمرة وأن الأوضاع لن تستقر فى مصر إلا بتسليم السلطة للمدنيين
كتب- عبد الرحمن عبادى:
فى الوقت الذى انشغلت فيه جماعة الإخوان المسلمين بجمع غنائم انتخابات مجلس الشعب والترويج لاحتفالات مرور عام على الثورة. كتب هو على موقعه الإلكترونى: «25 يناير لن يكون لمشاعر احتفالية فلكلورية تفرغ المناسبة من مضمونها الثورى كما يريد البعض، ولا لنعيش معه حالة جنائزية مأتمية، لأننا لم نحقق شيئا كما يرى البعض، لكن لنرسل جميعا رسالة واضحة أن الملايين لا تزال محتشدة وراء الثورة، ومصرة على تحقيق مطالبها التى لم تتحقق بعد».
وحده الدكتور محمد البلتاجى بين قيادات الإخوان الذى أعلن موقفه الواضح من 25 يناير «الثانى» كما كان وحده بين قياداتها الذى شارك منذ اللحظة الأولى فى الثورة، عندما خرج مع نفر قليل من أفراد جماعته وشبابها للمشاركة فى مسيرة القوى السياسية والمواطنين التى انطلقت من دوران شبرا نحو دار القضاء العالى ومنه إلى ميدان التحرير بعد كسر الحصار الأمنى المفروض عليها عصر الثلاثاء 25 يناير، ثم عاود الكَرّة من جديد يوم جمعة الغضب مع عدد أكبر ليستقر فى الميدان بشكل شبه دائم حتى رحيل مبارك عن الحكم.
مواقف البلتاجى المحترمة قبل 25 يناير وبعده، جعلته على مسافة قريبة من مختلف القوى السياسية وأهَّلته ليكون معشوق شباب جماعة الإخوان الأول منذ عام 2001 عندما قاد مسيرات طلاب الإخوان الجامعية لإدانة العدوان الإسرائيلى فى الانتفاضة الفلسطينية الثانية، مستعيدا ذاكرته الثورية، وقت أن شارك مع رموز العمل الطلابى بالجامعات المصرية فى توحيد موقف طلابى حاشد تأييدا لقضية الجندى المصرى سليمان خاطر، ومخاطبة الحكومة المصرية بالإفراج عنه لعدالة قضيته فى أثناء توليه منصب رئيس اتحاد طلاب جامعة الأزهر، وهى الذاكرة التى انطوت لسنوات انشغل فيها بعمله كطبيب متخصص فى علاج أمراض «الأنف والأذن والحنجرة»، والدفاع عن حقه فى التعيُّن بالجامعة بعد استبعاده أمنيا لمدة أربع سنوات نجح خلالها فى الحصول على حكم قضائى أعاده إلى الجامعة أستاذا لذلك التخصص بجامعة الأزهر، قبل أن يعود مرة أخرى لممارسة نشاطه العام بشكل أكبر فى انتخابات برلمان 2005 عندما نجح فى انتزاع مقعد الفئات عن دائرة قسم أول شبرا الخيمة بفارق 15 ألف صوت عن أقرب منافسيه بنشاطه الملحوظ فى العمل الخيرى بين أبناء الدائرة.
فى يوم 20 نوفمبر الماضى، كان البلتاجى هو الإخوانى الوحيد الذى سارع بالنزول إلى ميدان التحرير لإدانة عنف الداخلية والشرطة العسكرية فى أحداث محمد محمود، وهو الإخوانى الوحيد الذى يردد الآن فى كل مناسبة أن الثورة مستمرة، وأن الأوضاع لن تستقر فى مصر إلا بتسليم السلطة للمدنيين ورحيل العسكر إلى ثكناتهم، حتى غمار معركته الانتخابية للعودة إلى مقعده بمجلس الشعب لم تشغله عن أحداث التحرير، رغم طرده من الميدان عقب أحداث محمد محمود تأثرا بموقف جماعة الإخوان المسلمين العائم من تلك الأحداث.
مجلس الشعب كان نقطة انطلاق البلتاجى الحقيقية فى عالم السياسة، حيث كان من أبرز الأصوات المعارضة فى برلمان 2005 وأكثر أعضاء الكتلة الإخوانية التصاقا بالقوى السياسية التى خرجت فى تلك الفترة لرفض التوريث والتمديد لمبارك، حيث شوهد فى عشرات الوقفات التى نظمتها حركة «كفاية»، وباقى القوى السياسية، وارتبط اسمه بقضايا جماهيرية منها: عبّارة السلام، واستجواب أنفلونزا الطيور، وطوابير العيش، ورفض قانونَى المرور والضرائب العقارية، فضلا عن دفاعه البرلمانى عن استقلال السلطة القضائية، وحرية الصحافة، إضافة إلى مواقفه الرافضة لتشريعات: الحبس فى قضايا النشر، وتمديد حالة الطوارئ، والتعديلات الدستورية الجائرة فى 2007، والمحاكمات العسكرية للمدنيين. كما كانت له جولات فى الدفاع عن حقوق التعبير والتظاهر السلمى، حيث وقف بقوة ضد دعاوى القمع وإطلاق الرصاص على المتظاهرين التى أطلقها نائب الحزب الوطنى القصاص قبل شهور من الثورة، وعندما قررت كتلة المستقلين بالبرلمان الاعتصام احتجاجا على قمع أغلبية الوطنى البرلمانية كان فى مقدمة المعتصمين.
التصاق البلتاجى بالقوى السياسية خلال فترة تأسيس الحملة المصرية ضد توريث الحكم لجمال مبارك جعل الجماعة تختاره ممثلا لها فى معظم اللقاءات التى تحتاج فيها إلى التنسيق مع القوى السياسية الأخرى، وهو ما جعله أحد المؤسسين الرئيسيين للجمعية الوطنية للتغيير، التى تأسست فى فبراير 2010 عقب عودة الدكتور محمد البرادعى من الخارج وانخراطه فى العمل العام لإنهاء حقبة مبارك.
ثورية البلتاجى التى جعلته أحد المتحدثين الدائمين على منصة التحرير الرئيسية فى فترة الثورة، كانت حاضرة أيضا فى 30 مايو عام 2010 عندما لم يكتفِ بدوره فى تأسيس الحملة الشعبية المصرية لفك الحصار عن غزة، وشارك مع نشطاء دوليين فى قافلة السفينة «مرمرة» التركية التى سعت عمليا لكسر الحصار بحرا عن قطاع غزة، وهى السفينة التى هاجمها الكيان الصهيونى فى عُرض البحر فى عملية عسكرية أسفرت عن استشهاد تسعة من الناشطين، وجرح عشرات منهم، فضلا عن اعتقال جميع المشاركين على ظهر الأسطول، والإفراج عنهم فى وقت لاحق
أيمن نور
اعتقل أكثر من مرة فى بداية الثمانينيات، لكن السجن لم يستطع أن يحطم أفكار نور الليبرالية
وجد مع المئات من المتظاهرين أمام دار القضاء العالى ثم تحرك مع المظاهرة فى شوارع وسط البلد حتى وصل إلى ميدان التحرير
قاد مسيرة من مقر حزب الغد إلى جامع الفتح برمسيس حيث تعرض للاعتداء من قبل رجال الشرطة ثم ذهب إلى مستشفى العجوزة
رمز للمعارضة فى زمن مبارك وأكثر الذين دفعوا ثمناً لذلك
كتب- محمد أبو زيد:
سيكتب التاريخ أن أول من قال «ارحل» هو الدكتور أيمن نور، أول من طالب الرئيس المخلوع حسنى مبارك، قبل قيام الثورة بثلاثة أيام بالرحيل، قالها أمام البرلمان الموازى، وهو مدرك أن نهاية الليل قادمة، وأن سقوط النظام الذى طغى وتجبّر قد آن.
أيمن نور هو أحد رموز المعارضة فى زمن مبارك منذ أن كان محاميا، ثم قراره بأن ينشئ حزبا سياسيا معارضا، منذ حمل حلم الآلاف بالتغيير، فخاض تجربة الترشح للرئاسة ضد مبارك، وضد مرشحى الأحزاب الكارتونية، فى الانتخابات الرئاسية عام 2005، فى أول انتخابات تجرى بواسطة الاقتراع المباشر، وجاء فى المركز الثانى فى النتائج النهائية للانتخابات بعد مبارك، الذى زوّرت له الانتخابات بطبيعة الحال، لكن النظام السابق رفض أن يظل منافسو مبارك، فى النور، فتم تلفيق قضية التوكيلات المزوّرة له، ليدخل السجن، كأشهر سجين سياسى فى التسعينيات، دفع ثمن معارضته من سنوات عمره خلف السجون.
حُكم على نور بالسجن لمدة 5 سنوات فى محاكمات سريعة ومثيرة للجدل، لم يكن الهدف فقط سجنه، بل أن يمنع من الترشح فى الانتخابات الرئاسية، التى كان من المفترض أن تجرى فى 2011، كان النظام خائفا ومرتعدا، بعد أن قام بقتل كل رجال الصف الثانى، فلا يبقى سوى مبارك وابنه، ينهشان لحم الوطن، تم الإفراج عن نور يوم 18 فبراير 2009، لأسباب صحية، بعد مناداة ناشطين وحقوقيين بالإفراج عنه بسبب إصابته بالسكر وأمراض أخرى.
لم تكن هذه هى المرة الأولى له فى السجن، فقد اعتقل أكثر من مرة فى بداية الثمانينيات، لكن السجن لم يستطع أن يحطم أفكار نور الليبرالية، ولا معارضته، كان يسرّب مقالا يوميا، ينشره فى جريدة «الدستور»، قبل أن يقوم نظام مبارك بتصفيتها.. خرج من السجن ليكون أكثر قوة وعنادا وإصرارا على رحيل مبارك ونظامه.
عمل نور فى المحاماة والصحافة فى آن واحد بعد قرار المحكمة الدستورية بالجمع بين نقابتين، وهو نائب بمجلس الشعب -دائرة باب الشعرية- وجاءت بداية عمله بالسياسة مبكرة، فقد كان والده نائبا من نواب مجلس الشعب، لذلك شارك أيمن نور فى إدارة الحملات الانتخابية لوالده، وبعد ذلك ترأس اتحاد طلاب الجمهورية، ثم انضم إلى حزب الوفد الذى أصبح بعد وقت قليل من أنشط كوادره. انضم بعد ذلك أيمن نور إلى حزب مصر، وهو امتداد للوسط، على اعتبار أن نور وسطى ليبرالى، وتم انتخابه رئيسا للحزب فى مؤتمر عام 2001، ثم بدأ نور بعد ذلك فى تأسيس حزب الغد الذى أصبح نور رئيسا وزعيما له، الذى أضحى فى فترة قصيرة من أقوى الأحزاب المعارضة داخل البرلمان المصرى.
كان أيمن نور على رأس الخارجين يوم 25 يناير، يهتف «ارحل»، كلمته الأثيرة، ويهتف مع آلاف المواطنين الذين ساروا حوله «الشعب يريد إسقاط النظام»، أمام دار القضاء العالى وشارع رمسيس وجريدة «الجمهورية». فى الأيام التالية كان موجودا فى الميدان.. مساء الأربعاء 26 يناير، افترش آلاف المتظاهرين من مختلف القوى السياسية، أرضية ميدان التحرير، للمبيت به وسط حضور مكثف لرموز المعارضة والقوى السياسية المختلفة، وكان بينهم أيمن نور وجميلة إسماعيل والكاتب الصحفى الكبير إبراهيم عيسى، والمهندس الاستشارى ممدوح حمزة، والدكتور عبد الجليل مصطفى. كان الحلم فى بدايته، لكن أيمن نور كان مصرا على أن حلمه سيتحقق، كان يرى كل ما فعله النظام معه، من سجن وتعذيب وتشويه سمعة ومطاردة، كان يرى الفقر والرفض فى وجوه الجميع، كان ذلك دليلا بالنسبة إليه على اقتراب الحلم من تحقيقه، يوم 28 يناير، جمعة الغضب، أدرك أن النظام قد سقط لا ريب، كان هناك وسط الجموع، يشاهد الحلم الذى بدأ يتحقق.
أيمن نور الذى أعلن تجميد حملته للرئاسة قبل يومين، عاد ليكرر كلمته الأثيرة مرة أخرى «ارحل»، لكنه هذه المرة وجهها إلى المجلس العسكرى، لأنه لم ير شيئا تغيّر، فقط تبديل أدوار لا أكثر، ربما لأن ما عانى منه أيام مبارك من إبعاد واتهامات عانى منه أيضا أيام المجلس العسكرى
محمد أبو الغار
كان موجودا فى الشارع قبل أن تزداد الأعداد وتتضاعف وقبل أن يعرف المنافقون أن كفة الثورة ستربح فيقررون السير معها
كان حاضرا فى مظاهرة أمام دار القضاء العالى ثم تحرك باتجاه شارع القصر العينى قبل أن يتجه بالتظاهر فى ميدان التحرير
أدى صلاة الجمعة فى مسجد الاستقامة بميدان الجيزة مع آلاف من الذين خرجوا للتظاهر وواجهتهم الشرطة بعنف واستخدموا القنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه
رائد فى تخصصه الطبى الدقيق ورائد فى تحركه النضالى لاستقلال الجامعة والوطن
كتب- مصطفى شحاتة:
إنها طلة الطبيب، تسيطر عليه وتتمكن منه تماما، حينما يحدّث مريضاته برفق، وبإخلاص لمهنة الرحمة، ومساعدة الناس على التغلب على الألم، من يمكنه أن يقاوم نظرة الرأفة فى عيون الرجل الكهل؟ دون السياسة.. محمد أبو الغار، رائد فى مجاله الأساسى.. طب النساء والولادة. يكفيه حنان الأبوة الذى يعامل به مريضاته وهدوؤه فى لومهن وعتابهن على التقصير فى حق جسدهن. أستاذ طب النساء والتوليد بجامعة القاهرة المولود بشبين الكوم عام 1940.
جاء بتخصصه التخصيب الصناعى إلى مصر ليكتسب شهرة طبية واسعة فى أحد أهم المجالات الطبية على الإطلاق.
وفى تخصص بدا نادرا فى مصر منذ فترة، رشحه كثيرون لتولى منصب وزير التعليم العالى لخبرته فى المجال العلمى والتعليمى، إلا أنه كان يرفض، حتى بعد الثورة عندما جاءت له وزارة الصحة رفضها مفضلا أن يكون فى موقع المواطن الذى يرى كل شىء بعين متخصصة.
أما سياسيا فهو يعبر عن جيل من الأساتذة الجامعيين المحترمين، إنه أحد مؤسسى حركة 9 مارس، أو هو تحديدا الأب الروحى، بدأ التحرّك معهم وسط مجتمع طابعه أمنى إلى حد كبير هو الجامعة، حيث نظم أبو الغار مع زملائه من الأساتذة الجامعيين كثيرا من الوقفات الاحتجاجية داخل الجامعات، اعتراضا على التدخل الأمنى فى شؤونها وسوء إدارة قياداتها.
نجحت كثيرا هذه الوقفات، وهى الحركة التى استطاعت أن تكسب قضية طرد الحرس الجامعى من داخل الجامعات، واستبدال أمن مدنى به.
شارك أبو الغار فى الثورة من بدايتها، ففى يوم 25 يناير كان متظاهرا يقف أمام دار القضاء العالى، ثم أمام قصر العينى، ونقابة الأطباء.
كان موجودا فى الشارع قبل أن تزداد الأعداد وتتضاعف وقبل أن يعرف المنافقون أن كفة الثورة ستربح، فيقررون السير معها.
خلاف أبو الغار مع البرادعى لم يمنعه من استكمال المشاركة فى الثورة إلى جانبه يوم جمعة الغضب، فأدى الصلاة فى مسجد «الاستقامة» بالجيزة، وكان شاهدا على تعامل الأمن بوحشية مع المتظاهرين وأصيب يومها فى يده، حسبما ذكر فى حوار لإحدى الصحف:
«تلقيت عصا غليظة أصبت بعدها بورم شديد ونزيف حاد، فقمت بتضميدها وعدت إلى التظاهر من جديد، واستمررنا 7 ساعات كاملة تعرضنا خلالها لكل أنواع الأسلحة والمطاردات، فالقنابل المسيلة للدموع كسرت نظارة البرادعى، وتعرضت زوجتى وابنتى الصغرى للإغماء، وعشنا ساعات من الكر والفر، إلا أن تصاعد وتيرة الاحتجاجات وانفجار ثورة الغضب جعلا الثورة تنتصر والشرطة تستسلم».
وقام أبو الغار عقب الثورة بتأسيس الحزب المصرى الديمقراطى، معلنا بداية مرحلة سياسية جديدة فى حياته، عقد من خلالها عددا من التحالفات السياسية التى أدخلت الحزب إلى قائمة الكتلة المصرية فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وفاز الحزب مع القائمة بعدد من المقاعد، حيث حلت الكتلة فى المركز الرابع بعد الإخوان والسلفيين والوفد.
وعلى عكس كثيرين يرى أستاذ «9 مارس» أن الجميع استفاد من الثورة لا الإخوان فقط: «كل المصريين استفادوا من الثورة وكلهم لهم الحق فى إدارة هذه الدولة لا الإخوان وحدهم، وعلى الرغم من اختلافى معهم فى الأفكار، فإننى أرى أن اعتقال الإخوان كان خطأ جسيما».
