ساعات تفصلنا عن حدث عظيم، وهو افتتاح مشروع توسعة قناة السويس، الذى يفضل البعض إطلاق اسم قناة السويس الجديدة، القناة التى مولها الشعب وحفرتها سواعد الشعب أيضا بقدر ما أثارته من حماسة ووطنية أثارت أيضا علامات استفهام عدة حول العوائد الاقتصادية وأساليب التمويل واحتمالات تكرار تجربة النجاح فى مشروعات أخرى. «التحرير» حاورت الخبير الاقتصادي محسن عادل، عضو المجلس التخصصى للتنمية، للوقوف على إجابات عن هذه الأسئلة. ■ ما العوائد الاقتصادية لمشروع توسعة قناة السويس؟ - إن المشروع متوقع أن يرفع مساهمة مشروع القناة فى الناتج المحلى الإجمالى من 2٪ إلى 4٫3٪ بحلول 2017، مع توقعات بأن يوفر المشروع مليون وظيفة فى مراحل المشروع المختلفة، بما يعنى تراجع معدلات البطالة من 9٫6٪ إلى 1٫9٪، كما أن ارتفاع عائدات القناة السنوية من 5 مليارات دولار إلى 12 مليار دولار. كما أن المشروع سيسهم فى رفع معدل التجارة العالمية من 8٪ إلى 15٪ عبر زيادة معدل مرور السفن من 49 سفينة إلى 97، كما سيقلل ساعات انتظار السفن من 11 ساعة إلى 3 ساعات فقط، كما أن تعميق المجرى القديم لقناة السويس سيسمح بمرور كل السفن بجميع الأحمال ومهما كانت ضخامتها. ■ ولكن هذه تداعيات المشروع على المدى البعيد؟ فما تأثيره على المدى القريب؟ - المشروع سيؤثر أيضا على نسبة العجز الكلى من الناتج المحلى، ولكن بشكل سلبى خلال العام الحالى، حيث ستكون فى حدود 3٫11٪، رغم أنها كانت متوقعة بأقل من ذلك، لكن الحكومة سيكون عليها عبء دفع عوائد شهادات الاستثمار سنويا التى ستمثل نحو 2٫7 مليار جنيه سنويا، ما يعادل فائدة الشهادات ب12٪، فضلا عن قيمة الشهادات نفسها التى ستضطر الحكومة إلى توفير 12 مليار جنيه سنويا لسدادها بموعد الاستحقاق، خصوصا أنه ليس متوقعا تحقيق المشروع أى عوائد خلال العام الحالى. ■ تمويل مشروع توسعة قناة السويس تم باستثمارات المصريين من خلال طرح شهادات استثمار ونجحت التجربة فهل تتوقع تكرارها فى مشروعات أخرى؟ - عمليات بيع الشهادات استحوذ فيها قطاع الأفراد والعائلات على 82%، فى حين أن 18% فقط كانت من نصيب قطاع الشركات والمؤسسات، وأسهم فى جمع الحصيلة المستهدفة خلال 74 ساعة عمل فقط خلال 8 أيام بمتوسط اكتتاب بلغ 824 مليون جنيه فى الساعة الواحدة، فى حين بلغت قيمة الشهادات التى تم بيعها بمكاتب البريد نحو 750 مليون جنيه بعد عمليات بيع استمرت يومين فقط. «جمع هذا المبلغ خلال 8 أيام فقط هو إنجاز يعكس ثقة المواطنين بالاقتصاد المصرى والجهاز المصرفى والمشروع القومى لقناة السويس الجديدة مدفوعا بالحس الوطنى للجماهير، ويؤكد الرغبة فى البناء والنمو والتنمية، خصوصا أن التوقعات كانت تشير إلى استمرار عمليات الاكتتاب لمدة 3 أشهر على الأقل». «تكونت تلك الودائع من العمالة الخارجية الموجودة فى البلاد العربية وما يترتب عليها من