جامعة الأقصر تنظم قافلة طبية ضمن مبادرة حياة كريمة    هل يستطيع أبو تريكة العودة لمصر بعد قرار النقض؟ عدلي حسين يجيب    نقابه الصحفيين تقر قواعد جديدة للمنتسبين من الخارج وأساتذة الصحافة والإعلام    البنك المركزي يقترض 55 مليار جنيه عبر أذون الخزانة    البرنامج الوطني لإدارة المخلفات: 11.5 مليون جنيه لدعم عمال النظافة    تحرك برلماني جديد بشأن قانون الإيجار القديم    الحكومة تحتضن رجال الصناعة    سبب فشل فرق الإنقاذ في العثور على طائرة الرئيس الإيراني (فيديو)    ليفاندوفسكى يقود هجوم برشلونة أمام رايو فاليكانو فى الدوري الإسباني    بايدن: دعيت إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة    الزمالك هيكسب، رسائل من الجمهور ل هنادي مهنا أثناء تواجدها باستاد القاهرة    أشرف صبحي يكرم شابا بعد فوزه بالمركز الثاني على العالم في الطاقة المتجددة    مدير بطولة أفريقيا للساق الواحدة: مصر تقدم بطولة قوية ونستهدف تنظيم كأس العالم    العثور على جثة فتاة في ظروف غامضة بالمنيا    السائق أوقع بهما.. حبس خادمتين بتهمة سرقة ذهب غادة عبد الرازق    قصة حب عمرها 30 سنة.. حكاية زواج صابرين من عامر الصباح (فيديو)    محمد إمام يكشف عن البوسترات الرسمية لفيلم اللعب مع العيال (صور)    ختام ملتقى الأقصر الدولي في دورته السابعة بمشاركة 20 فنانًا    إرنا: خامنئي يطمئن الإيرانيين بعدم تأثر إدارة الدولة بحادث مروحية الرئيس    بمناسبة مباراة الزمالك ونهضة البركان.. 3 أبراج «متعصبة» كرويًا (تعرف عليهم)    الرعاية الصحية: 5 ملايين مستفيد من التأمين الصحي الشامل بمحافظات المرحلة الأولى    جامعة حلوان تنظم قوافل طبية توعوية بمناطق الإسكان الاجتماعي بمدينة 15 مايو    في اليوم العالمي للمتاحف.. المتحف المصري بالتحرير يستقبل 15 ألف زائر    رسائل المسرح للجمهور في عرض "حواديتنا" لفرقة قصر ثقافة العريش    حزب الريادة: مصر كان لها اليد العليا فى دعم أهالي غزة وإدخال المساعدات لهم    «نيويورك تايمز»: هجوم روسيا في منطقة خاركوف وضع أوكرانيا في موقف صعب    أبرزهم «اللبن الرائب».. 4 مشروبات لتبريد الجسم في ظل ارتفاع درجات الحرارة    بنك مصر يطرح ودائع جديدة بسعر فائدة يصل إلى 22% | تفاصيل    نهائي الكونفدرالية.. توافد جماهيري على استاد القاهرة لمساندة الزمالك    دار الإفتاء توضح ما يقال من الذكر والدعاء في الحرّ الشديد.. تعرف عليه    هل يجوز الحج أو العمرة بالأمول المودعة بالبنوك؟.. أمينة الفتوى تُجيب    بايرن ميونيخ يعلن رحيل الثنائي الإفريقي    افتتاح أولى دورات الحاسب الآلي للأطفال بمكتبة مصر العامة بدمنهور.. صور    نائب رئيس جامعة الأزهر يتفقد امتحانات الدراسات العليا بقطاع كليات الطب    رجل يعيش تحت الماء 93 يوما ويخرج أصغر سنا، ما القصة؟    "أهلًا بالعيد".. موعد عيد الأضحى المبارك 2024 فلكيًا في مصر وموعد وقفة عرفات    مصرع شخص غرقًا في ترعة بالأقصر    رئيس «قضايا الدولة» ومحافظ الإسماعيلية يضعان حجر الأساس لمقر الهيئة الجديد بالمحافظة    منها مزاملة صلاح.. 3 وجهات محتملة ل عمر مرموش بعد الرحيل عن فرانكفورت    «الجوازات» تقدم تسهيلات وخدمات مميزة لكبار السن وذوي الاحتياجات    «الإفتاء» توضح حكم حج وعمرة من يساعد غيره في أداء المناسك بالكرسي المتحرك    «المريض هيشحت السرير».. نائب ينتقد «مشاركة القطاع الخاص في إدارة المستشفيات»    10 نصائح للطلاب تساعدهم على تحصيل العلم واستثمار الوقت    