ما من أحد اطلع علي القانون الجديد الذي أقره الكونجرس الأمريكي بالإجماع.. والذي يسمح لأسر ضحايا كارثة 11 سبتمبر 2011 بمقاضاة السعودية وطلب تعويضات.. إلا وأدرك أنه قانون للابتزاز السياسي والاقتصادي الصريح.. يستهدف الضغط علي السعودية لتغيير بعض سياساتها.. ويشكل قمة البلطجة السياسية علي المستوي الدولي. لم تكن السعودية يوما مصنفة في قوائم الدول الراعية للإرهاب.. أو حتي المشتبه في رعايتها للإرهاب.. بل إنها اكتوت مرات عديدة بالإرهاب.. وعانت من ويلاته مثل مصر وكثير من الدول العربية والإسلامية.. ومازالت تحاربه وتتعقبه داخليا وخارجيا.. لكن الكونجرس أراد بهذا القانون أن يستعرض عضلاته مثل فتوة الحارة الشعبية قديما.. ويفرض اتاوة صريحة ليثبت أنه يحكم العالم.. ولا يحكم أمريكا وحدها.. وأغلب الظن أن القصة وراءها إسرائيل التي تريد أن تحاصر الدول العربية واحدة بعد واحدة.. وتضغط علي هذه الدول واحدة بعد واحدة.. لكي تحصل علي التطبيع المجاني.. وتصبح حليفا استراتيجيا يسعي الجميع كي يخطب وده. وإذا كان قانون الكونجرس قد بدأ بالسعودية.. بدعوي أن 15 من المتورطين ال 19 في أحداث 11 سبتمبر كانوا سعوديين.. فليس مستبعدا أن تأتي مقاضاة دول أخري مثل مصر والإمارات والكويت في مرحلة تالية.. والحجة جاهزة.. فأحد المتورطين في الأحداث كان مصريا.. واثنان من الإمارات.. بينما كان المتحدث باسم القاعدة كويتيا. وقد يصور للأمريكيين خيالهم أن أسر الضحايا ال 3000 سوف يحصلون علي تعويضات بمليارات الدولارات من وراء هذا القانون بنفس الطريقة التي حصل بها ضحايا حادث طائرة لوكيربي علي تعويضات هائلة من القذافي.. وغاب عن أصحاب هذا التصور المريض أن نظام القذافي كان هو المتهم والمدان في حادث لوكيربي.. وهو ما لم يثبت ولن يثبت في كارثة 11 سبتمبر.. حيث كان الإرهابيون المتورطون يتصرفون في جريمتهم ضد إرادة أنظمتهم ودولهم التي سحبت جنسيتها منهم حتي من قبل أن تقع الكارثة.. وأدانت الجريمة منذ اللحظة الأولي لوقوعها. لكن خطورة هذا القانون الذي يرفض أوباما توقيعه واعتماده حتي الآن ليكون ساريا انه يهدد بالفعل الاستثمارات الخليجية داخل الولاياتالمتحدة التي تقدر بعدة تريليونات من الدولارات.. وكانت الدول الخليجية - وفي مقدمتها السعودية - قد هددت بسحب هذه الاستثمارات في حالة إقرار القانون.. وليس مستبعدا في ظل سياسة البلطجة والابتزاز التي يمارسها الكونجرس جهارا نهارا أن يتم سن تشريع يصادر تلك المبالغ لصالح أسر ضحايا 11 سبتمبر.. ثم يطبق هذا السيناريو علي كل دولة يراد ابتزازها. ولو حدث هذا - لا قدر الله - فلن يمر بسلام.. وإنما سيخلق حالة من الفوضي والارتباك في العالم.. سياسيا واقتصاديا.. فهناك دول أخري سوف تحذو حذو الكونجرس.. وتسن تشريعات تسمح لضحاياها بمقاضاة الولاياتالمتحدة نفسها وطلب تعويضات للخسائر التي أصابتها من جراء غزوها عسكريا أو التآمر عليها سياسيا.. والاطاحة بنظمها الوطنية. وأقرب مثال علي ذلك العراق الشقيق الذي دمره ومزقه الغزو الأمريكي البريطاني بزعم وجود أسلحة دمار شامل في حوزة صدام حسين.. وهو ما ثبت انه أكذوبة.. وهناك ليبيا أيضا التي ثبت أن الغارات الأمريكية والبريطانية التي استهدفت إزاحة نظام القذافي كانت سببا في تدمير البلد وتقطيع أواصره.. ناهيك عن التدخل العسكري الآن في سوريا من قبل أمريكا وروسيا وإيران وتركيا وحزب الله.. وهو ما يسمح لأي نظام سيأتي بعد الكارثة الحالية بأن يقاضي الدول التي لم تكن حليفة له ويطالب بتعويضات.. ونفس السيناريو قد تسير عليه دول أمريكا اللاتينية التي أنهكها التدخل الأمريكي مرارا وتكرارا واسقط نظمها الوطنية ليقيم نظما عسكرية موالية لواشنطن. وهكذا.. فإن القانون الذي تريد أمريكا أن تجعله فزاعة ضد الدول التي لا تروق لها سياساتها وتوجهاتها سوف يكون سلاحا يرتد إلي صدرها.. وبالطبع إلي صدر حليفتها إسرائيل.