قواسم مشتركة ألفت بين ثورة 23 يوليو 1952 وثورتى 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013، من أبرزها غضبة الشعب والجيش المصرى.. فعلى الرغم من تبادل الأدوار بين الشعب والجيش فى تلك الثورات إلا أن المحصلة كانت دوما أن "الجيش والشعب إيد واحدة"، فتقاطعات الثورات الثلاث تلتقى فى نقطة واحدة وهى تألق الشخصية المصرية حين يقدم المصريون أروع ما فيهم "شعبا وجيشا". ونرى أن غضبة الشعوب العارمة تنفجر من الطبقة المتوسطة فتشكل المحرك الأساسى لكل ثورة وتعكس صحوة سياسية تختلف أسبابها من ثورة لأخرى، خاصة على ضوء التزايد الملحوظ فى أعداد المنتسبين إلى تلك الطبقة ومن يدخلون ضمن شريحتها مما يفرض على حكومات الدول أن تأخذ فى الأعتبار أنها ستطالب بالرقابة والمحاسبة السياسية والاقتصادية وبزيادة الحريات العامة والفردية. وفى مثل هذا اليوم قبل 61 عاما، خرج ضباط أحرار من الجيش المصرى فى إنقلاب عسكرى دعمه الشعب ضد الحكم الملكى والاستعمار البريطانى والفساد الذى استشرى فى تلك الفترة، فإندلعت ثورة شعارها "أرفع رأسك يا أخى لقد مضى عهد الاستعباد". ودفع ضياع فلسطين بعد حرب 1948 وفضيحة الأسلحة الفاسدة، مجموعة من الجيش المصرى إلى تشكيل تنظيم "الضباط الأحرار" بزعامة اللواء محمد نجيب وقيادة البكباشي جمال عبدالناصر، وفي 23 يوليو 1952 قام التنظيم بإنقلاب مسلح أبيض لم ترق به دماء، ونجح في السيطرة على الأمور والمرافق الحيوية في البلاد، وتم إذاعة البيان الأول للثورة عبر أثير الإذاعة المصرية بصوت الرئيس الراحل أنور السادات. وأجبرت الحركة الملك فاروق على التنازل عن العرش لولى عهده الأمير أحمد فؤاد ومغادرة البلاد في 26 يوليو 1952، وتم تشكيل مجلس وصاية على العرش، فيما كانت إدارة الأمور في يد مجلس قيادة الثورة المشكل من 13 ضابطا برئاسة محمد نجيب، كانوا هم قيادة تنظيم الضباط الأحرار، ثم ألغيت الملكية وأعلنت الجمهورية في 18 يونيو 1953. وتمثلت مباديء ثورة يوليو فى 6 مبادىء هى القضاء على الأقطاع، القضاء على الاستعمار، القضاء على سيطرة رأس المال على الحكم، إقامة حياة ديمقراطية سليمة، إقامة جيش وطني قوي، تحقيق العدالة اجتماعية. وبعد مرور 59 عاما على تلك الثورة، ولدت مصر من جديد، ولفت المصريون أنظار العالم من خلال تحرك شعبى جماعى تكاملت أسبابه واتحدت أهدافه فى مشاركة الكثير من الشباب فى ثورة اتخذت من 25 يناير "عيد الشرطة" موعدا لها، وتميزت هذه الثورة بأهداف سياسية ومطالبة بمستقبل أفضل تحت شعار "عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية.. كرامة إنسانية". ونجحت تلك الثورة فى إسقاط النظام، والتخلص من نظام مستبد حكمها 30 عاما، وذلك بعدما إنحاز الجيش لإرادة الشعب، ولكنها واجهت اختبارا صعبا خلال مرحلة التحول إلى بناء نظم ديمقراطية ومؤسسات حيث لم يكن هناك قائدا لتلك الثورة أو تصور مستقبلى لمرحلة ما بعد مبارك، فسرقت الثورة من أصحابها واعتلى الإخوان المسلمين سدة الحكم. وسرعان ما أثبتت تجربة "الإخوان" الفشل فى إدارة البلاد فخرج المصريون مرة أخرى فى 30 يونيو الماضى من أجل بناء ديمقراطية جديدة بعدما أطاح حكم الإخوان بكل أمل لهم فى التغيير أو الإنجاز، وبدت طموحاتهم بعيدة المنال، فكان هذا الخروج ليحقق ما فشلت فيه ثورة 2011، وحملت تلك الثورة شعار "ارحل.. يسقط يسقط حكم المرشد". ولولا ثورة 25 يناير ما كانت ثورة 30 يونيو التى هيأت الأوضاع لتلك الثورة، بعدما تعلم المصريون فى 25 يناير 2011 الخروج على الحاكم إذا حاد عن الطريق. وإذا كانت ثورة يناير قد واجهت القوى الغاشمة فى الشرطة فى أول أيامها على عكس الموجة الثانية من الثورة فى 30 يونيو التى وجدت تعاطفا من الشرطة، فإن ذلك قد ساهم فى استعادت الشرطة لاحترامها وشعارها "الشرطة فى خدمة الشعب".