بعد الانتخابات البرلمانية تأكد تماما صاحب سؤال «هل يمكن أن يحلم المصريون؟» أن ذلك ممكن فعلا، وأن ثورة 25 يناير رغم الصعاب قد استطاعت إلى حد ما الإجابة عن سؤاله وحلم المصريين، فعلا على الأقل أسقطوا الفلول سقوطا مدويا، وها هم -أيا كانت الاختلافات- يدخلون برلمان ما بعد الثورة باختيار أعضاء من الشعب فعلا، لا مندوبين عن السلطة
زكريا عبد العزيز
كان يواجه من يسأله عن هذا بابتسامة عريضة قائلا له: مكانى هنا.. مشيرا إلى منصة ميدان التحرير
حضر بالقرب من مطعم «جروبى» الشهير حيث تم منعه من دخول دار القضاء العالى من قبل رجال الأمن
فى شارع عرابى بالقرب من مسجد الفتح ظل فى صدر المظاهرات الضخمة التى خرجت من هناك حتى دخل ميدان التحرير فى ال8:30 من مساء اليوم نفسه
اختار مكانه وسط الشعب متنازلا عن برج القضاة العاجى
كتب- عبد الرحمن عبادى:
عندما ارتدى الوشاح متوجها فى مسيرة صوب دار القضاء العالى مع مجموعة من أشرف قضاة مصر عام 2005، دفاعا عن استقلال القضاء، كان يعلن بوضوح رفض ذهب المعز، أملا فى إعادة التوازن إلى ميزان العدالة الذى اختل فى أيدى القضاة بفعل فساد العهد البائد. لكنه عندما اعتلى منصة ميدان التحرير فى ساعات الثورة الأولى كان يضع رقبته على حد سيف لم ينقذه منه سوى سقوط رأس الفساد. بداية عام 2005 برز اسم المستشار زكريا عبد العزيز رئيس نادى قضاة مصر السابق، فى خضم المعركة التى خاضتها مجموعة من أخلص قضاة مصر ضد تدخلات السلطة التنفيذية والنظام فى الشأن القضائى، ليبرز أكثر بعد قراره دعوة قضاة مصر إلى مسيرة حاشدة نحو دار القضاء العالى لرفض إحالة المستشارَين هشام البسطويسى وأحمد مكى إلى الصلاحية «جهة التحقيق مع القضاة»، بسبب كشفهما وصول الفساد إلى منصة القضاء، ثم فتحه أبواب نادى القضاة لاعتصام شباب القضاة المطالبين باستقلال القضاة دون النظر إلى الحسابات الانتخابية التى كانت تهدد استمراره فى منصبه كرئيس للنادى، أو موقعه القضائى كرئيس لمحكمة الجنايات. كان المستشار زكريا عبد العزيز يعلم جيدا أن نظام مبارك لن يتركه بعد إعادته الحيوية إلى المجتمع المصرى خلال فترة أزمة القضاء التى اضطرت أجهزة القمع المصرى إلى إغلاق منطقة وسط القاهرة بأكملها فى مشهد لم يسبق له مثيل، خوفا من انضمام المواطنين إلى القضاة المعتصمين فى ناديهم، أملا فى الحرية وبحثا عن استقلال أحكامهم، كل المؤشرات كانت تقول ذلك، لكنه كان يستقبل قلق زملائه عليه ببسمة واثقة من موقفه، حتى حين اختار عدد من زملائه الصمت وإحناء رؤوسهم للعاصفة التى أرسلها إليهم مبارك، ممثلة فى المستشار ممدوح مرعى مهندس انتخابات الرئاسة الهزلية عام 2005، رفض عبد العزيز العودة إلى صومعته القضائية والصعود إلى برج القضاة العاجى مرة أخرى، واستمر مدافعا عن موقفه فى حق القضاة فى التعبير عن آرائهم وإبداء انطباعاتهم عن الحياة السياسية.ورغم أن لائحة النادى كانت تمنحه حق الترشح المفتوح لرئاسة مجلس إدارة النادى، فإنه اكتفى بدورتين انتخابيتين فقط، رافضا خوض انتخابات الدورة الثالثة، ليتحلل من قيود المنصب ويترك لنفسه عنان إعلان موقفه ورأيه فى مختلف القضايا السياسية التى عرضت لمصر خلال الفترة من 2005 حتى 2011، والظهور فى كل محفل للدفاع عن حق التعبير وفضح الانتهاكات القضائية، وهو ما تسبب فى حرمانه من كثير من المزايا المالية التى أغدقها ممدوح مرعى وزير العدل، على القضاة ضمن سياسة العصا والجزرة التى اتبعها فى إدارة شؤون الوزارة ومحاولات القضاء على تيار الاستقلال داخل الهيئات القضائية ونادى القضاة، ورغم نجاح مرعى فى ذلك، فإن ذات التيار عاد تحت قيادة زكريا عبد العزيز، ليقوم بدور العقل إبان أزمة القضاة والمحامين التى اشتعلت قبل الثورة بإحالة اثنين من المحامين إلى المحاكمة بتهمة التعدى على القضاة، لكن تسارع الأحداث لم يمّكنهم من ذلك لتدخل المواجهة منعطفا آخر بعد قيام الثورة واشتعال مواجهة قانون السلطة القضائية.
الثمانية عشر يوما الفاصلة بين تنحى مبارك وخروج التظاهرات الحاشدة المطالبة برحيله، كانت فرصة جيدة لإعادة اكتشاف ذلك الرجل الذى لم يغب عن ساحة الميدان طوال اعتصام التحرير الأول، وهو ما شجع كثيرا من القضاة على الانضمام إلى معتصمى التحرير، وللمرة الأولى فى تاريخ القضاء المصرى ينخرط القضاة مع المحامين فى مسيرة حاشدة نحو قصر عابدين، للمطالبة برحيل مبارك وإسقاط النظام.
ومع رحيل مبارك توقع كثيرون صعود نجم عبد العزيز وتكليفه بحقائب وزارية فى حكومتى الدكتور عصام شرف، وأنشأ البعض صفحات على «فيسبوك» ترشحه لتولى حقيبة العدل أو الداخلية، لكنه كان يواجه من يسأله عن هذا بابتسامة عريضة، قائلا له: مكانى هنا.. مشيرا إلى منصة ميدان التحرير، مقارنا ذلك بالصعود إلى منصة الميدان فعليا ملهبا حماس المتظاهرين بهتافاته عن استمرار الثورة إلى حين تحقيق المطالب التى خرج المصريون من أجلها.
زكريا عبد العزيز الذى اختار مكانه وسط الشعب متنازلا عن برج القضاة العاجى، لم ينسِه انخراطه بهمّ الوطن قضيته الرئيسية فى المطالبة باستقلال القضاء، لكنه يعلم جيدا أن ذلك الاستقلال لن يتحقق أبدا قبل أن تحصل مصر على كامل استقلالها، ويتم نقل السلطة من يد العسكريين إلى مدنيين وفقا لدستور كافل لتداول السلطة، وضامن لحريات الشعب، ومؤمن بتعدد التيارات
محمد عبد القدوس
ألهب الجماهير بهتافه مما دفع الأمن إلى محاصرة نقابة الصحفيين من جميع المداخل ومنع الدخول أو الخروج منها
أمام نقابة الصحفيين وهو يمسك بميكروفونه الشهير ويرفع علم مصر هاتفاً بسقوط النظام
شارك فى المظاهرة التى حاولت دخول ميدان التحرير من جهة قصر النيل وكوبرى الجلاء التى أطلق فيها رجال الأمن المياه على المصلين فى أثناء أداء صلاة العصر
كتب- عبد المجيد عبد العزيز:
الميكروفون.. وعلم مصر.. وسلم نقابة الصحفيين.. وهتاف «يسقط حسنى مبارك».. وقبلها جميعا جنود الأمن المركزى التى تحاصر شارع عبد الخالق ثروت، كلها علامات مسجلة باسم «عمنا» محمد عبد القدوس.
هو عضو مجلس «الصحفيين» الذى يعرف الجميع أنه سينجح فى انتخابات النقابة حتى ولو لم يترشح! فمصر كلها، لا الصحفيون فقط يختارون عبد القدوس فى كل انتخابات ليستمر فى منصبه مقررا للجنة الحريات، حريات مصر، التى حافظت على كرامة مهنة الصحافة، فى وجه مبارك أغلب سنوات حكمه القمعى، وحولت نقابة الصحفيين من مجرد نقابة مهنية، إلى قلعة يحتمى بها كل أصحاب المظالم والحاجات وأصحاب الحقوق والفكر والرأى، وجعل من «سلم النقابة» منبرا ملأ ربوع مصر كلها هتافا وضجيجا، بعدما اجتمعت حوله كل التيارات والحركات السياسية والأحزاب، وإن صح أن نقول إن الثورة انطلقت من نقطة محددة، فلن تكون إلا سلم نقابة الصحفيين.
عبد القدوس له تاريخ طويل فى النضال ضد النظام الحاكم، فقد اشتهر منذ شبابه بجرأته وقوله الحق تحت أى ظرف، حتى إن والده الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس، لم يستطع حمايته أو منع حبسه أيام الرئيس السادات، كما حبس أكثر من مرة فى عهد الرئيس المخلوع حسنى مبارك، ومع الوقت بدأ يتعامل معه النظام على أنه «شر» لا بد منه، ولا يعرف كيف يتخلص منه، حتى إنه فشل فى إسقاطه فى أى مرة من المرات التى ترشح فيها لمجلس نقابة الصحفيين.
يقول الشاعر أحمد الهمامى: «على سلم نقابته قاعد ماسك ميكروفونه.. يشجب ويندب ويحكى عن همه وشجونه.. ما لكم بيه يا عساكر ما تسيبوه فى حاله.. لا تضربوه ولا تسحلوه وقولوا الله فى عونه»، حشد عبد القدوس للثورة، لم يبدأ قبلها بأيام، ودعوة الجماهير للنزول إلى الشارع فى وجه السلطان الجائر، لم يتبنَّها عبد القدوس مع ظهور دعوات 25 يناير، فهو الوحيد الذى جلس ينتظر اندلاع الثورة قبلها بسنوات على سلم النقابة، يهتف عبر الميكروفون الشهير «يشجب ويندب ويحكى عن همه وشجونه» ومصر التى يحلم بتغييرها إلى الأفضل، ويتحدث إلى المارة، كأنه يعرفهم، ينصحهم ويشرح لهم ويرجوهم، أن ينفضوا عن أنفسهم الذل والقهر، وينضموا إليه فى هتافه، رافعا علم مصر، مجسدا المعنى العميق لسلمية الثورة.
يوم 25 يناير، لم يكن عبد القدوس قد شفى تماما، مما تعرض له فى مظاهرة «لن نورث بعد اليوم»، التى نظمها نشطاء أمام قصر عابدين فى ذكرى اندلاع الثورة العرابية، فقد قاد عبد القدوس المظاهرة، وهتف خلفه مئات المتظاهرين، مما دفع رجال أمن العادلى إلى الاعتداء عليه بشكل مبرح، وأحدثوا به إصابات عديدة لمنعه من الهتاف الذى ألهب مشاعر المتظاهرين، وقبل أن تلتئم تلك الجروح التى أحدثوها فيه، كان عبد القدوس قد عاد إلى الشارع مجددا يوم 25 يناير، يواجه الأمن وبطش مبارك، حيث انطلق ضمن مظاهرة من أمام نقابة الصحفيين، وصل بها إلى ميدان التحرير بعد اشتباكات وكرّ وفرّ، ولم تفلح القنابل المسيلة للدموع ولا الترهيب والمطاردات فى منعه من مواصلة السير إلى قلب الميدان، ليشارك المئات خروجهم العظيم ضد مبارك. بعد يوم شاق وتاريخى، عاد عبد القدوس مبكرا إلى نقابة الصحفيين يوم الأربعاء 26 يناير، ليسبق المئات الذين انضموا إليه فى مظاهرات «التقاط الأنفاس» قبل العودة الكبرى إلى الشارع فى جمعة الغضب، عبد القدوس فى هذا اليوم كان قد بدأ يشعر أن اللحظة قد اقتربت بشكل كبير، وتحت تأثير نشوة قرب الانتصار، ألهب عبد القدوس الجماهير بهتافه، مما دفع قوات الأمن إلى محاصرة نقابة الصحفيين من جميع المداخل ومنع الدخول أو الخروج منها، كما قام بإغلاق شارع عبد الخالق ثروت، وحوّله إلى ثكنة عسكرية، محاصرا المتظاهرين على سلالم النقابة، قبل أن يفقد النظام أعصابه، ويكشف إلى أى مدى وصل به الارتباك والخوف من الثورة، وتقوم قوات الأمن بالاعتداء على عبد القدوس مجددا، ويحمله أربعة جنود ويسحلونه على الأسفلت فى صورة نقلتها جميع وكالات الأنباء، كإشارة إلى قرب سقوط النظام المرعوب.
قوات الأمن اعتقلت عبد القدوس فى هذا اليوم عدة ساعات، قبل أن تضطر إلى إطلاق سراحه، وقد ظنت أنها أنهكته واستنفدت قواه بعد الاعتداء المبرح عليه، ليفاجئ عبد القدوس الجميع مجددا، ويتقدم صفوف الثوار فى جمعة الغضب عقب انطلاق المظاهرات من جميع مساجد مصر، ويخوض أحد أشهر تلك المعارك، حينما شارك فى المظاهرة التى حاولت دخول ميدان التحرير من جهة قصر النيل وكوبرى الجلاء، التى أطلق فيها رجال الأمن المياه على المصلين فى أثناء أداء صلاة العصر، وأطلقوا قنابل الغاز والكربون بكثافة، كادت تقضى على عبد القدوس، الذى لم يمنعه كبر سنه من التراجع، وأصر على التقدم، حتى تمكن من دخول ميدان التحرير مع الثوار عند انطلاق أذان المغرب
محمد هاشم
أوجع هاشم بشجاعته ومواقفه وإبداعه مما كتب ونشر نظام مبارك كثيرا ثم إنه أوجع المجلس العسكرى أيضا لأن الرجل ظل محرضا بأعلى الصوت على رفض حكم العسكر
خرج فى مظاهرة من شارع قصر النيل ومعه المئات وجاب شوارع وسط البلد حتى انتهى به الحال فى ميدان التحرير
كتب- محمد هشام عبيه:
معالم ميدان التحرير كثيرة، المجمع، المتحف، كوبرى قصر النيل، الجامعة الأمريكية، مسجد عمر مكرم، كنيسة قصر الدوبارة، و.. محمد هاشم بكل تأكيد.
قبل 13 عاما تقريبا، كانت تلك الشقة الموجودة فى الدور الأول فى هذه العمارة العتيقة التى تحمل رقم «6 ب» فى شارع قصر النيل، مجرد شقة عادية، تصلح لأن تكون سكنا لأسرة متوسطة أو عيادة لطبيب يبدأ حياته، أو مكتبا للسفريات، لكن عندما اختارها محمد هاشم لتكون مقرا لدار النشر التى ستحمل اسمه ابنته الكبرى «ميريت»، اختلف الأمر كثيرا، وصار المكان جزيرة يتجمع فيها الأدباء والمثقفون «اللى بجد»، أصحاب الأعمال الروائية والقصصية المغايرة، وأرضا صخبة فيها من كل صنوف البشر أشكال وألوان، وروح قلقة تتطلع دوما لتغير حال البلد الذى لا يعجب سوى العدو فما بالنا بالحبيب؟
بجسده النحيل ونظارته السميكة وعيونه العميقة وابتسامته الخالصة واندفاعه فى الحق، ودخان السجائر الذى يلاحقه أينما ولّى وجهه، يبدو الناشر محمد هاشم شخصية خارجة لتوها من كتاب «المحرضون على الثورات»، والأمر لا يقف بكل تأكيد عند حدود الملامح الخارجية، لكن اتخاذه قرارا بتأسيس دار نشر مستقلة عام 1998 وفى وقت قرر فيه كثير من المثقفين الدخول بكامل إرادتهم الحرة إلى حظيرة الدولة، وانحيازه إلى حرية الرأى والإبداع عبر أكثر من 500 عنوان أصدرتها الدار فى هذه السنوات، إضافة إلى وقوفه فى الصفوف الأولى مع معارضى نظام مبارك فى زمن كانت المعارضة تعنى فيه قطع الأرزاق والملاحقة الأمنية ومعاملة الأعداء.
هكذا كان محمد هاشم فى أول صفوف أولى مظاهرات حركة كفاية التى خرجت بنهاية عام 2004 لتكون ضد تمديد حكم مبارك الأب أو توريث الحكم لنجله جمال، ولما انبثق عنها حركة أدباء وفنانون من أجل التغيير كان هاشم موجودا أيضا داعيا ومحرضا على التغيير الذى كان وحده يمكن أن ينقذ مصر من مصائر سوداء، لكن انحياز هاشم للثورة حتى قبل أن تقع بدا واضحا فى الكتب الجريئة التى أقدم على نشرها رغم ما يمثله ذلك من مخاطرة، هكذا أصدرت ميريت العشرات من الأعمال الإبداعية التى تشرح مجتمع الفساد فى زمن مبارك، فخرجت من الدار مثلا الطبعة الأولى من الرواية فائقة الشهرة «عمارة يعقوبيان» للكاتب العالمى علاء الأسوانى عام 2002، وهى الرواية العمدة التى كانت من أولى الروايات التى نسجت خريطة للحياة فى مصر فى بدايات القرن الحادى والعشرين فى ذروة سطوة مبارك ونظامه، ثم أصدرت ميريت أيضا عددا آخر من الكتب الشجاعة لعل أبرزها «مصر والمصريين فى عصر مبارك» للدكتور العلامة جلال أمين، وهو الكتاب الذى يعد وثيقة علمية وأدبية فائقة المتعة لمن يريد معرفة ما فعله مبارك فى المصريين طوال سنوات حكمه، ولعلها مفارقة فى كونه صدر عام 2010 وهى آخر سنة حكم فيها مبارك مصر.
