العلاقة بين القطاع العام والحكومة من جهة، وبين القطاع الخاص، فى كثير من دول العالم وخصوصا النامية، علاقة معقدة ومركبة. لا أعلم لماذا دائما ما نتصور العلاقة بين الحكومة والقطاع الخاص على أساس عدائى وليس تكاملى كما يجب أن تكون، وكما فعلت الدول المتقدمة! هل هذا التصور بسبب الموروث الثقافى بعد أن تم تصوير القطاع الخاص ورجال الأعمال على مر العصور وفى معظم دول العالم على أساس أنهم محور الشر؟! لسن بصدد الدفاع عن الحكومة أو الدفاع عن القطاع الخاص، ولكننا سنتحدث عن طريقة متبعة فى كثير من بلدان العالم، التى تريد أن تنمو وتحقق توازنا ا قتصاديا مبنى على أساس العدل وتوزيع الثورة، وليس على أساس "التهليب" و"السمسرة" و"الخطف والتهبيش". تحدثنا منذ فترة عن سوء مناخ أو بيئة إنشاء وممارسة الأعمال (Doing Business) فى مصر، كما جاء فى عدة تقارير دولية صادرة من جهات مختلفة. شخصت هذه التقارير وأرجئت صعوبة صناعة الأعمال فى مصر لدرجة قد تصل إلى الاستحالة إلى النظام البيروقراطى وعدم وجود قوة لتنفيذ القانون. الكل يعترف بتهالك القطاع العام وعن حتمية التخلص منه اليوم قبل غدا أن أردنا النهوض والتنمية! إذا، السؤال الآن، ما يمنعنا من التخلص من البيروقراطية؟ هل ينقصنا الإرادة أم الآلية للتخلص من البيروقراطية؟ إن افترضنا جدية الإدارة السياسية فى الإصلاح الإدارى والتشريعى، فى أى من الاتجاهات يجب أن نتحرك؟ فى اتجاه الاشتراكية (التى تعتمد على ملكية الدولة للاقتصاد ويتم توزيع الثورة على الأفراد حسب مجهوداتهم) أم الرأسمالية (التى تعتمد على ملكية الأفراد أو الشركات للاقتصاد ويتم تحديد الأسعار بناءا على العرض والطلب ويتم توزيع الأرباح بناءا على حصص الملكية)؟ بعيدا عن التنظير ومحاولة تغليب فلسفة أو نظام على الآخر، كثير من الدول المتقدمة والنامية حاليا تعتمد على نظام جديد يدمج النظام الاشتراكى والنظام الراسمالى فى ما يسمى شراكة القطاعين العام والخاص المترجم عن public private partnership والمختصر فى "PPP". سنحاول فى عدة مقالات الإجابة على بعض الأسئلة لتقيم هذه الشراكة بين القطاع العام والخاص. أولا، هل هذا نظام متبع فى دول أخرى؟ نعم هذا نظام متبع منذ زمن وليس بدعة جديدة فى كثير من الدول المتقدمة، مثل أنجلترا وفرنسا ومن الدول النامية مثل البرازيل وتشيلى والسنغال. ثانيا، متى تم الاستعانة بنظام "PPP"؟ تاريخيا، بعد الحرب العالمية الثانية وما خلفته من دمار وتهالك لمعظم البنية الأساسية فى دول أوربا، لجأت حكومات هذه الدول إلى شراكة القطاع الخاص من أجل الاستثمار والتنمية فى مشروعات البنية التحتية. وهذا نظرا لقلة الموارد المالية اللازمة لإعادة البناء والتطوير! ثالثا، متى تلجأ الدول أو الحكومات الى هذا النظام؟ تلجأ الحكومات إلى شراكة القطاع الخاص عند تزايد معدلات نمو السكان بنسب أكبر من قدرات الحكومات على الانفاق على مشروعات البنية الأساسية! وثانيا، يستعان بالقطاع الخاص فى حالة إدراك وتيقن الحكومات من عدم وجود القوادر والخبرات اللازمة من أجل التخطيط والاستثمار. رابعا، ما هو الغرض الرئيسى من هذا النظام أو هذه الشراكة بين القطاعين العام والخاص؟ الغرض هو المحافظة على حقوق المواطنين والمستهلكين فى توافر خدمات جيدة وباسعار مناسبة وتنافسية، إذا من المهم التأكيد دائما على الهدف والغرض الرئيسى من الشراكة وهو توفير الخدمات المناسبة للمواطنين وليس الغرض الربح من جهة المؤسسات الحكومية وليس الاحتكار ومضاعفة الأرباح للأفراد والشركات. من البديهى أن نظام شراكة القطاعين العام والخاص أو "PPP"، الذى يتم العمل به فى كثير من دول العالم سواء كانت متقدمة أو نامية، يجب أن يتم تنفيذه فى مصر إن أردنا تنمية حقيقية ومستدامة وليست دعائية. عمل شراكة بين القطاع العام والخاص هو الحل الأمثل والسريع لتوافر الخدمات العامة والبنية الأساسية للمواطنين بجودة جيدة وأسعار منخفضة وتنافسية، ولكننا نريد علاقة مبنية على أساس المصلحة العامة للمواطنين وليس على أساس التزاوج بين الحكومة ورأس المال كما حدث فى العقود الأربعة الأخيرة! فى المقالة الآتية، سنكمل الحوار فى المجالات التى تحتاج إلى مثل هذه الشراكة وعلى أهم مقومات نجاحها.