حصلت مصر على المركز 112 فى الترتيب من أصل 189 دولة فى تقرير البنك الدولى لسنة 2015 الخاص بسهولة ويسر إنشاء وممارسة الأعمال (Doing Business). على الرغم من اقتناعى بآراء كثير من كتابنا فى عدم حيادية ونزاهة تقارير الهيئات الدولية مثل البنك الدولى وصندوق النقد والأمم المتحدة، لكن ما جاء فى افتتاحية التقرير ليس بعيدا عن الحقيقة. التقرير شدد على أن الأجواء الخاصة بتأسيس وصناعة الأعمال فى مصر ليست جيدة بسبب النظام البيروقراطى وعدم وجود قوة لتنفيذ القانون. الكل يقر بعد أن اعترف المسؤولون بتهالك القطاع العام وحتمية التخلص من هذا النظام البيروقراطى إن أردنا النهوض والتنمية! ثانيا، عدم وجود قوة لتنفيذ القانون ليس سببا فى تدهور بيئة ممارسة الأعمال فقط، فالفوضى والعشوائية التى نعيشها فى أغلب المجالات هى نتيجة واضحة لعدم وجود قوانين عادلة وليس فقط قوة لتنفيذه! إذن، المشكلة تكمن فى العقل المصرى الذى يعلم مشكلاته جيدا وحتى الآن لا يتحرك نحو الحلول العلمية فى إعادة هيكلة النظام الإدارى وعمل نظام تشريعى وقانونى نزيه وعادل، مستمدا قوته من احترام معظم فئات الشعب. ما زلنا نفضل حلول «الفهلوة» لجذب الاستثمارات الداخلية والخارجية من جلسات عرفية بين المسؤولين والمستثمرين. قاعدة بسيطة، لم ولن نستطيع جذب الاستثمارات الحقيقية المستدامة ما دام قطار الإصلاحات الإدارية والتشريعية لم يتحرك بعد! السؤال الآن: إن افترضنا جدية الإدارة السياسية فى الإصلاح الإدارى والتشريعى، فى أى من الاتجاهات يجب أن نتحرك؟ فى اتجاه الاشتراكية (التى تعتمد على ملكية الدولة للاقتصاد ويتم توزيع الثورة على الأفراد حسب مجهوداتهم) أم الرأسمالية (التى تعتمد على ملكية الأفراد أو الشركات للاقتصاد ويتم تحديد الأسعار بناءً على العرض والطلب ويتم توزيع الأرباح بناء على حصص الملكية؟). بعيدا عن التنظير والمناقشات السفسطائية فى محاولة تغليب فلسفة أو نظام على الآخر، الدول المتقدمة والنامية حاليا تحولت إلى نظام جديد فى الاقتصاد، فقد تم دمج النظام الاشتراكى والنظام الرأسمالى فى ما يسمى شراكة القطاعين العام والخاص المترجم عن «public private partnership» والمختصر فى «PPP». إذن، يجب طرح بعض الأسئلة قبل تقييم وتحديد إن كان هذا النظام سوف يؤدى إلى ما نطمح إليه فى مصر من تنمية اقتصادية واجتماعية عادلة أم لا. أولا: هل هذا نظام متبع فى دول أخرى؟ نعم، هذا نظام متبع منذ زمن وليس بدعة جديدة، فى كثير من الدول المتقدمة مثل إنجلترا وفرنسا، ومن الدول النامية مثل البرازيل وتشيلى والسنغال. ثانيا: ما الغرض الرئيسى من هذا النظام أو هذه الشراكة بين القطاعين العام والخاص؟ الغرض هو المحافظة على حقوق المواطنين والمستهلكين فى توافر خدمات جيدة وبأسعار مناسبة وتنافسية! إذن، من المهم التأكيد دائما على الهدف والغرض الرئيسى من الشراكة، وهو توفير الخدمات المناسبة للمواطنين وليس الغرض الربح من جهة المؤسسات الحكومية وليس الاحتكار ومضاعفة الأرباح للأفراد والشركات! من البديهى إذن أن هذا النظام يجب أن يتم تنفيذه فى مصر إن أردنا تنمية حقيقية ومستدامة وليست دعائية، ولكن… سوف نخوض فى «لكن» فى مقالات قادمة!