هكذا كان طبيعيا جدا أن يكون محمد هاشم فى أوائل صفوف المتظاهرين الذين خرجوا يوم 25 يناير الماضى يهتفون «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية»، متحديا مع آلاف غيره هراوات رجال الأمن وعصيهم وتشكيلاتهم السوداء، ثم اعتصم مع المعتصمين فى قلب الميدان مساء اليوم ذاته، وقد أرسل المداد من بطاطين للتدفئة وزاد قليلا، يعين على مواجهة المجهول الذى لم يكن يعرفه أحد، فاتحا أبواب دار نشره على آخرها لكل من يريد بحثا عن شربة ماء أو شوية دخان سجاير يدفئ الصدر، أو للحصول على مدد نفْسى من أهل الدار، أو حتى مسترخيا على أريكة منزوعة القلب، أو كرسى خشبى قديم، ليظفر عليهما بدقائق نوم تعينه على المواجهات القادمة.
لم يفعل محمد هاشم ذلك يوما واحدا أو يومين أو ثلاثة، وليس حتى طوال الثمانية عشر يوما التى تألقت فيها القاهرة والمحافظات بمظاهرات واعتصامات لإسقاط نظام مبارك، وإنما حتى يومنا هذا، مدركا أن الثورة مستمرة أبدا، وأن النظام لم يسقط بعد، فلماذا نعود إلى بيوتنا ونغلقها على أنفسنا؟
أوجع هاشم بشجاعته ومواقفه وإبداعه مما كتب ونشر، نظام مبارك كثيرا، ثم إنه أوجع المجلس العسكرى أيضا، لأن الرجل ظل محرضا بأعلى الصوت على رفض حكم العسكر، فكان لا بد من أن يخرج أحد لواءات المجلس ليتهم هاشم بأنه قدم دعما للمتظاهرين فى أحداث مجلس الوزراء، هى تهمة من وجهة نظره إذن، لكنه وسام استقبله هاشم -الذى فاز فى عام الثورة بجائزة هرمان كيستن وهى جائزة مرموقة يمنحها الاتحاد الدولى للكتب سنويا لأحد الناشرين البارزين فى العالم- بهدوء وكأن لسان حاله يقول «كيف أحرض الثوار وأنا واحد منهم؟!».

حسام عيسى
انحياز عيسى التام إلى الدولة المدنية ودولة الحريات والليبرالية لم يجعله ينساق خلف «المفزوعين» من سيطرة الإسلاميين
فى مظاهرة عند شيراتون القاهرة حيث تم محاصرتهم ومنعهم من التوجه إلى الميدان حتى استطاع دخول ميدان التحرير والاعتصام فيه
فى ميدان التحرير حيث أدى صلاة الجمعة فى مسجد عمر مكرم وظل بعدها فى الميدان
لم يترك الميدان طوال أيام الثورة الثمانية عشرة التى يعتبرها أمجد أيام حياته
«حياتى كلها لا تساوى أيام وجودى فى التحرير»، كلمات لا يتردد أو يمل الناشط السياسى، أستاذ القانون فى جامعة عين شمس، الدكتور حسام عيسى، فى تكرارها فى كل المناسبات. الرجل يرى أنه كان فى عداد الموتى، قبل سقوط مبارك وأعوانه وأركان نظامه الفاسد، على يد ثوار 25 يناير، الذين منحوه الحياة مجددا، بعد سنوات طويلة عانى فيها من مرارة الإحباط من إمكانية تغيير وجه مصر، ودفعها نحو الحرية والديمقراطية.
عيسى لم يكن يترك الميدان، طوال أيام الثورة الثمانية عشرة، التى يعتبرها أمجد أيام حياته، بينما يصف نزول المصريين يومى 25 و28 يناير 2011، ومن بعدهما باقى أيام الثورة، بمثابة نسمة الأمل التى خرجت من رحم الكبت والقمع وبطش رجال السلطة، وعليه كان أول من ناشد المجلس الأعلى للقوات المسلحة، إعلان 25 يناير عيدا قوميا، حيث انطلقت فيه شرارة أهم ثورة فى تاريخ مصر.
سر نجاح ثورة 25 يناير، من وجهة نظر عيسى، وكما لمسه فى قلب الميدان، وبين الثوار، كان فى توحيد صف جميع القوى السياسية، على اختلافها، وأن أى قرار كان يصدر بالإجماع، ومن أجل مصلحة الوطن، لا الأفراد أو الجماعات، أو الأحزاب، ومن ثم فهو يراهن على أن الاحتفاظ بتلك الروح الثورية النقية، هو الأمل فى تحقيق كل آمال المصريين.
فى السابع من فبراير 2011، وقبل أربعة أيام فقط من قرار الرئيس المخلوع، حسنى مبارك، بالتخلى عن رئاسة الجمهورية، وتكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شؤون البلاد، تشكلت «المجموعة القانونية لاسترداد ثروة مصر»، لتضم نخبة من كبار أساتذة القانون فى الجامعات المصرية، من بين هؤلاء كان الدكتور حسام عيسى.
من الوهلة الأولى لعمل تلك اللجنة، بدا عيسى أنشط أعضائها، ولمَ لا وهو يتعامل مع ملف أموال مصر المنهوبة، سواء من قبل الرئيس المخلوع وولديه، أو من قبل أفراد عصابة نظامه المنهار، باعتباره مجرد قضية خاصة بمتابعة مصير تلك الأموال فى الداخل والخارج، والعمل على تجميدها لحين استردادها وإعادتها بالطرق القانونية، وإنما قضية تخص كرامة هذا الشعب، الذى وصل حد الاستهانة به فى زمن المخلوع، إلى سرقته علانية وبفجاجة، حتى أصبحت ثروة عائلة مبارك أكبر من ثروات كل ملوك مصر منذ تولى محمد على سدة الحكم فى مصر، فى عام 1805، الأمر الذى يجعل من إعدام مبارك، جراء جريمة سرقة وإفقار شعبه، أمرا بديهيا، تندرج أى محاولة لإعاقته تحت بند الخيانة العظمى.
بهذا المنطق لا يخشى الرجل أحدا، ولا يتردد فى توجيه انتقاداته الحادة والعلنية إلى مسؤولى اللجنة القضائية المصرية لاسترداد الأموال المهربة فى الخارج، برئاسة المستشار عاصم الجوهرى، والقول إننا نحتاج إلى ثلاثة آلاف لإنجاز تلك المهمة، استنادا إلى أن معركة استعادة الأموال، أشبه بامتحان لم نستعد له بعد، كما لم نوفر له أى إرادة سياسية تعين على النجاح.
كلمات عيسى لم تعجب كثيرا من «مشتاقى ومتملقى» السلطة، فكان اتهامه مؤخرا، على طريقة سندوتشات التيك أوى الجاهزة، بتلقى تمويل خارجى، ما لم يعلق عليه الرجل سوى بضحكة أسى وسخرية، لإصرار البعض على محاولة تشويه صورته أمام الرأى العام، وطمس تاريخه فى العمل الوطنى والنضالى الممتد إلى قرابة ربع قرن على الأقل.
محاولات تشويه عيسى لا تبدو بعيدة، عن مطالبته بمحاكمة كل من أطلق الرصاص على المتظاهرين، فى محمد محمود ومجلس الوزراء، فى محاكمات علنية، ناهيك بهجوم الرجل الشرس على المجلس العسكرى، لفشله الذريع وتخبطه فى إدارة البلاد، معتبرا أن الضباط الذين قاموا بسحل الفتاة وتعريتها، فى أحداث مجلس الوزراء، هم عار على مصر، ويمثلون إساءة إلى الجيش المصرى الذى نفتخر به.
كما يبدو أن الهجوم الموضوعى، الذى يشنه عيسى على حكومة الدكتور كمال الجنزورى، ووصفه عددا من وزرائها بالموظفين، الذين يغيب عنهم روح الابتكار والحس السياسى، وبالأحرى تغيب عنهم أفكار الثورة، لا يعجب البعض، خصوصا بعدما منح ثوار التحرير لقب رئيس وزراء الميدان لحسام عيسى، وطرح اسمه من قبل عدد من القوى السياسية والثورية لقيادة الحكومة، بدلا من الجنزورى، الذى يشار إليه باعتباره أحد رجال نظام المخلوع.
انحياز عيسى التام إلى الدولة المدنية، ودولة الحريات والليبرالية، لم يجعله ينساق خلف «المفزوعين»، من سيطرة الإسلاميين، على أول مجلس شعب منتخب، بعد ثورة 25 يناير، بل على العكس، يصف الانتخابات ب«الحرة والنزيهة»، ويؤمن بأنها خطوة مهمة نحو بناء مؤسسات جديدة، وإخراج المجتمع المصرى من قهر التزوير المهين والفاجر لإرادة الأمة.
كما أن انحيازه إلى قوى المعارضة الوطنية، وإيمانه بجهود رموزها، كان دافعا لمطالب مختلف القوى السياسية الفاعلة على الساحة الآن، للتوحد مع جميع قوى الشعب، بحيث تصبح يدا واحدة، وتوحد كلمتها، بعيدا عن الانشقاقات التى اعتبرها سببا لنكسة 25 يناير، وناشد جميع المخلصين التعاون والوقوف جنبا إلى جنب، فى مواجهة أى طغيان، حتى تهدأ أرواح الشهداء، وتدين الكلمة العليا فى مصر للثوار، لا لغيرهم
جميلة إسماعيل
نحَّت عاطفة الأمومة جانبا وتوجهت نحو معسكر الأمن المركزى مع مجموعة من المتظاهرين للمطالبة بالإفراج عن جميع المحتجزين
فى مظاهرة أمام دار القضاء العالى قبل أن تتوجه إلى ميدان التحرير وتنضم للمعتصمين
تحركت من منزلها فى الزمالك إلى جامعة الدول العربية حيث شاركت فى مسيرة إلى كوبرى قصر النيل
واحدة من أهم وجوه ثورة يناير التى لم تتخلَّ أبدا عن أملها وحلمها
كتب- عبد الرحمن عبادى:
صوتها.. كان الصوت النسائى الوحيد الذى خرج عبر «ميكروفون» ميدان التحرير، مساء الثلاثاء 25 يناير 2011، معلنا الدخول فى اعتصام مفتوح بالميدان حتى رحيل مبارك فى وقت كان فيه كثيرون من السياسيين متحصنين بمنازلهم، محاولين استيعاب وفهم ما يحدث، أو مجتمعين حول مائدة فى أحد المقرات الحزبية لصياغة بيان هزيل وتافه لإمساك العصا من المنتصف، انتظارا لما ستسفر عنه الساعات التالية.
لم تكن جميلة إسماعيل الناشطة السياسية والإعلامية تعرف إلى أين سيقودها ذلك المطلب الذى رددته عبر الميكروفون الوحيد الذى نُصب على عجل بميدان التحرير فى تلك الليلة.. وهى التى رأت مصير زوجها السابق أيمن نور، حينما غيبته سجون النظام السابق عن أسرته سنوات بتهم تافهة نتيجة خروجه عن النص بتنظيمه حملة حقيقية لمنافسة مبارك على الحكم فى انتخابات 2005.
هجوم مدرعات الداخلية على الميدان بعد انتصاف ليل الثلاثاء، ونجاحها فى تفريق المتظاهرين بالقوة وقطع الاتصالات، واحتجاز ابنها فى معسكرات الأمن المركزى ضمن 40 متظاهرا آخر، كان كفيلا بنزع القوة عن تلك السيدة التى تخلت عن أضواء الإعلام ورفاهية النجوم طواعية، لتشغل نفسها طوال ثلاث سنوات كاملة بعرض قضية زوجها على المجتمع الدولى والانخراط فى العمل العام والسياسى والمشاركة فى المظاهرات المحدودة الرافضة لتوريث الحكم واستمرار مبارك.. لكنها قررت معاودة الكرة من جديد عندما عادت إلى الميدان مرة أخرى يوم جمعة الغضب، لتصبح واحدة من أهم وجوه ثورة يناير التى لم تتخلَّ أبدا عن أملها وحلمها فى رؤية مصر أفضل عند رحيل العسكر وتحقيق باقى مطالب الثورة.
جميلة إسماعيل التى عرفها الشارع المصرى قبل 2005 مذيعة ناجحة فى التليفزيون المصرى، لم تكن بحاجة إلى إلقاء نفسها فى دوامة السياسة، التى طالها منها رذاذ قذر من الاتهامات المرسلة، بثها أذناب النظام المخلوع وذيوله قبل الثورة وبعد الثورة، فهى ابنة أسرة ثرية توفر لها من سبل العيش والحياة ما يغنيها عن المطالبة بالعدالة الاجتماعية للشعب المصرى.. لكنها اختارت الطريق الأصعب عندما دخلت فى منافسة شرسة فى انتخابات 2010 مع زعيم أغلبية الحزب الوطنى بمجلس الشورى محمد رجب، وهى الانتخابات التى أعادت تعريفها كسياسية لها قاعدة شعبية عريضة بعد ارتباط اسمها لسنوات بالنضال من أجل الإفراج عن أيمن نور، ولم تزدها خسارتها عضوية المجلس إلا صلابة جعلتها فى مقدمة صفوف المطالبين برحيل نظام مبارك فترة الثورة.
حتى فى تلك اللحظات العصيبة التى كان من الممكن فيها أن تتغلب عليها عاطفة الأمومة عندما تلقت عرضا بالإفراج عن نجلها نور، فقط دون باقى المحتجزين فى أثناء فض اعتصام الميدان، نحَّت عاطفة الأمومة جانبا وتوجهت نحو معسكر الأمن المركزى مع مجموعة من المتظاهرين للمطالبة بالإفراج عن جميع المحتجزين، ولم تغادر موقعها قبل الإفراج عن جميع المحتجزين بعد نجاحها مع من معها فى اقتحام البوابة الرئيسية لمركز الاحتجاز.
الدور الذى لعبته جميلة فى الموجة الأولى من الثورة، رغم ضخامته ونبله، لا يقارن بالدور الذى لعبته مؤخرا لإحياء روح الثورة مجددا، عندما دعت مع آخرين للاحتفال بليلة رأس السنة الميلادية فى ميدان التحرير، لتعيد عشرات الألوف من المصريين إلى الميدان فى مشهد هز المشاعر والوجدان، عندما التحم المسلمون والمسيحيون معا فى مشهد حقيقى لوحدة الوطن، ردد خلاله الجميع الترانيم القبطية مع الأناشيد والأهازيج الصوفية وتخلل الجميعَ هتافاتُ المطالبة برحيل العسكرى عن الحكم، الأمر الذى جدد الأمل فى التفاف المصريين حول الثورة مجددا.
كان من الممكن عقب تنحى مبارك أن تعود جميلة إلى التليفزيون المصرى وتتقلد أحد مناصبه القيادية، لكنها اختارت الرصيف المواجه لمبنى ماسبيرو، مقر التليفزيون المصرى، لتردد من خلاله مع الثوار الإعلاميين هتافات مطالبة بتطهير الإعلام من أذناب النظام السابق ورفض استمرار سيطرة السلطة على شاشة التليفزيون وميكروفون الإذاعة، مهاجمة المجلس العسكرى الذى استخدم آلة الإعلام بنفس أسلوب النظام المخلوع، مؤكدة أن معركة الثوار الحقيقية القادمة ستكون لتطهير الإعلام من بقايا الفكر البائد.
خريجة كلية الإعلام والجامعة الأمريكية ذات التوجه الليبرالى لم تكن تعرف أنها ستتعرض لظروف شبيهة بما عانته فى انتخابات ما قبل الثورة عندما قررت خوض انتخابات مجلس الشعب الأخيرة مستقلة على المقعد الفردى بالدائرة فى مواجهة مرشحى «النور» و«الإخوان»، ردا على رفض الإخوان -الطرف الأقوى فى التحالف الديمقراطى الذى يضم حزبها- تصدُّرَها قائمة التحالف الانتخابية بدائرة بولاق أبو العلا والأزبكية والموسكى وعابدين.. ورغم خسارتها الانتخابات ومجيئها فى المركز الثالث بعد مرشحى «الكتلة» و«النور»، فإنها زادت من شعبيتها فى تلك الأحياء بعد تركيز جهودها مؤخرا لتقديم الخدمات الاجتماعية لأسر تلك المناطق وتنظيم حملات رعاية صحية للأهالى والعمل على حل مشكلات تلك الأحياء الفقيرة وإلقاء الضوء عليها ومناقشة مشكلاتهم اليومية عن طريق الخروج إلى الشارع ومناقشة الناس وعرض مشكلاتهم والمتاعب التى يواجهونها فى حياتهم اليومية.



مظهر شاهين
شاهد عيان على كل الجرائم التى ارتكبها النظام ضد الثوار فى ميدان التحرير فقد فتح مسجده أمام المتظاهرين مسلمين وأقباطا
كان فى مسجد عمر مكرم وحين علم بالمظاهرات وقف فوق سطح المسجد ونبَّه الشباب إلى وجود سيارات شرطة تقف خلف عمر مكرم تأخذ الشباب وتحتجزهم
جاء له أمر بإغلاق مسجد عمر مكرم يومها لكنه رفض وصلى الجمعة مع 12 شخصا ثم صعد إلى سطح المسجد وبدأ فى مساندة المصابين
أصر على إلقاء خطبة الجمعة يوم 4 فبراير رغم تحذيرات أن خطبته فى الميدان ثمنها «قطع الرقبة»
كتب- عبد المجيد عبد العزيز:
هو ليس عبد الله النديم.. ولا جمال الدين الأفغانى، ولا عمر مكرم، لكنه شاب فى الثلاثين من عمره، بشوش الوجه، يرتدى زيا أزهريا، ينطق بالحق.. كان الشيخ مظهر شاهين «خطيب الثورة» كما يلقبه شباب التحرير، من أوائل رجال الدين الذين ساندوا الثورة منذ يومها الأول فى ال25 من يناير، وأصر على أن يقول كلمة حق فى وجه سلطان جائر، من فوق منبر المسجد الذى عينته وزارة الأوقاف إماما به، مسجد عمر مكرم، ولم يخش بطش أمن الدولة، الذى كان يختار أئمةالمساجد ويراقبهم ويملى عليهم خُطبهم، ليضفى على نظام مبارك تلك المسحة الدينية الزائفة.
