تحت عنوان «ما لا يجب أن تفعله عندما تُعوِّم العُملة: دروسٍ لمصر»، نشرت وكالة بلومبيرج الأمريكية تقريرًا قالت فيه، إنّه إذا كان لمصر أن تتعلم أي شيء من الأسواق الناشئة التي تخلّت عن السيطرة على عملاتها، فهو أن الأسلوب المتردد محكومٌ عليه بالفشل. وتابعت الوكالة، في تقريرها الذي نشرته على موقعها الإلكتروني اليوم الجمعة، «أصبحت مصر أحدث الدول النامية، تُعلِن عن تعويم عملتها في العامين السابقين، لتسمح بانخفاض الجنيه بنسبة 45 في المئة إلى 16 جنيهًا للدولار، حسب الأسعار من ست بنوك بينها البنك التجاري الدولي، أكبر بنك مسجل في البورصة المصرية». وأضافت الوكالة، «أنّ نجاح هذه الخطوة في تخفيف أزمة الدولار وسحق السوق السوداء في العملة، يعتمد على مدى التزام البنك المركزي بعدم التدخل حين يتأرجح سعر العملة». ونقلت الوكالة عن ديفيد هونر، المحلل الاستراتيجي في بنك أوف أمريكا قوله، «إنّه إذا قدمت تجربة دول مثل روسيا وقازاخستان والأرجنتين مثالًا يُحتذى به، فسيستحق الأمر تحمُّل الألم الأولي بعد مرور نحو عام». وخفض العملة لن يجعل فقط صادرات مصر أكثر قدرة على المنافسة، وإنما سيعزز أيضًا جاذبية الاقتصاد للسياح، ويخفف الضغط على البنك المركزي بشأن السحب من الاحتياطي الذي هبط بشدة منذ ثورات الربيع العربي. وقال هونر المقيم في لندن، «إنّ أي شيء يتأرجح في المنتصف، وخاصة أي ربط يفتقد المصداقية بسبب نقص الاحتياطيات ويكون بعيدًا عن القيمة العادلة، هو خيار سيء». وأضاف «هذا الضبط لسعر العملة - أي تعويم الجنيه - ليس سهلًا على الإطلاق، من الواضح أنّه توجد فترة تكون فيها الأمور أسوأ، لكن حين تنظر إلى تجربة دول انتقلت إلى تعويم عملتها فقد ثبت أنه مفيد في بعض الأحيان». وتابع: بالنسبة لدولة مثل مصر كانت دائمًا تتحكم في سعر عملتها، سيكون الانتقال صعبًا، ويكون هذا هو الوضع بصورة خاصة مع ارتفاع تكاليف الاستيراد مما يرفع التضخم ويجعل المعيشة أصعب للسكان البالغ عددهم 92 مليون نسمة، وحيث يعتبر نصيب الفرد من الدخل بين أقل المستويات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقالت الوكالة، إنّ أي شيء غير التوقف الكامل عن التحكم في السعر، سيكون مصيره الفشل المحتوم. وحين يتلاعب صُنَّاع السياسات مع سعر الصرف، فلابد أن يتزايد نشاط السوق السوداء، حسبما تشهد على ذلك تجربة نيجيريا في التعويم. ويمكن أن يكون التعويم مُكلِّفًا أيضًا، فقد أنفقت روسيا نحو 90 مليار دولار للدفاع عن الروبل في مواجهة المضاربين عام 2014، قبل أن تتخلى عن ذلك في نهاية الأمر في نوفمبر من نفس العام. وحتى في مصر، أدّت محاولات إدارة الجنيه بدلًا من تحريره بالكامل في 2003، وفي وقتٍ سابقٍ من العام الحالي، إلى ازدهار التعاملات غير الرسمية في العملة، ودفع الأفراد والشركات إلى تخزين الدولارات بسبب افتقاد الثقة في استقرار عملة البلاد. وفيما يلي مُلخص لأداء ثلاث أسواق ناشئة بعد تحرير عملاتها: روسيا: الروبل الروسي -ماذا حدث؟ تخلت ألفيرا نابيولينا، محافظة البنك المركزي الروسي، عن التدخل في سوق العملة في نوفمبر 2014 في وقت كانت البلاد ترزح فيه تحت عقوبات وتراجع في أسعار البترول، وهو سلعتها التصديرية الأساسية، وما يزال الروبل، الذي عاود الارتفاع هذا العام، منخفضًا بنسبة 32 في المئة منذ ذلك الحين. -هل كان فعالًا؟ بعد مرور عامين، تراجع تقلب سعر الروبل على مدى ثلاثة أشهر إلى مستويات لم تُعرَف منذ التعويم، وانخفضت توقعات التضخم، وتباطأ صافي خروج رأس المال ولقيت نابيولينا إشادة باعتبارها الأكثر حسمًا بين محافظي البنوك المركزية في أوروبا، وعلاوة على ذلك، فقدت العائلات الاهتمام بتأرجح سعر العملة وأصبحت تحتفظ بنسبة 60 في المئة من مدخراتها بالروبل حسب استطلاع نشرت نتائجه في أغسطس. قازاخستان: التنجي القازاخستاني -ماذا حدث؟ قرر صُنَّاع السياسات في 20 أغسطس 2015 محاكاة التخفيضات في الصينوروسيا جارتي قازاخستان وأكبر شركائها التجاريين، وأدّى ذلك إلى هبوط التنجي - العملة المحلية - بنسبة 42 في المئة منذ ذلك الوقت. -هل كان فعالًا؟ بعد هذا الإجراء، اضطر البنك المركزي في البلاد إلى انفاق 1.7 مليار دولار على الأقل أو ستة في المئة من الاحتياطيات لتقليل التأرجح في سعر ما أصبحت أكثر عملات العالم تقلبًا، وبعد ذلك بعام، استقر التنجي وارتفع الاحتياطي من العملات الأجنبية بحوالي 13 في المئة هذا العام إلى 31 مليار دولار. الأرجنتين: البيزو الأرجنتيني -ماذا حدث؟ ألغى الرئيس موريسيو ماكري، تثبيت سعر البيزو في 17 ديسمبر 2015، وكان الإجراء جزءًا من إصلاح اقتصادي استهدف جذب الاستثمار وإعطاء انطلاقة قوية لاقتصاد عانى من نمو هزيل ونقص الدولارات. -هل كان فعالًا؟ انخفضت العملة بنسبة 27 في المئة في اليوم الأول من التعويم، لكن التراجع تباطأ منذ ذلك الحين وظهرت إشارات على تراجع التضخم أيضًا، وانخفض تقلب البيزو خلال ثلاثة أشهر ليصبح ضمن أقل المعدلات في أمريكا اللاتينية. وأظهر المستثمرون تجدد ثقتهم في البلاد هذا العام بالتهام مبيعات قياسية للسندات الدولية بقيمة 33 مليار دولار، وفي نفس الوقت قلّ استخدام المواطنين للسوق السوداء، وهو ما كان إجراء واسعًا قبل التعويم.