بدء امتحانات الفصل الدراسي الثاني بكلية الألسن جامعة أسوان    حجازي يلتقى بوزير الدولة للمدارس بالمملكة المتحدة لبحث التعاون بمدارس (IPS)    للتوعية بحقوقهن وواجباتهن.. «الهجرة» تناقش ضوابط سفر الفتيات المصريات بالدول العربية    أسعار الدواجن في أسواق مطروح اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024    وائل ناصر: مد الإعفاءات الجمركية للسلع الأساسية دليل مرونة الإصلاح الاقتصادي    فتح باب التقديم للحصول على دورات مجانية في «الطاقة الشمسية والتطريز» لشباب قنا    وزارة التخطيط تستضيف احتفالية توزيع شهادات التميّز للمستفيدين والمستفيدات من «باب رزق»    اليونان تسقط تهم 9 مصريين، اعرف السبب    نجم الأهلي السابق: هناك علامات استفهام حول مستوى أحمد فتوح    غياب 5 لاعبين عن الأهلي أمام الترجي في نهائي دوري أبطال أفريقيا    التشكيل المثالي للدوري الإنجليزي موسم 2023/24.. موقف محمد صلاح    الأرصاد: استمرار الموجة شديدة الحرارة حتى هذا الموعد    سلومة يتابع سير امتحانات الفصل الدراسي الثاني بالجيزة    أشهر مصفف شعر للنجمات العرب، وفاة الشاب طوني صوايا‬⁩ بشكل مفاجئ    لمواليد برج السرطان.. توقعات الأسبوع الأخير من مايو 2024 (التفاصيل)    ضمن «القضاء على قوائم الانتظار».. إجراء 74 ألف عملية جراحية مجانية بالمنيا    في اليوم العالمي للشاي.. طريقة تحضير «بسكويت الماتشا» في المنزل    منها «التعرق الليلي والتعب».. ما هي أعراض سرطان الدم؟    وزير الإسكان يعقد اجتماعا بمقر جهاز مدينة "بنى سويف الجديدة" لمتابعة سير العمل بالمشروعات    مبابي يودع باريس سان جيرمان في حفل ضخم    لهذا السبب.. عباس أبو الحسن يتصدر تريند "جوجل" بالسعودية    الموعد والقناة الناقلة لقمة اليد بين الأهلي والزمالك بدوري كرة اليد    حفل تأبين الدكتور أحمد فتحي سرور بحضور أسرته.. 21 صورة تكشف التفاصيل    أخبار الأهلي : هجوم ناري من شوبير على الرابطة بسبب الأهلي والزمالك.. وكارثة منتظرة    رئيس الإذاعة: المولى عز وجل قدّر للرئيس السيسي أن يكون حارسا للقرآن وأهله    تصور أطفالها ك «معاقين» وتتاجر بهم على ال«فيس بوك»    وزيرة التضامن تعلن موعد مغادرة أول أفواج حجاج الجمعيات الأهلية    «عثر على جثتها ملقاة في المقابر».. القبض على مرتكبي واقعة «فتاة بني مزار»    بالتزامن مع فصل الصيف.. توجيهات عاجلة من وزير الصحة    رئيس جامعة بني سويف: مناقشة أول رسالة ماجستير بكلية علوم الأرض    استشهاد رئيس قسم الجراحة بمستشفى جنين    تاريخ المسرح والسينما ضمن ورش أهل مصر لأطفال المحافظات الحدودية بالإسكندرية    «القومي للمرأة» يوضح حق المرأة في «الكد والسعاية»: تعويض عادل وتقدير شرعي    جولة تفقدية لمحافظ الدقهلية بمقر مركز معلومات شبكات المرافق الجديد    بسبب لهو الأطفال.. أمن الجيزة يسيطر على مشاجرة خلفت 5 مصابين في الطالبية    الثلاثاء 21 مايو 2024.. نشرة أسعار الأسماك