شاهين، رفض الانصياع إلى تعليمات الجهاز المنحل الذى طلب من كل خطباء المساجد الحديث عن حرمة قتل النفس، لوقف عمليات الانتحار حرقا التى شاعت قبل اندلاع الثورة، خوفا من تسببها فى هياج الجماهير، وفضل أن يقول ما يرضيه، لأنه يعلم أن الله سيحاسبه على كل كلمة تخرج منه، فخطب قبل الثورة من فوق منبره بمسجد عمر مكرم الكائن فى ميدان التحرير، متحدثا عن ظلم الحكام، وعاقبة البطش بالرعية، والعقاب الذى ينتظر الحاكم الظالم.
يقول خطيب الثورة: «ساندت الثورة من أول يوم.. وأتذكر أن أمن الدولة طلب منى يوم 28 يناير أن أغلق المسجد، لكننى أصررت على فتحه وصليت الجمعة ب12 فردا من العاملين فى المسجد وفتحته أمام الثوار وجهزت قاعة فيه كمطبخ لإطعامهم».
شاهين، هو شاهد عيان على كل الجرائم التى ارتكبها النظام ضد الثوار فى ميدان التحرير، فقد فتح مسجده أمام المتظاهرين، مسلمين وأقباطا، وجعله ملاذا لهم من الموت الذى ينتظرهم فى الخارج، وفى الثانى من فبراير «موقعة الجمل»، صعد شاهين فوق المسجد، وأخذ يصرخ فى المتظاهرين، وينبههم كلما لاح خطر، ويحذرهم من هجمات البلطجية وأصحاب السوابق الذين استعان بهم جهاز الشرطة المتداعى لينتقم من الثوار، ولم يترك شاهين الميدان ولو للحظة واحدة، طوال أيام اعتصام الثوار التى بلغت 18 يوما قبل سقوط الرئيس المخلوع، فى الوقت الذى تخلى فيه رجال دين كثيرون عن الميدان، وبقوا إما على الحياد مرتبكين لا يعرفون أيا من الجانبين سيفوز حتى ينحازوا إليه، وإما مكابرين دفعهم نفاقهم للالتزام بجانب «فقهاء سلطان» نظام مبارك القمعى.
فى جمعة الرحيل، 4 فبراير، وأمام أكثر من 2 مليون متظاهر، ألقى شاهين أولى خطبه على الثوار فى ميدان التحرير، وعن ذلك اليوم يقول خطيب الثورة: يوم 3 فبراير جاءنى الدكتور صفوت حجازى، وقال لى: «تطلع تخطب الجمعة؟»، فقلت له: نعم، فقال لى: بس خد بالك دى فيها قطع رقبة؟ فقلت له: الأعمار بيد الله، وكان ابنى الأول عمره 85 يوما فقط، يوم الجمعة صباحا جلست معه لنتحدث عما سأقوله فى الخطبة، ولم يكن أحد يتوقع وقتها نجاح الثورة، جلسنا وحددنا مطالب الثورة من تعديل الدستور ورحيل النظام وحل مباحث أمن الدولة، وعلمت وقتها أنهم طلبوا من بعض المشايخ أن يخطبوا الجمعة فى التحرير فرفضوا.
بكلمات حماسية، صادقة، فاجأت الجميع، بدأ شاهين خطبته: «لن تكون هناك سلبية.. لن تكون هناك رجعة.. لن تكون هناك استكانة.. لا موت ولا اعتقال بعد اليوم.. أنتم على الحق.. وتسيرون على خطى الحبيب -صلى الله عليه وسلم- تأمرن بالمعروف وتنهون عن المنكر.. إننا جئنا نريد الحرية.. نريد أن نكون أعزة على تراب وطننا ونرفع رؤوسنا.. وتعود كرامتنا.. فلماذا يحاربوننا إذا ما طلبنا ذلك؟».
وبهذه الخطبة التاريخية، أسهم شاهين فى صناعة «مليونيات يوم الجمعة»، التى توالت بعد ذلك، التى خطب فيها شاهين أيضا، والتى كانت سببا رئيسيا فى انهيار نظام المخلوع وتخليه عن السلطة، ليوقف زحف الجماهير التى انطلقت تجاه قصره عقب مليونية الرحيل، التى ألقى خطبتها أيضا خطيب الثورة الشاب مظهر شاهين.
يقول شاهين: وصفى بخطيب الثورة لقب عزيز بل هو أعز لقب إلىّ.. فلا يلقب به رجل إلا كل ثورة، وقد تمر مئات السنين حتى تأتى ثورة أخرى
أحمد حرارة
غطى عينه المعطوبة بقطعة من الرصاص كتب عليها 28 يناير تاريخ إطفاء نورها دون أن يعلم أن عينه اليسرى أيضا ما زالت مستهدفة
لم يشارك فى 25 يناير.. وشارك يومى 26 و27 بعدما اكتشف أن المظاهرات ضد نظام مبارك بأكمله، لا العادلى فقط
فى ميدان التحرير فقد عينه اليمنى بعد أن تلقى رصاصة من أحد جنود الأمن المركزى
فقد عينه 28 يناير 2011 ثم عاد 19 نوفمبر إلى التحرير للوقوف فى وجه نظام لم يسقط ففقد الثانية
كتب- عبد المجيد عبد العزيز:
هو عين الثورة وبصيرتها، وبوصلة الحق التى ترشد الثوار إلى طريقهم الذى بدا واضحا أنه ما زال ممتدا ومليئا بالعقبات.
«أعيش كفيفا مرفوع الرأس وبكرامة، أفضل من أن أعيش مبصرا مكسور العين»، هكذا كان رد طبيب الأسنان أحمد حرارة البالغ من العمر 31 عاما، فى أول تعليق له، بعدما فقئت عينه اليسرى ليصبح فاقدا للبصر بشكل كامل، ليثبت بما لا يدع مجالا للشك، أن «لسه النظام ماسقطش».
كان الشاب أحمد حرارة أحد الثوار الذين عاشوا وكابدوا ظلم نظام مبارك منذ نعومة أظفارهم، تلقوا تعليما مشوها، وذاقوا طعاما مسرطنا، وشربوا ماء ملوثا، وضربوا فى أقسام الشرطة، وعرفوا معنى الخوف من «أمن الدولة» بعبع نظام المخلوع وذراعه الباطشة، فكان من الطبيعى أن يحلم باليوم الذى تخرج فيه مصر، وتصرخ فى وجه الظالم المستبد، وتطالب بحقها فى لقمة عيش نظيفة وحياة كريمة، يقول حرارة: «قبل الثورة كنت فقط أتكلم عن السياسة مع أصدقائى، كنا نقول ونحن جالسين على المقاهى إن الوضع الحالى غير مقبول، فالفقراء يزدادون فقرا، والأغنياء يزدادون غنى، لكنى لم أشارك فى أى احتجاجات أو أفعل شيئا حيال ذلك».
حرارة تابع كغيره من شباب مصر ما حدث لشهيد الطوارئ خالد سعيد، والشاب السلفى سيد بلال، وكيف فقدا حياتهما نتيجة التعذيب، فقرر التوقف عن متابعة الأحداث عبر نشرات الأخبار، والخروج للمشاركة فى مظاهرات 25 يناير التى كانت قد انتشرت دعواتها على ال«فيسبوك»، والمطالبة بإسقاط النظام. حرارة لم يشترك من أول يوم، وإنما من يوم الأربعاء 26 يناير، وعن ذلك يقول: «يوم 25 يناير، لم أكن أنوى الانضمام إلى الاحتجاجات، لأنهم كانوا ينادون أساسا بالإطاحة بحبيب العادلى وزير الداخلية الأسبق، وإنهاء حالة الطوارئ، وكذلك رفع الحد الأدنى للأجور، وأنا لا أرى أن تغيير وزير واحد سيحدث فرقا فى النظام نفسه، لكن عندما رأيت فى ال«فيسبوك» عبارة (الشعب يريد إسقاط النظام)، ذهبت إلى هناك، ميدان التحرير، يومى 26 و27 يناير».
يوم 28 يناير، هو يوم لن ينساه حرارة طوال عمره، فبعدما شارك فى مظاهرات اليومين السابقين، أيقن أن النظام يتداعى، وأن مبارك ورجاله على وشك السقوط، فى هذا اليوم، خرج وكله عزم وإصرار على عدم العودة إلى منزله إلا بعد الحصول على حريته وحرية مصر، وفى أثناء الاشتباكات الدامية التى وقعت، التى استخدمت فيها شرطة العادلى جميع أساليب القتل والاعتداء، فقد حرارة عينه اليمنى، بعدما أصابه جندى أمن مركزى برصاصة أصابت عنقه وعينه اليمنى، بعدما اخترقت القرنية 4 شظايا، حيث أصيب حرارة ب64 إصابة فى وجهه، و6 فى عنقه، و4 فى رئتيه، وهو ما تسبب فى حدوث نزيف فى الرئة أدخله فى غيبوبة لمدة ثلاثة أيام فى المستشفى، وبعد خروجه ظل فى منزله مدة شهرين لإتمام العلاج.
حرارة، بعد إصابته، غطى عينه المعطوبة بقطعة من الرصاص كتب عليها 28 يناير، تاريخ إطفاء نورها، دون أن يعلم أن عينه اليسرى أيضا ما زالت مستهدفة من قبل بقايا رجال العادلى.
ففى 19 نوفمبر الماضى، عاد حرارة إلى التحرير مجددا، للوقوف فى وجه النظام الذى اكتشف أنه لم يسقط بعد، وفى أثناء المواجهات الدامية التى وقعت فى شارع محمد محمود بين جنود الشرطة وبين المتظاهرين، عقب اعتداء الأمن المركزى على مصابى الثورة وطردهم من الميدان بالقوة، فقأت رصاصة مطاطية عين حرارة الثانية، ليفقد بذلك بصره كلية، ليثبت أن مبارك ما زال يحكم.
هل كانت تخشى «الداخلية» من أحمد حرارة؟ يبدو أن مجند الأمن المركزى الذى أصابه فى عينه اليمنى، كان يعلم أن حرارة رآه، وأنه يبحث عنه ليثأر لنفسه فى 25 يناير 2012، فسعى لأن يفقده عينه اليسرى، ليصبح بذلك حرارة فاقدا للبصر تماما، لتنام الداخلية هادئة، بينما لا تعلم، أنها منحت حرارة البصيرة التى ستفضح كل القتلة والمتواطئين، والسؤال الذى يفرض نفسه الآن: إذا حاسبنا مبارك والعادلى على ضياع عين أحمد حرارة اليمنى.. فمن نحاسب على ضياع عينه اليسرى؟
إبراهيم عيسى
تعرضت الصحف التى رأس تحريرها للإغلاق والتضييق ولاحقته العشرات من القضايا التى رفعها مؤيدو وداعمو النظام السابق
تحرك فى المظاهرات المتجهة من كوبرى الجلاء إلى كوبرى قصر النيل ومنه إلى ميدان التحرير
فى مسجد الاستقامة فى الجيزة وبعد الاصطدام بالأمن كان فى مقدمة مظاهرة ضمت نصف مليون مواطن جاءوا من الهرم وشوارع الجيزة وانطلقت حتى دخلت ميدان التحرير فى السابعة مساء بعد مرورها بمعركة قصر النيل
كتب عمرو صلاح:
قبل الخامس والعشرين من يناير كان عيسى كعادته على تواصل بشباب من الحركات الاحتجاجية، يدرس معهم ما ينوون القيام به، ويسعوون إلى تنفيذه. انضم إلى مسيراتهم الحاشدة يوم الخامس والعشرين عند كوبرى الجلاء، ليشق طريقه معهم إلى ميدان التحرير، ويجد لنفسه موقعا على أحد الأرصفة ليستقر عليه وقد أنهكه التعب، مشاركا النشطاء أولى محاولات إقامة اعتصام بالميدان فى ليلة انتهت بتفريقهم بالقوة من خلال قنابل الغاز والرصاص المطاطى. وفى يومى السادس والعشرين والسابع والعشرين، كان عيسى على تواصل مع تلك المجموعة التى وضعت خارطة التحركات ليوم الثامن والعشرين من يناير، واختار وقتها أن يكون موجودا ضمن المجموعة التى سوف تخرج مع الدكتور محمد البرادعى من مسجد الاستقامة بميدان الجيزة، حيث واجههم مئات الجنود بالرصاص المطاطى وقنابل الغاز والماء الكبريتى. وخاض عيسى مع مدير الأمن وقتها اللواء أسامة المراسى -الذى يخضع للمحاكمة الآن- حديثا نقاشيا حينما سأله المراسى بعد ساعات من الضرب «ماذا تريدون؟»، فأجابه عيسى «الشعب يريد إسقاط النظام»، لتنطلق يومها الجموع الثائرة من مسجد الاستقامة، وتلتقى بجموع أخرى قادمة من شارع الهرم، ومن مناطق مختلفة بالجيزة، فى ظل استمرار الضرب وإطلاق قنابل الغاز والرصاص المطاطى، ولتلتحم المسيرة التى صارت أضخم بمسيرات أخرى فى ميدان الدقى، ومن ثم تنطلق إلى ميدان التحرير، الذى كان ساحة لمواجهات دامية وقتها، سقط فيها المئات من الشهداء والمصابين، وانتهت بالسيطرة النهائية والمحكمة على الميدان من قبل الثوار.
الدور الذى لعبه عيسى على الصعيد الصحفى لم يكن ببعيد عن دور لعبه من هم مثله منذ عقود سعيا إلى الحرية، ففى فترة الاحتلال الإنجليزى لمصر كان هناك ما يعرف وقتها بالدور الوطنى من الصحافة المصرية، وهو نوع من الصحافة سخَّر كتابه أقلامهم فى مواجهة هذا الاحتلال والمطالبة برحيله.
وقد تعرض أصحاب تلك المدرسة للتضييق المستمر من الاحتلال أوقاتا كثيرة، ومن القصر فى أوقات أخرى، إلا أن هذا التضييق والمصادرة للصحف وملاحقة الكتاب لم يثن هؤلاء يوما عن استمرار النضال ومواصلته، حتى رحل الاحتلال نهائيا.
هذا هو النهج نفسه الذى سار عليه إبراهيم عيسى.
هذا الكاتب الذى سخَّر قلمه ومدرسته الصحفية فى مواجهة التشدد تارة فى التسعينيات، وفى مواجهة مبارك ونظامه فى خلال العقود الأخيرة، وقد تعرضت الصحف التى رأس تحريرها للإغلاق، والتضييق، ولاحقته العشرات من القضايا التى رفعها مؤيدو وداعمو النظام السابق فى محاولة لإثنائه عن خط واضح اتسم بالحدة والعنف، ضاربا عرض الحائط بخطوط حمراء كثيرة، ورافضا أن يختار طريق ما عرف «بالصحافة المحايدة» وهو مصطلح ربما اتخذه كثيرون وسيلة لتبرير مواقفهم العائمة التى كانت تخشى الخوض فى معارك مباشرة مع مبارك ورجاله.
وقد مثلت تجربة الدستور الأصلى خلال السنوات الخمس الأخيرة بشبابها من الصحفيين خطا داعما باستمرار لحركات التغيير والاحتجاج، إذ كانت فاعلياتهم تحظى بما يشبه إعلانات يومية بلا مقابل، وكانت صور نشطائهم والتذكير بهم فى حالة اعتقالهم موضعا للحديث اليومى بتلك الصحيفة بما لا يسمح بنسيانهم ويوعى الناس بنضالاتهم، حتى إن البعض كان يطلق على الجريدة لقب المنشور الثورى الوحيد فى مصر، وهو ما مثل دعما وسندا لكل الجماعات الاحتجاجية والسياسية المحظورة فى عهد مبارك بما فى ذلك جماعة الإخوان المسلمين، وأتاح لنداءات التغيير ودعواته ظهيرا إعلاميا قويا على الرغم من الضربات المتلاحقة التى حاولت تحطيم هذا الظهير وكان آخرها ما عرف بقضية «صحة الرئيس» وإغلاق جريدة «الدستور» بعد محاولة السيطرة عليها من السيد البدوى رئيس حزب الوفد فى عام 2010.
والواقع أنه لولا تحطيم الخطوط الحمراء من قبل مدرسة إبراهيم عيسى والمدارس التى على شاكلتها لما استطاعت وسائل إعلام كثيرة إيجاد مساحة أكبر تنتزعها تدريجيا لتقف فى مواجهة إعلام حكومى ومستقل كاذب ومنافق زيَّف الوعى العام على مدار عقود.
إبراهيم عيسى لم يكن يكتفى بدوره الإعلامى فحسب، إذ كان نموذجا أيضا للمثقف النشيط، الذى كان بمثابة مستشار لشباب الحركات الاحتجاجية ومخزن للأفكار والمقترحات التى استرشد بها هؤلاء، مطالبا إياهم دائما بقراءة التاريخ كى يكونوا على أهبة الاستعداد لحظة وقوع التغيير الذى يحلمون به
ممدوح حمزة
دخل الميدان حاملا «البطاطين» وسط تصفيق المتظاهرين والثوار وهو ما كشف لقوات الأمن أن المتظاهرين ينوون المبيت
تحرك فى مسيرة انطلقت من ميدان روكسى فى مصر الجديدة بصحبة عدد من النشطاء متجها سيرا على الأقدام إلى دار القضاء العالى
بدأ المشاركة فى المظاهرات الحاشدة من ميدان الجيزة متجها مع الآلاف إلى ميدان التحرير عبر كوبرى قصر النيل
دخل الميدان حاملا «البطاطين» وسط تصفيق المتظاهرين والثوار
كتب- عبد المجيد عبد العزيز:
فى يوليو 2004 دخل سجن «بلمارش» بلندن بتهمة التخطيط لاغتيال أربعة من قيادات نظام مبارك: إبراهيم سليمان وزير الإسكان الأسبق، وزكريا عزمى الذى رئيس ديوان رئيس الجمهورية، وفتحى سرور رئيس مجلس الشعب الأسبق، وكمال الشاذلى أمين التنظيم بالحزب الوطنى المنحلّ. كانت هذه هى المرة الأولى التى يسمع عنه فيها كثير من المصريين.
