كان الصراع الدولى بين إنجلتراوفرنسا على أشُدَّه خلال القرن الثامن عشر للسيطرة على حركة التجارة وخطوط النقل البحرى ما بين الشرق الأقصى وأوروبا والتى تتطلب الدوران حول قارة إفريقيا كلها فى رحلات باهظة التكلفة وكانت فكرة الربط ما بين البحر الأحمر والمتوسط كثيرا ما تساور أوساط السياسة والاقتصاد فى أوروبا، ولكن تمنعها هيمنة العثمانيين على مصر. وعندما نجح نابليون بونابرت فى احتلال مصر عام 1798 عادت فكرة الربط مرة أخرى إلى الأذهان لتكون مصر قاعدة فرنسية تتحكم فى تجارة الشرق إلى أوروبا، ولذلك فقد كلف نابليون فريقًا للمسح يقوم بالتحقق من قابلية شق قناة من السويس إلى البحر المتوسط بدلًا من إعادة حفر القناة القديمة، التى كانت تصل نهر النيل بالبحر الأحمر فقط، ولكن بعد أربع رحلات استطلاع ومسح للمنطقة فقد توصل الفريق إلى استنتاج خاطئ بأن حفر القناة سيؤدى إلى فيضان كارثى للبحر فى دلتا النيل وذلك لأن مستوى سطح البحر الأحمر أعلى ب30 قدما من البحر المتوسط ونتيجة للحسابات الخاطئة فقد صرف نابليون نظره عن المشروع وتوقفت خطط حفر القناة حتى عام 1840 عندما توصل «لينان دى بلفون» وزير الرى والأشغال فى حكومة محمد على إلى أنه لا يوجد اختلاف كبير فى الارتفاع ما بين البحرين، واعتمدت حركة سان سيمونيون الاقتصادية والمهتمة بشؤون مصر هذا الاكتشاف وسعت إلى تطبيق الفكرة هناك حيث بدأ التخطيط لحفر قناة السويس فى سنة 1854 عندما توصل «فرديناند ديليسبس» وأحد أبرز السيمونيين لاتفاق مع صديقه الخديو سعيد باشا على حفر القناة مدعوما من الإمبراطور الفرنسى نابليون الثالث، واعتبر البريطانيون أن حفر القناة كان مخططا سياسيا فرنسيا لتقويض سيطرة بريطانيا على الملاحة البحرية، بل وصرح السفير البريطانى فى فرنسا بأن دعم بناء القناة سيُعد عملا انتحاريا، واعتبرت الصحف البريطانية أن بيع أسهم شركة «القناة» هو سرقة صارخة لأموال البسطاء، ومع هذا فقد اشترت الحكومة البريطانية 44% منها عندما اضطرت مصر لعرض أسهمها فى مزاد علنى سنة 1875، وتطلب حفر القناة توفير قوة بشرية ضخمة، ولذلك قامت الحكومة المصرية بتوفير العمال قسرا من خلال إجبار الفلاحين على العمل باستخدام السخرة حيث قام عشرات الآلاف منهم بحفر القناة يدويا وقضى الآلاف منهم نحبه بسبب الجهد والحر والطاعون، ولكن مع إلغاء قانون السخرة عام 1863 فقد واجه المشروع نقصا كبيرا فى العمال مما اضطر ديليسبس إلى استخدام المئات من آلات الحفر والكراكات البخارية التى صنعت خصيصًا من أجل هذا المشروع ومن ال75 مليون متر من الرمال التى تمت إزالتها كان نصيب الآلات منها ثلاثة أرباع الكمية، وعندما شارف المشروع على الانتهاء سنة 1869، فقد حاول النحات الفرنسى فريديريك أوغست بارتولدى إقناع الخديو إسماعيل بالسماح له ببناء تمثال يسمى «مصر تجلب الضوء لآسيا» عند مدخل القناة من جهة البحر الأبيض المتوسط وتخيل «بارتولدى» التمثال بشكل فلاحة مصرية بطول 90 قدمًا وتحمل مشعلا كبيرا فى يدها يُستخدم كمنارة لتوجيه السفن، ولكن نظرا إلى التكلفة الباهظة للتمثال فقد صرف الخديو النظر عنه فقام «بارتولدى» بتعديلات على التمثال ونصبه فى ميناء نيويورك باسم «الحرية تنير العالم» والذى عرف فى ما بعد بتمثال الحرية.