غابت سوزان عن طه حسين ثلاثة أشهر، فكتب لها 90 خطابا، وبين السطور اعتراف صريح بصعوبة استكمال الحياة، "اعذري فرنسيتي.. اعذري أفكاري فأنا لا أفكر إنما أحب". وبعد موته بعامين، كتبت هي في رائعتها "معك": (أصبحت اليد التي كانت دليل طه فارغة، وقد بات من المستحيل أن أستند إلى ذراعه وقد انهار الصمت الحاسم. أحاول بعد كل شيء أن أتحدث). قصة ستة عقود من الحب المستحيل، امرأة مسيحية ترتدي القبعة لم تشعر بأي انجذاب لفتى إفريقي ضرير، وعائلة اعتبرت الزواج من مسلم هو الجنون بعينه، لكن المرأة أحبت والعائلة قبِلت، والفتى أصبح طه حسين، ليس عميد الأدب، بل الزوج الذي يستمع للقرآن في غرفة، بينما ترتل زوجته صلاتها المسيحية في الأخرى، يذهب إلى أوروبا فيبتاع لوحة عذراء لندن بثمن باهظ وهو الفقير، ثم يصحبها إلى الأوبرا، وحين يطلب منه عجوز ثمن أجر طبيب ابنه المتوفي ومصروفات الجنازة، يمنحه نصف ما معه، ويعيش في ضيق إلى آخر الشهر، ولا يتذمر بعد أن يكتشف كذب العجوز. وفي مسقط رأس طه حسين، يتباهي أبوه الشيخ المعمم بسوزان، ويمنح العائلة الصغيرة أموالا لشراء عربة لطفلتهما الوليدة، ولا تستحيي أم طه أن تسأل الزوجة عن أنواع النبيذ التي تفضلها، فتضطر سوزان أمام سماحة هذه الفلاحة البسيطة أن تجزم لها: أشكرك لا أشرب الخمر. ملحمة معتّقة من الحب والإنسانية لم تفقد عبقها بعد. هناك أصبحت عازفة الجيتار سالي جونز "سكينة حسين، ونالت مهمة أول انتحارية غربية محتملة في تاريخ التنظيم، وأول مدربة لفرقة الانتحاريات وهو تطور نوعي في عمليات "داعش". بعد قرن كانت قصة حب أخرى تشتعل بين سالي جونز مطربة الروك البريطانية وعازفة الجيتار، وشاب اسمه حميد جنيد، في بريطانيا، تعرفا على "تويتر"، كان جنيد قرصانا محترفا للإنترنت، وحكم عليه بالحبس لمدة 6 أشهر منذ ثلاثة أعوام، بعد تورطه في سرقة معلومات استخباراتية من مساعدي رئيس وزراء بريطانيا السابق، توني بلير، وتمكنه من اختراق الخط الساخن لمكافحة الإرهاب وتسجيل مكالمات ساخرة. دخل جنيد الإسلام بطبعته الجهادية، وتفقّه في أدبيات الدم، مع صديقه مطرب الراب ذوي الأصول المصرية عبد الماجد عبد الباري، تركت سالي ولديها والجيتار في لندن، وذهبوا جميعًا إلى الرقة، وهناك توعدت المسيحيين وأصحاب الديانات الأخرى بالذبح وتعليق رقابهم على أسوار المدينة. جاءت سالي من رحم الموسيقى إلى خزائن الموت، من أوتار الجيتار إلى أصابع الأحزمة الناسفة، متكئة على "جنيد" و"عبد الباري". والرحلة بعد قرن لم تكن بالطبع هي ذاتها رحلة سوزان وطه من باريس إلى القاهرة. ليت "جنيد" و"سالي" قرآ ما كتبته سوزان عن طه! كتبت سوزان عن عمها القس الذي كان يحبه طه حسين ومات فجأة "قال لي طه كان مثلنا ودليلنا ومحل إعجابنا كان يجعل كل شيء جميلًا، وكان يجعل كل شيء نبيلًا لقد كانت الحياة تغدو بصحبته فجأة أرفع وأخصب أو ليس ذلك ما أستطيع أن أقوله بدوري عن طه حسين".