وزير التعليم: بذل كافة الجهود لدعم التمكين الحقيقي للأشخاص ذوي الإعاقة    مصطفى مدبولي: نعمل على دفع المشروعات الصناعية وإزالة أى تحديات تواجهها    مدبولي: مصر ستكون مركزا إقليميا لتصنيع الأجهزة المنزلية الفترة المقبلة    بعد الانخفاضات الأخيرة.. أسعار السيارات 2024 في مصر    طلاب بجامعة شيكاغو يقتحمون كلية العلوم السياسية احتجاجا على علاقتها بإسرائيل    سائقو الشاحنات في أوكرانيا ينظمون احتجاجا ضخما اعتراضا على قانون التعبئة الجديد    خبير يوضح أسباب الانقسامات التي تضرب مجلس الحرب الإسرائيلي (فيديو)    مباشر الدوري الألماني - فرانكفورت (0)-(0) لايبزيج.. بداية المباراة    الكل متفائل.. توقعات الجماهير لمباراة الأهلي و الترجي التونسي.. فيديو    بسبب خلافات سابقة.. المؤبد لشخصين لإتهامهم بقتل سيدة في القليوبية    موعد عيد الأضحى المبارك 2024.. بدأ العد التنازلي ل وقفة عرفات    مصرع طفلة دهستها سيارة "لودر" في المرج    في اليوم العالمي للمتاحف.. كل ما تود معرفته عن المتحف المصري الكبير    الصحة العالمية تحذر من الملح: يسبب ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب    «الحرية المصري»: مصر لن تتخلى عن مسئولياتها تجاه الشعب الفلسطيني    مسؤولو التطوير المؤسسي بهيئة المجتمعات العمرانية يزورون مدينة العلمين الجديدة    8 تعليمات مهمة من «النقل» لقائدي القطارات على خطوط السكة الحديد    تحرك عاجل من كاف قبل ساعات من مباراة الأهلي والترجي بسبب «الجزائري».. عاجل    مصر تنافس على لقب بطولة CIB العالم للإسكواش ب3 لاعبين في المباراة النهائية    خريطة إذاعة مباراة الأهلي والترجي.. المعلقين والاستوديو التحليلي    بعد الخلافات العديدة.. إشبيلية يعلن تجديد عقد نافاس    البيئة: 550 مليون يورو استثمارات تمت وجارية بمجال التوافق البيئي في الصناعة    بينهم أبو تريكة.. قبول طعن 121 متهمًا على إدراجهم بقوائم الإرهاب    السفيرة سها جندي تترأس أول اجتماعات اللجنة العليا للهجرة    تعرف على تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي.. في العناية المركزة    ليلة سقوط اللصوص.. القبض على 9 متهمين بارتكاب جرائم سرقات بالقاهرة    عاشور: دعم مستمر من القيادة السياسية لبنك المعرفة المصري    ثورة غضب عربية على الاحتلال الإسرائيلي بسبب عادل إمام    محافظة القاهرة تنظم رحلة ل120 من ذوي القدرات الخاصة والطلبة المتفوقين لزيارة المناطق السياحية    فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة يحتل المرتبة الثالثة في شباك التذاكر    خبير علاقات دولية: إسرائيل تنشر الشائعات عن مصر لتهدئة الرأي العام في تل أبيب    الرعاية الصحية: نمتلك 11 معهدًا فنيًا للتمريض في محافظات المرحلة الأولى بالتأمين الشامل    «المصل واللقاح»: متحور