عندما تولى إسماعيل حكم مصر كان مُحمّلا بتراث جده محمد على وأبيه إبراهيم باشا، وكان تواقا لأن يحفر اسمه بجوارهما فى سجل حكام مصر المتميزين. مجىء إسماعيل كان بعد وفاة عمه الوالى محمد سعيد، وكان ذلك فى عام 1863، وكان قد مضى على بدء حفر القناة نحو أربع سنوات، لم يكن بيد إسماعيل تعديل الامتيازات التى منحها عمه سعيد إلى ديليسبس، وهى تلك الامتيازات التى جعلت من شركة قناة السويس دولة داخل الدولة أو جعلت مصر تعمل لدى القناة وليس العكس. رجل مثل إسماعيل كان لا بد له من أن يضع بصمته على المشروع، فقام بإنشاء المدينة التى ستحمل اسمه «الإسماعيلية» على غرار مدينة عمه «بورسعيد». الإحصاء المبدئى للمشروع وتكاليفه، يقول إنه قد استخرج 74 مليون متر مكعب من الرمال. وبلغت تكاليف الحفر 369 مليون فرنك فرنسى، وبلغ عدد العمال مليون عامل، وكان عدد الذين توفوا فى أثناء الحفر أكثر من مئة وعشرين ألف عامل مصرى. وأخيرا أصبحت القناة بعد شقاء عشر سنوات جاهزة للعمل، ولكن إسماعيل رأى أن يكون الافتتاح أسطوريا يليق بأحلامه ويليق بمشروع سيكون الأهم فى تاريخ الملاحة والتجارة العالمية. سافر إسماعيل إلى أوروبا فى مايو 1869 لدعوة الملوك والأمراء ورؤساء الحكومات ورجال السياسة والعلم والأدب والفن لحضور حفل افتتاح القناة الذى عزم أن يقيمه فى 17 نوفمبر 1869. بعد عودته بدأ فى الإعداد للحفل الكبير، فاستخدم 500 طاهٍ و1000 خادم ليكونوا فى خدمة الضيوف، الذين بلغ عددهم نحو 6 آلاف مدعو. هذه الترتيبات كان قد سبقها إقامة مبنى الأوبرا وتجهيز شوارع العاصمة الرئيسية فى لفتة من إسماعيل الذى أراد أن يثبت لضيوفه أن مصر دولة عصرية وتأخذ بأسباب المدنية والتحضر. ظهر يوم 16 نوفمبر 1869، بدأت الحفلة التاريخية، القادة من كل جنس ولون كانوا حاضرين، الموسيقى تصدع والمدافع تطلق طلقات الترحيب بملوك العالم، وثمانون سفينة بعضها حربى كانت تصطف على الشاطئ متخذة شكل قوس فى منظر مهيب يثير الإعجاب، ليلة تاريخية استمرت حتى شروق صباح السابع عشر من نوفمبر من عام 1869، مع شمس ذلك اليوم بدأت السفن تمر فى قناة السويس. حفل الافتتاح هكذا سيكون نكبة على إسماعيل، وذلك لأن إسراف إسماعيل زاد من الديون التى كبلت إرادة مصر واستقلالها، كما أن إسماعيل كان يرسل بدعوات حفل الافتتاح باسمه هو وليس باسم الخليفة العثمانى، وهو الأمر الذى سيجعل علاقته بالدولة العثمانية تبدأ فى التوتر حتى انتهى الأمر بصدور فرمان من السلطان العثمانى بعزله بعد مرور عشر سنوات على افتتاح القناة. سيموت إسماعيل فى أرض منفاه بتركيا بعد عزله، وسيكون رحيله بعد عام واحد من رحيل المنفذ ديليسبس، ولن ينعم إسماعيل بجنى ثمار القناة التى أنفق على حفل افتتاحها كما لم ينفق أحد.