ثمة جدل هائل فى مصر يتجدد بين الحين والآخر عند تعاطى رموز التيار السلفى مع قضايا الحريات، وبشكل خاص ما يتعلق بحقوق المرأة والجنس، بدأت إرهاصاته أثناء انعقاد البرلمان المنحل حاليا، عندما طالب بعض أعضائه بإلغاء بعض قوانين الأحوال الشخصية مثل الخلع، ثم ما قيل عن مقترح فى الدستور الجديد للسماح بزواج القاصرات، وقول أحد رموز هذا التيار -وهو الطبيب ياسر برهامى نائب رئيس الدعوة السلفية- إن زواج الأطفال يعد حلا لمشكلة الزواج العرفى، طالما تستطيع الفتاة تحمل عبء الممارسة الزوجية، مرورا برفض تعيين امرأة فى منصب نائب الرئيس، وهو الأمر الذى أجبر الرئيس الحالى على الإذعان ومخالفة وعوده للقوى المدنية قبيل انتخابه. ورغم تعدد المداخل التى فسرت سلوك التيارات السلفية السياسى تجاه المرأة، ما بين دينية وسيكولوجية وسياسية، كذلك تنوع التفسيرات على أساس جغرافى ما بين تأثيرات ثقافية كامنة داخل المجتمع وأخرى وافدة من الخارج، فإن البعد الاقتصادى الطبقى فى تفسير الظاهرة يضفى على الصورة -برأيى- مزيدا من الفهم. فالنسق الثقافى السلفى المحافظ يسود أوساطا بعينها، وتؤثر هذه السيادة على الساحة السياسية. فبحسب نتائج البرلمان المنحل نال حزب النور حصيلته التصويتية الأعلى فى المناطق الفقيرة، ما أعطى مؤشرا على فوزه بسوق البسطاء السياسية، وهى السوق التى كان يخاطبها اليسار فى أوقات سابقة، وأثناء الانتخابات الرئاسية تركزت شعبية حازم أبوإسماعيل أيضا فى تلك المناطق، وتماس شعار الحملة «سنحيا كراماً» مع عُقَد قديمة عانى منها البسطاء فى هذه المناطق كالمعاملة غير الكريمة بأقسام الشرطة، والحرمان من الخدمات، فاتحد الفكر المحافظ مع الوعد بتغيير الحياة للأفضل. ***** والمدخل الطبقى فى تحليل رواج الفكر السلفى المحافظ فيما يخص قضايا الحريات والمرأة والجنس يقودنا إلى عدة نقاط: - قبول زواج القاصرات والتعلق بأفكار بعض السلفيين فى تلك القضية بحل مشكلة الفقر للأسر المعيلة فى الطبقات الدنيا، ويخفف عن كاهل الأسر مسئولية إعالة فرد من أفرادها بعد انتقال الفتاة لكنف رجل آخر. - تقبل الأسر بنفس المنطق السابق فكرة الزوجة الثانية، فيما يتقبل الشاب غير القادر على الزواج صورة أن المرأة هى «موطن الفتنة»، وأن كل انحراف ناتج عن كبت رغبته فى الزواج هو بالأساس مسئولية أنثوية، فيتم التسامح نسبياً مع مسئولية الرجل فى التحرش لأن المرأة «لبسها مثير»، ويتم التشجيع على عملية ختان الإناث لأنه «عفة» والحل وفق هذا المنظور هو إقصاء المرأة خلف الجدران. - من يعبُر خانة الفقر من المتدينين المحافظين إلى الثراء، تشبه حالته حالة أفراد المجتمعات الأوروبية فى بداية عصر النهضة، عندما عبرت من مرحلة (الاقتصاد السكونى) التى يستهلك فيها الناس ما ينتجون، إلى مرحلة الرأسمالية المتراكمة، فتسود قيم كمية لكل شىء تقريبا، ومنها الجنس، فبحسب الألمانى «رايموت رايش» فى كتابه «النشاط الجنسى وصراع الطبقات»، يقاس الجنس بمعيار القيم التبادلية، فيكون المعيار كم امرأة تحوز، وكم عدد طلبات الزواج التى رفضتها المرأة، بل ويقاس النشاط الجنسى بكم الأولاد الناتجة عنه، وسط هذه القيم ينعم المشايخ الكبار ويروجون للتعدد وزواج القاصرات، ويتحولون أيضا إلى مثل أعلى للمحرومين الفقراء.