كورونا الجديد سريع الانتشار ويجب اتباع الإجراءات الاحترازية    الكشف على 1645 مواطنا في قافلة طبية ضمن «حياة كريمة» ببني سويف    حزب الله: استهدفنا تجمعا ‏لجنود الاحتلال في محيط ثكنة برانيت بالأسلحة الصاروخية    الأحجار نقلت من أسوان للجيزة.. اكتشاف مفاجأة عن طريقة بناء الأهرامات    أستاذ الطب الوقائي: الإسهال يقتل 1.5 مليون شخص بالعالم سنويا    «الري»: بحث تعزيز التعاون بين مصر وبيرو في مجال المياه    جوري بكر تتصدر «جوجل» بعد طلاقها: «استحملت اللي مفيش جبل يستحمله».. ما السبب؟    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    طلاب الإعدادية الأزهرية يؤدون امتحاني اللغة العربية والهندسة بالمنيا دون شكاوى    محافظ المنيا: استقبال القمح مستمر.. وتوريد 238 ألف طن ل"التموين"    "النواب" يناقش تعديل اتفاقية "الأعمال الزراعية" غدا الأحد    جهود قطاع أمن المنافذ بوزارة الداخلية خلال 24 ساعة فى مواجهة جرائم التهريب ومخالفات الإجراءات الجمركية    أبرزهم رامي جمال وعمرو عبدالعزيز..نجوم الفن يدعمون الفنان جلال الزكي بعد أزمته الأخيرة    موعد مباراة بوروسيا دورتموند أمام دارمشتات في الدوري الألماني والقنوات الناقلة    نهائي أبطال إفريقيا.. 3 لاعبين "ملوك الأسيست "في الأهلي والترجي "تعرف عليهم"    "الإسكان": غدا.. بدء تسليم أراضي بيت الوطن بالعبور    25 صورة ترصد.. النيابة العامة تُجري تفتيشًا لمركز إصلاح وتأهيل 15 مايو    مسئولو التطوير المؤسسي ب"المجتمعات العمرانية" يزورون مدينة العلمين الجديدة (صور)    خبيرة فلك تبشر الأبراج الترابية والهوائية لهذا السبب    ما حكم الرقية بالقرآن الكريم؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل: ينبغي الحذر من الدجالين    الفصائل الفلسطينية تعلن قتل 15 جنديا إسرائيليا فى حى التنور برفح جنوبى غزة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 18-5-2024    حادث عصام صاصا.. اعرف جواز دفع الدية في حالات القتل الخطأ من الناحية الشرعية    المستشار الأمني للرئيس بايدن يزور السعودية وإسرائيل لإجراء محادثات    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    قبل عيد الأضحى 2024.. تعرف على الشروط التي تصح بها الأضحية ووقتها الشرعي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الغيطاني في آخر حوار ل«التحرير»: ثورة يناير لها جزء نقي.. وآخر مريب
نشر في التحرير يوم 18 - 10 - 2015

فى آخر حوار له مع ال«لتحرير» تحدث الأديب الكبير الراحل جمال الغيطانى عن الأخطاء التى وقعنا فيها عقب ثورة 30 يونيو وكيف أن ردود أفعال القادة تكون أحيانًا أقل من درجة الخطر الذى يحيط بنا معتبراً أن وصول الإخوان للحكم كان سببًا لأن تتعرض الدولة المصرية ولأول مرة إلى خطر التفكك والانهيار.