فى 1968 كانت المرة الأولى التى يستنشق فيها الاستشارى العالمى ممدوح حمزة غاز القنابل المسيلة للدموع، عندما شارك فى المظاهرات الطلابية ضد سياسات عبد الناصر الاقتصادية والاجتماعية، دون أن يخطر بباله، أنه سيواجه هذه القنابل ثانية بعد ما يزيد على 40 عاما، فى أثناء مشاركته فى ثورة يناير ضد نظام مبارك القمعى.
نظام مبارك اعتبر حمزة رجلا غير مرغوب فيه، عندما فضح إحدى صفقات الفساد التى كانت ترعاها سوزان مبارك زوجة الرئيس المخلوع، فقد كشف حمزة فى التحقيقات المتعلقة بقضية شركة «بالفور بيتى»، التى حصلت على مشروع إنشاء مكتبة الإسكندرية بشكل غير قانونى، أن سوزان مبارك وعاطف عبيد وإبراهيم سليمان وحبيب العادلى، كانوا وراء الصفقة، وحصلوا على رشاوى مالية مقابل ذلك، مما دفعهم إلى تلفيق قضية اغتيال أركان النظام التى حصل فى نهايتها على حكم بالبراءة بعد شهور من التحقيقات.
عندما وصل حمزة إلى مطار القاهرة فى 2006، قادما من لندن بعد عامين من الإقامة الجبرية، فوجئ بمئات فى استقباله، فقال لهم «أنا مَدِين لكم.. وسأضع نصف وقتى للعمل العام»، وهو ما حدث بالفعل، فقد تبنى الاستشارى العالمى فكر المعمارى المصرى الأشهر حسن فتحى، وسعى لحل المشكلة السكانية عن طريق عمارة الفقراء، من خلال عدة مشروعات، ظل رجال النظام السابق يحاربونه خلالها، ويتصدون له، ويحاولون إفشال جميع مشروعاته، مما أثبت له، أن مصر لن تشهد إصلاحا حقيقيا إلا إذا رحل مبارك ونظامه.
بدأت علاقة ممدوح حمزة بشباب الثورة، فى 2007، من خلال تعرفه إلى شباب حزب الجبهة الديمقراطية، التى من خلالها تعرف إلى شباب «6 أبريل» فى 2008. حمزة كان بالنسبة إليهم أبا يدعم أبناءه، الذين يذكّرونه بشبابه، لأنهم الأجدر والأقوى على التغيير، فمنح الحركات الشبابية كل ما استطاع من مقرات وطباعة منشورات وغيره، ليتمكنوا من إيصال أصواتهم الشابة إلى مصر جميعها، ومن هنا توطدت علاقته بهم، التى استمرت سنوات قليلة فى الإعداد ليوم النصر والثورة، التى جاءت ففاجأت حتى من قام بها.
يوم 25 يناير 2011، كان حمزة من أوائل المشاركين، حيث انطلق فى مسيرة من روكسى إلى دار القضاء، ضمن خطة تمويه للهروب من قوات الأمن التى كانت لا تزال بكامل عنفوانها، وعندما وصل إلى وسط القاهرة، وجد فى استقباله 12 سيارة أمن مركزى، فانضم إلى علاء عبد المنعم وحمدى قنديل وعبد الحليم قنديل ويحيى حسين، وتوجهوا معا إلى ميدان التحرير، ليدخلوه ضمن أول مجموعة تصل إلى الميدان فى يوم الثورة، حمزة كان يسأل عساكر الأمن المركزى الذين يصادفهم فى طريقه بعفوية «أمك هتكون مبسوطة وانت بتضرب اخواتك؟»،
ورغم أنه كان يعتقد أنها مجرد مظاهرة، فإن شيئا ما دفعه إلى مغادرة الميدان فى منتصف النهار لشراء 100 بطانية وزجاجات مياه وطعام (عسلية، وفول سودانى، وقُرَص بالعجوة لما بها من سعرات حرارية تمكّن المتظاهرين من النوم فى البرد)، وفى تمام السادسة و18 دقيقة، دخل الميدان حاملا «البطاطين»، وسط تصفيق المتظاهرين والثوار، وهو ما كشف لقوات الأمن أن المتظاهرين ينوون المبيت فى الميدان، ودفعهم إلى التخطيط لتفريقهم بالقوة.
حمزة يحكى عن هذا اليوم فيقول «الساعة واحدة إلا عشرة مثلا، بدؤوا ضرب قنابل مسيلة للدموع بكثافة شديدة، وجرينا زى الفيران، عينى كان فيها ألم شديد، فدخلنا فى قهوة زجاج كده، وقفلنا الباب، وطلعت أغسل عينى، فقالوا لى ماتغسلش عينك بالمية، لأنه المية بتزوّد، ماكنتش أعرف، لأنه أنا آخر مرة جات لى قنابل مسيلة كانت سنة 68».
وخلال اليومين التاليين، كثف حمزة من نشاطه، استعدادا لجمعة الغضب، فبدأ فى شراء اللافتات والأعلام وطباعة المنشورات وإعداد الأطعمة للمعتصمين، وخزنها فى مكان قريب من ميدان التحرير، بير سلم بأحد المقاهى.
بالقرب من جامعة القاهرة، أدى حمزة صلاة الجمعة يوم 28 يناير، وانطلق ضمن مسيرة ضخمة، طافت شوارع الجيزة، فى طريقها إلى التحرير، وهو يهتف «يا أهالينا انضموا لينا»، ويتخطى مع المتظاهرين الحواجز، ويفر من القنابل المسيلة للدموع، التى طردت الهواء من حولهم، قبل أن يهرب من قوات الأمن فى مركب فى النيل، ليعاود سيره حتى وصل إلى كوبرى قصر النيل من ناحية الأوبرا، وعاش مع المتظاهرين أهم معارك الثورة، وواجه الرصاص المطاطى والخرطوش، الذى تحول إلى رصاص حى، والشهداء يتساقطون من حوله، والثوار يصرون على المرور والوصول إلى الميدان، قبل أن تندحر قوات شرطة العادلى، ويفروا هربا من عزيمة الثوار، ويتمكن حمزة من دخول التحرير مع الثوار، وقد أيقن أن أحدا لا يستطيع الوقوف أمام إرادة الشعوب ورغبتها فى التغيير.
المفارقة، أن من اتهموا حمزة زورا، ولفقوا له قضية الاغتيال، أضحوا جميعا خلف الأسوار، بأمر الثورة
نوارة نجم
كانت سعيدة يوم 25 يناير 2011 لأن ما ناضلت من أجله وما صدقته وما راهنت عليه لسنوات طويلة تحقق أخيرا
كتبت- دعاء سلطان:
«أحلى من الشرف مافيش».. وما أجمل أن يستقوى الرجال «الشرفاء» ممن يطلقون على أنفسهم لقب «المواطنين الشرفاء» على امرأة.. أحمد الله أنها ليست مكسورة الجناح ولا مكسورة العين والخاطر، وإنما هى أشرف وأرجل وأطهر وأنقى منهم جميعا.. ليست الفاجعة فى اعتدائهم على امرأة.. تصادف أنها الكاتبة الصحفية والناشطة والمدونة نوارة نجم، وإنما الكارثة أن تنتهك الحقوق ويضرب الناس ويهان الأشخاص فى الشوارع هكذا، لمجرد أنهم قالوا آراء تخالف آراء السلطة ومسانديها، ومن ينطق الآن ليقول لى: ماهو أبناء مبارك والفلول بيقولوا رأيهم، وبيتم طردهم من الأماكن؟! سأجيب بكلمة واحدة: تلك ثورة قامت عليهم وعلى أبيهم وعلى من يتبعونه، والثوار لم يضربوا امرأة ولم يعتدوا على رجل.. فقط طاردوهم بالهتافات فى مؤتمرات عامة من تلك التى يهذون فيها ويعربدون خلالها على شرف الثورة والثوار، وواقعة ضرب نوارة وسب علاء الأسوانى قبلها، من أسخف نتائج الثورة. ومن أسوأ التعليقات أن نتساءل: كيف يضربون امرأة؟! بل السؤال الأصح: كيف يضرب العبيد؟ وكيف يهاجمون ويعتدون على أحرار؟!
النوارة.. نوارة نجم، التى تنتاب كثيرين حالة صرع وذهول من كلماتها المتجاوزة لحدود الأدب، دون أن ينتبهوا إلى صدق الموقف، وقوته.. ينزعجون من سلاطة لسانها -التى لا تنكرها- ولا تخجل منها وتتحمل كل حرف يخرج من فمها، دون أن ينتبهوا إلى أن هناك من يتخذون مواقف فى غاية الوقاحة، مستخدمين أكثر الكلمات تهذبا وشياكة. أختار دائما أن يكون أصدقائى هم الأشجع والأصدق والأقوى والأجرأ منى، وأنا خلفهم.. أستمد قوتى من قوتهم، وأسندهم بقوتى عندما يقعون فرائس فى أيدى من لا يرحم، والمنطقى أن يسندونى هم قبلها، ولذلك فقد اخترت أن تكون نوارة نجم صديقتى «غصب واقتدار»، ونجحت.. صارت النوارة صديقتى.
يوم 24 يناير 2011 مساء.. تحدثت مع نوارة نجم، لأنها دليلى الأهم فى عالم الثائرين، سألتها: فى أى مكان سنلتقى؟!
قالت لى: فى السيدة زينب.. صدقت على الموقع وحدثت اثنتين من صديقاتى كانتا تتبعانى كما أتبع نوارة.. لم أستقل سيارتى، وفضلت ركوب تاكسى، من تحت منزلى.. اليوم هو الثلاثاء 25 يناير 2011، وسائق التاكسى ما زال لا يفهم أن هذا اليوم هو الشرارة الأولى للثورة المصرية، كان مذهولا من المرور المنساب يومها!
قلت له «السيدة زينب»، ثم تحدثت مع صديقتىّ اللتين تنتظران أن أنصحهما! فأكدت لهما أن المنطقة هى السيدة زينب. تحدثت مع نوارة نجم وقلت لها أنا فى طريقى إلى السيدة، فقالت لى: لا.. اذهبى إلى إمبابة، واحتار سائق التاكسى عندما قلت له: إمبابة يا أسطى، واتصلت بصديقتىّ وقلت لهما: إمبابة يا بنات!
بعد خمس ثوانٍ اتصلت نوارة وقالت لى: أنا الآن أمام ماسبيرو! طبعا لعنت اليوم الذى عرفتها فيه، وقلت لها: إحنا حنعمل ثورة إزاى واحنا تايهين من بعض كده؟!
المهم أننى أقنعت سائق التاكسى أن يتوجه حيث ماسبيرو، واتصلت بصديقتىّ وأنا فى غاية الخجل، وقلت لهما: أنا فى طريقى الآن إلى ماسبيرو.. و«قفلت السكة»، كى لا أستقبل منهما أى كلمات سلبية! توجهت إلى ماسبيرو بالتاكسى، ونزلت، ولم أجد أى تظاهرات.. اتصلت بنوارة ولم ترد.. اتصلت بزوجى وقال لى إنه أمام دار القضاء العالى، واتصلت بصديقتىّ اللتين ورطتهما معى وقلت لهما إننى فى بولاق أبو العلا أمام سينما الكورسال.. جاءتا سريعا، وبسرعة التحقنا بتظاهرة دار القضاء العالى، وما زال الاتصال بنوارة منقطعا!
بصعوبة.. تمكنا من اختراق حواجز دار القضاء العالى وتاه منى زوجى وتهت منه، ولكنى احتفظت بقدرتى على تشبيك يدى فى أيدى صديقتىّ نوارة مراد وولاء سعدة.. مشينا فى مسيرة بكل شوارع وسط البلد، إلى أن وصلنا إلى مدخل التحرير من باب اللوق، وبدأت القنابل المسيلة للدموع فى الانفجار.. أنا ضعيفة لا أحتمل هذه القنابل.. تحدثت إلى زوجى، لكن تليفونه خارج نطاق الخدمة، ثم تحدثت إلى نوارة نجم، قلت لها بهستيريا: «أنا حاتخنق.. حاسة إنى باموت.. قنابل الغاز حتموتنى».. ضحكت هى وقالت: شوية كده وتتعودى عليها»! وانقطع الاتصال.
صحيح أننى كنت مرعوبة من الموت خنقا، لكن نوارة نجم بكلماتها الساخرة غير المبالية، أكدت لى أن الموت نفسه غير مهم، وأخجلتنى من نفسى، فى الوقت الذى كنت أظن فيه أننى أستقبل الموت. المهم أننا اخترقنا يومها ميدان التحرير، والأهم أننى شعرت بأننى لأول مرة أشارك فى حدث يغير مصر فعليا.. ويومها قابلت كل أصدقائى.. قابلتهم جميعا بلا استثناء.. أحمد ماهر المخرج كان قادما مع كاتبة السيناريو عزة شلبى من مسيرة جامعة الدول العربية.. وائل عبد الفتاح وناصر أمين كانا هناك والتقيا بمحمد جمعة واجتمع الثلاثة فى الميدان.. نادين شمس ونبيل القط وإلهام عيضاروس وعبد الحكم سليمان، كانوا فى الميدان أيضا.. ومن منطقة ناهيا جاء يحيى وجدى ورحاب الشاذلى وليلى البلعوطى، ومن وسط الجموع فى ميدان التحرير ظهر إبراهيم عيسى هاتفا: سنظل فى الميدان.. واستقبلت تليفونا من شقيقى الذى أصيب فى رأسه بعد اشتباكات مع الأمن أمام دار الحكمة، وفى نفس التوقيت وجدت أمامى بلال فضل وعمرو سلامة، ومحمد شعير وعصام زكريا ومحمد دياب وعمرو واكد، ثم أحمد شوقى ومحمد أمين راضى وهبة مندور وهالة جلال وعباس أبو الحسن وجيمى هود «محمد جمال».. ما أجمل أن يجتمع كل من أعرفهم فى مكان واحد.. يبدو أننا على حق.
لكن أين نوارة نجم؟! بحثت عنها فى أرجاء الميدان ولم أجدها، إلى أن دلنى أحدهم على مكانها.. كانت مع أعضاء الألتراس.. منتشية سعيدة، فها هى لأول مرة منذ بدأت نضالها السياسى تفاجأ بهذا العدد من البشر، وهى التى كانت تخرج فى وقفات احتجاجية لا يزيد عدد أكبرها على الألف شخص.. نوارة كانت سعيدة يومها.. وكانت لا تبالى بى ولا تبالى بأى أحد.. قابلت نوارة تلك التى اتفقت معها على الخروج والنزول يوم 25 يناير 2011 فقط لثوانٍ معدودة.
نوارة كانت سعيدة يوم 25 يناير 2011 لأن ما ناضلت من أجله وما صدقته وما راهنت عليه لسنوات طويلة تحقق أخيرا، وما كان يجب أن تكون النوارة التى قالت للأعور أنت أعور فى عينه يوم أن جبن الجميع، واحدة من ضحايا ما راهنت عليه وانتظرته كل هذه السنوات.. ما كان يجب أن تهان النوارة ويتم التحقيق معها، وتعيّر بوالديها.. فؤاد نجم وصافيناز كاظم.. ما كان يجب أن تضرب بالحذاء فى الشارع، لمجرد أنها أجرأ من الكثيرين، وما كان يجب أن يهان أصدقاء كفاحها.. علاء عبد الفتاح بالسجن ومالك مصطفى بفقد إحدى عينيه ومينا دانيال باستشهاده.. كتبت لكم اليوم فى الذكرى الأولى للشرارة الأولى لثورة 25 يناير عن بنت الحشَّاش، التى لم أعرف شخصا يملك ضميرا يقظا مثلها ومثل أبيها.. ألا تخجلون عندما تكتبون هاتين الكلمتين قاصدين نوارة، وقاصدين أحمد فؤاد نجم؟! هل عميت الأبصار وصرتم لا تدركون قيمة أن يكون الإنسان حرا فيقول ما فى نفسه على حسابه الخاص على الفيسبوك أو تويتر؟! أزعجكم أن تسب امرأة حرة أحد المنافقين الذين تتبعونهم؟ فقررتم أن تسبوها وتضربوها فى الشارع؟! ألم تستاؤوا من نفاق شيخكم لسلطة باطشة على جبل عرفات؟! لم تهتز لكم شعرة من النفاق فى مكان يذكر فيه اسم الله؟! ما نوع الحشيش الذى تتعاطونه إذن، إذا كان يخدر ويشل ضمائركم وعقولكم هكذا؟!
كانت النوارة يوم 25 يناير، سعيدة كتلك الطفلة التى كتب فيها أبوها هذه الكلمات: «يا رب كبّر نوارة تكبر وتبقى أكبر فى كل عيد لا كل جمعة لا كل يوم.. لا كل ساعة لا كل لحظة.. تنول وتحظى وتزيد نباهة وتزيد ملاحظة وتحظى مصر السعيدة بيهم ويبقوا ليها وتبقى ليهم».. كانت سعيدة لأن كل رهاناتها السابقة التى كانت تناضل لأجلها مع حفنة لا تتجاوز العشرات من مناضلى مصر الرائعين قد أثمرت وتحققت، وهى لا تبالى بما يحدث لها.
