كانت مصر على وشك الانفجار الدينى مرتين، الأولى فى نهاية عهد السادات وتحديدا عامى 1980 و1981، والمرة الثانية فى نهاية عهد مبارك وتحديدا عام 2010. طبعا لم تختفِ التوترات الدينية والطائفية فى مصر حتى فى أزهى سنوات التوحد والتوافق الوطنى بما فى ذلك الحقبة شبه الليبرالية بعد ثورة 1919. كانت مصر على وشك الانفجار الدينى والطائفى بسبب تلاعب الحكام بقضية الدين والسعى لتوظيفه لحسابات سياسية، فالسادات الذى جاء إلى السلطة بعد عبد الناصر، كان فاقدا للقبول العام مقارنة بزعيم تمتع بالكاريزما، وواجه السادات حركات وجماعات ناصرية ويسارية فى الجامعات المصرية فقرر التحالف مع التيار الدينى لضرب هذين التيارين، فأخرج قادة وكوادر جماعة الإخوان من السجون وسمح لمن فى الخليج بالعودة، وشكل الجماعة الإسلامية وأمدها بالمال والسلاح، وغالى فى استخدام الشعارات الدينية، وأعلن عام 1977 عن تطبيق الشريعة الإسلامية بالكامل، توترت علاقاته بالكنيسة المصرية، فهاجمها بضراوة، وتعاونت أجهزته الأمنية مع الجماعات فى إثارة فتن طائفية للضغط على الكنيسة، وتصاعد الاحتقان وتعددت الحوادث الطائفية وصولا إلى أحداث الزاوية الحمراء بالقاهرة وبدت البلاد على شفا الانفجار الدينى. واغتالت الجماعات الإسلامية السادات فى السادس من أكتوبر 1981، وكان الاغتيال بمثابة طاقة هدَّأت من التوتر الطائفى والاحتقان الدينى الشديد ونجحت مصر انفجار دينى كان متوقعا. لم يتعلم مبارك الدرس مما جرى مع السادات، صحيح أنه لم يلعب بورقة الدين، ولم يوظّف الدين فى اللعبة السياسية، لكنه فى الوقت نفسه لم يفعل شيئا فى مواجهة سيطرة التيار الدينى على قطاع التعليم والمحليات، بل إنه فى مراحل تالية بدأ يوظّف التيار الدينى فى إخافة الأقباط حتى يسلّموا بما يريد ويصبحوا قاة للنظام بصرف النظر عن سياساته، كما وظَّف الجماعة فى توصيل رسالة إلى الغرب تقول إن الجماعة هى البديل الوحيد لنظامه، فإذا ما رحل أو سقط فسوف تقفز الجماعة على السلطة وتتبنى سياسات متشددة متطرفة تجاه الغرب وإسرائيل. ومرة ثانية سارت أجهزة مبارك الأمنية على درب سلفه السادات وبدأت توظّف التوترات الطائفية لحسابات سياسية، واستمرت عمليات ضخ التطرف والتشدد وبدا النظام كأنه أكثر تطرفا من الجماعات (أخذ يتاجر بقضايا دينية مثل الرسوم الكارتونية الدنماركية)، ومع تدهور أوضاع الفئات الضعيفة فى المجتمع تصاعد التطرف والتشدد وتواترت الأحداث الطائفية وكان العام 2010 هو الأكثر توترا ودموية فى سنوات حكم مبارك فقد بدأ العام بجريمة نجع حمادى وانتهى بجريمة كنيسة «القديسين» بالإسكندرية، ومرة ثانية أصبحت البلاد على شفا الانفجار الدينى، وجاءت ثورة الخامس والعشرين من يناير لتوجد طاقة لطَّفت من حالة الاحتقان، بل قدمت نموذجا جديدا من التوافق الوطنى لم يتحقق منذ التهاب ثورة 1919، وقدمت الأجيال الشابة المصرية تجارب عملية رائعة فى تجاوز خطوط الانقسام الدينى. بعد سقوط نظام مبارك سعى التيار الدينى الذى انتشر فى الساحة وهيمن عليها لإعادة إنتاج خطوط الانقسام الدينى، فقد هاله أن يرى الشباب القبطى يقف بجوار المسلم، أفزعته حالة التوافق الوطنى، فسعى بكل قوة لترتيب حوادث طائفية واعتداءات على كنائس وأديرة لدفع الأقباط إلى الخروج عن الإطار الوطنى، وهو ما لم يحدث، فقد مرَّت فترة حكم المجلس العسكرى دون انفجار طائفى رغم الثمن الباهظ الذى دفعه الأقباط (حرق كنائس وهدمها، جريمة ماسبيرو والمقطم). صعد تيار الإسلام السياسى إلى السلطة بالسيطرة على البرلمان ثم الفوز بمنصب الرئيس وهنا بدأ فى تطبيق مخطط دفع الأقباط إلى خارج العمل العام، فرتَّب عشرات الجرائم والاعتداءات التى وصلت إلى الاعتداء على المقر البابوى بالعباسية لأول مرة فى العصر الحديث. تصاعد العنف الطائفى لكن مصر لم تكن على شفا الانفجار الدينى أو الطائفى، فالتوتر كان صناعة جماعة ولم تستجب له غالبية المصريين، وجاءت ثورة الثلاثين من يونيو لتطيح بحكم المرشد والجماعة، وهنا انفجر عنف الجماعة ورفاقها ضد مؤسسات الدولة المصرية والأقباط أيضا فشهدنا حرق ونهب أكثر من مئة كنيسة ودير تاريخى، والاعتداء على ممتلكات الأقباط وترويعهم، جرى كل ذلك دون أن يحمّل الأقباط مسؤولية ما يجرى للمسلمين أو الثورة، بل حمّلوا المسؤولية للجماعة ورفاقها. نجحت ثورة 30 يونيو وبدأت فى تطبيق خارطة المستقبل، وهنا بدأت الجماعة فى زياة معدلات العنف والإرهاب لتعطيل الاستفتاء على الدستور أو منع الأقباط من المشاركة فى التصويت، وذلك عبر تكثيف الاعتداءات الطائفية ودفع الأقباط إلى الشعور بعدم الأمان ومن ثم السخط على النظام، أو القيام بعمليات استعراض قوة وتهديد الأقباط بالاستهداف فى حال المشاركة فى الاستفتاء على دستور مصر الجديد. لكل ذلك لا بد من الانتباه جيدا إلى مخططات الجماعة الهادفة إلى تفجير عنف طائفى هذه الأيام لتخفيض المشاركة الشعبية فى الاستفتاء على الدستور بشتى السبل، انتبِهوا جيدا إلى هذه المخططات، والتنبه هنا موجَّه إلى الأقباط وأجهزة الدولة وكل المصريين.