وزير العمل: لم يتم إدراج مصر على "القائمة السوداء" لعام 2024    إصابة 4 أشخاص في مشاجرة بين عائلتين بالفيوم    أول صور التقطها القمر الصناعي المصري للعاصمة الإدارية وقناة السويس والأهرامات    نائب رئيس "هيئة المجتمعات العمرانية" في زيارة إلى مدينة العلمين الجديدة    «الرعاية الصحية»: طفرة غير مسبوقة في منظومة التأمين الطبي الشامل    ياسر إبراهيم: جاهز للمباريات وأتمنى المشاركة أمام الترجي في مباراة الحسم    ياسين مرياح: خبرة الترجى تمنحه فرصة خطف لقب أبطال أفريقيا أمام الأهلى    حجازي يشارك في فعاليات المُنتدى العالمي للتعليم 2024 بلندن    مدينة مصر توقع عقد رعاية أبطال فريق الماسترز لكرة اليد    ضبط 100 مخالفة متنوعة خلال حملات رقابية على المخابز والأسواق فى المنيا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 19-5-2024    سعر السكر اليوم.. الكيلو ب12.60 جنيه في «التموين»    ولي العهد السعودي يبحث مع مستشار الأمن القومي الأمريكي الأوضاع في غزة    أحمد أيوب: مصر تلعب دورا إنسانيًا ودبلوماسيًا لوقف إطلاق النار فى قطاع غزة    ضبط 34 قضية فى حملة أمنية تستهدف حائزي المخدرات بالقناطر الخيرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور مصطفي جودة يكتب ل الأهرام المسائي:جعلوني قارئا
سنغافورة معجزة لا تعرف الشعارات

وكأنها قصة خيال علمي ملئت رومانسية. انها أكثر خيالا من قصة سندريلا. هي قصة الاعجاز والتصميم وفعل الشيء الصواب وعدم المجازفة والمغامرة. هي قصة العدل والقانون ومحاربة الفساد لتحقيق التقدم ونهضة العباد. هي قصة الأولويات الملحة وكأنها فرض عين.
هي قصة ملهمة للأمم وللأفراد ان أرادوا السيادة في هذا العالم. هي مثل يضرب وقدوة حقيقية. هي قصة واقعية وعرق ومجهود وتحديات.
معظم فصول هذه القصة مسجل في كتاب من جزءين بعنوان قصة سنغافورة منشورعام1998: الجزء الأول: مذكرات لي كوان يو والجزء الثاني بعنوان: من العالم الثالث الي العالم الأول.
ظل لي كوان رئيسا لوزراء سنغافورة لمدة واحد وثلاثين سنة وكان ذا قبضة حديدية ولم يسمح الا بحزب واحد ولم يسمح بالمظاهرات أو تبني الديمقراطية في حكمه وحقق خلال ذلك الحكم ما لم يحققه أحد. قبل موته في سنغافورة أو في غيرها في القرن العشرين كان فائض ميزان المدفوعات في سنغافورة أكثر من270 بليون دولار العام الماضي. انتقلت سنغافورة في عهده من دولة لا تملك مقومات الوجود الي دولة نموذجية وقدوة يشار اليها بالبنان اقتصاديا وعلميا وفي كل شيء.
في عام1965 كان70% من سكان سنغافورة من الفقراء المعدمين وكان أكثر من ثلث سكانها يقطنون المناطق العشوائية وكان المتوسط السنوي لدخل الفرد مبلغ516 دولارا أمريكيا, وكان أكثر من نصف سكانها أميين.
بالمقارنة مع2013 نجد أن متوسط دخل الفرد55182 دولارا مصحوبا بانخفاض في الأسعار منذ2009, واجمالي صادرات سنغافورة عام2013 بلغ410.5 بليون دولار أمريكي في مجالات الاليكترونيات المتقدمة والتي بلغت قيمة صادراتها وحدها فقط من سنغافورة عام2013 أكثر من مائة واربعة وعشرين بليون دولار. اضافة الي منتجات الطائرات والأدوية والأجهزة الطبية والضوئية والبلاستيك والماكينات وكثير غير ذلك. باجراء حسبة بسيطة يمكن استنتاج أن نصيب كل مواطن جراء ذلك التصدير نحو ثمانية وسبعين الفا من الدولارات علي أساس أن عدد سكان الدولة5.6 مليون نسمة. هذا معدل يفوق بمراحل المعدل العالمي والذي يبلغ2500 دولار تقريبا وذلك طبقا لاحصائيات الجهات الدولية المعتمدة.