■ احتفلت مؤخرًا بعيد ميلادك السبعين فهل نظرتك إلى الحياة تغيرت بعد وصولك إلى هذا العمر؟
- بالطبع، فالإنسان وهو فى السبعين ينقصه أشياء، وفى ما يتعلق بجوهر النظرة إلى الحياة أعتقد أن عناصرها ما زالت موجودة، لكن أستطيع القول إن الرؤية الآن أكثر شفافية، وأكثر إدراكا لقوانين الوجود، فقبل سنوات وبخاصة فى ذروة الشباب كان تشغلنى هموم يغلب عليها الطابع الاجتماعى والسياسى، لكن حاليا الأمور استقرت على الأسئلة الكبرى التى كنت أسألها وأنا طفل، فدائمًا الأطفال يسألون ببراءة أسئلة تتعلق بالوجود، مثلما يسأل طفل أمه «أنا جيت منين؟»، فهذا سؤال «الكينونة»، وأنا كنت أسأل «إمبارح راح فين؟»، وفى طفولتى خيالى كان نشيطًا وكنت أختلق حكايات، وعندما تقترب دائرة العمر من الاكتمال تقترب البداية من النهاية، ويعود الإنسان إلى الدهشة الأولى، ويبدأ يسأل أسئلة محيرة وينتهى به الأمر إلى نوع من الاستسلام للحقائق التى لم يدركها، فسؤال الزمن معى منذ أن ولدت، والاهتمام بالزمن يقود إلى الاهتمام بأمور أخرى منها مثلا «الصيرورة» وماذا حدث بالأمس وماذا سيحدث غدًا، وبالتالى محاولة فهم هذه القوى الغامضة التى نرى أعراضها، لكن لا نعرف جوهرها وهى قضية الزمن، والكتابة كانت محاولة للرد على سؤال الزمن، وهذا يقود إلى الاهتمام بالموت والنهاية، وهذه مسألة مبكرة موجودة عندى، وهناك نوعان من الموت، نوع يأتى من الخارج كأن يتعرض الشخص إلى حادثة مثلا، لكننى كنت أتعرض إلى الموت فى كل لحظة وأنا أعمل مراسلًا حربيًّا، فلم أكن أجلس فى فندق لكننى كنت فى الخطوط الأمامية، وزملائى الصحفيون الذين عايشوا تلك الفترة كانوا يعرفون تعبير «ده كان على الميه»، بمعنى أننى كنت على حافة قناة السويس، ودائمًا ما كنت أقول «أنا عايش بالصدفة»، والكاتب الكبير سمير فريد علق على كلامى متصورًا أننى أقصد الوجود، لكننى كنت أعنى أننى لو كنت غيّرت مكانى فى لحظة لفقدت حياتى، وحدث هذا معى فى الإسماعيلية والسويس.
■ هل تتذكر وقائع معينة كنت ستفقد فيها حياتك؟
- كنت أدخل قهوة مثلا فى مدينة السويس، وكان هناك عسكرى مطافئ، وأصر علىّ أن أجلس مكانه، وتحرك هو إلى الناحية الأخرى، وبعد لحظات جاءت شظية قتلته، وكانت مثل هذه الوقائع تحدث يوميا تقريبا، وهذا ما أسميه الموت القادم من الخارج، لكن الموت الذى يأتى من الداخل هو الأخطر، فأنا مثل معظم أبناء الفقراء فى مصر أصبت فى فترة بحمى روماتيزمية لم أكتشفها إلا وأنا عمرى 25 سنة، وربما كان ذلك سنة 1973 أو 1974، ومعظم أبناء البسطاء فى مصر يحدث لهم ذلك ويقولون «الواد جت له سخونية»، والحمى الروماتيزمية تصيب الصمام، وأجريت عمليتين جراحيتين كبريين خلال العشرين سنة الأخيرة، ولكن حاليا وعمرى 70 سنة إدراكى للوقت أعمق وباشتغل، فأنا ضيعت وقتا طويلا فى العمل العام وبخاصة وقت رئاستى لتحرير جريدة «أخبار الأدب»، وتغلب علىّ حاليا حالة من الدهشة، وأتساءل «إزاى عدى العمر؟»، فنحن ننسى أننا مسافرون، فالقانون الذى يحكم الإنسان أنه لا يوجد شىء ثابت، وأتذكر أننى مرة كنت فى ندوة علمية بالأكاديمية البشرية فى ألمانيا، وكانوا قد اختارونى، لأننى من الكتّاب المهتمين بقضية الزمن فى أعمالهم، وأحد العلماء قال إن الشمس التى تعتبر الجرم الأكبر الذى نتبعه فى منتصف عمره 5 مليارات سنة، وسينتهى بعد مليار سنة، وأحد الجالسين وكان مسلمًا قال «يا نهار أبيض فاضل 5 مليارات بس»، فالاهتمام بالزمن يقود إلى الاهتمام بالنهاية، ويقود إلى الاهتمام بالكون، لذلك فقراءاتى فى الفلك أكثر من الروايات.
