كرة القدم مثل كل مجالات الحياة تحتكم للمنطق في النهاية، ميدو كان منطقياً في الحفاظ علي ثبات الخطة والتشكيل ولكنه في النهاية خسر لفقدان فريقه عدة أساسيات وبديهيات كان من الواجب توافرها هجوما ودفاعا. الزمالك إجمالا فاز بالدوري الموسم الماضي، في حضرة 4 مديرين فنيين وهو أمر ليس بالمنطقي تماما.. الموسم الحالي ومع المدير الفني الثالث كانت الهزيمة أمرا واقعا وخسارة الدوري أصبحت أقرب للمنطق من أي وقت سبق. لماذا فشل ميدو في الفوز أو تجنب الهزيمة على الأقل رغم تطبيقه لخطة فيريرا التي أثبتت نجاحها؟ هناك فارقان أساسيان بين زمالك ميدو وزمالك فيريرا.. البروفيسور البرتغالي كان يعتمد على أحمد عيد عبد الملك في مركز ساعد الهجوم الأيسر.. الجناح المخضرم ذو الوجه العابس دائما كان ملتزما ويؤدي واجباته الدفاعية بشكل جيد يعطي المساندة الدائمة للاعب الوسط الأيسر والظهير من خلفه مما جعل كليهما يظهر بصورة جيدة طوال الموسم. معروف يوسف وحمادة طلبة هما الثابتان في جبهة الزمالك اليسري من الموسم الماضي، أما المتغير الوحيد فهو محمود كهربا الذي حل بديلا للراحل عيد عبد الملك، الفرق واضح بكل تأكيد. الفارق الثاني بين فريقي ميدو وفيريرا، هو وجود لاعب وسط ميدان دفاعي صريح دوره الأساسي هو تدمير هجمات الخصم وتسليم الكرة لأقرب زميل، إبراهيم صلاح لعب ذلك الدور باقتدار مع فيريرا بينما لا يفضّل ميدو تلك النوعية من اللاعبين. رحل إبراهيم صلاح في ظل اعتماد ميدو علي خطة 4-2-3-1 التي يلعب فيها طارق حامد دورا أساسيا بالقياس لمعدلات الركض العالية التي يمتلكها بالمقارنة مع كل أقرانه، ذلك كان خطأ ميدو الأول قبل خطأه الثاني بالعودة لخطة لعب 4-3-3 دون وجود لاعب وسط دفاعي في المقام الأول بعد إصابة طارق وإعارة إبراهيم. الدفاع الجيد ليس من شروطه الكثرة العددية أو الركض بلا هدف، بدأ الزمالك بالرسم التكتيكي 4-3-2-1 كأحد مشتقات 4-3-3 فيما كان تطبيق ذلك خارج سياق المنطق تماما. اعتمد الزمالك على الثلاثي توفيق وعبد الخالق ومعروف في منتصف الملعب كما في الرسم أعلاه. العبرة في تركيبة منتصف الملعب المكون من ثلاثة لاعبين أن لاعبي الوسط الأيمن والأيسر يجب أن يجيدا الضغط القوي على المنافس وبالتالي يسهل علي لاعب الوسط المدافع قراءة اللعب بشكل صحيح وتوقع اتجاه الكرة ومن ثَمَ قطعها بسهولة وبشكل سريع. إبراهيم عبد الخالق ومعروف يوسف كلاهما مستَأنَس جدا وغير فعال عند الاحتياج للضغط علي خط وسط المنافس، ولكن بعد رحيل إبراهيم وصلاح وإصابة طارق حامد فإن الزمالك لا يملك غير هؤلاء. هنا كان يجب تغيير التركيبة.. إبراهيم عبد الخالق الأكثر مهارة وقراءة للعب كان يجب الدفع به في العمق لأنه في كل الأحوال لاعب بطيء ولا يضغط بفعالية، فيما أن الاثنين الآخرين أفضل منه علي المستوي الحركي. توفيق يشغل مركز لاعب الوسط