الضغط يولد الانفجار.. عبارة طالما تَغني بها معلقو مباريات الدوري المصري الممتاز قديماً وحديثاً رغم عدم الإدراك الكامل لمعناها الحقيقي أو توضيح القصد الفعلي من ترديدها.. الضغط نوعان.. ضغط هجومي يشكله الفريق المستحوذ على الكرة دائماً بغرض تفكيك وكسر خطوط الخصم من أجل إحراز الهدف.. وضغط دفاعي يشكله الفريق المتراجع لحماية مرماه بغرض إبعاد الخطر عن مناطقه ومحاولة استخلاص الكرة من المنافس من أجل بناء الهجمة المرتدة.. هاجم الأهلي وضغط كثيراً بنسبة استحواذ على الكرة تخطت 70% فيما دافع الاتحاد عن مرماه منتهجاً سياسة الضغط العالي من منتصف ملعب الأهلي.. ولكن ضغط الأول لم يشكل أي خطورة أو انفجر هجومياً كما انتظرنا فيما لم ينجح الثاني في استخلاص الكرة وبناء أي عدد يذكر من الهجمات المرتدة على سبيل الانفجار العكسي في وجه الأهلي.. تمثيلية بعد العصر.. على غرار مسلسلات التليفزيون المصري التي كانت تذاع في ذلك التوقيت قبل انتشار الفضائيات جاءت مباراة الثالثة عصراً بين الأهلي والاتحاد في ملعب الإسكندرية.. مباراة لن تخسر كثيراً إن فاتتك مشاهدتها تماماً مثل مسلسلات قطاع الإنتاج التي ما زالت تعاد حتي وقتنا هذا وهي التي بدأت إذاعتها بكثافة منذ منتصف التسعينيات.. على الورق دخل الفريق السكندري صاحب الأرض والمدرجات الخاوية المباراة بغرض الخروج بنقطة التعادل.. مدربه البرتغالي حافظ على طريقة لعب 4-3-2-1 بشقها الدفاعي من حيث وجود جميع لاعبيه خلف الكرة في الحالة الدفاعية مع اللجوء للضغط العالي على المنافس من دائرة المنتصف الموجودة بملعب الأهلي.. لجأ الاتحاد لإغلاق قنوات الملعب الطولية بثلاثة لاعبين في كل واحدة.. إن لجأ الأهلي للهجوم من جبهته اليمني سيصطدم بثلاثة لاعبين توالياً.. ساعد الهجوم الأيسر ثم لاعب الوسط الأيسر ومن خلفهما ظهير الجنب الأيسر كذلك.. القاعدة نفسها يمكن تطبيقها عند التحدث عن الجهة المقابلة.. بينما يوجد في قلب الملعب لاعب الهجوم ومن خلفه لاعب الوسط الدفاعي ثم قلبا الدفاع.. تقارب خطوط الاتحاد جعله أكثر تنظيماً بشكل ظاهري وليس فعليا في التحرك الدفاعي فقط لا غير دون استفادة حقيقية من الضغط العالي على لاعبي الأهلي، ولا من الهجمة المرتدة الوحيدة التي نجح سيد البلد في تنظيمها في كل شوط على حدة.. لاعبو البرتغالي بونتيس لم يمثلوا الضغط الدفاعي والتحرك المنظم وغلق الخطوط من تلقاء أنفسهم، ولكنهم انجرفوا لخوض غمار المباراة أو المسلسل في جلباب لاعبي الأهلي.. حتى بعد تأخر الفريق الساحلي في النتيجة فشل الفريق في العودة للمباراة، وجاءت تدخلات المدرب تنشيطية فقط دون أي تعديلات تكتيكية أو خططية واضحة المعالم.. لاعبو الأهلي جاؤوا للإسكندرية من أجل تمثيل دور الفريق المهاجم المستحوذ الذي يبحث عن الفوز ويلعب بمهاجمين دون إتقان حقيقي أو دراسة للشخصية.. وبالتالي لعب فريق الاتحاد دور البطولة الثانية أو ذلك السنيد الذي يمثل كذلك في مواجهة البطل من أجل الخروج بالنهاية السعيدة.. معضلة أنطوي.. المخضرم زيزو أعاد جون أنطوي أفضل مهاجمي الأهلي للحياة بعد قرار بيسيرو