■ قلت إن أمنيتك المستحيلة أن تُمنح مرة أخرى فرصة للعيش فما الذى تريد تحقيقه لو عشت حياتك من جديد؟
- سأختار نفس الطريق، فأنا محظوظ، فأنا من صغرى «وأنا عارف أنا عايز إيه»، وأنا من الكُتاب الذين اكتشفوا أنفسهم منذ الصغر، فأنا ولدت فى أسرة بسيطة ووالدى كان مكافحًا ومر بظروف صعبة، وكان مصرًّا على تعليم أولاده، وليس هناك شخص يقرر أن يعمل أديبا، ولا بد أن يعمل فى وظيفة أخرى لكى ينفق منها على الأدب، بمن فى ذلك نجيب محفوظ حتى حصل على جائزة نوبل، والأدب عندى هو وجودى الحقيقى، وفى ما عدا ذلك أعتبره «أكل عيش»، بما فيها الصحافة، والظروف جاءت فى مصلحتى، لأننى عندما قررت دخول التعليم الفنى، لأن والدى كان يتعب وأنا أريد مساعدته، ألحقونى بقسم تصميم السجاد وكان ذلك سنة 1959 وقضيت 3 سنوات أدرس فن تصميم السجاد اليدوى، وبالمناسبة أنا واحد من أهم خبراء السجاد فى مصر، لأننى درست السجاد الإيرانى، وعندى تخصص التخصص، فأنا متخصص فى نوع اسمه «سجاد بخارى»، ولى زملاء مليارديرات حاليا، وأنا من النوع الذى إذا تم تكليفه بمهمة لا يستطيع أن يؤديها «نص نص»، فلا بد أن أبذل فيها جهدًا، لكن كنت أعرف كيف أفصل بين المساحة الخاصة بالحياة وما بين الأدب والكتابة، وتفوقت فى المدرسة ودخلت كلية الفنون التطبيقية وقضيت بها سنة، لكن فى تلك الفترة كنت قد بدأت أقتنع بفكرة التكوين الذاتى، وأننى أكون نفسى حسب مزاجى الداخلى، وبقيت حتى سن 16 سنة لا أعرف مثقفين، وأنا ابن القاهرة القديمة، فالقاهرة القديمة حالة ثقافية، فالأزهر جامعة ويخدم عليها مكتبات وبائعو كتب مستعملة، وكنت أقرأ من خلال هؤلاء ولم يكن أحد يقول لى «تقرأ إيه»، فكنت أقرأ بالتداعى، فمثلا أقرأ كتابا عن تاريخ الثورة الفرنسية، ثم أبحث عن رواية عن الثورة الفرنسية، وكنت أتبع ما أحتاج إليه وهذا يحدث حتى الآن، لذلك ففى روايتى الأخيرة «حكايات هائمة» والتى أعتبرها أهم ما كتبت، أقول «لا تسأل عن الطريق»، اِنْوَ أولا والطريق سيظهر بعد ذلك، ولو ولدت من جديد فسأختار نفس الطريق، فعندما بدأت العمل فى الصحافة سنة 1969، حيث أخذنى المفكر محمود أمين العالم للعمل ب«أخبار اليوم» كانت مصر تمر بمحنة بعد حرب 67، ووقتها كتبت تحقيقا من الجبهة، وأعجب الرئيس عبد الناصر وقال «هى دى الكتابة اللى احنا عايزينها»، رغم أننى وقتها كنت خارجًا من المعتقل، وتلك كانت الفترة الوحيدة فى الصحافة التى عملت فيها بكامل طاقتى، لأننا كنا أمام وطن مهدد وأنا أشارك بقلمى، ربما الشىء الوحيد الذى سأعيد فيه النظر هو الصحافة الثقافية، فأعتقد أننى أخطأت بقبولى العمل فى الصحافة الثقافية.
