تعلن عشرات صفحات «فيسبوك» عن ورش جديدة للكتابة الروائية، تعد مستقبليها بأن تكون "طريقك لكتابة رواية ناجحة"، يرحب البعض بفكرة ورش الكتابة الإبداعية باعتبارها أمرا محفزا على الإنتاج لكن الأكيد أن الأمر بدأ يتحول تدريجيا إلى "سبوبة" يتكسّب منها البعض، ويبيع السراب للحالمين بكتابة الرواية. الروائي مكاوي سعيد، يقول إنه شارك في التدريب بأحد الورش الإبداعية إلا أنه وجد "الموضوع كلام فارغ". وكانت الورشة التي درّب فيها مكاوي عبارة عن قراءات في القصة القصيرة من نماذج مختلفة في الإبداع العربي ومن أجيال مختلفة، ومحاولات لتأمل هذه النماذج، مع ذلك يؤكد أن الورشة لم تستطع خلق كاتب من العدم، "فالورشة لن تفيد إلا كاتب موهوب" وهنا يكون من المفيد أن يجتمع محبي فن الكتابة في مكان ما، يقرأون معا ويتبادلون الآراء، وهو أمر شعر مكاوي أن الصالون الأدبي يمكنه تحقيقه. من تجربة مكاوي وجد أن بعض من يبحثون عن ورش الكتابة "يحب أن يقدم نفسه باعتباره صاحب شهادة، لذا يبحث عن الورش تعطيه شهادة في نهايتها أنه أصبح كاتب رواية". بالمثل يتحفظ الروائي ياسر عبد الحافظ على فكرة ورش الكتابة الروائية بالطريقة التي صارت منتشرة بها الآن، ويقول :"هذا عمل تجاري بحت لا علاقة له بالفن إلا في القليل النادر، وفي تقديرى كتابة الرواية من الصعب تلقينها في ورشة تدّعى أنها إبداعية، وينسحب ذلك على مصر والعالم العربي ولدى أسبابي وأهمها أن معظم من يقدمون هذه الورش تجاربهم الإبداعية لم تكتمل بعد، فكلنا لدينا طوال الوقت مشاكل فنية نحاول البحث عن حلول لها مع كل كتابة جديدة". ويوضح ياسر أننا نفهم فكرة ورش الكتابة الإبداعية بشكل مغلوط، فالورشة بمعنى مشاركة الجميع بمن فيهم مدير الورشة في كتابة نص مفتوح أمر إيجابي ولا غبار عليه، بل يذهب ياسر إلى أن علاقات أغلب أبناء جيل التسعينات بهذا المعنى ورشة كتابة كبيرة. ويقول "نحن أبناء جيل التسعينات نتبادل النصوص وطوال الوقت نستفيد من خبرات بعضنا البعض وهذا أمر مهم، ومعظم الروايات تخرج بشكر لناس قرأوا النص وقدموا اقتراحات لتعديله". ويتابع : "ما لا أحبه هي الصيغة التي صارت منتشرة في ورش الكتابة الإبداعية من أن يدفع الكاتب أموال لينجح في اختبار ثانوية الكتابة، ويحصل على الشهادة، وأن يتعلم الكاتب المبتدئ التوجه نحو الربح فقط، وهذا هو عين الفشل". ويطرح ياسر تساؤلًا هامًا حول ورش الكتابة الإبداعية هل تتأكد أن المشاركين لديهم الموهبة الكافية؟، أم أن الموضوع هو تعليم "طريقة كتابة موضوع تعبير" بشروط معينة، وأن يلقنهم المدرب شروط الجوائز وأعلمه كيف يكون نصابا؟!. "طريقة كتابة موضوع التعبير" أيضا كان وصفا استخدمته ليلى عبد الرحمن التي شاركت في إحدى ورش الكتابة، وتقول ما خرجت به من الورشة أن الورشة لن تعلمك شيء ما لم يكن بداخلك نصًا تحاول كتابته، وإن كان من الأفضل أن تقرأ رواية جميلة، وأن تتبادل النقاش مع مهتمين بالكتابة الأدبية مثلك. النصيحة الوحيدة التي وجدتها ليلى مهمة في الورشة هي توجيهات المدرب بمداومة الكتابة وكأنها واجبًا تؤديه كل يوم، لكن حتى تلك النقطة وجدت ليلى التي شاركت في أكثر من ورشة أنها فروق شخصية بين مدرب وآخر، فالبعض منظم ويستطيع أن ينقل لك أفكاره بشكل منظم، وآخرون يدّعون قدرتهم على التدريب. أهم ما خرجت به ليلى من الورشة أنها ليست بحاجة إلى ورشة لتكتب نص إبداعي، وأنه إما أن يكون لديك نص ستكتبه يومًا ما وإن طال الأمد، وإما فلن يحدث. لم تجد ليلى التي