يوم 25 يناير 2011، كنت أنا سعيدة لأن رهانى الأول، وحماسى الأكبر كان صائبا.. ورهانى ورهانها على اكتمال الثورة سينجح إن شاء الله.
ملحوظة: رهانى الأول كان مبنيا على كل رهانات نوارة نجم السابقة، لذلك فهى الأقوى والأكثر صمودا، ومن العار أن تهان من قالت كلمتها يوم صمت الجميع.. من العار أن تهان نوارة نجم، التى كانت نوارة لى ولكثيرين غيرى
علاء الأسواني
كان محرضا أيضا على الثورة فى صالونه الأسبوعى الذى تحول من ندوة أدبية أسبوعية إلى ملتقى ثقافى وسياسى
خرج فى مظاهرة من شارع قصر العينى ثم توجه إلى ميدان التحرير
كان حاضراً فى المظاهرات التى جابت شارع قصر العينى من أوله حتى آخره
يُعتبر واحدا من «المحرِّضين»، كان لا بد أن يوجد فى ميدان التحرير يوميا
كتبت- نانسى حبيب:
اعتبر المفكر الكبير د.جلال أمين روايته «عمارة يعقوبيان» أحد الأعمال الأدبية التى حرضت على ثورة 25 يناير، أما د.علاء الأسوانى فيرى أنه لا يمكن أن يقرر أمرا مثل هذا. لكنه يعود ويؤكد أنه حين كان مع الشباب فى ميدان التحرير وجد تقديرا كبيرا منهم، وقال البعض له إنهم موجودون فى الميدان بسبب ما كتبه.
يحظى فى الخارج علاء الأسوانى بمكانة أدبية كبيرة على المستويين الأدبى والسياسى، وكانت روايته «عمارة يعقوبيان» سببا كبيرا فى شهرته بعد ترجمتها إلى أكثر من 32 لغة، حققت بها مبيعات تجاوزت مليون نسخة فى 82 طبعة، أما فى الداخل فهو معروف، إلى جانب قيمته الأدبية قطعا، بمواقفه الثورية وآرائه الجريئة وانتقاداته الحادة، التى دائما ما تثير جدلا كبيرا، ومنها حلقته الشهيرة على قناة «أون تى فى» مع د.أحمد شفيق رئيس الوزراء الأسبق، التى كانت سببا فى استقالة الأخير أو إقالته. البعض رأى أن الأسوانى تعامل بحدة شديدة، والبعض الآخر رأى فى ما قاله جرأة وشجاعة، أما هو فيرى أنه لم يفعل شيئا سوى أن قال رأيه بصراحة، وأن د.شفيق هو الذى أخطأ حين اتهمه بأنه «مدعى الوطنية».
قبل ثورة 25 يناير، كان الأسوانى يؤمن بأن التغيير قادم لا محالة، يطالب بالإصلاح السياسى وينتقد الفساد، كان يكسر التابوهات دون أن يهمه حجم الهجوم الذى سوف يتعرض له، فعلها فى روايتيه «عمارة يعقوبيان» و«شيكاغو»، وفعلها فى مقالاته التى دأب فيها على انتقاد نظام مبارك وتعريته منذ أن بدأ قبل سنوات الكتابة المنتظمة فى عديد من الصحف مثل «العربى» و«الدستور» و«الشروق»، مذيّلا دوما مقالاته هذه بقوله الشهير «الديمقراطية هى الحل»، بينما كان محرضا أيضا على الثورة فى صالونه الأسبوعى الذى تحول من ندوة أدبية أسبوعية إلى ملتقى ثقافى وسياسى ندر وجوده فى فترة ما قبل سقوط مبارك. كان الأسوانى ولا يزال صريحا ومستشرفا، حتى إنه عندما كان فى إحدى الندوات يوم 23 يناير 2011، قال إن «التغيير قادم»، ولم يكن أحد يتخيل وقتها أنه بعد يومين فقط سوف تتحقق مقولته، وتخرج المظاهرات فى كل أنحاء مصر تطالب بإسقاط النظام.
ولأنه يُعتبر واحدا من «المحرِّضين»، كان لا بد أن يوجد فى ميدان التحرير يوميا، ويستعرض الأسوانى حوارا دار بينه وبين شاب مصرى التقاه يوم جمعة الغضب 28 يناير، وقال له: «أنت كتبت كتاب (لماذا لا يثور المصريون)» وطالبه بكتاب جديد عما يحدث فى ميدان التحرير لأن المصريين «فعلوها وثاروا». يقول الأسوانى إنه بعد هذا الحديث بدقائق أصابت الشاب رصاصة قناص من أحد الأسطح فى ميدان التحرير واستُشهد.
يقول الأسوانى إن آخر حديث لحسنى مبارك، قال فيه «أنا عايز أمشى، وأخشى الفوضى والمتطرفين والهجوم على الأقباط»، لكننا جميعا فوجئنا بعدها بعبود الزمر يتم تقديمه على أنه بطل قومى. كتب الأسوانى وقتها أن الزمر يتنقل من قناة إلى أخرى، وأن هذا لا يتم اعتباطا، لكنه أمر تمهيدى، فهذا مشهد سوف يأتى وراءه مشهد، حتى نصل إلى المشهد الرئيسى. ويضيف الأسوانى أن أى ثورة ينقسم بعدها المجتمع إلى ثلاث فئات: الكتلة الفاعلة للثورة، وهؤلاء يعرفون تماما ما يريدون ومستعدون للتضحية من أجل الوصول إلى أهدافهم، والثورة المضادة، والكتلة الساكنة التى تلقت الثورة كأنها خبر، لم تنزل ولم تضرب، ستظل رؤيتها لفترة بعيدة عن رؤية الثورة، وهم متذبذبون، بمعنى أنه حين خرج مبارك ليقول «أنا عايز أموت على أرضى»، بكوا. وحين عيّن الرئيس السابق عمر سليمان نائبا، قالوا خلاص كفاية. لكن هؤلاء -حسب الأسوانى- ليسوا غرباء عنا، لكنهم أهلنا وقد يكونون معنا فى نفس البيت، ونحن فى النهاية مسؤولون عنهم.
ولأن الأسوانى لم يتغير، فإنه ظل إلى جانب الثوار ينزل معهم إلى الميدان ويرافقهم أمام مجلس الوزراء ويخرج لينتقد من يقتلهم. لذا لم يكن غريبا أن يتعرض لاعتداء بالسب من قِبل مجهولين -هكذا قالت وسائل الإعلام عنهم- عندما كان بصحبة مصورين وصحفيين من التليفزيون البريطانى فى شارع قصر العينى يحاولون تصوير موقع الأحداث أمام مجلس الوزراء. وكان واضحا من كلمات الذين حاولوا افتعال مشاجرة مع الكاتب والروائى والناشط السياسى أن هدفهم هو تصوير الواقعة، ونشرها على مواقع الإنترنت لإظهاره كأن وجوده غير مقبول بالمنطقة التى تقع عيادته بها.
وصف المتحرشون الأسوانى ب«العميل»، ووجهوا إليه ألفاظا نابية، وقال البعض إن هؤلاء حاولوا التطاول عليه والاعتداء عليه بالأيدى، لكن كل هذا لم يجعله يتزحزح عن موقفه. اتهموه بمحاولة إشعال البلاد -هو ومتظاهرى التحرير- لكنه ظل يخرج منتقدا لهم، مطالبا باستكمال الثورة التى سُرقت.
الأسوانى دعا الجميع للنزول إلى الشوارع والميادين يوم 25 يناير 2012، قائلا إن نظام مبارك ما زال يحكم، لكن الثورة مستمرة، وستظل حتى تحقق أهدافها، رافضا الاحتفال بذكرى الثورة، مؤكدا أن الاحتفال لا يكون إلا فى حالة الانتصار وانتهاء الثورة، وأنه لا يعتقد أن يكون هناك احتفال فى حالة الهزيمة، فالثورة لم تنتهِ بعد وما زالت مستمرة ولم تنتصر بعد
عصام سلطان
25 يناير
شارك فى مظاهرة أمام دار القضاء العالى ثم انطلق فى مسيرة بشارع 26 يوليو واتجه إلى شارع رمسيس حيث انضم إلى مظاهرة وصلت إلى ميدان التحرير
28 يناير
صلى الجمعة فى مسجد الاستقامة وتعرض لاعتداءات من رجال الشرطة قبل أن يتوجه
كان هو دون غيره يصوغ البيان الأول لتأسيس الجمعية الوطنية للتغيير
كتب: محمد الخولي
خلفيته الإسلامية لم تمنعه من أن يقاطع إمام مسجد بمدينة المنصورة، كان محمد البرادعى يصلى به الجمعة ضمن زياراته التى قام بها عقب عودته إلى مصر. الخطيب كان يحرِّم الخروج على الحاكم، فوقف وصرخ فى وجهه: «هناك فتوى بحرمة مقاطعة الخطيب، لكنى أفتى بأن مقاطعته واجبة»، وخرج من المسجد ورفض أن يصلى خلفه «لأنه خطيب منافق». يرتدى روبه الأسود، وعلى كتفه حقيبة صغيرة، وبيده مجموعة من الأوراق، هكذا كان المحامى عصام سلطان، نائب رئيس حزب الوسط، يظهر أمام مبنى مجلس الدولة، لمتابعة الدعاوى القضائية التى رفعها مع أبو العلا ماضى رئيس حزب الوسط، للموافقة على تأسيس أكثر الأحزاب التى حصلت على رفض من لجنة شؤون الأحزاب فى عهد الرئيس المخلوع، وكلما أغلق طريق نجح بخبرته القانونية فى فتح طرق أخرى، إلى أن نجح فى 19 فبراير 2011، وأقرت المحكمة الإدارية العليا بالموافقة على تأسيس حزب الوسط الجديد. المحامى الدمياطى بدأ نشاطه السياسى من الجامعة، ولم تبهره أضواء المدينة، وبحث عن المبادئ التى قرأ عنها كثيرا، فتقدم إلى انتخابات اتحاد الطلبة بجامعة القاهرة، ونجح فى أن يقتنص منصب رئيس الاتحاد، 1986، وسعى إلى تنشيط الحركة الطلابية واستعادة مجدها فى السبعينيات، دعا إلى الخروج فى مظاهرات للمطالبة بتحسين الأوضاع الداخلية، والتضامن مع القضية الفلسطينية. الشاب الإخوانى لم يتوقف نشاطه عند الجامعة، وبعد تخرجه فيها سعى إلى المشاركة فى الحركة الوطنية المصرية، حتى منتصف التسعينيات، انشق مع مجموعة كبيرة من رفاقه عن جماعة الإخوان المسلمين، وبدؤوا فى تأسيس حزب الوسط، واجتمع مع عدد من زملائه فى 1995 واتفقوا على أن يكون الحزب الجديد وسطيا وقائما على المرجعية الإسلامية تحت اسم حزب الوسط، وتقدموا بأوراق الحزب إلى لجنة شؤون الأحزاب، وكان أول رفض له فى 1996، وذهب سلطان ورفاقه إلى المحكمة وطعن على القرار، وساق عددا من المبررات التى تثبت خطأ اللجنة، إلا أن المحكمة قضت هى الأخرى «برفض تأسيس الحزب عام 1998»، الإصرار إحدى سمات سلطان، فأعادوا تقديم أوراق الحزب مرة أخرى، لكن باسم حزب الوسط المصرى، لكن الأوراق رفضت للمرة الثانية، وفى عام 2004 توجه من جديد إلى اللجنة بأوراق تأسيس الحزب، وكان الرفض هو قرارها، ولم يعد هناك سوى طريق القضاء الذى ظل ينظر القضية حتى أصدر حكمه بقبول تأسيس الحزب، وللمفارقة أن الحكم صدر بعد تنحى مبارك بتسعة أيام فقط. لينهى قصة حزب حاول أن يبحث له عن شرعية لمدة 15 عاما. فى يوليو 2004 كان سلطان أحد الحضور فى منزل المهندس أبو العلا ماضى، لتأسيس حركة «كفاية»، ورفعت شعار «لا للتمديد ولا للتوريث»، وكانت أولى الحركات السياسية التى تعلن معارضتها لحكم مبارك نفسه لا لحكومته، وبعد هذا اللقاء بأربع سنوات تقريبا كان سلطان يحضر اجتماعا آخر، هذه المرة كان فى منزل المدير السابق لوكالة الطاقة الذرية محمد البرادعى، بل كان هو دون غيره يصوغ البيان الأول لتأسيس الجمعية الوطنية للتغيير، ولخص مطالب المصريين فى المطالب السبعة التى رفعتها الجمعية منذ اليوم الأول لها. وكان سلطان واحدا من المحرضين على الثورة، وطالب بالتظاهر يوم 25 يناير لوقف عمليات التعذيب الذى أصبح ممنهجا داخل السجون وأقسام الشرطة المصرية، وللاحتجاج على الأوضاع المعيشية التى تزداد سوءا كل يوم. صباح يوم 25 كان يهتف مع مجموعة أخرى أمام دار القضاء العالى يطالبون بتحسين الأوضاع، «كنت مع أبو العلا ماضى، وجمال زهران، ومحمد البلتاجى أمام دار القضاء العالى، وأمامنا جيش أمن مركزى». يقول عصام سلطان، الذى لم يمل من الوقفة، ف«مع العصر بدأت بشائر الأمل تلوح»، الأعداد تتزايد، والأمن المركزى مرتبك، «بدأنا بعمل مسيرة فى شارع 26 يوليو، وعدنا إلى شارع رمسيس فأغلقوا الشارع علينا»، يحكى سلطان، ويضيف «وجدنا مسيرات ضخمة من العباسية وبولاق أبو العلا تتجه نحونا وسرنا معهم حتى وصلنا إلى ميدان التحرير، وكانت ثورة عظيمة»، وهى لم تكتمل بعد، حسب سلطان «الجزء الأكبر منها تم إنجازه، وباقٍ جزء آخر، لكن إذا حدث تباطؤ فى تنفيذه، فمن الممكن أن يقضى هذا الجزء الصغير على ما تم إنجازه بالفعل»، وينقل النائب الجديد فى مجلس الشعب نبض الشارع، «هناك حالة من الاحتقان السياسى، والضغوط الاقتصادية وعدد من مطالب الثورة لم يتم تحقيقها حتى الآن»، ولذلك يرى أنه «من الواجب أن يستكمل الشعب ثورته»، ويشترط «أن تكون بنفس منهج 25 يناير السابق.. سلمية». يختلف سلطان مع من يحلل بوجود شرعيتين فى مصر الآن «البرلمان والميدان»، لأنه «لولا الميدان ما كان أغلبية هؤلاء الأعضاء فى البرلمان الآن».
محمود الخضيرى
25 يناير
شارك فى المظاهرات بالإسكندرية بعد أن تعرف على دعوة النزول للتظاهر فى كل ميادين مصر معلنا رفضه ممارسات الشرطة
28 يناير
غادر الإسكندرية وصلى الجمعة فى مسجد الاستقامة وتعرض لعدد كبير من القنابل المسيلة للدموع
15 يوماً كاملة قضاها فى ميدان التحرير معتصماً وثورياً ينادى بالتغيير
كتب: عبد المجيد عبد العزيز
«شعرت فى السنة الأخيرة بأنى لا أستطيع أن أقوم بالعمل بالصورة التى تعودت عليها فى السنوات السابقة، وكان كثيرا ما يؤنبنى ضميرى ويرتجف القلم فى يدى خوفا من أن أقع فى خطأ يتسبب فى ضياع حق يحاسبنى الله عليه يوم القيامة».. كان هذا جزءا من أسباب استقالة المستشار محمود الخضيرى «قاضى الثورة» كما يلقبه ثوار ميدان التحرير، التى تقدم بها بعد 46 عاما من العمل داخل أروقة القضاء منها 20 سنة كاملة فى أرفع محاكم مصر، «محكمة النقض».
صرخة الخضيرى فى وجه الأوضاع قبل الثورة، جاءت بعدما أصيب الرجل بالإحباط واليأس من إصلاح أحوال القضاء وتحقيق استقلال كامل وحقيقى للسلطة القضائية، فقرر أن يترك المنصة، ويعود إلى صفوف الجماهير «محاميا» ضد الظلم والاستبداد، سعيا وراء تغيير حقيقى وشامل، لا يقتصر على القضاء فقط، وإنما يشمل كل ربوع مصر.
الاستقالة، لم تكن مفاجأة بالنسبة إلى نظام مبارك، فقد كان الخضيرى -الذى قضى أكثر من ثلاث سنوات رئيسا لنادى قضاة الإسكندرية- أول من اتهم الرئيس المخلوع شخصيا بالضلوع فى تزوير الانتخابات التى أشرف عليها القضاة، وقاد مظاهرات القضاة المطالبة باستقلال القضاء، التى كانت إحدى أهم المفاجآت التى أربكت مبارك ونظامه، وكشفت للعالم إلى أى مدى استشرى الفساد فى مصر نتيجة الحكم السلطوى القمعى الذى ينتهجه مبارك، حتى كاد المواطنون يفقدون الثقة فى جدوى حصولهم على الأحكام القضائية نتيجة إصرار النظام على تجاهل تلك الأحكام كلما تعارضت مع مصالح رجاله.
قبل اندلاع ثورة يناير، كثف الرجل، من نشاطه العام، ونظم ثلاث حملات لكسر الحصار عن غزة، فى الوقت الذى كان يشارك فيه مبارك جنود الاحتلال الإسرائيلى فى قتل أطفال غزة نتيجة نقص الغذاء والدواء، بمنعه مرور المساعدات إليهم، بدعوى التزامه بالاتفاقيات الدولية وضرورة موافقة الاتحاد الأوروبى قبل فتح المعابر! كما شارك الخضيرى فى عديد من الحركات السياسية التى تدعو إلى مناهضة النظام الحاكم والمطالبة بضرورة سقوطه، وكان من أول الرموز الذين أسسوا الجمعية الوطنية للتغيير، التى ظهرت فى الحياة المصرية فور عودة الدكتور محمد البرادعى من الخارج عقب انتهاء فترة توليه منصب مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التى كانت من أهم أسباب تحريك المياه الراكدة، وكانت انطلاقة حقيقية لبدء نزول الجماهير إلى الشارع.