اليوم بسوق العبور للجملة    صعود جماعي لمؤشرات البورصة في بداية تعاملات الثلاثاء    خبيرة تغذية توجه نصائح للتعامل مع الطقس الحار الذي تشهده البلاد (فيديو)    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 49570 جنديًا منذ بداية الحرب    داعية إسلامي: الحقد والحسد أمراض حذرنا منها الإسلام    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 21-5-2024    لجان البرلمان تواصل مناقشة مشروع الموازنة.. التموين والطيران والهجرة وهيئة سلامة الغذاء الأبرز    ننشر بالأسماء ضحايا حادث العقار المنهار بالعياط    مي عز الدين تُطلق مسابقة بين جمهورها على «التيك توك».. ما القصة؟ (فيديو)    ضياء السيد: مواجهة الأهلي والترجي صعبة.. وتجديد عقد معلول "موقف معتاد"    حسام المندوه: الكونفدرالية جاءت للزمالك في وقت صعب.. وهذا ما سيحقق المزيد من الإنجازات    مندوب فلسطين أمام مجلس الأمن: إسرائيل تمنع إيصال المساعدات إلى غزة لتجويع القطاع    مندوب مصر بالأمم المتحدة لأعضاء مجلس الأمن: أوقفوا الحرب في غزة    الطيران المسيّر الإسرائيلي يستهدف دراجة نارية في قضاء صور جنوب لبنان    منافسة أوبن أيه آي وجوجل في مجال الذكاء الاصطناعي    «سلومة» يعقد اجتماعًا مع مسئولي الملاعب لسرعة الانتهاء من أعمال الصيانة    الأنبا إرميا يرد على «تكوين»: نرفض إنكار السنة المشرفة    المقاومة الفلسطينية تستهدف قوات الاحتلال قرب مفترق بلدة طمون جنوب مدينة طوباس    دعاء في جوف الليل: اللهم ابسط علينا من بركتك ورحمتك وجميل رزقك    موعد عيد الأضحى 2024 في مصر ورسائل قصيرة للتهنئة عند قدومه    بوتين: مجمع الوقود والطاقة الروسي يتطور ويلبي احتياجات البلاد رغم العقوبات    عمرو أديب عن وفاة الرئيس الإيراني في حادث الطائرة: «إهمال وغباء» (فيديو)    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحصون السبعة.. السيرة الشعبية لمحاربة الإمام على لملك الجان الكافر «الحلقة الثانية»
نشر في التحرير يوم 11 - 07 - 2013


يقدمها ويحققها: علاء عريبى
فى حوالى عام 1886م، بعد أربع سنوات من فشل الثورة العرابية بسبب خيانة الخديو وبعض النخب المصرية، واحتلال القوات الإنجليزية البلاد، عاش الشعب المصرى أسوأ سنوات القهر والظلم والشعور بالعجز، وقد حاول أن ينسى أو يتناسى مرارة الهزيمة وانكسار حلم أن تكون: «مصر للمصريين»، فاستسلم البعض للغيبيات وللخرافات وإلى كل ما يجعله لا يرى الواقع بمرارته، على أمل أن يظهر عرابى آخر ينقذهم من القهر، ووسط هذا المناخ كان الرواة الشعبيون يؤججون هذه الأحاسيس بالقصص الشعبية الخرافية التى قد تعين على الصبر وتفتح بابًا للأمل فى ظهور البطل القادر على تخليصهم من هذا العجز والانكسار، وذلك برواية قصص أبو زيد الهلالى وعنترة بن شداد والأميرة ذات الهمة وغيرها من قصص الأبطال التى تسرى عنهم وتجعلهم يتوافقون مع الواقع، وكانت تروى هذه القصص شفاهة فى المقاهى ومناطق السمر.
