إذا شئنا أن نقيّم الحركات السياسية التى أدت إلى تغيرات فى الوضع السياسى والتى درجنا على إطلاق لفظ ثورات عليها فيجب أن يكون لنا بعض المحددات، فأولا، يجب أن نعرّف كلمة «ثورة» ونطابق الحدث بالتعريف، ثانيا، لكى نقيّم الحدث يجب الاتفاق على المعيار، فهل يكون معيارنا هو سبب القيام أم الأهداف أم النتائج؟ وهنا نقف بشكل محدد عند 23 يوليو 1952 ثم 25 يناير 2011 وبعدها 30 يونيو 2013، وثلاثتها تواريخ مهمة لمصر المعاصرة، حيث يدّعى البعض أن ثورته هى الثورة ولا ثورة سواها، بينما يحاول البعض الآخر ربط ثورتين منها كمن يدّعون أن «25 يناير» استكمال ل«23 يوليو»، بينما يرى البعض أن «25» فى جوهرها ثورة على السلطوية والشمولية ومن ثم الفساد الذى أدت إليه «23 يوليو»، ويدّعى البعض أن ثورتى «25» و «30» هما استكمال لنفس العمل الذى هو القضاء على الفاشية بنوعيها المدنى والدينى، بينما يرى الكثيرون أن «25» كانت مؤامرة على الدولة المصرية من أعداء الداخل بمعاونة أعداء الخارج وأن «30» جاءت بحراك شعبى عظيم لتُصلح ما آلت إليه «25»، وعلى جانب ثالث يرى قليلون أن «23»، و«25» و«30» هى حركات ثورية مصرية كلٌّ حسب زمانها وأسباب قيامها وظرفها السياسى والتاريخى. فإذا بدأنا باصطلاح الثورة فهو التغيير الجوهرى فى نظام الدولة الذى من شأنه استبدال بطبقة الحكام طبقة أخرى، ويوازى هذا تغيير أيديولوجى شامل لكل نواحى النشاط الإنسانى فى المجتمع، كما أن للثورة الحقيقية برنامجا عمليا وأهدافا تتجاوز تغيير النظام إلى تغيير المجتمع نفسه، كما أن لكل ثورة إيجابيات وسلبيات والثورة الناجحة هى التى تزيد إيجابياتها على سلبياتها. قامت «الحركة المباركة» 1952 -وسميت بعدها «الثورة»- على مبادئ ستة وهى بالترتيب: القضاء على الإقطاع- القضاء على الاستعمار- القضاء على سيطرة رأس المال على الحكم- إقامة حياه ديمقراطية سليمة- إقامة جيش وطنى قوى- إقامة عدالة اجتماعية.. وهنا علينا قبل أن نقيّم ما تحقق من هذه المبادئ أن نمعن النظر ومن ثم التحليل فى ترتيب مبادئ «52» لأنه ليس من المفهوم أو المستساغ أن يأتى مبدآ «القضاء على الاستعمار» و«بناء الجيش» فى ترتيب ثانوى فى توقيت كان بالأحرى أن يكون هذا هو السبب الجوهرى والأوحد لقيام ثورة، خصوصًا إذا كان القائمون بها كلهم من ضباط الجيش المصرى. والشىء الذى يجب أن يأخذ مكانة مهمة فى الاعتبار أيضا ليس فقط ما لم يتحقق ولكن ما تم عمل عكسه على طول الخط على مدى عقود من الزمن مثل بند إقامة الحياة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ثم إعادة التفكير فى ما حدث من أسلوب بناء القوات المسلحة فى عهد عبد الناصر واستخدام القوة العسكرية، مما أدى إلى هزيمة فادحة بعد خمسة عشر سنة من تولى مجموعة الضباط الأحرار للحكم. أقول هذا لأن البعض يصر على أن نتعامل مع هذه الفترة كأنها من المقدسات وبل ويغالى البعض فى الدعوة لها كأنها كانت جنة الحريات والوقت الأمثل فى ممارسة الحياة السياسية لنظام اتّبع أسلوبًا شعبويًّا بمخاطبة غرائز المواطنين وتأليب بعضهم على بعض بداية من أسلوب خطب الزعيم إلى الأعمال الأدبية والفنية على شاكلة «يا عديم الاشتراكية يا خاين المسؤولية» إذا اعتبرنا ذلك من قبيل الأغانى! وهو ما لم يخرج عنه كثيرًا خلفُه السادات الذى ابتعد واقترب من الثورة حسب الحاجة والظرف السياسى، وهو إن كان يُحسب له إصلاح الكارثة العسكرية لسلفه ولكنه لم يختلف فى نظام حكمه عنه إلا أنه كان يغلّف الحكم الشمولى السلطوى بغلالة خادعة من الحريات.