هل يُدرك بالفعل أهل الحكم فى السعودية الطبيعة الخاصة للكارثة التى تحيق بهم وحجمها ومداها؟ وهل لديهم تصورات عن السيناريوهات الاحتمالية لتجلياتها مع توابعها؟ وهل أعدّوا أنفسهم للتعامل معها؟ وهل يعتقدون حقاً أنه يمكنهم الصمود؟ وهل حدّدوا حلفاءهم؟ وما هو المقابل الذى سيمنحونه لهؤلاء الحلفاء؟ وإلى أى مدى يمكن للحلفاء أن يصمدوا معهم؟ هذه مجرد بعض أسئلة من كومة متراكمة تفرض نفسها، إضافة إلى المستجدات غير المتوقعة التى سوف تطل برأسها فى حينها. الجديد هذه المرة أن الإدارة الأمريكية، بقيادة الرئيس الذى سوف يتولى بعد أوباما، سوف تتوارى قليلاً ليتصدر المشهد فى مواجهة السعودية أفراد من الشعب الأمريكى من ذوى ضحايا 11 سبتمبر، سوف يُحرِّكون دعاوى التعويض ضد السعودية، وفق القانون الجديد الذى أجازه الكونجرس بغرفتيه بأغلبية تاريخية كاسحة ضد فيتو الرئيس، حتى أن أعضاء حزبه وقفوا ضده! (عضو واحد أيّد الرئيس فى مجلس الشيوخ من جملة 100 عضو، وفى مجلس النواب أيّده 77 نائباً فقط أمام 348!) وقد أجاز القانون لذوى الضحايا أن يرفعوا دعاوى بطلب تعويضات من السعودية، وعندما يحكم لهم القضاء، يصبح الرئيس الأمريكى ملزماً بالعمل مع كامل إدارته على تنفيذ الأحكام الصادرة لصالح مواطنيه، وسوف يكون مدعوماً فى هذه الحالة دعماً استثنائياً من الكونجرس ، بل إن الكونجرس سيكون عامل ضغط عليه إذا تلكأ أو تقاعس! تتجاوز أعداد الضحايا 3 آلاف ضحية، بما يجعل التعويضات، فى بعض التقديرات، تزيد على 3 ترليونات من الدولارات! وهو رقم مخيف، حيث تقل كل أموال السعودية فى أمريكا، من ودائع وسندات وأذون خزانة وغيرها، عن الترليون دولار، التى باتت مرشحة للحجز عليها كجزء من التعويض المتوقع. ويبقى السؤال المهم: كيف تتحصل أمريكا على بقية التعويضات؟ تصر ردود الأفعال السعودية، ومعها الردود التى تعلن تعاطفها مع السعودية، على الاستمرار فى البكائيات العربية التى أثبتت عدم جدواها فى كل معركة! فهم ينعون على أمريكا أنها لا تفى بالتزامات الصداقة مع من يخدمها! كما تنادى بالاصطفاف العربى وإلا لن يفيد درس الثور الأبيض! وتحاجى بأن السعودية كدولة لم يوجَّه لها أى اتهام بالتورط فى الجريمة، وتنتقد بأن أمريكا هى التى أجرمت فى حق دول كثيرة وهى التى من المفروض أن تدفع تعويضات لآخرين. وكما ترى، فهذا من أحد تجليات أزمة العقلية العربية التى تحرص، دون أن تتعلم من الدروس المتراكمة، على أن تتعامل مع الواقع السياسى بأدوات غير سياسية! فمتى كانت السياسة الدولية تلتزم بمعنى الصداقة إلا فى خيالات الأدمغة العربية؟ وهل يمكن للاصطفاف العربى أن ينجح فى صدّ الإجراءات الأمريكية التى لا يعرف أحد أدواتها ومساراتها بعد؟ ثم هل يمكن أن يتحقق الاصطفاف العربى أصلاً؟ وأما أن تستثنى أمريكا نفسها من القانون، فإن السعودية تفعل نفس الشيى بدرجة أقل فى محيطها! وأما من يدينون مبدئياً ما يسمونه روح التشفى فى السعودية ويصمونها بالهدّامة، فهل إذا تحولت هذه الروح للتعاطف يمكنها أن تدعم الموقف السعودى؟ خصوم السعودية وضحاياها فى الإقليم كثيرون، وقد أدانوا السعودية مراراً وتكراراً فى خروجها عن الاصطفاف العربى الذى يطالب البعض الآن بتفعيله لصالح السعودية، بل إنها عملت على ضرب هذا الاصطفاف عبر سنوات ممتدة (تذكر فقط موقفها من عبد الناصر!)، وقد تجاوزت مؤامرات التخريب الداخلى، التى كان من الممكن للسعوديين أن ينكروه قبلاً، إلى التدخل مباشرة وعلناً مؤخراً، إما بالجند والسلاح مثلما يحدث فى اليمن، وإما بدعم فصائل إرهابية دون مواربه مثلما يحدث الآن فى سوريا. لا يستطيع أحد أن يمنع ضحايا السياسة السعودية من أن يفكروا فى أن السعودية الموحدة هكذا منذ النصف الأول من القرن العشرين هى من أكبر الأضرار على المنطقة، خاصة بتبنيها للمذهب الوهابى والعمل على نشره بنفوذ المال الفعّال، وهو ما كان له أثر تخريبى رهيب على المنطقة سياسياً، بفرض نموذج الاستبداد فى الحكم، وطائفياً، بالأضرار على وحدة المجتمعات تحت وطأة الصراعات الدينية والمذهبية، كما أن له آثاراً شديدة السلبية ضد التطور والحداثة وحقوق الإنسان وقهر المرأة..إلخ إلخ! بافتراض أفضل الاحتمالات، بأن لا تلجأ الإدارة الأمريكية للعنف المباشر لتحصيل ما تعتبره استحقاقات لبعض مواطنيها، وبأن تلجأ للمقاطعة والضغط من الخارج وإدانة تدهور أوضاع حقوق الإنسان وغيرها من الأساليب، وقد تتعمد أن يمتد هذا لسنوات تخنق وتعتصر وتحرك الكوامن! ألن يكون هذا عاملاً محفزاً لإظهار التنقاضات الداخلية المقهورة المكبوتة حالياً بقوة الدولة السعودية؟ ليس فقط من الشيعة السعوديين، ولكن من المغبونين من النظام الاقتصادى الاجتماعى، وأيضاً من دعاة الحداثة والرافضين لأن تستبد عائلة بالثروة والحكم واعتبار كل من يخالفها عدواً لله؟ لقد اقترفت الإدارة الأمريكية خلال السنوات الماضية أخطاء رهيبة، حتى بحساب المصالح الأمريكية، ما دام أن هذا كان يحقق مصلحة إسرائيل البعيدة، ولم تهتم بأن تحقق بعض السياسات بعض مصالح إيران، التى كانت مصنفة فى الخطاب الرسمى الأمريكى كأكبر عدو لها فى المنطقة، مثلما حدث فى تدمير العراق، فتحقق لإيران ما لم يكن بمقدورها عمله بنفسها، فى ظل الهدف الإسرائيلى الاستراتيجى بالقضاء على العراق، برغم أن بقاء العراق كمناوئ لإيران كان يحقق مصالح أمريكية. تقزيم السعودية يحقق المصالح الإسرائيلية البعيدة التى يهمها أن تقضى على أسباب قوة كل الكيانات القوية فى الجوار، حتى إذا كان هذا يفيد إيران أيضاً. لقد بدّد نظام الحكم السعودى أقوى ورقة كان يمكن أن تفيده فى مثل هذه الكوارث القادمة، وهى وحدة شعبه، والتى ما كان لها أن تتحقق إلا بإصلاحات جذرية كان يمكن للثروة الطائلة أن يكون لها دور فاعل، ولكن النظام الحاكم اختار أن يكتفى بإنشاء البنايات الخراسانية الشاهقة، والطرق الممتدة، وما شابه ذلك، ولم يلتفت للاقتراب من إنجازات العصر فى تطوير سياسة الحكم، وفى وضع قوانين حديثة، وفى العدالة فى توزيع الثروة، وفى تأصيل وحماية حقوق الإنسان..إلخ إلخ ولهذا يشكك كثيرون فى أن يجد النظام السعودى أى اصطفاف فعَّال حتى من شعبه فى الكارثة القادمة!