أعربت 16 مؤسسة حقوقية عن قلقها البالغ لاستمرار حبس الكاتب والباحث هشام جعفر رئيس مجلس أمناء مؤسسة "مدى" للتنمية الإعلامية، الذي أتمَّ 100يوم في محبسه، مطالبين بالإفراج الفوري عنه. وأدان بيانٌ أصدرته هذه المؤسسات "استمرار تعنت جهات التحقيق، ورفضها إطلاع المحامين على أوراق القضية، والاكتفاء بإطلاعهم على تطوراتها شفهيًّا رغم مرور 100 يوم على احتجاز موكلهم، مؤكِّدًا أنَّ هذا الأمر يمثِّل مخالفةً لنصوص القانون واللوائح وضمانات التحقيق وحقوق المتهم والدفاع. وأعرب البيان عن إدانة هذه المؤسسات لرفض جهات التحقيق المتكرر لطلب جعفر بالنقل لمستشفى السجن، رغم تدهور حالته الصحية ومعاناته من أمراض مزمنة. وقال البيان إنَّ قوات الأمن ألقت القبض على هشام جعفر في 21 أكتوبر الماضي بعد اقتحام مؤسسة "مدى" للتنمية الإعلامية، مقر عمله بمنطقة 6 أكتوبر، واحتجزت عددًا من العاملين بمقر المؤسسة لمدة تقترب من عشر ساعات دون إبداء أي أسباب أو إظهار إذن النيابة العامة، مع مصادرة الأوراق والكتب وأجهزة الحاسب الآلي بالمقر، ثمَّ توجهت القوات بعد ذلك لمنزل جعفر بالمنطقة نفسها، وفتَّشته أيضًا. وأضاف البيان أنَّ جعفر ظلَّ غير معلوم مكانه لمدة 48 ساعة، بعدما اقتادته قوات الأمن، إلى أن وجده محاميه في نيابة أمن الدولة العليا، واتضح بعد ذلك أن جعفر كان محتجزًا بسجن العقرب شديد الحراسة، وتمَّ عرضه على نيابة أمن الدولة العليا خلال فترة اختفائه دون أن يتمكن محاموه من الحضور معه في التحقيقات الأولية، وحبسه بعد ذلك لمدة 50 يومًا انفراديًّا، دون إبداء أسباب، وحرمانه لمدة 70 يومًا من التريّض، ومن نظارته الطبية والأدوية الخاصة به، والتي تمَّ السماح بها مؤخرًا، بعد تدهور حالته الصحية. وأشار البيان إلى أنَّ النيابة وجّهت لجعفر اتهامات بالانضمام لجماعة محظورة، وتلقي رشوة مالية من جهات أجنبية مقابل تقديم معلومات، اعتبرتها أجهزة الأمن تمس الأمن القومي، على خلفية إجراء مؤسسة "مدى" عددًا من المشروعات البحثية في مجالات مختلفة، منها الحوار الوطني والتسامح وفض المنازعات، والأسرة والمرأة والطفل، ونشر نتائجها على الموقع الخاص بالمنظمة. وأوضح: "الأجهزة الأمنية اعتبرت –على خلاف القانون– أنَّ ثمة ضرورة تقتضي أخذ موافقة الأمن على إجراء مثل هذه البحوث، بل وعرض نتائجها على أجهزة الأمن قبل الإعلان عنها بشكل رسمي سواء داخليًّا أو خارجيًّا، رغم أنَّ هذه الأبحاث تمَّت بالتعاون مع جهات رسمية، وبمشاركة شخصيات عامة ورسمية، والتلميح أثناء التحقيقات بأنَّ الاتهامات الموجهة لجعفر، تخضع لنص المادة 78 من قانون العقوبات، والتي سبق وعدلها الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي في سبتمبر 2014، والمعروفة إعلاميًا بمادة التمويل الأجنبي". وأبدت المنظمات انزعاجها الشديد من التلميح بتوظيف هذه المادة، التي سبق أن وصفها قانونيون وحقوقيون بأنَّها فضفاضة، ولا تقدم تحديدًا دقيقًا للفعل المُجرَّم، ولا تُعرِّف التمويل المُجرَّم بشكل قاطع الدلالة، وتستخدم مصطلحات غامضة وصلت لحد استخدام مصطلح "أشياء أخرى"، على نحو قد يحول الأفعال المباحة والمشروعة لأفعال مُجرَّمة بحسب سلطة المفسر". وذكر البيان: "ما يتعرض له جعفر يمثل اعتداءً واضحًا على حرية البحث العلمي المكفولة في الدستور بموجب المادة 66، كما أنَّ افتراض سوء النية والدفع بعدم الحصول على موافقة أمنية مسبقة على إجراء البحوث العلمية كقرينة لها يعد مدخلًا لسيطرة جديدة لأجهزة الأمن على عملية تدفق وتداول المعلومات بل وتحليلها، والتي تعاني من تضييق واسع في ظل غياب قانون ديمقراطي ينظم ويكفل حرية تداول المعلومات، وتكييف الاستشارات والتدريب والأبحاث التي تقوم بها مؤسسة مدى، وغيرها، على أنَّها عمليات جمع معلومات تستهدف الإخلال بالأمن العام، يمثل تهديدًا واضحًا لمثل هذه الأنشطة البحثية ومنفذيها في مختلف المجالات". وطالب البيان بالإفراج عن هشام جعفر فورًا، مؤكِّدًا أنَّ هذه السياسات التي تنال من حرية التعبير وتداول المعلومات والبحث العلمي تحت ذريعة مكافحة الإرهاب وحماية الأمن العام والاستقرار، ثبت فشلها في تحقيق أهدافها، وأصبحت مجرد ذريعة للتدخل الأمني في العمل الأهلي ومصادرة الحق في حرية التنظيم وحرية التعبير على نحو يخالف الدستور، وينافي المعايير والمواثيق الدولية الملزمة لمصر في هذا الصدد.