فرديناند ماري دى لسبس، فرنسي الجنسية لكنه حفر اسمه في التاريخ المصري وأصبح جزءًا منه، فقد لا يعرفه جموع الفرنسيين، لكن كل مصري يعرف جيدًا هذا الرجل الذي ارتبط اسمه بقناة السويس. ولد فرديناند دي لسبس في ضاحية فرساي القريبة من باريس بفرنسا في مثل هذا اليوم عام 1805، لأسرة عريقة ترجع جذورها لعدة قرون مضت عمل أكثر أفرادها بالدبلوماسية، واشتهرت بمواقفها المؤيدة لنابليون بونابرت، قضى أعوامه الأولى في إيطاليا حيث كان يعمل والده، ثم التحق بالتعليم في كلية هنري الرابع بباريس. أوفد نابليون والده ماتيوى ديلسبس مبعوثًا شخصيًا إلي مصر عام 1803، وكان مقربًا لشيوخ الأزهر، خاصة علماء الديوان الذي كان نابليون قد أسسه في القاهرة، وكان أن التقط في أثناء فترة الفراغ السياسى فى مصر منذ عام 1801 إلي 1805 الطابع الخاص الذي يميز الضابط الألباني محمد على فاقترب منه قبل أن يقربه إليه ثم يقربه من العلماء, وما لبث أن تولى محمد علي حكم مصر بإرادة شعبية، واستدعي نابليون ماتيو ديليسبس وحل محله فرنسي آخر هو دوروفيتي، الذى أصبح المستشار الفعلي السياسي والعسكري والإداري لمحمد علي، وكان آخر ما طلبه ماتيو ديليسبس من محمد علي قبل رحيله هو الأخذ بيد ابنه الوليد فرديناند. وفي عام 1832 اختير فرديناند ديلسبس قنصلًا مساعدًا لفرنسا بالإسكندرية، وكان في السابعة والعشرين من عمره. في عام 1840 وضع المهندس الفرنسي لينان دى بلفون بك مشروعًا لشق قناة مستقيمة تصل بين البحرين الأحمر والأبيض في مصر، وأزال التخوف السائد من علو منسوب مياه البحر الأحمر على البحر المتوسط وأكد أن ذلك لا ضرر منه. وفي 15 أبريل 1846 أنشأ السان سيمونيون بباريس جمعية لدراسات قناة السويس، وأصدر المهندس الفرنسي بولان تالابو تقريرًا في أواخر عام 1847 مبنيًا على تقرير لينان دى بلفون أكد فيه إمكانية حفر قناة تصل بين البحرين دون حدوث أي طغيان بحري. وبعد أن تولى سعيد باشا حكم مصر في 14 يوليو سنة 1854، تمكن مسيو ديلسبس - والذى كان مقربًا من سعيد باشا - من الحصول على فرمان عقد امتياز قناة السويس الأول، وكان مكونًا من 12 بندًا أهمها حفر قناة تصل بين البحرين ومدة الامتياز 99 عامًا من تاريخ فتح القناة. قام ديلسبس برفقة المهندسين لينان دى بلفون وموجل، بزيارة منطقة برزخ السويس في 10 يناير 1855 لبيان جدوى حفر القناة، وأصدر المهندسان تقريرهما في 20 مارس 1855، والذي أثبت سهولة إنشاء قناة تصل بين البحرين، وقام ديلسبس بتشكيل لجنة هندسية دولية لدراسة تقرير المهندسين، وقامت اللجنة بزيارة منطقة برزخ السويس وبورسعيد، وصدر تقريرهم في ديسمبر 1855 الذي أكدوا فيه إمكانية شق القناة، وأنه لا خوف من منسوب المياه لأن البحرين متساويان في المنسوب، ولا خوف من طمى النيل لأن بورسعيد شاطئها رملى. في 5 يناير سنة 1856 صدرت وثيقتان هما عقد الامتياز الثاني، وقانون الشركة الأساسي، وكان من أهم بنوده هو قيام الشركة بكافة أعمال الحفر، وأن يكون حجم العمالة المصرية أربعة أخماس العمالة الكلية المستخدمة في الحفر. وتم إنجاز المشروع بين عامي 1859و1869، وعاش ديلسبس بعدها بين القاهرة وباريس حتى وفاته في 7 ديسمبر سنة 1894م.