شاركت في أول ورشة كتابة قبل عامين أي أثر على زملائها من المشاركين كما لم تغير الورشة من نمط ممارستها للكتابة. تقول ليلى :"كنت أتوقع أن تعطيني الورشة حيل ملموسة، ملاحظات أكثر عمقًا في كيفية الكتابة، لا في الطقوس التي يمكن أن تساعدني على الكتابة، أو توجيهات بقراءة أعمال معينة لأحاكيها". من جهة أخرى، ظل داخل ليلي شكوك حول أن الورشة لن تساعدها في كتابة صوتها الخاص، فالورشة بشكل كبير من الممكن أن تنتج أنماط متشابهة من الكتابة. في المقابل، اعترف الروائي والقاص محمد عبد النبي هو أحد مدربي ورش الكتابة الإبداعية، أنه "لا توجد ورشة أو كتاب يمكن أن يصنعا كاتباً من نقطة الصفر، أقصى ما يمكن تحقيقه أن نمد له طرف الخيط، أن نبيّن له الاتجاهات الأساسية، أن نمنحه بوصلة هادية حتى لو استغنى عنها بعد وقت، وآثر الإبحار في المجهول لا شيء إلّا ممارسة فعل الكتابة ذاته هو ما يصنع كاتبًا، أي النزول إلى البحر، ومناوشة الموج". مع ذلك أكد عبد النبي أهمية ورش الكتابة في "الخروج بالكتابة من مناطق غيبية وغير ملموسة مثل انتظار الوحي والإلهام والموهبة بحكم المولد إلى مناطق مضيئة ومفهومة بدرجة أكبر مثل العمل والالتزام والتطور والتعليم والتعلم". بدأت ورش الكتابة الإبداعية في الظهور بشكل مكثف في الفترة بين 2008 وحتى 2010، وتباينت بين ورش كبرى على المستوى العربي تختار مشاركيها من المحترفين، مثل ورشة البوكر التي تعقد بالتزامن مع فعاليات إعلان جائزة البوكر كل عام، وورشة "آفاق" التي تعقد بلبنان، وأخرى على المستوى المحلي، بعضها بمقابل مادي يتراوح بين 200 جنيه وحتى 600 جنيه، وأخرى بلا مقابل. وبدأت ورش الكتابة الإبداعية على المستوى المحلي أغلبها بلا مقابل، في محاكاة لورش تعليم كتابة السيناريو والتمثيل، لكن مع الوقت بدأ عددها في التزايد مع زيادة المقبلين عليها، ووصل بعضها لأسعار مرتفعة نسبيا، الأمر الذي استنكره مكاوي سعيد، وشعر معه أن القصة تحولت إلى "سبوبة" يتكسب منها البعض ويقدمون من الوعود ما يفوق قدراتهم، لذا قرر عدم تكرار التجربة. ويقول: "اكتشفت أن هناك من يقدمون ورش بمبالغ مالية كبير نسبيا، ومنهم كتاب غير متحققين أصلا، بل وأن بعضهم يقدم وعودا بالنشر عقب الورشة رغم أنه لا يجد من ينشر له كتبه". كلام مكاوي يطرح سؤال هامًا عن المعيار الذي يمكن بناءا عليه أن يصف شخص ما نفسه بأنه مدرب على الكتابة الإبداعية، هل هي كثرة الكتابة، أم الجوائز والتحقق الأدبي، أم مضمون الورشة، خصوصًا وأن ممارسة الكتابة الإبداعية ليست مادة بحث ثرية على المستوى العربي. ينفي محمد عبد النبى الصلة بين التدريب على الكتابة، وممارسة الكتابة نفسها، ويقول "التدريب مهارة لا تستند لقدرة المدرب نفسه، فمهارة الكتابة الأدبية مختلفة إلى حد كبير عن مهارة التدريب على الكتابة - قد يكون الكاتب عظيما لكنه لا يمتلك إمكانية ومهارة التعليم والعكس طبعا صحيح، كالفرق بين الشاعر الفطري ومعلم الشعر أو ناقد الأدب - المهم في الورشجي قدرته على التواصل الحي ونقل الخبرة والتشجيع والتماس مواطن القوة والضعف عند كل متدرب والاحتفاء بخصوصيته واحتياجاته على حدة..إنها مهمة أقرب ما تكون إلى مهمة المحرر الأدبي في دور النشر المحترمة" ويتحفظ على وصف بعض مقدمي الورش بأنهم صاروا يتعاملون مع الأمر باعتباره "سبوبة" قائلا: "من حق الجميع تقديم ورش ما داموا يرون في نفسهم القدرة على ذلك، ومن حق المتدربين أن يحكموا عليهم بعد انتهاء الورشة : هل استفادوا منها حقًا أم لا ؟ وأيضًا من حق جميع الناس أن يطمحوا إلى ممارسة الكتابة الأدبية - رواية أو غير رواية - ولنؤجل الحكم على تجربتهم بعد الإطلاع على ثمرة عملهم". واستنكر الهجوم على فكرة ورش الكتابة الإبداعية متسائلا : "لماذا لا نقول هذا الكلام على كورسات التنمية البشرية؟ وتلك تبلغ تكلفة المشاركة ببعضها آلاف الجنيهات"، مؤكدا أن مثل تلك الورش يشارك فيها أهم المبدعين وتستطيع أن تجد فى المكتبة الغربية مئات العناوين حول "كيف تكتب رواية" بينما تفتقر المكتبة العربية لمثل هذا النوع من الكتب، والتى من المفترض أن تساعد شخص مبتدئ، وليست الكتب النقدية الثقيلة. وتابع :"لا يوجد فن في غني عن التدريب لممارسته، من العزف الموسيقى إلى الغناء إلى الرقص إلى التمثيل، وهو ما يقرّه الجميع تقريبًا، ولكن حين يتعلق الأمر بالكتابة ستلاحظ الامتعاض والنفور إزاء مبدأ التدريب والتعلّم، كأن الإنسان إمّا أن يولد كاتبًا كبيرًا وإمّا أنه لن يستطيع أن يكتب سطرًا جيدًا أبدًا، وهي أسطورة علينا هزيمتها بداخلنا الآن وفورًا". لكل هل يمكن أن تنتج الورشة أنماطًا ثابتة ومعلبة من الكتابة الإبداعية كما تخوّفت ليلى خاصةً تلك التي يغلب عليها الطابع الاستهلاكي والتجاري؟. يرفض عبد النبي هذه الفكرة قائلا :"تعليم الكتابة الحقيقي لا يفرض على المتعلم أي شكل أو أسلوب لكتابته، بقدر ما يمنحه الأدوات اللازمة لاكتشاف صوته الخاص وتطوير أسلوبه وامتلاك التقنيات، بصرف النظر عمّا سينتجه بنفسه بعد امتلاكه لأدواته فقد يتخّرج من ورشة النجارة نفسها متدربان، أحدهما يبقى طول مسيرته المهنية يكرر ما يراه ويطمئن لاحتياج الزبائن إليه، والآخر يستخدم نفس الأدوات وتعلّم نفس المبادئ غير أنه يمضي لاختراع تحف لا نظير لها، بل واكتشاف حيله وأساليبه الخاصة بعد فترة". كما استبعد عبد النبي فكرة ياسر حول تبادل القراءة بين أبناء جيل التسعينات باعتبارها "ورشة إبداعية موسعة"، قائلا : "هذه فكرة أقرب للصالونات الأدبية والتي إما أن تجد فيها الترحيب بنصك وموهبتك أو يتم رفضك ولا أحد يخبرك ما الخطب وكيف يمكن أن يتحول هذا النص إلى نص أفضل". ليست فكرة ورش الإبداع نفسها محل الخلاف الشديد بسبب جديتها وجدواها بالنسبة للمشاركين فحسب، بل أيضا بسبب ما قد تنتجه في سوق الأدب من أعمال، فيرى مكاوى أن هذا الأمر "يهبط بالذوق العام ومستوى اللغة فى الأعمال الأدبية، وتفسد الذائقة". بل ويذهب مكاوي إلى أن هناك تيار أدبي بدأ يتخلق كله فاشل لكنه يحيي بعضه البعض، ينشرون كتب بعضهم ويكتبون عن بعضهم فى مواقعهم، بل وإن من بينهم نقادهم ولا دليل أقرب على ذلك من الحال الذى وصل إليه أدب المدونات وروايات الرعب. طباعة كتاب غالبا ما تسحب بعض التقدير على نصه بغض النظر عن جودته، ففى الأغلب سيجد هذا الكتاب –أى كتاب - قارئ يتعامل معه باعتباره مصدر للمعرفة ولو حتى على مستوى اللغة، فهذا الكتاب في وعي القارئ على الأقل تم تصحيحه وتدقيقه بشكل جيد، لكن الحقيقة أن بعض الكتب –والكلام هنا لمكاوي سعيد- صارت تطبع بأخطاء لغوية شنيعة، وهذه هى الكارثة من وجهة نظر مكاوى. يختلف محمد عبد النبي بشدة مع هذا الطرح قائلا :"أنا مع فتح الباب للجميع في كتابة رواية أولى، فمن الأفضل نفتح الباب أمام عشر أشخاص بينهم موهبة واحدة قادرة على تستمر، بدلا من أن نغلقه فى وجه الجميع، كما كنا قبل خمسة عشر عامًا، وكم من ممثلين كبار بداية ظهورهم كانت سيئة لكن بالتجربة والممارسة صارت مواهبهم أكثر تبلورًا".