مشهد رائع من فيلم البداية للعبقرى «صلاح أبو سيف»، تسقط الطائرة بركابها فى الصحراء، ويتم تأسيس شبه دولة يحكمها الديكتاتور (جميل راتب).. لم ينغص عيشته سوى المثقف الواعى (أحمد زكى)، فهو يتحدث عن العدالة والمساواة والديمقراطية، وهو كلام ربما يؤلب البسطاء عليه، فلم يكن أمامه إلا أن ينفرد بالفلاح البسيط المتدين بالفطرة ليحذره من المثقف لأنه -أستغفر الله العظيم- ديمقراطى. المشهد ساخر عميق المغزى، لكنه ليس خياليا للأسف، فقد حدثت الواقعة بالفعل مع المفكر أحمد لطفى السيد فى العشرينيات عندما قرر الترشح فى الانتخابات النيابية، فلم يجد منافسه حلا ليتغلب عليه سوى أن يهمس فى آذان البسطاء: ده ديمقراطى.. يعنى ملحد وعايز الجنس يبقى مشاع فى الشوارع.. وهنا اتجه البسطاء إلى لطفى السيد وسألوه بتوجس: انت صحيح ديمقراطى؟ وبسلامة نية أجابهم بثقة وفخر: طبعا.. فخسر الانتخابات بجدارة، لأنه وبكل ثقة وفخر أيضا.. ديمقراطى! الخطأ هنا يتحمله الطرفان، فلو أن البسطاء نفضوا عن عقولهم التوجس والريبة من كل جديد، ورغبوا فى الفهم بروية، وذهبوا إلى لطفى السيد أو إلى أى مثقف متزن غير متجنٍّ وسألوه: يعنى إيه ديمقراطى دى؟ ولو أن المثقفين أمثال لطفى السيد استبدلوا الكلمات والتعريفات البسيطة بهذه المصطلحات المقعرة وتركوا الإمعان فى التعالى على واقع من يرغبون فى الدفاع عنهم وتمثيلهم، وصححوا للناس مفاهيمهم المغلوطة.. لو حدث هذا ربما تغير الواقع وفاز لطفى السيد وغيره. هناك فجوة حقيقية بين ما تنادى به النخب والناس اللى بيلبسوا «بِدَل» فى برامج التوك شو، وبين عقول شعب بسيط يأبى بحكم العادة والتعود أن يحطم أحدهم ثوابته ومعتقداته، فتأتى الفرصة لخبيث ليهمس فى أذنه: ماتسمعش كلامه.. ده -أستغفر الله العظيم- ديمقراطى!