الاستغناء عنه.. فيما لا تخلو قراراته من المجاملة كذلك بشأن اختيار لاعب قلب الهجوم الثاني فيما بين عماد متعب أو عمرو جمال في غياب ماليك إيڤونا.. زيزو يدرك أن الشكل الأمثل لفريقه هو 4-2-3-1 ولكنه كذلك يريد الدفع بلاعبي هجوم من أجل إرضاء الجميع.. إذن هو يقرر أن يبدأ بأنطوي على الجناح الأيمن مهدراً كل طاقاته التهديفية في محاولة الوصول لمنطقة المنافس وجعله مشاركاً في بناء الهجمات وهو الدور الذي لا يجيده.. استراتيچية زيزو اعتمدت على تدرج بناء الهجمة من قلبي الدفاع للاعبي الوسط غالي وعاشور ومن أمامهما عبد الله السعيد في دور صانع اللعب.. مع ضغط لاعبي الاتحاد على الأهلي من قبل منتصف الملعب، بالإضافة لبطء الأهلي التقليدي في تدوير الكرة وتحضير الهجمة ظهر الفريق الأحمر كأنه جاء للإسكندرية لتمثيل أنه يلعب كرة القدم فقط لا غير.. الشوط الأول بأكمله تم استنزافه في الكر والفر وضياع فرصة هائلة من رمضان صبحي.. الهجمة الوحيدة التي دخل فيها أنطوي لعمق الملعب في مركزه المفضل استطاع تبادل لعبة ثنائية سريعة جدا مع رمضان صبحي وضعت الثاني وجها لوجه مع حارس الاتحاد، الذي لا يعلم حتى الآن سبب إهدائه الكرة من رمضان.. تعديل تكتيكي بسيط حاوله زيزو مع بداية الشوط الثاني حتى أدرك أنه لن يحقق شيئاً دون تغيير فعلي في الأسماء الموجودة على أرض الملعب.. تغيرت طريقة لعب الأهلي إلى 4-1-2-2-1 بتراجع عبد الله السعيد بجوار حسام غالي من أمام حسام عاشور في منتصف الملعب.. فيما تشكلت المجموعة الهجومية من أنطوي ورمضان خلف المهاجم عماد متعب.. مرة أخرى انطوى تائهاً على الرواق الأيمن قبل أن يدرك زيزو الأمر ويقوم بإشراك مؤمن زكريا بدلاً من عماد متعب.. تغيير أعطى الضوء الأخضر للمهاجم الغاني بالوجود في مركزه المفضل من أمام المتحركيّن كثيراً مؤمن ورمضان.. نداءات مدرب الأهلي المتكررة ومساعديه على اللاعبين رَفَعت من إيقاع المباراة وأسهمت في خروج الأهلي من الحالة التمثيلية في الأداء إلى الجدية الحقيقية.. تبادل سريع للكرة بين مجموعات ثلاثية من لاعبي الفريق الأحمر ثم إرسال الكرة العكسية للظهير المندفع الذي يرسلها بدوره من لمسة واحدة أو اثنتين على الأكثر لقلب منطقة الجزاء في جملة تكتيكية مكررة، أسفرت عن هدف اللقاء الوحيد.. زيزو مش زي مبروك.. يُقال إن عبد العزيز عبد الشافي كان لاعباً رائعاً ربما تخطى محمود الخطيب نفسه في المهارة والسحر، ولكن الإصابة اللعينة أجبرته على الاعتزال المبكر.. قطاع عريض من جمهور الأهلي يُمني النفس بأن يتفوق زيزو في الذكاء كذلك مثلما كان فائق المهارة.. فتحي مبروك خسر كل شيء عندما تمسك بمنصب المدير الفني وتخطى كل الحدود في مجاملة اللاعبين الكبار اعتقاداً منه أنهم من يحكمون الأهلي.. زيزو رئيسا لقطاع الكرة فقط لا غير وعليه أن يدرك حقيقة أن جمهور الأهلي حتى وإن كان غائباً عن المدرجات فهو من يحكم الأمور داخل فريق الكرة.. وسيشهد التاريخ بذلك طال العمر أو قَصُر أن الموسم الماضي كان الأخير في حياة فتحي مبروك داخل الأهلي عندما لم يدرك حقيقة أن الأهلي فوق جميع أبنائه.