■ لماذا ترى أنك أخطأت؟
- عندما بدأت العمل فى الإشراف على الصفحة الثقافية فى «الأخبار» سنة 1985، فقبل أن أتولى مسؤولية الصفحة كان ممنوعًا ذكر أهم كُتاب مصر فى الصفحة باعتبارهم يساريين، واليسار فى مفهوم الدولة فى ذلك الوقت كان يبدأ من إدوار الخراط، فمع صعود السادات للحكم وكان يكره المثقفين، فكان دائمًا يقول «الأفندية وبتوع الميه الدافية»، وكان هناك «جو فاشيستى» فى الحياة الثقافية بعد سنة 1971، وعندما قام السادات بفصل الكتاب سنة 1973 وأنا كنت منهم، كانت القائمة تضم أهم كتاب مصر منهم نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم، ووقتها كان وزير الإعلام أحمد كمال أبو المجد وهو رجل شديد الذكاء، وكان يرى أن نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم «هيعملوا فضيحة للنظام فجنبوهم» ولكن تم منعهما ولم يكن يُنشر لهما شىء، ومع تغير المناخ العام فى مصر سنة 1985 مع صعود الرئيس الأسبق مبارك، وعندما تولى الكاتب الراحل سعيد سنبل رئاسة تحرير «الأخبار» طلب منى الإشراف على صفحة الأدب فقلت له «أنا طرف فى الحياة الأدبية وماقدرش يكون فيه أسماء ممنوعة»، وأنا شخصيا كنت ممنوعا، ولو رجعنا إلى أرشيف «الأخبار» سنجد أننى كنت أكتب تحقيقات صحفية، ومحررا عسكريا، ولكن لست موجودًا كأديب، ولم أعامل كأديب فى «أخبار اليوم» إلا من سنة واحدة عندما جاء ياسر رزق، رئيس مجلس إدارة «أخبار اليوم»، والسيد النجار، رئيس التحرير، فبدأت أنشر روايات، فحتى سنة فاتت لم أكن أنشر روايات أو قصصا قصيرة فى «أخبار اليوم».
■ لكنك كنت رئيس تحرير جريدة ثقافية لمدة 17 سنة؟
- أنا من جيل تربى على قيم، فعندما كان نجيب محفوظ رقيبًا على السينما ذهب إليه المخرج صلاح أبو سيف فى بداية توليه منصبه، وقال له «الرقابة رفضت (بداية ونهاية) قبل كده إحنا نعملها دلوقت» فقال له «لا دى ولا غيرها»، لأنه فى موقع مسؤولية «ومايمشيش حاجة لنفسه»، وأتحدى أن يجد أحد أعمالا لى فى «أخبار الأدب»، والنصوص الوحيدة التى نشرت لى فى «أخبار الأدب» نشرها زملائى وأنا مسافر للخارج أجرى جراحة فى القلب كنوع من التحية، لكن لم تُنشر مثلا دراسة عنى، وهذه القيمة تعلمناها من يحيى حقى أيضا، فعندما كان رئيسا لتحرير «المجلة» وهى كانت أهم مجلة ثقافية فى الستينيات، لم يكن ينشر فيها قصة له، ولم يكن معقولا أننى كرئيس تحرير «أخبار الأدب» أن أنشر فيها رواية، صحيح أننى أنشأت جريدة ثقافية فى ظروف صعبة جدا، وهذه الجريدة حافظت على الثقافة الجادة، وأقامت جسورا ثقافية مع العالم العربى والعالم الخارجى، فنحن كنا نسبق صحفا فرنسية فى أحداث أوروبية، وإذا تم تقييم «أخبار الأدب» فسيظهر دورها، سواء على مستوى العالم العربى أو العالم الخارجى، أو كجريدة معارضة، ولكننى سأعيد النظر فى عملى بالصحافة الثقافية، لأننى أضعت وقتا طويلا كان من الممكن أن أنتج فيه أدبا، كما أن التعامل مع المثقفين صعب، فمثلا لى صديق عمر استكتبته فى «أخبار الأدب» بناء على طلبه، لأنه كان يعمل فى الخارج وليس له مكان فى مصر، وظل يكتب عمودا ثابتا فى «أخبار الأدب» وهذا ليس شيئًا سهلًا، وبعد أن تركت «أخبار الأدب» فوجئت بأبشع مقال كُتب ضدى فى حياتى، والقضية الوحيدة التى رفعتها وكسبتها كانت ضد هذا الشخص، وحكم لى بالتعويض، ولم أحرص