تجدر المقارنة هنا أن قيمة الدولار الأمريكي في عام1980 كانت تبلغ2.12 دولار سنغافوري وأصبح الدولار الأمريكي يبلغ1.25 دولار سنغافوري في عام.2013
ماالذي فعل ذلك وأدي اليه؟
الاجابة ببساطة أن الاقتصاد السنغافوري هو أكبر اقتصاد حر في العالم وهو السابع في كونه الأقل فسادا علي مستوي العالم.
أيقونة التقدم
ساعد علي كل ذلك رجل واحد فذ عظيم هو لي كوان يو مؤسس دولة سنغافورة ومعجزتها الكبري والذي وافته المنية في23 مارس2015 عن عمر يناهز الواحد والتسعين بعد حياة حافلة بالانجازات غير المسبوقة ربما علي مستوي العالم أجمع.
رجل وصفه الرئيس الأمريكي أوباما بأنه: أحد أساطين آسيا الأسطوريين في القرنين العشرين والحادي والعشرين.
تكمن أهمية الرجل في أنه استطاع بقيادته الرشيدة ورؤيته الثاقبة تحويل بلد لا يملك مقومات الوجود الأساسية ودولة ممزقة متخلفة من دول العالم الثالث الي دولة متقدمة من مصاف دول العالم الأول اقتصاديا وعلميا وتكنولوجيا.
عقب تخرجه في جامعة كمبردج عام1950 عمل كمحام في بلده ثم انخرط في السياسة وأصبح رئيسا للوزراء عام1959 واستمر رئيسا للوزراء حتي عام1990 مسجلا بذلك انجازا تاريخيا لم يسبقه به أحد من الأولين والآخرين لكونه عمل في هذا المنصب لمدة31 سنة عاما.
الرجل بحق أيقونة عالمية ومثل يحتذي به وليس في سنغافورة فقط. وليتسني لنا فهم التجربة السنغافورية وادراك حجم الانجازات المحققة خلال حكمه, علينا أن نتأمل كلماته الشخصية في مقابلة أجراها مع صحيفة نيويورك تايمز في24 أغسطس2007:
سنغافورة بلد لا تملك مقومات الوجود حيث لا تاريخ موحدا ولا لغة واحدة مشتركة ولا ثقافة واحدة ولا مقومات طبيعية ولا هدف مشتركا.
ليس لدينا القاعدة العريضة أو المكان الكافي فسنغافورة خليط غير متجانس عرقيا من ماليزيين وصينيين وهنود متجمعين في جزيرة صغيرة تصل المحيط الهندي بالمحيط الهادي لا تتعدي مساحتها700 كيلو متر مربع.
أهم شيء كان حصولنا علي الاستقلال من بريطانيا لم يكن لدينا جيش أو طيران أو بحرية
لو أننا تبنينا الشعارات الرنانة والنعرات القومية ومحاولة احياء الأساطير لهلكنا وما استطعنا انجاز شيءكانت خطته الاستراتيجية معالجة كل تلك المشاكل والبدء بجدية لحلها حلا نموذجيا يقتدي به
إنجاز غير مسبوق
تتلخص معجزته في أنه حقق تحولا غير مسبوق من خلال دولة قانون من خلال قيادته الرشيدة بواقعية وكفاءة عالية لحكومة شعارها: محاربة الفساد. لم يكن ديمقراطيا أو مناديا بشعارات رنانة أو نعرات قومية أو عاشقا للتعميم وكثرة الكلام. كان هدفه واضحا: لا وقت الا لعملية تحويل واقعية من خلال حزب واحد وصرامة وقانون وعدم السماح لأي نوع من أنواع الفساد وهو بحق انجاز المستحيل.. استطاع تحويل سنغافورة الي دولة ذات مقومات اقتصادية يشار اليها بالبنان ومن دولة متخلفة الي دولة بها جامعات ضمن أفضل عشرين جامعة علي مستوي العالم.ودولة بها اهم خطوط طيران يقصدها المستثمرون الكبار في العالم كله ويزورها السياح من كل العالم ودولة تنتج مواد متقدمة لا مثيل لها وتنتج تكنولوجيا متقدمة مثل الكبار.