قاضى الثورة، وقبل أشهر من سقوط مبارك، خاض تجربة جريئة لا يقدم عليها إلا رجل يؤمن بمبادئه حتى النهاية ويستطيع أن يقدم فى سبيلها كل ما يملك، عندما تحدى بطش مبارك الذى كان قد وصل إلى ذروته، وتحدى جهاز أمن الدولة القمعى، ونظّم محاكمة شعبية للحزب الوطنى «المنحل»، كشف من خلالها مدى سيطرة رموز الحزب ورجاله برئاسة مبارك على مقاليد السلطة فى البلاد مخالفين كل القوانين واللوائح، دون أن يمتلكوا وازعا من ضمير يردعهم عن غيهم بعدما أسقطوا البلاد فى بحار من الفقر والاستبداد.. أمن الدولة كثف جهوده عقب انتهاء المحاكمة التى أحدثت صدى واسعا، حتى يمنع الجلسة الثانية منها، واستخدم فى ذلك كل الوسائل حتى إنه اضطر إلى منع تلك المحاكمة الشعبية بالقوة! الخضيرى لم يكن يعلم حينها، أنه سيشكل محاكمة شبيهة بعد الثورة، لمبارك، بعد تلكؤ المجلس العسكرى فى تقديم الرئيس المخلوع للمحاكمة، ويصدر حكما ضده بالإعدام، مهددا بالذهاب إلى شرم الشيخ، حيث يوجد المخلوع، وإلقاء القبض عليه باسم الثورة، مما دفع المجلس العسكرى إلى الإسراع فى تقديم مبارك فعليا للمحاكمة وأصدرت النيابة أمرا بإلقاء القبض عليه.
الخضيرى تعرف على دعوة النزول فى 25 يناير 2011 فى عيد الشرطة، للتظاهر ورفض ممارسات الشرطة القمعية، بعد انتشار عمليات القتل العمد للمعتقلين فى الأقسام والسجون، خصوصا بعد واقعة مقتل شهيد الطوارئ خالد سعيد والشاب السلفى سيد بلال على أيدى رجال أمن الدولة. الخضيرى كان حينها فى الإسكندرية -محل إقامته- وقرر -كعادته- المشاركة فى تلك المظاهرات، التى لم يكن أحد يتوقع لها أن تتحول إلى ثورة عارمة تسقط النظام بأكمله.
فى مساء يوم الثلاثاء، وبعد يوم تاريخى فى حياة المصريين، أيقن الخضيرى أنها لم تكن مظاهرة عادية، بل ثورة مشتعلة، انطلقت ولن يستطيع أحد الوقوف أمامها، ومع ظهور دعوات النزول ثانية يوم 28 يناير فى جمعة الغضب، قرر الخضيرى أن يتجه إلى قلب الثورة، إلى ميدان التحرير بالقاهرة.
قاضى الثورة، الذى يبلغ من العمر 70 عاما، نسى كل شىء، ووقف يواجه قوات الشرطة الباطشة كشاب فى ربيع العمر، يجرى من المدرعات التى كانت تدهس المتظاهرين، ولا يتراجع أمام قنابل الغاز المسيل للدموع، ويقبل على الجنود يحاول إقناعهم بالتوقف عن إطلاق الرصاص الخرطوش على إخوانهم، ويهتف مع الجماهير الغفيرة «الشعب يريد إسقاط النظام».
15 يوما كاملة، قضاها الخضيرى فى ميدان التحرير معتصما وثوريا، ينادى بالتغيير، كان وجوده يبث الأمل فى الشباب ويدفعهم إلى المواصلة، والاستمرار وعدم التراجع تحت أى ظرف، وفى مساء 11 فبراير، وعندما أيقن أن الملك قد سقط، لملم متعلقاته، وعاد إلى الإسكندرية ليستنشق هواء الحرية فى بلده، وقد أدى المهمة
بثينة كامل
25 يناير
شاركت فى المظاهرات أمام دار القضاء العالى ثم توجهت إلى ميدان رمسيس ومنه فى مسيرة إلى دوران شبرا ثم عادت للتحرير
28 يناير
خرجت فى المظاهرات فى ميدان مصطفى محمود ثم توجهت إلى كوبرى الجلاء ومنه إلى كوبرى قصر النيل قبل أن تتمكن أخيرا من دخول ميدان التحرير
أسهمت فى تأسيس حركة «شايفينكو» التى كانت تفضح كل الانتهاكات التى تحدث فى الانتخابات البرلمانية والرئاسية
كتب: عمرو بدر
«هناك جيل صاعد عنيد كانت لديه الشجاعة ليحلم بالثورة فى أحلك الأيام وأشدها ظلاما».. تلك كانت رؤيتها للجيل الجديد الذى يحلم بالثورة تماما كما تحلم هى إذا فازت بموقع رئيس الجمهورية -التى تنوى المنافسة عليه- بأن تحوّل مقرات أمن الدولة إلى مستشفيات ومدارس ومصانع.
الثورة بالحلم كان طريق النضال الذى تسير عليه الإعلامية الشهيرة والمرشحة المحتملة لموقع رئيس الجمهورية، وكان حلم بثينة، الإعلامية والمناضلة، يزداد اتساعا كلما حققت جزءا منه.. هذا الحلم الذى تختصره فى وطن حر وعادل لكل أبنائه، وطن يخلو من الفساد والاستبداد والقمع والاستغلال، وطن يحمل من الخير والجمال والحق والعدل نبراسا وراية وطن لا يفرّق بين الرجل والمرأة، وهى المساواة التى أكدتها بمواقفها وحركتها ونضالها.
بثينة الإعلامية التى كانت تطل على المشاهدين من تليفزيون الدولة الرسمى لسنوات لاقت اضطهادا كبيرا، نتيجة لمواقفها ورؤيتها وحلمها، ولكنها بدأت تعلن تفاصيل حلمها بشكل واضح وكبير مع عام 2005، وهو العام الذى بدأت فيه مصر تخرج بشكل واضح من «الفقص الحديدى» الذى وضعها فيه النظام الساقط، فأسهمت فى تأسيس حركة «شايفينكو»، وهى الحركة التى كانت تراقب -بل قل تفضح- كل الانتهاكات التى تحدث فى الانتخابات البرلمانية والرئاسية التى جرت فى نفس العام، ثم كان الدور الأهم والأكبر الذى لعبته بثينة كامل خلال سنوات ما قبل ثورة 25 يناير، وهو الدور الواضح الذى قررت أن تلعبه فى دعم «استقلال القضاء» و«حرية الإعلام» بداية من عام 2006، وكانت الصدفة تشير إلى أن هذا العام حمل غيوما ممطرة ضد الصحافة والقضاء على السواء.
حلم بثينة بدأ بعبارتين فى عام 2006 هما «حرية الصحافة واستقلال القضاء»، وكانت بثينة موجودة وداعمة ومؤازرة «للسلطتين» فى المعركتين الشهيرتين، التى كانت أولاهما معركة النظام الساقط ضد «تيار استقلال القضاء»، وهى المعركة التى خاضها قضاة مصر الشرفاء ضد النظام، من أجل استقلال السلطة القضائية ونزاهة الانتخابات، فقد كنت تلمح بثينة حاضرة فى كل المظاهرات تهتف وترفع علم مصر، وتساند وتوزع الأعلام والملصقات على الحاضرين فى تظاهرات دعم استقلال القضاء، وهى تؤمن فعليا أن فعلها هذا جزء رئيسى فى حلمها بوطن يحمل قيم العدل والحرية.
معركة استقلال القضاء التى خاضتها بثينة مع القضاة لم تنفصل عن معركتها من أجل حرية الصحافة، فقد كانت ناشطة وحاضرة بقوة فى كل المحن التى تعرضت لها الصحافة فى السنوات الأربع السابقة على الثورة، وكان وجودها فى «محاكمات الصحفيين»، وهى ترفع علم مصر وتدعو إلى حرية الكلمة والتعبير واضحا ومميزا ودائما بلا انقطاع. يضاف إلى هذا كتابتها المنتظمة ضد الاستبداد والقمع، لا سيما تلك المقالات السلسة والجميلة التى كانت تكتبها بجريدة «الدستور».
حلم بثينة ازداد اتساعا وتألقا بعد الثورة فلم يتوقف النضال لديها عند «حرية الصحافة واستقلال القضاء»، بل كان طبيعيا أن يكون هذا الحدث الاستثنائى الرائع -الثورة- زادا إضافيا للحلم، لذلك قررت أن تترشح لموقع الرئيس، ولأن الحلم «بمصر أجمل» هو الدافع الرئيسى لبثينة فى الترشح للانتخابات كانت مواقفها وآراؤها خلال الشهور الأخيرة «ثورية» بامتياز، وكانت انتقاداتها اللاذعة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى يحكم مصر واضحة وغير خجولة، ويبدو أن مواقفها «الثورية»، التى تخلو من الخوف قد بدأت تدفع ثمنها، بعدما تكررت الاعتداءات بالضرب عليها فى أكثر من مناسبة، ورغم ذلك لم تتردد بثينة ولم توقف تصريحاتها اللاذعة يوما، وهى التى كانت تتعرض لهذه الاعتداءات غالبا وهى تشارك «شباب الثورة» فى مظاهراتهم من أجل غد أفضل. هذا الغد الذى كان ولا يزال هو «الحلم» الذى ناضلت وتناضل من أجله «بثينة كامل».
عبد الحليم قنديل
25 يناير
شارك فى المظاهرات أمام دار القضاء العالى ثم تحرك إلى شبرا حيث شارك فى المظاهرات هناك وتوجه بعدها إلى ميدان التحرير لينضم إلى المعتصمين
28 يناير
عند مسجد الاستقامة حيث لم يستطع الدخول بسبب حصار قوات الأمن قبل أن يشارك فى المظاهرات ويتمكن مساء الجمعة من دخول ميدان التحرير
هو أول من طالب وبصراحة شديدة أن تتم محاكمة مبارك على جرائمه فى حق الشعب
كتب:محمد الشماع
كان دائما فى حالة نشاط فكرى وسياسى. عارض مبارك، وعصابته، بصدر عار. لم يمتلك إلا قلما، ومساحات بالسنتيمترات فى صحيفة، «العربى الناصرى». وغيرها من الصحف العربى. عن عبد الحليم قنديل نتحدث. أجرأ من وقف فى وجه مشروع التوريث. «والله لن يحكمنا جمال مبارك». كان المانشيت الأجرأ، ربما فى تاريخ صحيفة «الكرامة»، وقت رئاسته لتحريرها. كتب مقالا قال فيه: إن الشعب سيخرج بالملايين لرفض مشروع توريث الحكم، من مبارك لابنه جمال. ربما كان يضحك «المخلوع»، ويسخر، لكن نبوءة قنديل تحققت. رأس النظام البائد كان هدفه. كلفه ذلك الكثير من الإهانة، فى ظل نظام أمنى فاسد، كل واجبه الحفاظ على مشروع التوريث. لكنه صمد وصمم، على إسقاط النظام. آمن أن للشعب المصرى، حق الحرية. اختطفوه، وعذبوه معنويا وبدنيا. تركوه فى الصحراء. ليس هذا مشهدا فى فيلم عربى، إنه واقع وحدث مع قنديل. لم ينكسر. فالجانى كان دولة أمن الدولة «المنحلة» الساقطة، والتى لم تتورع فى ملاحقة كل الأصوات الرافضة لمشروع تولية «جمال مبارك» منصب أبيه، من بعده. لاحقوه فى الصحف «تضييقا وحصارا». لم يكن يمتلك إلا قلمه، يقتات منه لقمة عيشه. لعله يوم 11 فبراير الماضى، كان أكثر السعداء برحيل نظام مبارك. هو أول من طالب وبصراحة شديدة فى مقال له بعنوان «لوجه الوطن»، أن تتم محاكمة مبارك على جرائمه فى حق الشعب. ليس هذا بعد ثورة يناير، بل قبلها. تحدى جمال مبارك، وقت أن كان وريثا، أن يقدم إقرار ذمته المالية. أى قلب تضعه فى صدرك. كان المنسق العام الثالث، لحركة كفاية، بعد جورج إسحق، والراحل عبد الوهاب المسيرى. ربما يكون أحد القلائل الذين دعوا إلى التظاهرة الحاشدة فى ميدان التحرير، يوم 25 يناير، كوسيلة للضغط من أجل تحقيق التغيير. ربما لم يتوقع كثيرون من دعاة التغيير، أنفسهم، أن تنجح الدعوة. قالوا فى أنفسهم، «ربما لا يتعدى الأمر، مظاهرات «كفاية» على سلالم نقابتى الصحفيين، والمحامين». لكنها نجحت. جاء من المنصورة إلى القاهرة. «صيدلانى» بالدراسة، شاعر بالهواية. هجر الاثنين، وامتهن الصحافة. قلمه يشعرك أنه «صحفى» بالفطرة. كان من أهم مؤسسى حركة كفاية، وصاحب الدعوة لائتلاف «المصريين من أجل التغيير»، وأحد أهم مؤسسيه، كما كان صاحب صياغة بيانه التأسيسى، الذى وقع عليه الكثير من الشخصيات العامة والمناضلين السياسيين، والكثير من الفئات العمالية والشبابية والقيادات النقابية. اعتقل قنديل، صباح يوم «15 مايو» فى العام «2010»، وقت وصوله إلى مطار الملكة علياء الدولى فى العاصمة الأردنية، عمان، للمشاركة فى فاعليات ينظمها مجمع النقابات المهنية الأردنية، إحياء للذكرى ال62 لنكبة الشعب الفلسطينى. ولم تقدم الأردن وقتها سببا واضحا لاعتقاله، أو للإفراج عنه، بعد يوم واحد. شارك قنديل فى كل أيام الغضب. قبل الثورة وبعدها. وقف بين الثوار، يوم 25 يناير، ليطالب برأس النظام. هتف مع الهاتفين فى ميدان التحرير «الشعب يريد إسقاط النظام». فى مِحَنه الشديدة، دافع عنه من دافع، وانفض من حوله من انفض. وظل هو شامخا. قبل الثورة بساعات، وتحديدا فى مساء يوم الأحد 23 يناير 2011، كان طرفا مباشرا فى اختبار أخير لموقف الإخوان، حضر اجتماعا سريا فى مكتب المحامى علاء عبد المنعم. وحضر الاجتماع، حمدين صباحى، وأيمن نور، وعبد العظيم المغربى، وسعد عبود، والقيادى الإخوانى محمد البلتاجى. كلفوه وقتها بصياغة بيان تأييد ومشاركة فى مظاهرات 25 يناير، وبعد صياغته البيان، لم يعترض أحد سوى محمد البلتاجى. كان مطلب الإخوان وقتها، يقتصر على حل مجلسى الشعب والشورى، أما ما دون ذلك. فيتحمل قنديل ورفاقه تبعاته.
يرى أن الإسلاميين التحقوا بالثورة، وبطريقة متباطئة وبراجماتية. فكانت «كفاية»، وأخواتها، من حركات وجماعات الضغط السياسية، من دعاة الثورة. توقع قنديل نتائج الانتخابات البرلمانية. قال إن التيار الإسلامى سيحقق فوزا مؤكدا، لكن السؤال الذى حيره، هو هل يكون هذا الفوز «البرلمانى»، هو فوز بالثورة، أم خسارتها. يرى أنه خلال السنوات العشر الأخيرة، التى سبقت خلع مبارك، كانت الجماعة قد انشغلت فى عمليات العنف الدموى، لتظل فى حالة إنهاك متبادل مع جهاز أمن الدولة.
فى يوم 28 يناير 2011، كتب قنديل، مقالا فى مجلة «القدس العربى»، بعنوان، «يوم نهاية الديكتاتور»، قالها ولم يكن مبارك، قد خرج من السلطة، لكنه قال فى نهاية المقال، إن «يوم نهاية الديكتاتور المصرى أقرب للعين من طرف الإصبع المرفوع كعلامة للنصر».

نادر السيد
25 يناير
لم يكن قد نزل ميدان التحرير بعد حيث كان فى منزله يتابع أخبار المظاهرات التى انطلقت فى كل ميادين مصر
28 يناير
لم يفارق ميدان التحرير منذ يوم 26 يناير وفى جمعة الغضب أدى صلاة الجمعة فى الميدان حيث انضم إلى المتظاهرين يهتف معهم ضد النظام
الثورة كانت شيئا انتظره منذ وقت طويل.. وهو نموذج «نادر» فى الوسط الرياضى
كتب:محمد توفيق
كان له من اسمه نصيب..
فهو نموذج «نادر» فى الوسط الرياضى الذى لا يعرف الوسطية، فإما مع مبارك قبل الثورة وإما مع الإخوان بعدها!
لكن نادر السيد حافظ دائما على أن يكون وسطيا، فعندما لعب فى الزمالك أحبه جمهور الأهلى، وعندما ذهب إلى الأهلى هتف له جمهور الزمالك ولم يهتف ضده مثلما يحدث دائما عندما ينتقل نجم أحد القطبين الكبيرين إلى الآخر.
شعبية نادر السيد الكبيرة كانت يمكن أن تجعله قريبا إلى جماعة الإخوان المسلمين وأن يصبح عضوا فى حزب الحرية والعدالة، خصوصا أنه معروف بتدينه وأخلاقه العالية طوال حياته الرياضية لكنه بعد الثورة قرر أن ينضم إلى حزب الوسط وبرر ذلك بقوله «كنت أرغب فى الانضمام إلى حزب سياسى لا إلى حركة دينية»، منتقدا الإخوان المسلمين والسلفيين لأنهم يخلطون الدين بالسياسة.