الأيمن فهو يتميز بالاندفاع والضغط القوي فيما يبقي معروف على الجانب الأيسر استغلالا لسرعته ولغياب البديل الأفضل الذي يستطيع تغطية كوارث الجهة اليسري في دفاع الزمالك، ربما عمر جابر إن كان في مستواه وقت وجود فيريرا يصبح أحد الحلول المتاحة في تلك الجهة أيضا. ثلاثي هجوم الزمالك لم يحضر للمباراة كذلك.. كهربا عندما يمتلك الكرة يضع وجهه في الأرض وينطلق راكضا بلا هدف ولا يفكر كذلك في التمرير إلا لو انعدمت فرص المراوغة أو الحصول على مخالفة. اللاعب نفسه غير متواجد في الوضع الدفاعي.. لا يساند الظهير حمادة طلبة ولا يتواجد في عمق الملعب لتغطية خروج لاعب الوسط لمساندة الظهير.. كهربا كان يشاهد المباراة فقط لا غير حتى خروجه. أيمن حفني كلما امتلك الكرة دخل بها إلي العمق في مواجهة ثلاثي الأهلي القوي السعيد عاشور وغالي ومع غياب المساندة من ثلاثي وسط الزمالك أو المهاجم باسم والجناح كهربا يتم قطع الكرة بسهولة. وضح تماما أن الزمالك يلعب على المضمون.. نقطة أفضل من لا شيء وقد تحتفظ لميدو بموقعه في قيادة الزمالك.. الخوف من استقبال هدف هو الأساس مع انتظار خطأ من أحد لاعبي الأهلي. استراتيچية غير فعالة بكل تأكيد.. العودة إلى الدفاع المتكتل في حالة فقدان الكرة بدون وجود مهام صريحة بالضغط الممنهج أو التمركز السليم.. الهجوم العنتري في حالة الحيازة والسيطرة دون جمل وتركيبات هجومية أو التركيز علي نقاط ضعف الأهلي الدفاعية فقط الركض والمراوغات غير المجدية هما كل ما يملك الزمالك علي هذا الصعيد. إدارة ميدو للمباراة أعطت القمة على طبق من ذهب للأهلي، الزمالك فعليا لم يعرف كيف يدافع ولم يتدرب من الأساس على الهجوم.. يهاجم الزمالك دون تنظيم مع إرسال كرات طولية بلا صاحب وتمريرات خاطئة وبمجرد فقدان الكرة ينكشف الفريق ككل أثناء المرتدات. كيف صنع الأهلي فوزه؟ ومن تلك النقطة الأخيرة في أسباب هزيمة الزمالك صنع الأهلي فوزه بالقمة.. القمة التي كان أغرب ما فيها هو تلك الطريقة التي انتصر بها الأهلي رغم مخالفة ذلك تماما لطبيعته كفريق جماعي منظم ذو إيقاع بطيء ولكن حدث ذلك بسبب مواجهة فريق عشوائي تحكمه الفرديات ليس إلا. على عكس ميدو الذي قرر عدم تغيير شكل فريقه.. دخل المدير الفني للنادي الأهلي عبد العزيز عبد الشافي للمباراة معدلا ومطورا من شكل فريقه بالمقارنة بالمباريات السابقة والتي كان الفريق فائزا بها رغم ذلك. اشتراك ماليك إيڤونا ومؤمن زكريا على حساب عمرو جمال وچون أنطوي ليتحول شكل الفريق خططيا إلى مزيج من 4-2-3-1 و 4-3-3 بحساب مكان تواجد عبد الله السعيد في الملعب فهو من يصنع الفارق في مثل تلك المباريات بامتلاكه لميزة التحكم في الإيقاع. عبد الله السعيد هو محور تشكيل الأهلي رغم انخفاض مستواه في تلك المباراة تحديدا.. تراجع عبد الله لمساندة الحسامين غالي وعاشور يصنع تركيبة ثلاثية