أنشأ ما يسمي السوبر بنيان بصبر وتؤدة وعمل علي تجانس وطنه من خلال احساس مواطنيه بأنهم أنجزوا لأنفسهم المستحيل فعليهم أن يفخروا بما فعلوا. علي سبيل المثال ولسنوات طويلة تفوز الخطوط الجوية السنغافورية بأفضل شركة طيران علي العالم وشعارها: ربحنا السماء بابتسامةWewontheskywithasmile.
كان أيضا داهية سياسية فاتحد مع ماليزيا عام1963 ليجبر بريطانيا علي منح سنغافورة الاستقلال غير أن هذا لم يدم وحدث انفصال عام.1965 كان أيضا يعرف من أين تؤكل الكتف فأوكل لاسرائيل بناء قواته المسلحة طبقا لما ذكره هو في مذكراته لعلمه بأن ذلك سيحقق له رضا الصهيونية العالمية عنه وأنها كمديرة للعالم ستجعل الغرب يتركه يفعل ما يشاء
يجدر بي هنا أن أذكر أن الغرب غض الطرف علي كل المخالفات الخاصة بحقوق الانسان في سنغافورة وتركت المؤسسات الغربية الرجل يفعل ما يشاء بخلاف ما يحدث عندنا وكأن هذه المؤسسات أنشئت من أجلنا فقط!.
لم يحاسبه أحد علي سياسة الحزب الواحد ومنعه التظاهرات وخلافه. انه بحق الرجل الأسطورة وصانع المعجزات في عصرنا بلا منافس
كان لي كوان قائدا فريدا وصاحب رؤية ولماحا.أي انسان يقرأ مذكراته لا بد أن يحس بالتفاؤل وأنه لا يوجد شيء اسمه مستحيل وأن اتباع مبادئ أساسية في الحكم مثل محاربة الفساد ودولة القانون هما الدعامتان الأساسيتان لتحقيق ذلك.
زيارة مصر
زار السيد لي مصر لمدة خمسة أيام في يناير.1962 كانت مصر حينها قبلة العالم الثالث كله وقبلة زعماء الدول التي تسعي للاستقلال وكانت مركز دول عدم الانحياز.قدم اليها رئيس الوزراء السنغافوري لي كوان يو ليقدم نفسه لعبدالناصر وليحصل علي دعمه في قضية بلده المصيرية قبل نيلها الاستقلال من بريطانيا.كان ذلك قبل اتحاد سنغافورة مع ماليزيا لمدة عامين1963-1965 فقط. رحب به عبد الناصر ترحيبا لائقا وأكرمه كما ذكر الرجل في مذكراته واستمع اليه جيدا وأيد قضيته وأكرمه بمنحه أعلي وسام مصري.
لم ينس لي كوان ذلك الترحاب وتلك المساندة وذكرها في الجزء الأول من مذكراته: قصة سنغافورة والتي سرد فيها بالتفصيل كل أسراره ومقابلاته وكل الحوادث الصغيرة والكبيرة ابان حكمه الني أدت لحصول سنغافورة علي استقلالها, وذكر فيها أنه كتب المذكرات ليعلم جيل سنغافورة الصاعد معاناة حصول بلدهم علي استقلاله وتحولهم من دولة متخلفة من دول العالم الثالث بلا أي امكانيات الي دولة من دول العالم المتقدم يقتدي بها في كل بقاع الدنيا.
يقول في مذكراته تلك عن مقابلته للرئيس عبد الناصر:
..كان توقفي في القاهرة حيث توجد لجنة التضامن الإفريقية الآسيوية والتي أصدرت مذكرة ناقدة ضد ماليزيا, كنت أعلم لو أنني استطعت كسب الرئيس ناصر الي جانب قضيتي فانني سأحقق نصرا كبيرا.وصلت القاهرة صباحا وكان في استقبالي السيد نائب رئيس الجمهورية حينها وتم أخذي الي أحد القصور الصغيرة التي كان الملك فاروق يستخدمها وهي تستخدم الآن لاستضافة كبار الزوار. في المساء استقبلني الرئيس جمال عبد الناصر في بيته المتواضع والخالي من المظاهر ولكنه كان منزلا لائقا وكريما.كان الاجتماع جيدا وكان بيننا توافق وقبولاوانسجاما.