اختيار نادر السيد حزب الوسط يعكس منهجه فى التفكير، فهو لم يلهث خلف الفائز ولم يبحث عن فوز سهل، لكنه أراد أن يكون مع الوسط وهذا هو منهجه فى كل شىء، لذلك لم يخسر أحدا من المختلفين معه طوال مسيرته الرياضية أو حتى بعدما اتجه إلى السياسة رغم مواقفه الواضحة، وعندما سُئل عن سبب انضمامه إلى حزب الوسط الإسلامى المعتدل قال «كنت أبحث عن حزب يحمل روح الثورة».
نادر نموذج استثنائى فى كل شىء، فهو نموذج للرياضى الذى نحب أن نراه فى مجلس الشعب بعد الثورة، فلم يكن عضوا بالحزب الوطنى ولا قريبا من لجنة سياساته مثل أغلب رفاق الملاعب الذين اتجهوا إلى العمل السياسى قبل الثورة عبر بوابة نجل الرئيس السابق، لكنه كان قبل قيام ثورة 25 يناير يهتم بالعمل التطوعى ويشترك فى أعمال الخير، بل إنه عندما كان لاعبا محترفا فى الدورى البلجيكى قام ببناء مسجد هناك ليكون منارة للإسلام فى بلجيكا.
لذلك عندما قامت الثورة كان مؤيدا لها من اليوم الأول وطوال أيام الثورة كان فى ميدان التحرير على عكس رفاقه من لاعبى الكرة والمدربين الذين ذهبوا إلى ميدان مصطفى محمود لتأييد الرئيس المخلوع، والوقوف بجانبه ضد إرادة الشعب وبعضهم ذهب إلى مصطفى محمود لا لنفاق الرئيس، ولكن جهلا بما يحدث فى ميدان التحرير وكل ميادين مصر التى ثارت ضد الظلم والطغيان.
وبعد نجاح الثورة قال كابتن نادر -كما يناديه مشجعو الكرة- فى مقابلة أجرتها معه وكالة «فرانس برس» «قمنا بثورة شعبية والآن نحن بحاجة إلى ثورة سياسية، ويجب أن تكون هناك مشاركة سياسية بلا إرهاب فكرى أو دينى أو اقتصادى، فأنا أرغب فى دولة مدنية، دولة قانون تقوم على المواطنة، وبرنامج حزب الوسط مدنى لكن بمرجعية إسلامية».
لم يهتم نادر السيد حارس المرمى السابق للمنتخب المصرى لكرة القدم، بالسياسة يوما، لكنه بعد أن انضم إلى شباب الثورة فى ميدان التحرير فى العام الماضى للمطالبة برحيل حسنى مبارك، قرر أن يتجه إلى العمل السياسى، ودخل نادر الذى لم يكمل عامه الأربعين منافسة فى دائرة الدقى للفوز بمقعد فى أول برلمان بعد ثورة يناير، وعن سبب دخول انتخابات مجلس الشعب قال «الثورة كانت شيئا انتظرته منذ وقت طويل، ولم أفكر مطلقا فى العمل السياسى قبل أن أنضم إلى شباب الثورة فى ميدان التحرير».
تعوّد نادر طوال مسيرته كلاعب دولى كبير وحارس مرمى لمنتخب مصر أن يظل يرفعه الجمهور فوق الأعناق بعد كل مباراة مهمة ومصيرية، لكن صورته وهو فى ميدان التحرير فى الأيام الأولى للثورة محمولا على الأعناق وفى يده علم مصر وهو يهتف بأعلى صوت «الشعب يريد إسقاط النظام» جعلته يكتسب سمعة جديدة ورصيدا جديدا يضاف إلى رصيده الشعبى.
الفرق بين نادر وزملائه ليس فقط فى انتمائه إلى الثورة وإخلاصه لمبادئه، لكن الفرق الجوهرى يكمن فى وعيه بمجتمعه وبقضايا بلده وباهتمامات شعبه، علاوة على أنه يعى جيدا أن النظام السابق كان يستخدم كرة القدم لإلهاء الناس، وإبعادهم عن السياسة وتقديم الإنجازات الكروية على أنها إنجازات للنظام السياسى لذلك يقول نادر السيد «النظام القديم استخدم كرة القدم كثيرا، لكن الرياضة يجب أن تبقى بعيدا عن السياسة فقد حان الوقت لتطهير الوسط الرياضى والبلد كله
هبة رؤؤف عزت
لم تكن هبة مجرد زائر للميدان يبتغى التقاط صورة خلف دبابة بل كانت هناك دوما شاهدة عيان تحكى بالصدق المعروف عنها عن وقائع الميدان
كانت فى قلب الحدث بميدان التحرير حيث يوجد منزلها الذى يطل على الميدان والذى فتحته لكل المتظاهرين
العديد من فتيات الثورة قضين ال18 يوما فى منزلها
مقاتلة عنيدة، لم يعرف عنها أبدا مهادنة الوقت أو التهاون معه، أطلقوا على دفعتها فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية دفعة «هبة رؤوف»، ومن يومها كان لديها مشروع إنسانى إسلامى وسطى، حاولت صياغته عبر موقع «إسلام أون لاين» لسنوات طويلة رغم قمع الاستبداد وشراسة نظام مبارك، بينما سعت طوال نشاطها الأكاديمى لمواجهة التخلف وأحادى الرؤى ودعاة التطرف، حتى أفردت لها مستشرقة إيطالية فصلا فى كتاب لها عن العرب، الذين لا تعرفهم أوروبا، بوصفها وجها إسلاميا مقاوما معتدلا وذكيا. هبة رؤوف عزت، أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة، عاشت أجواء 25 يناير الماضى فى قلب الحدث، ميدان التحرير، إذ كانت هناك منذ اللحظة الأولى لاندلاع شرارة ثورة طال انتظارها لوضع حد للظلم والقمع والفساد والغبن. كانت تحركها عواطف جمة إزاء وطن متعب وواهن وشائخ، وهى صاحبة الرؤية الطازجة دوما لوطن يقوم على المساواة والعدالة والحرية.
غير بعيد عن الميدان وعلى بعد خطوات من المتحف المصرى فتحت هبة رؤوف أبواب بيتها للثوار، ليستريحوا من عناء المواجهات مع قوات غاشمة سعت إلى الحفاظ على مصالحها لا مصالح وطن يئن. وتحكى فتيات الثورة عن هبة رؤوف الأم التى لفتهن جميعا بكرمها وبشاشتها وتفانيها فى خدمتهن، كن يبتن عندها طوال 18 يوما عاشها الميدان الثائر على مبارك ونظامه الجائر.
وما بين الأم التى انتظرت يوم الخلاص من الاستبداد ودولة البوليس طمعا فى مستقبل محترم لأبنائها وصاحبة المشروع التنويرى الذى بح به صوتها سنوات طوال فى ردهات وأروقة الجامعات والمنتديات الدولية، عاشت هبة أيام الثورة وما بعدها يدفعها الأمل تارة نحو التفاؤل بتحقيق الحلم الذى ناضل الشباب من أجله، ويجنح بها الخوف تارة أخرى من نزق بعض الثوار وعبثية المشهد الذى قد يودى بجلال اللحظة التى ثار فيها المصريون.
فتحت بيتها للمصريين ومعها كوكبة من النشطاء المخلصين المؤمنين بحق هذا الوطن فى العيش بكرامة وحرية، وكانت هناك منذ 25 يناير يوما بيوم وساعة بساعة بحماس الباحث عن الحرية، وعزيمة المؤمن بحق بلده فى الكرامة، وقوة الإرادة المعروفة عنها لتبديد حلقات الوهم والكذب الذى صنعه إعلام مبارك. لم تكن هبة مجرد زائر للميدان يبتغى التقاط صورة خلف دبابة، بل كانت هناك دوما شاهدة عيان تحكى بالصدق المعروف عنها عن وقائع الميدان فى أيامه المشهودة، دافعت عن الجيش وقواته يوم أن رأت المؤامرات تحاك ضده من فلول النظام السابق أيام المليونيات الشهيرة التى تبعت رحيل مبارك فى شهرى مارس وأبريل الماضيين، ولم تخف قناعاتها بأخطاء بعض الثوار فى ثورة اجتازت وتجتاز وستجتاز مراحل صعبة وخطرة، لكنها فى المقابل لم تتوان عن التأكيد أن قوات الأمن فى الشارع «ليست سياسة قضاء على اعتصام وإنهاء وحسم معركة، بل إن هذا المشهد متكرر منذ التنحى بصيغ مختلفة»، لتؤكد أن الأحداث الحالية تشير إلى أن المنطق الأمنى لا يبحث عن حسم، وأن «استمرار دورة العنف مقصود»، ويتسبب بشكل عمدى فى تبديد هيبة الجيش والأمن والدولة.
هبة الحاصلة على دكتوراه الفلسفة فى «المواطنة وتطور المفهوم فى الفكر الليبرالى» رأت دوما فى نظام مبارك افتراسية الدولة وتآكلها بسبب الفساد الكبير الذى ملأ قطاعاتها، داعية إلى إعادة «بث القيم والفضائل المدنية والإحساس بالقانون».
لكن رغم الارتباك الحاصل فى المشهد المضطرب أصلا تثق رؤوف بالتيار الإسلامى ومكوناته وقدرته على تجاوز أزمته الداخلية ومن ثم التزامه بقواعد اللعبة الديمقراطية وإطلاق مشروعه، بعيدا عن دعاوى الإقصاء والإقصاء المناوئ من دعاة وثيقة السلمى وقطع الطرق على الإسلاميين شكا فى نواياهم، لكنها لا تمل من تكرار الحديث عن أزمة الذاكرة التى تضرب المجتمع المصرى، حيث يتعامل كل فصيل فيه مع التاريخ على نحو إقصائى مختزل، عندما همشت الناصرية التاريخ الإسلامى لصالح القومية العربية والفكر الاشتراكى، وحينما يهمش الإسلاميون تاريخ مصر الفرعونى والقبطى والتحدث فقط عن «أمة إسلامية واحدة»، بينما انتقى اليسار تواريخ أخرى يعتبرها الذاكرة الوطنية، ليتحول الوطن بحسب الناشطة والباحثة السياسية والثورية إلى نظام جديد من الفصل العنصرى يمارسه الجميع ضد الجميع، لكن تظل الثورة بالنسبة إلى هبة أمل الخلاص ودعوة الحرية والعدالة الاجتماعية فى فصولها المقبلة
عمرو واكد
ما زال عمرو واكد يشارك فى مظاهرات التحرير وما زال يحمل كاميرته ويلتقط الصور ويقوم بنشرها على نطاق واسع بقدر المستطاع
شارك فى المظاهرات بشبرا قبل أن يعلم بخبر القبض على شقيقه بعد أن تعرض للضرب من قوات الشرطة فى أثناء توجهه إلى ميدان التحرير
شارك فى مسيرة من ميدان مصطفى محمود ومنها إلى كوبرى قصر النيل حيث شارك فى المعركة الشهيرة قبل أن يتمكن من دخول ميدان التحرير
تحول من نجم سينمائى إلى ناشط سياسى خلال 18 يوماً قضاها فى الميدان
كتبت- عبير عبد الوهاب:
قبيل اندلاع الثورة بأيام طلب من زوجته الفرنسية أن تسافر إلى بلدها لكى يخوض معركته بطولُه «بضم اللام» ويتفرغ لها بكل قوته، فغدا تبدأ الحكاية التى ستنتهى بأحد خيارين لا ثالث لهما: «يا قاتل يا مقتول» وفى كلتا الحالتين سيكون الاختيار مشرّفا وبطوليا «هذه المرة بكسر اللام».
نام ليلته وهو يفكر فى الغد من أين يبدأ؟ وكيف سينتهى؟ هل ستنجح الحكاية أم ستنتهى عند كونها مجموعة من المظاهرات، وآخر النهار كله يروّح بيته، وخلصت على كده؟
فى الصباح الباكر خرج عمرو واكد من منزله حاملا الكاميرا، متجها نحو منطقة شبرا الخيمة، اتصل بشقيقه محمد ليطمئن عليه فأخبره بأنه نزل ليشارك فى مظاهرات 25 يناير، كانت وقتها مجموعة من المظاهرات، لم يعلم أحد الحجم الحقيقى للحدوتة إلا بعد مرور يوم كامل على الانفجار، بعد ساعات علم بخبر القبض على شقيقه، سارع لنشر الخبر بقدر المستطاع، ليس من أجل محمد، ولكن من أجل كل الشباب الذين تم القبض عليهم بتهمة الخروج فى مظاهرات سلمية!
وصل واكد شبرا الخيمة وبدأ يعلو هتافه منددا بالنظام، مطالبا بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وغيرها من المطالب التى تضمن للمواطن المصرى حياة عادلة على طريقة المواطنين الأحرار، وليست حياة عادلية على طريقة حبيب العادلى وأعوانه، بعد ساعات من الهتاف «يرى فيه قوة سحرية قادرة على التغيير» وصل الشارع الرئيسى وفيه تعرض للضرب مع المتظاهرين على أيدى قوات الشرطة، بالطبع الضرب لم يكن فردانى كده، فقد كان مطعما بالسحل والشتائم والإهانات بمختلف ألوانها وأشكالها، ومن شبرا إلى ميدان التحرير لم يتوقف الهتاف بل ازداد الحماس اشتعالا.
فى صباح جمعة الغضب بدأ عمرو يومه بمسيرة سلمية انطلقت من ميدان مصطفى محمود إلى التحرير، ومنها إلى كوبرى قصر النيل، ليكون شاهدا على المجزرة التى وصفها واكد بأنها كانت وما زالت «أسوأ يوم شافه فى حياته». تعرض للضرب ولم تمنعه خراطيم المياه من استكمال صلاة الجمعة فى ذلك اليوم الذى زاده غضبا وإصرارا على المواصلة حتى النهاية، فى اليوم التالى «السبت 29 يناير» وبعد أن عادت الاتصالات، كانت لى معه مكالمة ما زلت أتذكر تفاصيلها جيدا، فقد أصابنى التوتر الشديد فى اليوم السابق بعد مجزرة كوبرى قصر النيل، ولم ينقطع بكائى عندما علمت بخبر وفاة سالى زهران بهذه الطريقة غير الآدمية، وجدته يعاتبنى على رد فعلى متسائلا: «انتى مش بتنزلى وتهتفى؟! يبقى مش انتى اللى تعيطى»، كانت كلماته بمثابة طاقة جديدة لإعادة شحن بطاريتى التى قاربت على النفاد، وبمثابة طاقة متفجرة لكل من قابله فى ميدان التحرير فى ذلك اليوم وحتى يوم التنحى.
ربما لم يكن لعمرو واكد نشاط سياسى واضح قبل الثورة، رغم اهتمامه الدائم بالقضية الفلسطينية، وغيرها من القضايا العربية التى كان يحمل واكد همّها وهمّ التغيير والقدرة عليه بتكرار المحاولات، كان يحاول أن يوجد برأيه، سواء بتصريحاته أو باختياراته الفنية التى لم تخل من وجهة نظره الثورية منذ اليوم الأول لظهوره، البعض تخيّل أنه فلسطينى لإجادته دور «جهاد» الشاب الفلسطينى الذى يقوم بتفجير نفسه فى نهاية فيلم «أصحاب ولا بيزنس»، فكان رد عمرو واكد أنه فلسطينى القلب، مصرى الجنسية، بعدها لم تخل أفلامه من وجهة النظر التى ظلت بداخله حتى جاءته الفرصة للتعبير عنها بحرية فى الخامس والعشرين من يناير، وهى الفرصة التى رفض أن يضيّعها، لأنه كان يؤمن بأن الفرصة لا تأتى إلا لمن يستحقها.
18 يوما تحول فيها من نجم سينمائى إلى ناشط سياسى، من الصعب أن تفرّق بينه وبين أى شاب معتصم فى الميدان، إلا لو دققت النظر فى ملامحه وسط الزحام لتكتشف إن اللى واقف بيسعفك وبيقوّيك وبيقولك «قوم اقف إنت قدها وقدود» أو «اجْمد يا بطل» هو الفنان عمرو واكد، الذى لم يلتفت كثيرا إلى التهديدات التى تلقاها مثل غيره من الفنانين، ممن شاركوا فى الثورة منذ بدايتها، فقد كان لديه هدف أهم بكثير، كان يرى ملامحه جيدا، ويؤمن بأن هذه الملامح ستتضح قريبا لمن لا يراها بوضوح حاليا.
كان لديه الكثير ليفقده من نجومية ونجاحات وبطولات، والأهم ذلك الأمل بتحقيق المزيد من النجاحات الفنية، لم يخش زوال كل ذلك، فقد كان مشغولا بتحقيق حلمه الذى لم يتوقف عن السعى وراءه، حتى بعد مرور عام كامل من يومها وحتى الآن.
ما زال عمرو واكد يشارك فى مظاهرات التحرير وما زال يحمل كاميرته ويلتقط الصور ويقوم بنشرها على نطاق واسع بقدر المستطاع، ما زال يفضّل تجمعات الناس العاديين عن تجمعات الفنانين، ما زال يضخ الحماس فى نفوس المتظاهرين، لم ينقطع شعوره بالتفاؤل يوما، رغم القلق أحيانا والغضب فى أحيان أخرى، ما زال عمرو واكد من يومها يهتف رغم تغير الهتاف من: «يسقط يسقط حسنى مبارك» إلى «يسقط يسقط حكم العسكر».
وأغلب الظن أنه لن يتوقف عن الهتاف مرة أخرى إلا بعد أن تتحقق الحرية.. الكرامة.. والعدالة الاجتماعية
وغدا .. 25 شابا في 25 يناير
حرَّكوا..غيَّروا.. ثاروا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.