آثار، سواء بتحويلات المصريين فى الخارج وتكونها فى البنوك بصورة ودائع، أو من خلال توفير فرص عمل بإقامة مشروعات صغيرة أو غيرها من المشروعات الربحية». «حينما يثق أصحاب الأموال فى أصول المشروعات فإن ذلك يدفعهم إلى الاستثمار مباشرة، وهو ما حدث فى شهادات قناة السويس، وأن نسبة كبيرة من الأموال جاءت من عملاء فى القطاع المصرفى، وأن نسبة لا تتجاوز 10% من العملاء الجدد للبنوك». ■ انتهينا من مشروع التوسعة فماذا نحتاج الآن؟ - الأمر يستلزم الآن إعداد مجموعة من القوانين الخاصة للاستثمار فى مشروع تنمية إقليم قناة السويس منفصلة عن التشريعات الحالية المنظمة للاستثمار، خصوصا أن القوانين الحالية «تحتاج إلى بعض التعديلات حتى تكون جاذبة للمستثمرين وضامنة لحقوقهم». ومن الضرورى أن تكون الخريطة التشريعية المرتقبة للاستثمار فى القناة ستركز على توحيد الإجراءات وتسهيلها وجعلها أكثر شفافية، إلى جانب جعل تلك الإجراءات أكثر مرونة من خلال تفادى التباطؤ البيروقراطى الموجود حاليا. «إذا كنا نريد تشغيل المشروع وجذب مستثمرين إليه فإننا نحتاج إلى الخروج عن البيروقراطية وتسهيل إجراءات استخراج التراخيص وتأسيس الشركات والحصول على الأراضى، وهذا لا يعنى بالطبع الخروج عن سيادة الدولة وعن الاختصاصات المخولة لوزير العدل أو الدفاع أو جهاز الشرطة». عندما درسنا مشكلات الاستثمار فى مصر وجدنا أن أغلب مشاريع الاستثمار لجأت إلى التحكيم بسبب التشريعات، درسنا جميع مشكلات التحكيم، «وعرفنا» كيف نتجنبها، ووضعنا تصورا لقانون المنطقة الذى يحقق للمستثمر النجاح فى الاستثمار، ويحقق للبلد الربحية من هذا الاستثمار. ■ هل يمكن أن تتكرر تجربة نجاح قناة السويس الجديدة فى مشروعات أخرى؟ - بعد نجاح طرح شهادات قناة السويس الجديدة أصبح هناك ضرورة طرح مشروع قومى جديد مدروس أسوة بمشروع حفر قناة السويس لجذب المدخرات الراكدة فى البنوك وتحت البلاطة لإقامة مشروعات ذات قيمة مضافة حقيقية للاقتصاد القومى، مع ضرورة فتح الباب أمام المصريين للاكتتاب فى مشروعات بمحور قناة السويس فى حدود 30% من رأس المال، بشرط أن تكون ذات عائد مجزٍ ومدروس، كما أنه من الممكن أن يكون ذلك جزءا من المشروعات القومية والأخرى مثل المثلث الذهبى وتنمية الساحل الشمالى ومشروعات الإسكان وغيرها، فهذا النموذج يمكن أن يتكرر فى مشروعات أخرى فى القريب ومشروعات الإسكان وغيرها. إن مشروعات محور التنمية فى قناة السويس يمكن أن تجذب اهتمام المصريين، ولذلك يجب أن تعطى لهم الأولوية فى التنفيذ، خصوصا أن ما يحدث الآن من الإقبال المنقطع النظير من المصريين على شراء شهادات استثمار حفر قناة السويس هو فتح كبير فى مجال الاستثمار، ويمكن قصر الاستثمار فى مشروعات محور تنمية قناة السويس على الأجانب فى الجانب المتعلق بالتكنولوجيا فقط، ويتم اكتتاب المصريين فى باقى مشروعات المحور.