الحرب الفيتناميةالأمريكية، أو حرب فيتنام الثانية، تعد مادة خصبة لإعادة صياغتها فنيًا، فهي لم تكن مؤثرة على الجنود والضباط المشاركين فيها فقط، بل امتدت آثارها لكل النواحي في المجتمع الأمريكي، حتى القيادة السياسية تأثرت ولن تكون مبالغة إذا ما قلنا أن الجانب النفسي للكثير من الأمريكيين تغير لحد كبير، منذ نهاية الحرب عام 1975، وتتوالى الأفلام الأمريكية التي تتناولها سواء بشكل ساخر أو جاد أو كوميدي، فيلم "Apocalypse Now" عام 1979، ربما يعد أهم ما قدم فى هذه الفئة. اليوم يمر 36 عامًا على العرض الأول للفيلم بشكل محدود فى نيويورك وتورنتو وهوليوود محققا 332 ألف دولارخلال خمس أيام، لتتطور إيراداته فيما بعد لتصل إلى 78 مليون دولار فى الولاياتالمتحدة، و150 مليون دولار إيرادات عالمية فى حين كانت ميزانية إنتاجه 31.5 مليون دولار، بالطبع هذه المبالغ وقتها كانت أرقام كبيرة تدل على أهمية الفيلم واهتمام الجمهور به، لكنها ليست المعيار الوحيد، فمع توالي السنوات ظل الفيلم يتصدر مراكز متقدمة في أراء النقاد عند تقييمه وعلى الرغم من إنتاج أفلام أخرى تتناول الحرب من زوايا مختلفة لكن يظل هذا الفيلم هو المقرب لدى الكثيرين في تشريح للحالة النفسية للجنود الأمريكين المشاركين في الحرب ربما أكثر من فيلم "Full Metal Jacket" الذي أنتج عام 1987. الفيلم المستقر في المرتبة ال47 بقائمة أفضل 250 فيلم حسب تصنيف موقع قاعدة بيانات الأفلام العالمي، أنتجه وأخرجه وشارك فى كتابته فرانسيس فورد كوبولا، وبطولة مارتن شين، ومارلون براندو، وروبرت دوفال، وهاريسون فورد، ودينيس هوبر وكل أسم من هولاء الأسماء نجم من نجوم هوليوود البارزين وقتها وحاليًا حتى مع وفاة بعضهم، أكثرهم بالطبع مارلون الممثل صاحب الجماهيرية الواسعة والناشط السياسى البارز فى قضية تعامل الحكومة الأمريكية مع السكان الأصليين للقارة. تدور أحداث الفيلم المعتمدة على رواية ألفها جوزيف كونراد عام 1899 بعنوان "Heart of Darkness" استوحى منها كوبولا الشخصيتين والخط العام فقط، وابتعد عن أجوائها واحداثها التى تجرى فى قارة إفريقيا، وأصبحت شخصية مارلو في الرواية، ويلارد "شين" فى الفيلم، في حين ظلت شخصية كيرتز "براندو" تحمل نفس الاسم لكنها مختلفة كثيرًا عن نظيرتها فى الرواية، الفيلم يركز على رحلة ضابط العمليات الخاصة النقيب الأمريكى ويلارد في البحث عن كيرتز عقيد القوات الخاصة الأمريكي الذي جن تمامًا وترأس مجموعة من الفيتناميين في كمبوديا الذين عاملوه كآله لقتله، بالطبع الرحلة في النهر لم تكن سهلة وفي بعض الأحيان كان الزملاء العسكريين أشد قسوه من الأعداء. كقسوة الحياة والطبيعة والحرب في الفيلم، أتت ظروف تصويره واختيار نجومه، براندو الذي حل على موقع التصوير بوزن زائد وعدم استعداد كافي للدور، ومارتن الذي واجهه أزمة قلبية قاتلة أثناء التصوير، بالإضافة للمشاكل الإنتاجية، ورفض عدد كبير من الممثلين الاشتراك في الفيلم، شخصية "ويلارد" كان مرشحًا لها في البداية ستيف ماكوين، ورفضها لأنه سيضطر للتواجد خارج أمريكا لمدة 17 أسبوعًا، ورفضها آل باتشينو لنفس السبب، وكان من المرشحين أيضا لآداء أيًا من الشخصيتين جاك نيكلسون، وروبرت ردفورد، وجيمس كان، ومارتن نفسة لم يكن متاحًا لأداء الشخصية في البداية، لكن أداء الممثل هارفي كتيل للشخصية في أيام التصوير الأولى جعل كوبولا يصر أكثر على مارتن، ويذلل الصعاب التي تمنعه من أداء الشخصية. "Apocalypse Now" مزين بمجموعة ضخمة ومتنوعه من الجوائز بخلاف ما رشح لنيله، يأتي على رأسها سعفة كان الذهبيه على الرغم من عرض الفيلم ك"عمل غير منتهى"، بالإضافة ل"سيزار" أفضل فيلم أجنبي، أوسكار أفضل تصوير وصوت، جولدن جلوب أفضل مخرج، وأفضل ممثل مساعد، وأفضل موسيقى تصويرية، وبافتا أفضل مخرج وأفضل ممثل مساعد، وحظى بكم أكبر من الترشيحات لجوائز أوسكار وجولدن جلوب. ولم يتوقف منح الفيلم جوائز سنة إنتاجه أو ما بعدها، بل حاز على جوائز احتفالية وشرفية من أكثر من مؤسسة في الألفية الجديدة منهم جمعية نقاد بوسطن، ودائرة نقاد لندن، والمركز الوطني لحفظ الأفلام في أمريكا.