«كلية آداب يا اسطى».. ناديته في ظهيرة صيف ماضي، أوقف السيارة ركبت، ثم ابتسم وهدأ من صوت قارئ القرآن، وبادرني بابتسامة باهتة: * "دي ما فيهاش حاجة من اسمها خالص"! كنت أدرك مغزاه لكن بواقع الاستفزاز رددت: "كل حتة فيها الحلو والوحش" -"لا لا أنا كنت في كلية التجارة وعارف.. البنات في آداب أعوذ بالله حاجة تانية". في نوبة استسلام ظاهرية قلت له :"طب والحل ايه يا شيخ" - المرأة تجلس في المنزل في خدمة اولادها وزوجها، ولا تمشي تثير الفتنة في الشوارع. دخلت في نوبة دفاع مضادة عن "دور نساء النبي في الدعوة" وعمل السيدة خديجة بالتجارة وكيف أن النساء نصف المجتمع، ووعن صالونات النساء الثقافية في القرن الأول الهجري بالحجاز وأن الجسد ليس فتنة وأن كان فلا يقتصر عن المراة فقط. -إنت حضرتك عايز تمشي الناس ملط؟! وهنا نزلت في منتصف الطريق. حوار التاكسي كان دالا على مؤشرات عديدة، بشأن المرأة وجسدها، يشترك فيها المتلقي السلفي (السائق) مع ناقل ما يسمونه العلوم الشرعية (الدعاة والمشايخ). وهي مؤشرات بعضها تعلق بفهم وظيفة الجسد الأنثوي وتقييمه، أو تجمد الوعي السفي تاريخيا عند مرحلة ما، ينقلها بتفاصيلها الاجتماعية الموروثة إلى حاضر تجاوزها. 1- التسري المرأة متاع للرجل، هكذا ورث المسلمين الأوائل هذا المفهوم من أجواء ما قبل الإسلام، كان طبيعي أن يتزوج الرجل بالعديد من النساء في وقت واحد، أو يشتري إماء ليستمتع بهن، في بيئة قاحلة خالية من المباهج، تأمل مثلا هذا النص الديني الذي نقله الراحل خليل عبد الكريم في كتابه.
قال قيس بن الحارث: أسلمت وتحتي ثمان نسوة فأتيت النبي ص فقال له اختر منهن أربعا وروى محمد بن سويد الثقفي أن غيلان بن سلمة أسلم وتحتع عشر نسة فأمره رسول الله ص أن يتخير منهن أربعا". رواه الترمذي ومالك و الشافعي في مسنده و أورده بن قدامه في المغني المجلد السابع ص 604 والمقدسي في شرح المجلد الثامن ص 45 دار الغد العربي مصر. وإزاء هذه الثقافة لم يمنع الإسلام منهج التسري الراسخ بحكم التقاليد، فكان كبار الصحابة يعددون، وأتاح لهم الطلاق إضافة أعداد أخرى على الأربعة الشرعيين، تزوج مثلا عبد الرحمن بن عوف 20 امرأة، طوال حياته، في حين تزوج علي بن أبي طالب رضي الله عنه 4 نساء وامتلك 14 أمة. ولغة النص نفسه متأثرة بالسياق الاجتماعي السائد قبل الإسلام، مع استخدام " تعبير " وتحته أربعة نساء" ومجتمع ما قبل الإسلام عرف التعدد والتسري، بل ووراثة الأرامل مع بقية التركات. ومع فلسفة الفكر السلفي القائمة على تجميد التاريخ، وأفضلية القرون الأولى، انتقلت المراة بوظائفها ومتعتها إلى الحاضر، حيث يبشر المشايخ بحتمية عودة أسواق الرقيق، وضرورة عزل النساء في المنازل، ويضرب بعضهم المثل في الزواج والطلاق السريع. فلسفة التسري انعكست في عالم السلفية على سلوكيات وفتاوى ومداخلات بدت غرائبية، تتفنن في التنظير لفنون المضاجعة أو هواجسها، من السؤال حول شرعية خلع الملابس أثناء الجماع إلى مدى شرعية شرب المني، إلى الاعتراض على تحديد سن الزواج في قوانين حديثة للأحوال الشرعية، ومدى احتمال الصغيرة للمفاخذة و الوطء، أو كون زواج الأطفال حل للزواج العرفي على ما قال ياسر برهامي منذ عامين. هي فلسفة العنتيل والأجساد اللينة. (2) قشة الفقير البعد الطبقي ملمح آخر من هواجس العقل السلفي تجاه أجساد النساء، فجمهور السلفية الغالب يسود أوساطا فقيرة، دلت على ذلك مؤشرات عديدة منها نتائج البرلمان المنحل عام 2012، احتل سوق البسطاء السياسي كبديل لليسار وهى السوق التى كان يخاطبها اليسار فى أوقات سابقة، وأثناء الانتخابات الرئاسية قبل الماضية تركزت شعبية حازم أبوإسماعيل أيضا فى تلك المناطق، وتماس شعار حملته "سنحيا كراماً" مع عُقَد قديمة عانى منها البسطاء فى هذه المناطق كالمعاملة غير الكريمة بأقسام الشرطة، والحرمان من الخدمات، فاتحد الفكر المحافظ مع الوعد بتغيير الحياة للأفضل. لم ينظروا للتفاصيل. كعادة البسطاء المنتظرين للمخلص، الذي يغير دينهم ودنياهم. والمدخل الطبقي في تحليل رواج الفكر السلفى المحافظ فيما يخص قضايا والمرأة والجنس يقودنا إلى فهم تقبل الأسر الفقيرة لزواج ابنتهم من شيخ سلفي متعدد النكاح، فهو يزيح عنهم تكلفة إعالة فرد من أفرادها بعد انتقال الفتاة لكنف رجل آخر. - تقبل الأسر بنفس المنطق السابق فكرة الزوجة الثانية، فيما يتقبل الشاب غير القادر على الزواج صورة أن المرأة "موطن الفتنة" ، وأن كل انحراف ناتج عن كبت رغبته فى الزواج هو بالأساس مسئولية أنثوية، فيتم التسامح نسبياً مع مسئولية الرجل فى التحرش لأن المرأة "لبسها مثير"، ويتم التشجيع على عملية ختان الإناث لأنه "عفة" والحل وفق هذا المنظور هو إقصاء المرأة خلف الجدران. (3 ) الجائزة ومن يعبُر خانة الفقر من المتدينين المحافظين إلى الثراء، تشبه حالته حالة أفراد المجتمعات الأوروبية فى بداية عصر النهضة، عندما عبرت من مرحلة (الاقتصاد السكونى) التى يستهلك فيها الناس ما ينتجون، إلى مرحلة الرأسمالية المتراكمة، فتسود قيم كمية لكل شىء تقريبا، ومنها الجنس، فبحسب الألمانى "رايموت رايش» فى كتابه "النشاط الجنسى وصراع الطبقات"، يقاس الجنس بمعيار القيم التبادلية، فيكون المعيار كم امرأة تحوز، وكم عدد طلبات الزواج التى رفضتها المرأة، بل ويقاس النشاط الجنسى بكم الأولاد الناتجة عنه، وسط هذه القيم ينعم المشايخ الكبار ويروجون للتعدد وزواج القاصرات، ويتحولون أيضا إلى مثل أعلى للمحرومين الفقراء.