على صرف التعويض، لأننى لم أكن أريد «الفلوس»، ولكنى كنت أريد الحكم، لأنه قام بالسب العلنى بشكل بشع وعيّرنى بالمرض، إذن لماذا كنت تكتب معى، وهذا مجرد مثال، فعندما يشعر شخص أنه لم يلق الاهتمام بسبب كتاب أصدره فإنه ينتقم منى فى رواية لى، ولكن تبقى «أخبار الأدب» الجريدةَ الوحيدةَ التى كان 5 يتنافسون على رئاسة تحريرها فى المجلس الأعلى للصحافة، فى الوقت الذى كانت فيه صحف كبرى تبحث عن رئيس تحرير «بالعافية ومش لاقيين»، أنا فخور بذلك، لكن هذا الدور كان من الممكن أن يلعبه أحد غيرى.
■ بما أنك عشت فترة شبابك فى الستينيات فى أثناء حكم الرئيس جمال عبد الناصر فهل ترى أن هناك تشابهًا فى التحديات التى واجهتها مصر فى تلك الفترة والتحديات التى تواجهها حاليا؟
- لا، ليس هناك تشابه، ففترة عبد الناصر كانت التحديات كبيرة وخطيرة، لكن منذ يناير 2011 ونحن نعيش وضعا خطيرا جدا لم يحدث فى تاريخ مصر منذ العصر الفرعونى، فأول مرة تكون الدولة المصرية هدفا للإسقاط، فعندما قامت ثورة يوليو 1952 لم تكن الدولة هدفًا للإسقاط، ولكن الهدف كان النظام، «النظام بييجى ويروح»، بل إن جمال عبد الناصر وهو الثورى الوطنى عندما قامت ثورة يوليو استعان بكوادر العصر الملكى فى استمرار الدولة، فمثلا على ماهر الذى كان وصيا على العرش ومن أعمدة العصر الملكى استمر فى العمل، ومحمود فوزى الذى يعد من أعظم الدبلوماسيين المصريين كان موجودًا من أيام الملك ثم أصبح فى عهد عبد الناصر وزيرًا للخارجية، ثم رشحه الأستاذ هيكل رئيس وزارة للسادات، وأقصد أنه لم يكن هناك فكرة تدمير الدولة.
■ هل تظن أن هدف من خرج فى 25 يناير كان هدم الدولة؟
ثورة 25 يناير لها شقان، شق برىء لا أحد يستطيع التشكيك فيه ويتعلق بخروج البسطاء من أجل التغيير، ولم نكن نرى الجزء الخفى وإن كانت له عناوين كبيرة، لكننا كنا نتعامل بحسن نية، ولو عدنا إلى فترة ما قبل ثورة يناير سنجد شخصيات كثيرة جاءت مصر من الخارج وتحديدًا فى الإعلام، وكان هناك مخطط تم اكتشافه بعد ذلك، وكانت هناك رؤية قدمتها كونداليزا رايس حول إعادة صياغة الشرق الأوسط على أساس طائفى وعرقى وتفتيت الكيانات التى تكونت فى المنطقة بعد معاهدة «سايكس بيكو» مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن، وكانت مصر هى الهدف، لأنها رمانة الميزان، ومن يوم 28 يناير بدأت نظرتى تتغير، فعبد الناصر استعان بكوادر البوليس السياسى بعد تطهيره من الفاسدين أو الذين عليهم شبهات فى التعذيب، لكن الجهاز استمر وتولى رئاسته زكريا محيى الدين، فهذه الدولة، لكنْ أن أدمر الدولة وأهاجم 90 مركز شرطة فى وقت واحد وأطلق السجون، فهذا هدم وليس من عمل الثورات، ومبنى الحزب الوطنى الذى تم حرقه هو ملك للشعب المصرى، فهذا هو الجزء المريب فى ثورة يناير، والتحديات فى ما بعد يناير كانت أخطر، ولا ننسى أن عبد الناصر كانت معركته تجرى فى عالم ثنائى القطبين يضم أمريكا والاتحاد السوفييتى، فأنشأ حركة عدم الانحياز، لكنه كان أقرب بخطواته للسوفييت، فالأمريكان عندما رفضوا تمويل السد العالى ذهب إلى السوفييت، وعندما رفضوا تسليح الجيش المصرى عقد صفقة أسلحة تشيكية، لكن حاليا لم يكن عندنا هذا الوضع، وأصبحنا أمام قطب واحد، كما أنه لم يكن هناك قوى سياسية مثل حزب الوفد مثلا تقود أحداث يناير.