بعد ظهور الطباعة نشرت هذه السير الشعبية بين دفتى كتاب، حيث قامت بعض دور الطباعة بجمع هذه القصص الخرافية وإتاحتها للقراءة بعد أن كانت تروى على ربابة فى الحوارى والموالد والمقاهى والأسواق، وكان من بين هذه القصص سيرة شعبية بطلها الإمام على بن أبى طالب، نسج خيوطها وأحداثها وصور شخوصها أحد الرواة الشعبيين من الشيعة الإمامية، من هو؟ وفى أى عصر عاش؟ وما جنسيته؟ وهل القصة التى ألفها رواها على المستمعين أم أنه دفع بها لأحد الرواة المهرة؟ وهل ألفها باللغة العربية أم الفارسية؟
كل ما نعرفه أن قصة الحصون السبعة، أو حروب الإمام على بن أبى طالب ضد الهضام بن الحجاف ملك الجن، قد وصلتنا فى مصر من خلال أحد الرواة، اختلفوا حول حياته ومصداقيته، اسمه أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن محمد البكرى، البعض أرجعه إلى القرن السادس الهجرى، والبعض الآخر، وهو الأقرب، نسبه إلى القرن الثالث الهجرى، وقد شككت مصادر السنة فى مصداقيته، وأكدت كذبه، وقيل: إنه أكذب من مسيلمة، قال الذهبى فى الميزان: «فما أجهله وأقل حياءه، ما روى حرفًا واحدًا من العلم بسند، ويُقرأ له فى سوق الكتبيين كتاب (ضياء الأنوار) و(رأس الغول) و(شر الدهر) وكتاب (كلندجة)، و(حصن الدولاب)، وكتاب (الحصون السبعة) وصاحبها هضام بن الحجاف، وحروب الإمام على معه وغير ذلك»، وذكر فى شرح مجانى الأدب بأنه: «صاحب كتاب الأنوار والسرور والأفكار فى مولد محمد، وله أيضا كتاب الحكم وغير ذلك، ولا يوثق بروايته، كان يخلق الكلام كثير الكذب، توفى فى أواسط القرن الثالث الهجرى»، وقد وصفه القلقشندى أيضا بالكذب فى صبح الأعشى، والصفدى فى الوافى بالوفيات، كما أن السمهودى (ت 922ه) اتهمه أيضا بالكذب، وكذلك ابن حجر ووصفه بالدجال، قال: «إنه يحوك القصص الباطلة».
تختلف سيرة الحصون السبعة عن السير الشعبية التى نعرفها، مثل أبو زيد الهلالى، والأميرة ذات الهمة، وعنترة بن شداد وغيرها فى أنها تنطلق من شخصيات تاريخية دينية إلى شخصيات ووقائع خيالية، كما أنها تضفى معجزات وقدرات لا بشرية للإمام على بن أبى طالب تفوق قدرات ومعجزات النبى والإنسان بشكل عام.
يحكى البكرى فى هذه السيرة أن أحد الجان المسلمين جاء إلى رسول الله يشكو له ملك الجان الكفرة، أكد له أنه يسخر قبيلته وبعض قبائل الجن لعبادة الأصنام، وأنه صنع صنمًا وجعل له حفرة سماها النار وأخرى الجنة يعاقب ويحسن فيها لأتباعه، وطلب من الرسول أن يساعدهم على التخلص منه ومن جبروته وكفره، وأكد أن الإمام على بن أبى طالب الوحيد الذى يستطيع هزيمته والقضاء عليه، وتذكر السيرة أن جبريل عليه السلام نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخبره أن ابن عمه الإمام على بن أبى طالب هو المكلف بالقضاء على هذا الجن الكافر واسمه الهضام بن الحجاف، وفى السيرة نشاهد الرسول الكريم وهو يستحلف الإمام على أن يوافق على الخروج إليه، هذه السيرة التى رواها أحمد بن عبد الله البكرى المنسوب إلى الشيعة، رويت على لسان الإمام على بن أبى طالب، حيث نسبها البكرى إلى الإمام على رضى الله عنه، ولطرافتها ننشرها على أجزاء بعد أن قمنا بتعريف الأعلام الموجودة بها، وهى فى أغلبها شخصيات حقيقية، بعضها من الصحابة رضى الله عنهم أجمعين، كما قمنا بتعريف الأماكن، وقمنا بشرح الكلمات الصعبة تيسيرًا على القارئ، ووضعنا كل هذا بين قوسين.
