تليمة: رائد المدرسة المعاصرة.. وعبد الحميد: التاريخ عنده كان هو الزمان.. والسروي: الغربة تسيطر على روح إبداعه شكل جمال الغيطاني منذ بداياته فى عالم الرواية أسلوبا متفردا ومدرسة خاصة به فى استلهام التاريخ والكتابة الصوفية، ظهرت مع أولى كتاباته «وقائع شاب عاش ألف عام» واستمرت بعد ذلك فى كل ما قدمه من أعمال متميزة مثل «وقائع حارة الزعفرانى» و«الزينى بركات» و«الخطط» و«التجليات» وغيرها، وقد أجمع نقاد الأدب على أهمية جمال الغيطانى فى عالم الرواية المصرية باعتباره صاحب تجربة متفردة. قال الناقد الكبير عبد المنعم تليمة، إن تجربة جمال الغيطانى مختلفة ومؤثرة، وأشار إلى أن الجيل الذى لحق بنجيب محفوظ، تعددت وجهاته بين التجربة الذاتية واستلهام التراث الغربى وبين استلهام التراث الشعبى والتراث العربى، وقد شق الغيطانى، كما يقول تليمة، طريقا خاصا به وهو استلهام الموروثات المصرية فى العصرين المملوكى والعثمانى، وفى الصدارة منها التجربة الصوفية المصرية التى بدت بوضوح فى تجلياته. يصف تليمة الغيطانى برائد المدرسة المعاصرة فى استلهام التاريخ، وأشار إلى أنه تاثر بعدد من الكتاب فى الأجيال السابقة وهم المازنى وطه حسين وحسين هيكل وتوفيق الحكيم ويحيى حقى. وقال الناقد شاكر عبد الحميد، وزير الثقافة الأسبق، إن علاقته بالغيطانى بدأت مع نهاية السبعينيات عندما كان عبد الحميد يحضر لرسالة الماجستير عن الإبداع فى القصة القصيرة، وقابله مع مجموعة كبيرة من كتاب القصة، واكتشف وقتها أن الغيطانى ينظر إلى الحاضر باعتباره تاريخا، فالتاريخ بالنسبة له هو الزمن، لا حياة الملوك، وهو يصغى دائما إلى آنات المعذبين والمقهورين، ويرى أن دور الفن والإبداع هو إعادة خلق العالم من خلال رؤية التاريخ بشكل صحيح. ويرى عبد الحميد أن الغيطانى هو رائد المعاصرة فى الكتابة التاريخية بروح جديدة وتأثر بنجيب محفوظ فى رسم الشخصيات والاهتمام بالمكان، ويرى عبد الحميد أن ادب الغيطانى يحتاج إلى قارئ من نوع خاص يمتاز بالصبر والتركيز وعلى درجة من الوعى والثقافة حتى يمكنه استيعاب لغة الغيطانى. ويضيف عبد الحميد أن كتابات الغيطانى لم تكن فقط مرتبطة بالماضى، بل كانت تهتم بالواقع كما أنه مزج بين التاريخ والجغرافيا والتصوف وبين الحاضر والماضى بشكل رائع. وأوضح عبد الحميد أن الغيطانى هو الذى فتح الباب للأعمال الروائية التى تسلتهم وقائع التاريخ وتؤكد أن التاريخ يعيد نفسه بشكل معاصر من خلال إسقاطات واضحة، وتتميز كتابات الغيطانى أيضا، فى رأى عبد الحميد، بمحبته للمكان ولمصر وللأمة العربية حيث إنه من المعروف عنه أنه كان قوميا عربيا وكان يستلهم من كتابات ابن إياس والجبرتى والقزوينى وابن عربى. بدوره قال الناقد حسين حمودة إن تجربة جمال الغيطانى تجربة غنية ومتنوعة بكل المقاييس، حيث تحركت مجموعات الغيطانى القصصية