(1) هل تأملت يوما مبنى لفرع من سلسلة المتاجر الشعبية "التوحيد والنور"؟ بطول مصر ستجد نسخا متكررة لنمط معماري واحد، بناية بلا شرفات أو نوافذ واضحة، ترتفع بشكل دائري قبيح، تعرض السلع وراء زجاج رخيص، بإضاءة خالية من الذوق، وفي الأعلى شقة سكنية بعرض الفرع، قالت تحقيقات النيابة منذ سنوات في قضية سيد السويركي صاحبها إنه كانت تستخدم للزيجات الجديدة. في الداخل ستجد سلما متسعا خاليا من أي ديكور يوصل الزبائن للأدوار العليا، ثم أرفف خشبية هاربة من أفلام الأربعينات، شباب كثر، وصوت مقرئ سعودي، ولقب شيخ متبادل بين العمال، وحركة بيع تمتد ل12 ساعة يعمل خلالها الشاب لا تقطعها إلا أوقات الصلاة، والتي إن توقف أحدهم عنها لن يجد وظيفته في اليوم التالي. يعكس المبنى بتفاصيله المعمارية دلائل عديدة؛ فالعمارة بحسب دراسات عديدة مرآة للمعاني الثقافية، يساهم في صوغها وصنعها، القوى الفاعلة والسياق الاجتماعي والأيديولوجيا المتحكمة هي التي تصنع المعاني. اعتناق النازية كان سببا في بحث بنايات برلين منذ الثلاثينات عن "الخلود والابدية" بينما ظهرت معالم إغريقية عديدة بالقرب من المباني النازية للدالة على عظمتها كحضارة أبدعها الجنس الآري قديما.. كانت المباني الرسمية فضاءات أو منصات مسرحية ليبشر الداعية النازي بالوعود و الامل وقرب التفوق والنصر الأبدي. العمارة النازية حصر دلالاتها السياسية الباحث العراقي المتميز ضرغام العبيدي في بحث شيق. للوهابية هنا دلالاتها المعمارية أيضا. لا حاجة للنوافذ فهي تكسر ستر النساء، وتمنع أعين الحساد من جرح بركة المكان، فيما يكسب صاحب العمل لأن "تسع أعشار الرزق في التجارة" وينال حظه من الدنيا نساء ومالا، فيتمتع بحلاله في دور البناية الأخير. (3) في الدور الأول تبيع الفروع الجوارب و الأحذية الرخيصة ويدفع الفقراء جنيهاتهم، ويحلم العمال معا وهو يمسحون بلاط المتجر أن يأتي اليوم ويصبحون مثل الحاج الطيب الذي كان فقيرا ثم "اتقى الله والتزم وتاجر فكوفئ دنيويا بطابقه الاخير وماله الوفير وينتظر الجائزة الكبرى في الآخرة". يحلم هؤلاء المتدينون المحافظون أن يعبروا من خانة الفقر إلى الثراء، ومن يعبر تشبه حالته حالة أفراد المجتمعات الأوروبية في بداية عصر النهضة، عندما عبرت من مرحلة (الاقتصاد السكوني) التي يستهلك فيها الناس ما ينتجون، إلى مرحلة الرأسمالية المتراكمة، فتسود قيم كمية لكل شيء تقريبا، ومنها الجنس، فبحسب الألماني "رايموت رايش" في كتابه "النشاط الجنسي وصراع الطبقات"، يقاس الجنس بمعيار القيم التبادلية، فيكون المعيار كم امرأة تحوز، وكم عدد طلبات الزواج التي رفضتها المرأة، بل ويقاس النشاط الجنسي بكم الأولاد الناتجة عنه، وسط هذه القيم ينعم المشايخ الكبار ويروجون للتعدد وزواج القاصرات، ويتحولون أيضا إلى مثل أعلى للمحرومين الفقراء. هنا تبنى أسطورة سفير الوهابية المنقذ للفقراء. (4) "التوحيد النور" هكذا تلخص اللافتة أعلى البناية مشروع الشيخ سيد، ما يفعله هو التوحيد، وما يناله من جوائز هو النور. هذه هي وصفة الوهابية السهلة، ابق معنا لأن ما نقوم به صلب الدين، وبعده ستنال الرضا أموالا ونساء و آخرة هانئة. ادعم جبهة النصرة، وتحالف مع جيش الإسلام، واضرب مجالس العزاء في اليمن، فنحن الدين، والبركة، وسيمن الله عليك بترولا ومكانة بين الناس. وربما تستحوذ على دور أخير تتغير فيه أسماء النساء.