الهضام صنع صنمًا من الذهب ورصَّعه بالجواهر واليواقيت وجعل له جنة ونارًا
أمس بدأنا نشر السيرة الشعبية المسماة «الحصون السبعة» أو سيرة أو غزوة الإمام علىّ بن أبى طالب وسيره إلى الملك الهضام بن الجحاف وقطعه الحصون السبعة، وهى قصة شعبية خيالية من وضع المؤرخ القصصى الشيعى أبى الحسن أحمد بن عبد الله بن محمد البكرى الذى عاش فى القرن السادس الهجرى، وقد جاء فى الحلقة الأولى أن النبى محمدًا عليه الصلاة والسلام كان فى جلسة مع بعض الصحابة، فدخل عليهم عرفطة بن شماخ جنى من المسلمين وألقى التحية، الرسول طلب منه أن يظهر نفسه للصحابة، وبعد أن ظهر فى صورة شيخ وتعارفوا استغاث عرفطة بالرسول أن ينقذ الجن المسلمين من الملك الهضام بن الجحاف الكافر الذى يعبد الأصنام، حيث إن الأخير يعذب الجن المسلم ويجبرهم على الارتداد عن الإسلام وعبادة صنمه الملقب ب«المنيع»، وقد رشح عرفطة الإمام علىّ بن أبى طالب لقيادة الجيش الذى سيرسله لمحاربة الهضام، وبعد انصرافه نزل جبريل عليه السلام على الرسول يحمل رسالة تكليف لعلىّ بن أبى طالب بالذهاب لمحاربة الهضام، ومن وهنا يبدأ الراوى حلقة اليوم:
قال الراوى: ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم أقبل على أصحابه وقال لهم: معاشر المسلمين هل فيكم من وصل إلى ديار اللعين الهضام بن الجحاف بن عون فيخبرنا بما شاهد من أبطاله وأعوانه وكفره وطغيانه، فقام عند ذلك رجل من المسلمين يقال له عبد الله بن أنيس الجهنى رحمة الله عليه (أنصارى، توفى سنة 74ه): هو الذى سأل الرسول عن ليلة القدر.
فقال: أنا أخشى أن يداخل قلبك الوهم والهم عن وصفى.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل يا ابن أنيس فإنا لا نخاف مع الله أحدا.
فقال يا رسول الله: أنت بأبى وأمى أن خبره عظيم، إن الهضام بن الجحاف لما نظر إلى أصنام العرب التى يعبدونها من دون الله عز وجل، وجعل فى سماء القبة حجرا من المغناطيس، وفى أسفل القبة حجرا آخر، وعن يمين القبة حجرا، وعن يسارها حجرا يوازن بعضها بعضا ويعادل بعضها بعضا، وأوقف الصنم فى وسطها فى الهواء يجذبه كل حجر بقوته، وذلك الصنم مرصع بالجواهر واليواقيت (مفردها ياقوته: من الأحجار الكريمة) النفيسة وكساه بالحرير الملون، ونصب له كرسيا مرتفعا مكلَّلا بالدر والجواهر، وشده بقضبان الذهب الأحمر والفضة البيضاء، فما كان من العاج الأبيض كانت كواكبه من الذهب، وما كان من الأبنوس الأسود كانت كواكبه من الفضة البيضاء، جعل لتلك القبة بابا عظيما من الذهب الأحمر، وعلق على باب القبة سترا مزركشا، وعلق من داخل القبة قناديل من اللؤلؤ بسلاسل من ذهب يوقد بطيب الادهان (ط: الأذهان)، وبنى من خارج القبة بيتا عظيما مانعا بالعلو، وجعل سقف القبة من خشب الصندل وفصل أرضها وحيطانها بالرخام الملون، وجعل من ورائها بيتا آخر مثل البيت الأول، وما زال كذلك حتى جعلها سبعة بيوت على بعضها بعضا ولها سبعة أبواب، منها ما هو من العاج، ومنها ما هو من الأبنوس وغير ذلك، وقد ركب فى تلك البيوت جامات(مفردها جامة: وهى الزجاج) من البللور المختلف الألوان، فإذا طلعت الشمس على تلك الكواكب أشرق نورها على تلك البيوت والقبة، وجعل