لخط وسط الأهلي وفي المقابل يقترب مؤمن ورمضان من الجابوني إيڤونا لصنع ثلاثي هجومي كذلك في خطة لعب 4-3-3. فيما قد يتحول السعيد ذاته لمركز صانع اللعب الصريح خلف قلب الهجوم ويتحرك مؤمن ورمضان لمركز الجناح في تلك الحالة لفتح الملعب على مصراعيه من أجل صناعة الشكل الأمثل لمنظومة 4-2-3-1. الأهلي في المجمل اعتمد علي مزيج خاص بين الشكلين.. في أغلب الأوقات كان السعيد بجوار إيڤونا أو خلفه مباشرة وكذلك مؤمن ورمضان قريبين من قلب الهجوم من أجل إيجاد المساحة اللازمة لتقدم الظهيرين فتحي ورحيل فيما يلعب غالي دورا مهما لالتقاط الكرة الثانية ومن ثَم إعادة بناء الهجمة وتدوير الكرة. الشكل الخططي السابق عرضه لم يكن الأهلي ليعتمد عليه لولا وجود لاعب وسط مدافع في قوة وقدرة حسام عاشور ومن خلفه ثنائي قلب الدفاع رامي ربيعة وأحمد حجازي.. الرسم التكتيكي واضح تماما في الشكل التالي. الراحل محمود بكر كان دائما ما يمتلك وجهة نظر فنية متفردة عن غيره من المعلقين.. عندما يواجه فريق مصري أحد الفرق الأفريقية ضعيفة المستوي التي تلعب بشكل عشوائي ويستخدمون طرقاً بدائية في الدفاع كان الراحل العظيم دائما ما يؤكد أنه يجب عليك أن تلعب بشكل عشوائي غير منتظم من أجل أن تتغلب علي تلك العشوائية الدفاعية للمنافس. الجملة السابقة كانت لمحة طريفة في الأساس ولكنها صنعت الفارق للأهلي في تلك الليلة بالاعتماد على لاعب بمواصفات مؤمن زكريا. لاعب الزمالك وإنبي السابق حالة كروية فريدة من نوعها.. مؤمن ينقصه الكثير ولكنه يملك شيء من كل شيء كذلك.. يجيد اللعب كمهاجم ثاني أو لاعب وسط مساند بمهام محددة إن اقتضي الأمر.. يجيد تغطية الظهير المتواجد خلفه وصنع كثافة عددية في الحالتين الهجومية والدفاعية. بطبيعة الحال يبقي لاعب يتمتع بالذكاء الكافي للتواجد في أنصاف أو أرباع المساحات المصنوعة من تحرك باقي الفريق. الزمالك يدافع بالكثرة العددية دون منهج واضح.. إذن مؤمن هو الأنسب لتلك المواجهة حيث يعرف كيف يصنع المساحة في أضيق الأماكن داخل الملعب وبشكل ما كان مشاركا في كل مظاهر خطورة الأهلي ربما بقصد أو دون قصد. لعب الأهلي هجوميا خلف ارتكاز الزمالك.. يعود رباعي الدفاع الأبيض كثيرا للخلف وتوجد فراغات واضحة فيما بين الخطوط بالتحديد خلف أحمد توفيق وأمام الثنائي جبر ودويدار على حافة منطقة الجزاء تقريبا. يدخل مؤمن زكريا باستمرار إلى العمق وعندها يتحول إلى لاعب وسط هجومي صريح يُجبر معروف يوسف على مراقبته.. هنا يجد الظهير فتحي الطريق مفروشا بالورود إلى أبعد نقطة ممكنة ويحصل اللاعب المحوري عبد الله السعيد على الحرية المطلوبة. في الموقف السابق نجح مؤمن في صناعة الفراغ اللازم لتحرك زملائه.. حركة اللاعب المستمرة من الطرف إلى العمق ساهمت في التغلب علي الكثرة العددية التي حاول الزمالك صنعها وهو لم يملك مقوماتها في