إذا حاولت أن تبحث عنها في خريطة العالم فستجدها لا تعدو سوى نقطة شديدة الصغر جنوبماليزيا، فهي دولة مكونة من جزيرة صغيرة فى بحر الصين، جنوب القارة الآسيوية، إلا أنها تعتبر من النمور الآسيوية الثرية ذات الثقل الاقتصادي القوى في محيط التجارة العالمي. تمكنت "سنغافورة" تلك الدولة الصغيرة ذات المدينة الواحدة، من بناء اقتصاد قوى خلال العقود الثلاث الماضية منذ استقلت عن ماليزيا عام 1965 ، و هي من اكبر المراكز التجارية العالمية ومن أقوى الأنظمة الاقتصادية الآسيوية،حيث يبلغ الناتج القومي السنوي حوالي 153.8 مليار دولار سنغافورى-أى ما يعادل 91 مليار دولار أمريكي. سنغافورة أيضا من أكبر منافذ الشحن الدولية ومن أعظم المواني في العالم ولديها خبرات عظيمة في مجال إدارة المواني وفقا لأحدث التقنيات الحديثة التي تعتمد بالدرجة الأولى على الحاسبات الآلية ،( وما أكثر موانينا المصرية والعربية..). السنغافوريون شعب مسالم بطبعه،ثرثارون، وهم يطيعيون الحكومة بشكل يثير دهشة الأجانب المقيمين هنا،فإذا قالت الحكومة مثلا على يمين أنه يسار،فإنهم سيقولون نعم :هو يسار، وهكذا إذا رأت الحكومة الشمس تشرق من المغرب، فان جميع الشعب سيقسم انه راى الشمس تشرق من المغرب. قالت سيدة سنغافورية لى ذات مرة أثناء فترة إقامتى هناك : أحيانا يخيل لى أن الحكومة تتعمد غمسنا فى العمل لساعات طويلة من 7ونصف صباحا وحتى السادسة مساءا،فنعود لبيوتنا منهكين،لا يكون لدينا حتى وقت للتفكير فيما تفعله الحكومة وفيما لا تفعله- هذه السيدة الآن رحلت مع اسرتها إلى استراليا حيث الحياة أفضل كما تقول عن هنا. مع ذلك معظم السنغافوريين سعداء، فالحكومة توفر لهم كل شىء، سبل العيش المريحة والحديثة،الخدمات المجانية ،على سبيل المثال كثير من المنتزهات هنا مجانية،يذهب الجميع ألها فى النهاية الاسبوع ويقضون اوقاتهم ويتريضون ويرتع الأطفال فى أماكن الالعاب المخصصة لهم، ربما يفسر ذلك الضرائب الكثيرة التى تتقاضاها الدولة من المواطنين. سمعت مرة شائعة تقول أن المياه فى سنغافورة غير صالحة للشرب،وذلك بعد أن أمضينا نحو ثلاث سنوات نشرب من مياه الصنبور العادى،فاستطلعت الأمر بإذا بالجميع يؤكد أن الحكومة لم تصرح بذلك،وإنما نصحت بغلى المياه على سبيل الاحتياط للصحة العامة. هو شعب مسالم بطبعه ،فلا اذكر على الاطلاق أن رايت أو سمعت رجلا يتشاجر مع آخر،ولا امرأة، الأمور هناك هادئة والناس لا يتشاجرون مع بعضهم لأن كل شىء شىء يسير وفقا لقواعد متفق عليها بل ومكتوبة فى بعض الاماكن،ومن يخالفها يتعرض للمسائلة وربما دفع غرامة كبيرة تصل لمائتى دولار،كما أنهم يتحاشون الاحتكاك الاجتماعى إلا نادرا،وفى نطاق الأسرة المغلق، فهم لا يرحبون بسهولة بالغرباء،اذكر أننى فى بداية عهدى فى سنغافورة كنت أحاول غقامة علاقات اجتماعية ناجحة مع الجيران وأن اعطى صورة طيبة عن العرب خاصة المسلمين،بعدما أن ساهمت وسائل الإعلام العالمية فى تشويهها يوما بعد يوم. ونجحت بعد عام تقريبا فى نيل نوط الثقة فى أننا أسرة عربية طيبة، من خلال البشاشة الدائمة وحسن المعاملة التى احطناهم بها حتى أحبونا فعلا، وبعد أن كنا نخرج من باب شقتنا فلا نلقى تحية صباح ولا حتى التفاتة ترحيب،صرنا عندما نخرج نحاط بأجمل التحيات وألطف الإيماءات من جيراننا. هم أيضا ثرثارون ،ما أن تسال أحدهم سؤالا حتى يبدأ فى الكلام ، وبخاصة سائقى سيارات الأجرة،فإذا حدث وسألته سؤالا فأخذ يثرثر فأفضل شىء هو أن تصمت تماما،حتى يعى أنك سأمت ثرثرته فيصمت. هناك من يفسر طاعة الشعب للحكومة باسباب اقتصادية، فارتفاع المستوى الاقتصادى والاجتماعى وارتفاع مستوى الخدمات والتعليم وخلافه،بالطبع سيجعل الشعب راضى إلى درجة كبيرة عن حكومته وربما ايضا لخوفه من الضياع بدونها نفهى الحكومة التى تفكر وتخطط وترتقى بهم،وما عليهم إلا الطاعة،حتى لو كانت طاعة آلية لطاعة الروبوت لمصممه.. ماجولا سنغافورة هو شعارهم دائما.. تحيا سنغافورة..