كان في استقبالي عند مدخل منزله وكان هناك المصورون. أحسست حينها أنه فعل ذلك مئات المرات. كان ذا وجه صبوح طيب وكأن الكاميرا تعشقه وكان ذلك واضحا في صوره التليفزيونية وفي الصحف. كان ودودا معي وكان مرحبا بي أقصي ترحاب. يجب أن أذكر هنا أن القنصل المصري في سنغافورة كان مدعما لي ولسنغافورة أقصي درجات الدعم.كان هذا القنصل يعلم أننا لم نك نريد لسنغافورة أن تصيح إسرائيل منطقة شرق آسيا وأنه أبلغ وزير الخارجية المصرية بذلك. أستغرق اجتماعي مع ناصر أكثر من ساعة حيث استمع لي بمودة واخلاص. وذكر أن هناك مخاطر علي سنغافورة أن تنفصل عن ماليزيا وأن تصبح غريبة في شرق آسياوأن تكون ذات طبيعة صينية في منطقة جزر الأرخبيل التي يبلغ تعدادها أكثر من مائة مليون نسمة. قلت له معقبا: أنني لا أريد ذلك أيضا واتفقنا أن الأفضل هو الوحدة بين سنغافورة وشبه جزيرة أرخبيل التي كانت تحت الاحتلال البريطاني وأنها كانت وحدة واحدة لمدة أكثر من مائة سنة قبل انفصالها عنها.. لم يكن ناصر في حاجة الي الاقتناع بأن ماليزيا ليست مؤامرة استعمارية ووعد بأنه سيدعم وجهة نظري ويدعمني. أبلغني بأنه لا يمانع أن أذكر ذلك بلساني عنه. كان المصريون كرماء معي طيلة اقامتي لخمسة أيام وفرشوا لي السجادة الحمراء في كل مكان ذهبت اليه.. كما أنه دعاني أن أزور مصر مرة أخري وأن أكون في ضيافته شخصيا. أحسست أنني كسبت صديقا وأنني أحببت الرجل. أحببت بساطته وبساطة حياته وأحببت حماسه ورغبته القوية أن يغير كل الفساد الذي كانت تعاني منه مصر.
شهادة للتاريخ
هذه شهادة للتاريخ من مذكرات رجل دخل التاريخ من أوسع أبوابه ولا يعرف المجاملة وكتب مذكراته تلك بعد موت الرئيس جمال عبد الناصر بسنوات عديدة.السؤال الآن: لماذا نجحت سنغافورة الفقيرة في كل شيء ولم تنجح مصر ذات الامكانيات الهائلة والتاريخ الحافل والحضارة والتجانس البشري والثقافي والموقع الفريد والقيادة الفذة, مثلما نجحت سنغافورة؟
الإجابة عند جمال حمدان.
الإجابة ببساطة: الاستعمار كما كتب ووثق جمال حمدان. الاستعمار دخل مصر بحرب وخرج منها بحروب. لم يحدث هذا مع سنغافورة التي كانت مثلنا تحت الاحتلال الانجليزي. بريطانيا خرجت من سنغافورة بهدوء ولم تنتقم منها مثلما فعلت معنا بلا توقف وحتي سلمت راية حروب الانتقام لأمريكا بعد أن غربت الشمس عنها. الاستعمار خلق اسرائيل لتكون شوكة وعائقا للتقدم في مصر والوطن العربي. لم يحدث ذلك في سنغافورة. علي العكس قام الاستعمار بمد سنغافورة بالمساعدات واستثمر فيها الكثير وخصوصا في مجالات التكنولوجيا المتقدمة والسياحة وكل الجوانب الاقتصادية والتكنولوجية. لم يحدث هذا في مصر وحدث العكس والحصار الاقتصادي الخانق.
كانت حروب1973,1967,1956 استنزافا رهيبا للاقتصاد المصري وعوائق رهيبة للتنمية في كل المجالات. كان الاستعمار بحق مبيدا صناعيا كما كتب جمال حمدان ووضح.
فرض علي مصرصراعات أشد من ويلات الحروب ومؤامرات حتي من الأشقاء الذين أفشلوا كل الأحلام وأنهكوا الاقتصاد والأبدان. لم تمنح مصر لحظة راحة واحدة من سلام أو ثانية من أمان.
حتي في مجال التعليم والثقافة كانت سياسته مبيدة. خذ علي سبيل المثال انشاء جامعة القاهرة. كان اللورد كرومر من أشد المعارضين لانشائها وتآمر لاعاقة بدايتها ولولا اصرار المصريين ما تم ذلك. مثال آخر أشد وضوحا: كان لمطبعتي جامعتي أوكسفورد وكمبردج فروع في كل المستعمرات الانجليزية باستثناء مصر!!! كانت بريطانيا حريصة علي عدم نهوض مصر في أي مجال. كانت تعرف أن مصر مختلفة وأنها رائدة وبالتالي عملت علي محاولة تركيع مصر بلا رحمة.