■ هل تعتقد أن الثورة حققت أهدافها؟
عادة عندما تقوم الثورات فإنها تنقل حياة الناس إلى الأمام ولا تحولها إلى كارثة مثلما يحدث فى سوريا، ومصر كانت مرشحة لأخطر من ذلك، فسوريا نحو 23 مليونا، نصفهم لاجئون حاليا، «لكن احنا 100 مليون هنروح فين؟»، فما الذى كان سيحدث إذا سادت الفوضى التى عشنا منها جزءا يوم 28 يناير عندما اختفت الشرطة واضطر الجيش إلى النزول، فالشرطة لها وظيفة أخرى، «مافيش دبابة هتجرى ورا حرامى»، ففى لحظات الخطر التى تهدد الدولة فإن الشعب المصرى رغم غياب قوى سياسية فاعلة لديه تركيبة حضارية هى التى تعمل، وهذا ما أنقذ مصر، بالإضافة إلى العمود الفقرى للدولة وهو الجيش، وهناك خطأ تاريخى قد يكون مدبرًا وقد يكون تلقائيا، صدر الإخوان إلى الحكم وبدؤوا مهمة تفكيك الدولة، ولكن بطريقة أخرى، فهم كان يعملون بمخطط وأسلوب ذكى، وليس صحيحًا أنهم أغبياء، وكانت هناك قوة عظمى تساندهم، وأنا حتى الآن أشعر بالدهشة، لأن الغرب الذى تعلمنا منه قيم الديمقراطية والعلمانية يريد أن تحكم قوى دينية، فهو يريد أن ندخل فى فوضى ومتاهة، والإخوان كانوا قد بدؤوا فى إنشاء دولة بديلة، فمثلا وزارة الخارجية أصبح من يعين السفراء ويتحكم فيها عصام الحداد، وأصبح البلتاجى وخيرت الشاطر يسعيان لإنشاء أجهزة أمن موازية، وأنا من الكتاب الذين اتخذوا موقفًا من أول لحظة، ولى يوميات مشهورة اكتشفت أن المصريين بالخارج يتداولونها وهى بعنوان «وداعًا مصر التى نعرفها»، وكان ذلك يوم أن أقسم مرسى اليمين، وصعود الإخوان إلى الحكم كان يمثل شيئا خطيرا جدا يتمثل فى الاعتداء الثقافى، وأذكر أن هناك مظاهرة خرجت يتقدمها النساء ويحملن الأكفان وكانت متجهة للاتحادية، وليست هناك سيدة فى مصر تحمل الكفن، فرمزية حمل الكفن تشير إلى أن من يحمل الكفن عليه دم، وإما أن يقتله الطرف الآخر وإما أن يسامحه، وليس هناك امرأة تقتل، وفى ذلك اليوم النساء حملن الأكفان، لأن الإخوان كان يهددون حرية المرأة المصرية، خصوصًا أن 60% من العائلات المصرية يعولها نساء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.