ورواياته فى مجال رحب، واستكشفت مناطق غير مأهولة فى اتجاهات عدة؛ من تناول وقائع تومئ إلى زمن الكتابة ولكنها تنتمى إلى تاريخ مصر الوسيط. وأضاف حمودة: «فى هذا العالم المتنوع، الذى يجوب مساحات عدة، بجهات متباينة، ثمة معالم راسخة ثابتة رغم تناميها عبر رحلة جمال الغيطانى الثرية: الاهتمام المتصل بوضع الإنسان العربى تحت وطأة سلطة رازحة، خانقة، كلية القدرة تقريبا، ممتد ظلها الثقيل عبر أزمنة تاريخية طويلة.. الانتقال من تناول اليومى، التفصيلى، المرتبط بهموم جزئية محددة، فى واقع حافل بالمفارقات والتناقضات، إلى التساؤلات التى لا يتوقف طرحها حول قضايا كبرى قديمة متجددة، تطال الوجود والزمن والموت، والتوق الإنسانى إلى التناغم المفتقد مع الطبيعة والكون، وأخيرا الاستناد، فى ذلك كله، إلى لغة أثيرة، مشبعة بذائقة صقلتها معرفة وإلمام واضحين بالتراث العربى القديم». قال الناقد صلاح السروى إن تجربة الغيطانى لا يمكن رؤيتها إلا فى إطار البعد التاريخى، وقسم هذه التجربة إلى ثلاث مراحل. المرحلة الأولى فى رأي السروى والتى قدم فيها «وقائع شاب عاش ألف عام» و«وقائع حارة الزعفرانى» وقد نحى فيها منحى تجريبيا، وكانت مرتبطة بالواقع، وبدت فيها جذور المرحلتين التاليتين، وهما المرحلة التاريخية التى قدم فيها «الزينى بركات» التى تعد من أهم العلامات فى أدب الغيطانى استوحى فيها شخصية تاريخية عند ابن إياس، وعرض لواقعة تاريخية معروفة تمثلت فى هزيمة جيش المماليك دون قتال ودخول البلاد فى عهد جديد، لتكون إسقاطًا على مصر فى هذه المرحلة، فقد اتخذ من هذه الواقعة التاريخية إطارا رمزيا لتوضيح أسباب وحجم الكارثة التى مرت بمصر سنة 1967، على رأسها تحطم شخصية مثل الزينى بركات وهى شخصية أمنية، حمَّل الغيطاني من خلال هذه الرواية مفهوم الدولة الأمنية المسئولية الكاملة. وأشار السروى إلى المرحلة الثالثة من تجربة الغيطانى ذات البعد الرمزى، يعنى به المغزى الصوفى وتضم «تجليات الغيطانى» و«خطط الغيطانى» متأثر أيضا بالتاريخ، فهو ليس معنيا فقط بالمعنى الجغرافى ولكنه معنى بوقائع الأحداث، ويرى فيها السروى اشتباكا مع وقائع «حارة الزعفرانى» فى مرحلته الأولى وهى حكايات ذات أبعاد صوفية وفيها احتفاء بشخصية الغيطانى ذاته. وأضاف السروى أن روايات الغيطانى يغلب عليها مفهوم الغربة، واشار إلى تأثر كتير من الأدباء بتجربة الغيطانى بشكل عام، ومنهم رضوى عاشور وسلوى بكر وسعد القرش. بدوره قال الناقد سيد البحراوى، إن جمال الغيطانى رائد المدرسة المعاصرة فى الكتابة التاريخية، وفتح أفقا خاصة فى الكتابة الروائية، وهى العودة إلى التاريخ والتصوف، وكان مختلفا عن كل الكتابات التاريخية السابقة عليه لأنه كان يعنى بالحاضر. وأشار البحراوى إلى أن الغيطانى كان يمتلك أسلوبا خاصا فى السرد تغلب على روحه الصوفية ولغته الخاصة.