على كل باب حاجبا موكلا به، فإذا ورد إليه وارد أو قصد إليه قاصد من بعض الملوك أوقفه الحاجب الأول والثانى كذلك، حتى ينتهى إلى الباب السابع، وكلما جاوز بابا نظر إلى غيره، فإذا هو أعظم من الذى قبله، فإذا وصل إلى المكان الذى فيه عدو الله الهضام وجده جالسا على سريره (عرشه، كرسى الملك)، وقد أحدقت به جنوده والحجاب حوله، فإذا وقعت بين يديه أمره الهضام بقلع ثيابه فيقلعها ويلبسونه ثيابا غيرها، ويقولون له: إن ثيابك هذه عصيت فيها، فهى لا تصلح أن تدخل على الإله المنيع وأنت تطلب منه الغفران، ثم يدفع له خاتما من الحديد ويقولون له: إن هذا الخاتم الذى تريد به عفوه عنك، فإذا ثبت فى يدك فقد عفا عنك وقبل توبتك، ثم بعد ذلك يأمر الملك الهضام بفتح القبة لذلك الشخص، فإذا دخل على الصنم وجد فى نفسه شيئا، فيظن أن الصنم قد قربه إليه، فيقولون له أشد يدك على الخاتم ولا تخلعه فيغضب عليك الذى أنت طالب رضاه، وكلما قرب من الصنم جذبته السلسلة إلى ورائه، فإذا كان لا ينقلع الخاتم من يده يأمرونه بالسجود فيخر ساجدا، ولم يزل كذلك حتى يهتف به من جوف الصنم الشيطان الموكل به ويأمره بالقيام فيقوم فينذر ذلك الشخص مما أمكنه من الذهب والفضة أو جواهر أو جوار أو عبيد أو خيل قدر ما تصل إليه قوته، وقد استولى اللعين الهضام بهذه الحيل على أموال الناس.
فلما فرغ من ذلك خرج إلى فلاة (الأرض الواسعة المقفرة، ج: فلا وفلوات) عظيمة ملء الأرض فجمع الصناع، وأمر بحفر حفرة طويلة طولها أربعمائة ذراع وعرضها مثل ذلك، ثم جعل لها أساسا وبناها بالصخور العظام، وأوقف عليها ألف عبد أسود غلاظا، وأفرد لها ألف بعير يحملونها الأحطاب والأخشاب، وألف عبد يجمعون لهم ذلك ويحملونه إلى الحفرة، وألف يضرمون النار فى الليل والنهار، وسمى تلك الحفرة جهنم، حتى إذا مر بهم طائر احترق من شدة لهيبها، وبنى لها درجات عاليات، ولما فرغ من ذلك بنى دائرة واسعة طولها عشرون فرسخا (الفرسخ نحو خمسة كيلومترات) وعرضها مثل ذلك، وجعل طينها المسك والزعفران وأحجارها من جميع الألوان، مثل الأحمر والأصفر والأبيض والأخضر والأزرق، وغرس فيها الأشجار وجمع فيها كامل الأوصاف والأطيار، وبنى فى وسطها دكه بيضاء من الرخام المختلف الألوان، واتخذ فيها قصور وجعل سقوفها من الذهب الأحمر والفضة البيضاء، وجعل فيها مجالس وقبابا (مفردها: قبة) زاهرات، وفرش أرضها من العقيق الأحمر والسندس الأخضر، وجعل فيها جوارى أبكار كأنهن الأقمار، ونظم ذوائبهن بالدر والياقوت، ووكل بأبواب تلك المقاصير غلمانا مردا (الأمرد: الذى لم تنبت لحيته) جردا وسماهم الملائكة، عليهم حلل من أنواع الحرير وعلى رؤوسهم عمائم خضر، وجمع فى هذه المقاصير من الفواكه الصيفية والشتوية من أطيب الأثمار، وجعل فيها الأطيار تغرد على الأغصان بأنواع اللغات، وجعل فيها أصناف الطيب (العطر) المعجون بماء الورد من حول تلك المقاصير، وفيها الخمر مسكوب والعسل مصبوب واللبن محلوب يصب فى قنوات، فمن أطاع هذا الصنم أدخله هذه الجنة وتلذذ بنعيمها، ومن عصاه أدخله هذه النار يتلظى بجحيمها، وقد تزايد أمر هذا اللعين الجبار، وشاع بين العرب بشجاعته وعظم شره حتى لقبوه بمرارة الموت.