نعم الاستعمار رحل عن مصر ولكن انتقامه كان أشد بعد رحيله في مرحلة ما بعد الاستعمار.صنع لنا اسرائيل وأمدها بكل ماينتج من علم واقتصاد ليضمن تفوقها الدائم علينا ومنع عنا كل شيء ليضمن تخلفنا الدائم. اضطرت مصر أن تقطع من لحمها الحي لتستطيع المواجهة والبقاء. كل مشاريع التنمية لم تستكمل. الثورة الصناعية في الخمسينيات والستينيات التي خطط لها ناصر لتكون مصر دولة صناعية كبري لم تستكمل كما خطط لها عبدالناصر الذي كان يدرك أنه لن يكون هناك تقدم بدون ثورة صناعية كبيرة وشاملة.
فرضت عليه المواجهة فرضا لأن الاستعمار أدرك أنه يهدد وجوده في مناطق الطاقة والموقع الاستراتيجي وأنه يؤلب الدنيا كلها ضد مصالحه في كل مكان. نعم كان عبد الناصر مسامير في نعش الاستعمار ولكن الاستعمار جعل مصر تدفع الفاتورة كاملة وكانت ردود فعله قاسية وشريرة.
من هنا فان المقارنة بين انجازات سنغافورة في عهد لي كوان وبين انجازات عبد الناصر لا يجب أن تكون من خلال الأرقام النهائية بمعزل عما حدث وكان.
راية التدمير والابادة
حتي عندما انتهت بريطانيا المبيدة لنا ظهرت أمريكا وحملت راية التدمير والابادة ضد تقدمنا.عندما كنا علي وشك انهاء اسرائيل بالكامل في حرب1973 كان التدخل الأمريكي السافر بالكامل لمنع حدوث ذلك الانتصار التاريخي وقامت أمريكا بعمل أكبر جسر جوي في التاريخ لمنع السقوط الكامل لاسرائيل. وثائق حرب1973 ترصد الصراع الذي كان دائرا بين كيسنجر وزير الخارجية حينها وبين جيمس سيليزنجر وزير الدفاع الأمريكي والذي كان يقاوم خطة كيسنجر الشبيهة بدخول أمريكا الحرب بالكامل والذي تحقق في النهاية بعد تغلب مناورات كيسنجر واصراره أمام نيكسون والذي وافق بدوره علي أفكار كيسنجر فكانت طائرات جلاكسي العملاقة تحمل أربع دبابات جاهزة بالكامل من قاعدة كامب لاجون بنورث كارولينا وتقف مرة في قاعدة الأزور بالبرتغال ومنها لميدان المعركة في سيناء. كان دخولا كاملا للحرب ضدنا وهو ما أدركه الزعيم الراحل أنور السادات رحمه الله.
لم يكن الاستعمار فقط مبيدا صناعيا لنا منذ محمد علي وحتي وقتنا هذا, بل كان مبيدا حضاريا وعلميا واقتصاديا أثناء احتلاله لنا بل بعد رحيله عن أراضينا.
هذا لم يحدث في الهند وفي سنغافورة وفي كل المستعمرات الأخري. حدث فقط عندنا في مصر وفي الجزائر وبقية شمال أفريقيا.
حدث ويحدث وسيحدث مالم ندرك المكر السيئ ونفهم لغة القوم لنأمن مكرهم.
مقارنة التقدم السنغافوري وتأخرنا ظالمة
ومع ذلك لا يجب أن نبخس حق لي كوان. كان الرجل أيقونة بحق. اضافة الي مذكراته له بضعة كتب تحظي بقراءة كل سكان العالم وتصير أفضل مبيعات الكتب لما تحويه من فكر مستنير.. الرجل يكاد يكون موسوعة انسانية منها:22 قانونا غير قابلة للتغير في مجال للتسويق, السنوات الحرجة, الحق المر للحفاظ علي سنغافورة, السيد العظيم وغير ذلك.
نحن أمام مفكر مبدع وعقل لا يقارن.انه بحق معجزة انسانية تستحق احترام البشر في كل مكان وقدوة للاصلاح لمن يرغب ويريد. فكره ببساطة: نعم تستطيع كل دولة أن تتقدم لو كان عندها الارادة
انها بحق قصة من أكبر قصص الانجاز تفوق الخيال,


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.