الأساس. الخريطة الحرارية التالية توضح كيف كان اللاعب ذو المهارة الخاصة متواجدا في كل مكان بالثلث الهجومي في العمق أو في الوسط.. أسفل الأطراف أو بجوار الظهير لمساندته أمام جناح المنافس. لاعب الإرتكاز هنا وهناك يضم الزمالك مجموعة متنوعة من اللاعبين في مركز الارتكاز ولاعب الوسط الثاني بالمقارنة العددية مع ما يملكه الأهلي من لاعبين في ذلك المركز. بنظرة أكثر عمقا تجد أن تلك الوفرة العددية غير مؤثرة لمحدودية قدرات أصحابها في التمرير والتمركز والضغط.. ما سبق هو الأساسيات التي يجب أن يجيدها لاعب الوسط بشكل عام. على النقيض يمتلك الأهلي عددا أقل ولكن بقدرات أعلى كثيرًا.. للتدليل على ذلك تجد أن وسط الأهلي في تلك المباراة تحديدا تفوق على خط وسط الزمالك رغم تراجع مستوي حسام غالي وانخفاض مردود عبد الله السعيد عن مباريات سابقة مع تأخر نزول صالح جمعة ولكن حسام عاشور صنع الفارق وحده. ارتكاز الأهلي غير الدولي قدم مباراة كبيرة علي مستوي الضغط واستخلاص الكرات رغم أنه لم يكن الأفضل بين أقرانه في هذا المعدل ولكنه كان أكثرهم تأثيرا بالنظر إلى المناطق الدفاعية لفريقه التي نجح في استخلاص الكرة منها. نجح عاشور في قطع الكرة من لاعبي المنافس 6 مرات ومن إحداها صنع الهدف الأول بتمريرة مباشرة إلى ماليك إيڤونا فيما تطور اللاعب كثيرا على مستوي التمريرات بحسب العرض البياني والرقمي التالي. هل فاز الأهلي عن جدارة أم هزم الزمالك نفسه؟ نختلف أو نتفق حول هذا الخيار أو ذلك ولكن يبقي الأمر المنطقي دائما هو الأكثر اقترابا من إصابة كَبْد الحقيقة.. والحكم في النهاية متروك للقاريء. زيزو احترم الزمالك كثيرا وعدل من تشكيله وخطته لتوفير الحماية اللازمة لظهيري الجنب من أجل علاج نقطة الضعف الرئيسية لدى فريقه.. وكان له ما أراد دفاعيا ولكن هجوميا لم تتحقق كل الأماني الممكنة في ظل تراجع مستوي حسام غالي وعبد الله السعيد. كان على المدير الفني للأهلي أن يدفع بالبديل صالح جمعة مع بداية الشوط الثاني بدلا من غالي أو السعيد لمحاولة الإسراع من هجمات فريقه والتغلب علي العدد الكبير من التمريرات المهدرة من خط وسط الأهلي (17 تمريرة مفقودة من الثنائي). إذن نجح زيزو نصف المنطق فقط.. بداية جيدة للمباراة ولكن سوء إدارة بحسب سير أحداث اللقاء. على الجانب الآخر فشل ميدو في توفير أي من الأمور المنطقية لفريقه.. البداية لم تكن بالشكل الأمثل بسبب تركيبة ثلاثي الوسط وثلاثي الهجوم. فيما لم يحدث أي جديد على مستوي إدارة المباراة حيث جاءت تغييراته تقليدية وتنشيطية فقط لا غير بدون أي تدخل تكتيكي علي شكل فريقه. الشيء بالشيء يُذكر.. ميدو ضرب عرض الحائط بكل مُسَلَمات المنطق الكروي وترك خوفه من الهزيمة يقوده إليها بمنتهى الاستسلام وبلا أدني درجات المقاومة. *الإحصائيات والأرقام مُقَدَمة بالتعاون مع korastats.com