(قال الراوى) فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك قال: يا ابن أنيس لقد حدثتنى عن أمر عظيم لم أسمع مثله قط، وأين أرضه وبلاده ومستقره؟ قال: يا رسول الله بأطراف اليمن مائلا إلى العمران فى واد يقال له وادى القمر، فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين أمير المؤمنين وحامى حوزة الدين، مفرق الكتائب ومظهر العجائب ومبدى الغرائب، الليث المحارب والغيث الساكب، والحسام القاضب ليث بنى غالب أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب، فلما سمع نداء رسول الله صلى الله عليه وسلم علىّ بن أبى طالب وثب قائما على قدميه وأنشد وجعل يقول شعر: لبيك من داع ومن منادى، لبيك نور الله فى البلاد، لبيك من داع إلى الرشاد، فرجت عنى كربة الفؤاد، قل ما تشاء يا أكبر العباد، أفديك بالآهلين والأولاد.
(قال الراوى) فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم تبسم ضاحكا من قول الإمام علىّ كرم الله وجهه ورضى عنه، ثم أقبل الإمام علىّ النبى صلى الله عليه وسلم ووقف بين يديه، فضمه النبى صلى الله عليه وسلم إلى صدره وقبله بين عينيه، وقال: معاشر المسلمين هذا على ابن عمى ووارث علمى، وزوج ابنتى وحامل رايتى، وسيف نقمتى، من أساء إليه أساء إلىّ، ومن أحسن إليه فقد أحسن إلى، ومن أحبه فقد أحبنى، ومن أبغضه فقد أبغضنى، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله.
ثم قال عليه الصلاة والسلام: أسمعت ما وصفه عبد الله بن أنيس الجهنى عن عدو الله هضام بن الجحاف وتجبره وكفره وجموحه؟ قال: نعم يا رسول الله، فقال رسول الله: يا أبا الحسن إن الله أمرنى أن أخبرك بهذا الخبر، وقد وعدنى ربى بنصرك وحفظك ورجوعك إلىّ سالما غانما، فماذا تقول؟ وأمر لك عصابة من المسلمين وجماعة من المؤمنين تسير فيهم إلى عدو الله الكافر وقد بلغنى بأنه تكاسر من الورود، وأن أكثر منهم مددا، وهو القادر على أن لا يبقى منها أحدا.
(قال الراوى) فأطرق الإمام علىّ رأسه، ثم رفع رأسه إلى النبى صلى الله عليه وسلم ونظر ولم يتكلم، ثم عاد إلى إطراقه ساعة ولم يتكلم، ثم عاودها ثالثا فعظم ذلك على النبى صلى الله عليه وسلم، وقد تبين فى ذلك الوقت فى وجوه المنافقين وقال بعضهم لبعض: إن علىّ بن أبى طالب كره التوجه إلى الهضام ويحق له ذلك، ومن يقدر على وصف عبد الله بن أنيس؟ وتكلم المؤمنين على قد ما وصل إليهم وقال بعضهم: لا شك أنه يطلب جماعة يسير بهم إلى عدو الله ولكنه استحياء رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يذكر له ذلك، وقال بعضهم: إن عليا كره الخروج من غير جذع ولا فزع، وكثرت الأقوال بين الناس وعظم على النبى صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أبا الحسن ما السكوت والتوانى برد الجواب ما أملت منك إلا أنك أمر مبادر وإلى ما أخبرتك مسارع، فهل لك من حاجة فتقضى أو كلمة فتمضى؟
(قال الراوى) فلما سمع ذلك الإمام علىّ كرم الله وجهه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبسم ضاحكا وقال: يا رسول الله حاجتى تقضيها كائنة ما كان، قال: نعم أى والذى بعثنى بالحق بشيرا ونذيرا أنى أقضيها إن وجدت إلى قضائها سبيلا، فقال الإمام علىّ رضى عنه: ألم تأتِك البشرى من عند المولى الكريم رب العالمين أن ترسلنى لهذا الأمر وضمن لك سلامى وحفظ رعايتى، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: نعم يا أبا الحسن، فقال الإمام علىّ كرم الله وجهه: إذا كان من يعصمنى ويسلمنى ويحفظنى لا حاجة بأحد غيره، ولا تبعث لهذا الأمر أحد سواى، فحسبى يا رسول الله نصر الله عز وجل وهو خير الناصرين، واسأل الله جلب المسرة إلى فؤادك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.